مِنْ خلفِ جُرْحِكَ لا تُصَلِّي الأحرفُ
حتَّى يُوَضِّئَها بما هُوَ ينزفُ
الجرحُ ليسَ سوى إمامِ قيامةٍ
والمؤمنونُ بهِ الذين اسْتُضْعِفوا
الجرحُ مسرانا إليكَ، دليلُنا
عبر الدروبِ، حنينُنا المُتَلَهِّفُ
الجرحُ منظارٌ بـقَلْبِكَ مُوغِلٌ
أَبَداً يُطِلُّ على الخلودِ، ويُشْرِفُ
الجرحُ بستانُ الشهيدِ، ووَرْدُهُ
مُلْكٌ لـمَنْ عَرَفُوا شذاهُ، وعَرَّفوا
ما بالُ مَنْ عَرَفُوا شذاكَ، وشَفَّهُمْ
منكَ التَّوَرُّدُ.. فَاتَهُمْ أنْ يقطفوا!
نَتَفُوكَ من بستانِ جُرْحِكَ وردةً
والوردُ يُقْطَفُ..إنَّما لا يُنْتَفُ!
يا قارئَ الأجيالِ أَعمقَ رؤيةً
مِمَّا بِها قَرَأَ السنابلَ، (يوسفُ)
المجدُ للرأسِ (القطيعِ) فلم يزلْ
يُعلي الرؤوسَ بمجدِهِ، ويُشَرِّفُ
ما أَخَّرَتْ عنكَ الحياةُ سجالَها
في كلِّ ما نَسَجَ الرُّواةُ وأَلَّفُوا
يتساءلونَ عن انتفاضةِ وَجْدِنَا:
ما سِرُّ هذا الوجدِ؟! كيفَ يُكَفْكَفُ؟!
رَبَّى لَكَ التاريخُ أشرفَ دمعةٍ
في الأرضِ حيثُ الدمعُ لا يَتَزَلَّفُ
وتَفَجَّرَتْ لَكَ بالأنينِ بحيرةٌ
في جمرِها مُهَجُ السِّنين تُجَدِّفُ
أَمُوَفِّيًا كيلَ الفداءِ بـروحِهِ..
ها نحنُ في كيلِ الوفاءِ نُطَفِّفُ!
نحن الصدى العالي وما نفعُ الصدى
ما دام صوتُكَ في مدانا يهتفُ
نزهو بـصورتِـنا لأنَّكَ أصلُها
فإذا أضأتَ فـظِلُّنا يَتَقَصَّفُ
يُوحي لنا الزمنُ المُحَنَّطُ أنَّنا
أبداً لـذكراكَ الفَتِيَّةِ مَتحفُ
جئناكَ بالصمتِ العميقِ كأنَّنا
حقلٌ من القَصَبِ الشجيِّ مُجَرَّفُ
أَهْدَيْتَنَا الإعصارَ -ذاتَ قيامةٍ-
بـيَدٍ تشيرُ: تَعَلَّمُوا أنْ تَعْصِفُوا!
زُفُّوا النضالَ إلى الكرامةِ شائكاً..
هيهاتَ يَطْمِثُها النضالُ المُتْرَفُ!!
يا مَنْ سَكَكْتَ من الشهادةِ عُمْلَةً
أبدًا بغير ضحيَّةٍ لا تُصْرُفُ
ماذا يظلُّ من الضحايا حينما
يغدو الشهيدُ بضاعةً تُسْتَنْزَفُ؟!
يا أوَّل الدَّمِ في حكايةِ ثورةٍ
تُطوَى عليكَ فصولُها، وتُغَلَّفُ
أَشْجَى حصانَكَ أنْ رأى بكَ فارساً
شهماً، يرقُّ على الحياةِ ويعطفُ
فـبَكَاكَ في وهج المعاركِ حينما
لم يلقَ مَنْ يحنو عليكَ ويرأفُ
وهناكَ سَيَّلْتَ الصهيلَ جداولاً
ترتادُها خيلُ الزمانِ وترشفُ
وَقَفَ الإلهُ مدافعاً عن مجدِهِ
في (كربلائِـ)ـكَ.. والألوهةُ موقفُ!
رفقاً بـخيبةِ قاتليكَ، ورأفةً
إنْ قَطَّعَتْكَ رماحُهُمْ والأسيفُ
هذي رفاتُكَ في الشعوبِ تَوَزِّعَتْ
فأضاءَ منكَ لكلِّ شعبٍ (مصحفُ)
مُذْ صاحَتِ الدنيا: (حسيييينُ) ولم يزلْ
لحنُ انسجامِ الكونِ باسمكَ يُعْزَفُ
ما غبتَ في جُبِّ السنين، وإنَّما
تفتضُّ أوردةَ العصورِ وتزحفُ
هذا ضميرُ الحرفِ يغمسُ كَفَّهُ
فيما تَجَمَّرَ من لظاكَ، ويغرفُ
الحبرُ ما لم يَعْتَنِقْكَ مُزَوَّرٌ
والفكرُ ما لم يَعْتَمِرْكَ مُزَيَّفُ
والحبُّ دون هواكَ نبعٌ غائرٌ
والوعيُ دون رؤاكَ قاعٌ صفصفُ
حَمَّلْتَنَا بالوجدِ ألفَ صبابةٍ
فنكادُ من صلصالِنا نتخفَّفُ
فإذا تطرَّف مغرموكَ وأحرقوا
وجهَ الحقيقةِ، فالغرامُ تَطَرُّفُ!
زيتُ القناديلِ الجريحةِ لم يزلْ
بـضِيَاكَ في مشكاتِهِ يَتَصَوَّفُ
ضَعْنَا على مرمى الحقيقةِ، إنَّنا
عبر احتمالاتِ الجهاتِ نُهَدِّفُ
واطمثْ بمائِكَ رَحْمَ كلِّ إرادةٍ
عَقِمَتْ، فماؤُكَ بالخصوبةِ ينطفُ
لَكَ أنْ نُوَظِّبَ في قلوبِ صغارِنا
درسَ النضالِ.. ونبضُها لا يرجفُ!
يا مالئاً منِّي الخيالَ بـصورةٍ
عظمى، يغصُّ بها الخيالُ الأجوفُ
بين (المُخَيَّمِ) و(الفراتِ) إِخالُني
أسعى بـمُهْرِ قصيدتي، وأُطَوِّفُ
والوقتُ من سهرٍ يفيضُ ومن دَمٍ..
والأرضُ يقضمُها الطغاةُ فـتَنْحَفُ!
وأراكَ تقدحُ منكَ ألفَ شرارةٍ
فتطيرُ ألفُ فراشةٍ وترفرفُ
يتوهَّج المعنى فـتُزْهِرُ فكرةٌ
وتُشِعُّ بالنُّقَطِ الوضاءِ، الأحرفُ
وأنا أخرُّ على البياضِ مُضَرَّجًا
بالنصِّ حيث دمُ الشهادةِ يرعفُ
عينايَ آخرُ خيمتينِ بـ(ـكربلا)
محروقتينِ بهاجسٍ لا يُذْرَفُ
ثَقَّفْتُ دمعيَ في عزاكَ فـخانَني..
ما ثَـمَّ دمعٌ في العزاءِ يُثَقَّفُ!
لا حزنَ في حزنٍ يُفَلْسِفُ نَفْسَهَ..
الحزنُ حيث الحزنُ لا يتفلسفُ!
نحتاجُ أنْ نبكيكَ أكثرَ، طالما
بالدمعِ يَصْقُلُناَ البكاءُ ويُرْهِفُ
هيهاتَ يرضَى عن طهارةِ نَفْسِهِ
مَنْ لا يُطَهِّرُهُ الأسَى ويُنَظِّفُ!
قَسَمًا بـبَعْضِكَ.. ما هناكَ عظيمةٌ
في الدَّهرِ تُقْنِعُنِي -بـكُلِّكَ- أحلفُ
قلبي عليكَ تَجَذَّرَتْ نَبَضَاتُهُ
نَخْلاً بآهاتِ الأسَى يَتَسَعَّفُ
من فيضِ نحرِكَ فاضَ نهرُ مبادئي
واجتاحَ ما زَعَمَ الطغاةُ، وأَرْجَفُوا
لم يَحْرِفُوني عن محطَّاتِ الفدى
فأنا وراءَكَ فكرةٌ لا تُحْرَفُ
بعضي يُغَطِّينِي ببعضيَ مثلما
حقلٌ عليهِ من السنابلِ شرشفُ
أَتْبَعْتُ غربتَكَ السحيقةَ غربتي
والدربُ يجمعُ خطوَنا، ويُؤَلِّفُ
في داخلي قمرٌ يضيءُ، وخارجي
قمرٌ ولكنْ من ضِيَاهُ مُجَفَّفُ
ما دامت الدنيا طريقَ مُهاجِرٍ
ستظلُّ فيها غربتي تَتَكَثَّفُ