النص العاشر: نُبُوْءَةُ العاشِقِ الأوَّل

رَكِبْتُ غِمَارَ الحُبِّ يَتْبَعُني ظِلِّي
أُجَذّفُ ، والأشواقُ راعِفَةٌ مِثْلي

أُرَتِّبُ أَلْفَاظي وَبِي رَهْبَةُ النَّدى
إذا ارْتَسَمَتْ في الأُفْقِ رائِعَةٌ تُجْلي ..

وكُنْتُ اعْتَصَرْتُ الشِّعْرَ خَمْرَ نُبُوءَةٍ
مَتَى وَضَعُوا كَأْسَ البَلاغَةِ في رَحْلي

وَسَكْرانُ، لا مِنْ صَفْوةِ الرَّاحِ ، مِنْ يَدٍ
تُقَلِّبُني بَيْنَ الرَّياحينِ والطَّلِّ

أَرَى لُغَةَ الأَلْحَاظِ مَحْضَ ارْتِعَاشَةٍ
إِذا مَرَّ تَغْوى كالفراشَةِ في الحَقْلِ

كَمَا العِطْرُ في بالِ الخُزَامَى يَمُرُّ بِيْ
حَبِيبي ، كَمَا الوَحْيُ المُسَاوِرُ في الرُّسْلِ

أَحَايِينَ كانَ اللَّيْلُ دَفْتَرَ صَبْوَتي
حَمَلْتُ مُنَاجَاتِي إِلى هَمْزَةِ الوَصْلِ
تَراأَيْتَ يا عَبَّاسُ في طُوْرِ حَيْرَتي
يَقِيْناً بِأَنَّ النُّورَ أَيْنَعَ فِي عَقْلي

وأَنَّكَ مُذْ أوْمَأْتَ لي ، واتَّخَذْتَني
نَجِيّاً ، تَتَبَّعْتُ انْسِكَابَكَ في الفَضْلِ

ظَمِئْتُ ، وَلِيْ عَيْنَاكَ مِدْرَارُ كَوْثَرٍ
وَكَفَّاكَ ! ما كَفَّاكَ ؟ مَا حِرْفَةُ البَذْلِ ؟

وما رَيَعَانُ الجُودِ في خَاطِرِ النَّدَى
سِوَى لَفْتَةٍ مِنْ غُصْنِ أَرْوَع مُخْضَلِّ

أَبَا الفَضْلِ ، لا أَحْتَاجُ غَيْرَكَ أَخْضَراً
وَلُوعاً بِأَنْسَامِ المَحَبَّةِ والنُّبْلِ

عَطُوفاً ، كَحِضْنِ الأرْضِ ، يَنْضَحُ بالوَفا
ظَلِيْلاً كَمَا الدِّفْلَى ، كشَامِخَةِ النَّخْلِ !

أَتَيْتَ على كَفٍّ أَمِيرٍ مُخَضَّبٍ
تُكَحِّلُ رِمْشَ الحُسْنِ ، يا رَوْعَةَ الكُحْلِ !

وتَحْمِلُ آمالَ الوُجُودِ بِلا يَدٍ ،
بِقَلْبٍ بِتَحْنَانِ الإِمَامَةِ مُبْتَلِّ !
وكُنْتَ رأيْتَ الطَّفَّ .. كُنْتَ رَأَيْتَهُ
سَبِيْلاً لِغَمْدِ السَّيْفِ في مَهْمَهِ الذُّلِّ

وَكُنْتَ حَمَلْتَ الجُودَ دِرْعَ رُجُولَةٍ
فَمَا هَمَّ لَوْ تَرْمِيْكَ حَاقِدَةُ النَّبْلِ

تَعَالَيْتَ عَنْ كُلِّ الجِراحِ سِوَى الَّتي
بِقَلْبِ حُسَيْنِ الوَحْيِ .. حَاشاكَ تَسْتَعْلِي !

تَنَبَّأْتَ مُنْذُ اعْشَوْشَبَتْ رَبْوَةُ الهُدى
بِأنَّ رِيَاحَ النَّاسِ مَالَتْ إلى الجَهْلِ

وأَنَّ مَرايا الوَقْتِ تَرْسُمُهُ الجَفَا
وأنَّ صَحِيحاً غَابَ عَنْ فِعْلِ مُعْتَلِّ

وأَنَّ غَدِيراً مِنْ إِبَاءٍ مُكَرْبَلٍ
سَيَجْري، بَلَى يَجْرِي ، على وَجَعِ الرَّمْلِ

وأَنَّكَ حينَ اسْتُضْعِفَ الحَقُّ فارِسٌ
عَلِيٌّ ! ومَنْ يَقْفُو الغَضَنْفَرَ كالشِّبْلِ؟!

نُبُوءَتُكَ الحَمْرَاءُ حِنَّاءُ عَالَمٍ
سَيقْتُلُهُ المَوْتَى لِيُزْهِرَ بالقَتْلِ
سَتَظْمَأُ ، لا للماءِ ، للأمَلِ الَّذي
تراءَى مواويلاً على شَفَةِ الطّفْلِ

حَبَبْتُكَ مُذْ أَطْلَقْتَ كَفَّيْكَ شَاعِراً
غَيُوراً على المَعْنى ، خَفيفاً بِلا ظِلِّ

مَدَاكَ مَدَايَ ، ازْرَعْ بأُفْقِيَ باقَةً
مِنَ النُّورِ وَانْزَعْ لَيْلَ دَاجِيَةِ الغِلِّ

كِلانا شَهيدٌ : أنْتَ أَوَّلُ عاشِقٍ
حَمَى قِرْبَةَ الإيثارِ مِنْ لَدْغَةِ النَّصْلِ !

بَحَثْتُ عَنِ الفَضْلِ الَّذي شَغَلَ النُّهَى
فَلَمْ أَلْتَمِسْ فَضْلاً كَفَضْلِ أَبِي الفَضْلِ