النص الثاني: استغاثةُ السَّماء

%d9%81%d8%b1%d8%a7%d8%b3-%d9%85%d8%aa%d8%a7%d9%86%d9%8a

رأيْتَ سماءَ اللهِ تستنهضُ الأرْضا ‍
فأدْرَكْتَ .. قُرْباناً بغَيْرِكَ لا ترْضى

فَلَمْ تحتملْ مَسْراكَ أرضٌ .. سماؤها ‍
بِكُلِّ ثناياها هَوَتْكَ هوًى مَحْضا

فأقْرَضْتَها نَفْساً وَآلاً وإخوةً ‍
وَصَحْباً وأولاداً فما أعْظَمَ القَرْضا

أ تكبو على الغبراءِ مَحْنِيَّ قامةٍ ؟ ‍
وَقَدْ ألِفَتْكَ الحَرْبُ تكبو لِتَنْقَضَّا

سعى لَكَ عِزْريلٌ مِنَ اللهِ مُرْسَلاً ‍
فلبَّيْتَهُ .. مَنْ قالَ لَمْ تستطِعْ نهْضا ؟

فأقْبَضْتَهُ روحاً فِداءٌ لَها المَلا ‍
جميعاً ..فما أشقى وما أرأفَ القبضا !

أُكذِّبُ كُلَّ الناقلينَ روايةً ‍
يُخَبِّئُ خلْفَ الحُبِّ مَضْمونُها البُغْضا

و أكفُرُ في عِلْمِ الرِّجالِ مُشَكِّكاً ‍
بأمْرٍ لهُ عينُ الحصيفِ ترى نقْضا

رَأوْكَ بِصحراءِ النَّواويسِ عارياً ‍
رأيْتُكَ سَيْفَ اللهِ قدْ آنَ أنْ يُنْضى

إذا لَمْ يكُنْ قَدْ أوْدَعَ اللهَ رَحْلَهُ ‍
دَمٌ ثائرٌ للآنَ يحمي لَنا العِرْضا

فكيْفَ يعافُ العِرْضَ بَيْنَ أراذلٍ ‍
لِيُنْبِئَهُ فيما يكونُ وما يُقضى

وَيُشْهِدَهُ آياتِ خطْبةِ زَيْنَبٍ ‍
بِعَيْنٍ لها الجبّارُ مِنْ نُورِهِ وَضَّا

أيا ظامِئاً والبِيْدُ في ذِكْرَيَاتِها ‍
إذا اسْتَمْطَرَتْ مِنْهُ تَوَخَّتْ بِهِ حَوْضا

فأغْدَقَها حَدَّ النماءِ وَلَمْ يَزَلْ ‍
رَوِيَّاً يُحاكي بَوْحُ أشذائهِ الرَّوْضا

فقأتَ عُيُوْنَ المُستحيلِ بِخُنْصُرٍ ‍
قطيعٍ لذا غارتْ ولَمْ تبرَحِ الغَمْضا

وَقَبْلَكَ لَمْ تجْرُؤْ لرؤياهُ أعْيُنٌ ‍
وفي عالَمِ الإمكانِ لَمْ يستَطِعْ خَوْضا

وأسْرَجْتَ للمَجْدِ القَصيِّ قوافلاً ‍
يحثُّ على نَيْلِ الرَّدى بَعْضُها بَعْضا

وعبَّدْتَ دربَ الثائرينَ على الأذى ‍
وروداً بأجسادٍ مُجَزَّرةِ الأعضا

وطاوَلْتَ أعنانَ المجرَّاتِ في العُلا ‍
بِصَدْرٍ يطالُ المُنتهى كُلّما رُضَّا

وأنْدَيْتَ خدَّ الشَّمْسِ لَمَّا تجاسَرَتْ ‍
على جَسَدٍ مِنْ نُوْرِهِ اسْتَجْدَتِ الوَمْضا

فذا جَفْنُها قانٍ على ما لَقِيْتَهُ ‍
وذا ثوبُها داجٍ وذا طَرْفُها ابيضَّا

فللشمْسِ رأيٌ فيكَ أنَّكَ نُورُها ‍
سيلقى لهُ في الحَشْرِ كُلُّ الورى دَحْضا

فَقَدْ سخَّرَ الجبَّارُ ما كانَ خالِقاً ‍
لِعِلَّةِ مخلوقٍ بها أكملَ الفرْضا

حَبَا تُرْبَكَ الزَّاكي يَداً عِيْسَوِيَّةً ‍
لذلكَ تستشفي بألطافِهِ المَرْضى

نَعَمْ ذا دَمٌ للهِ فيهِ شواهِدٌ ‍
فهَلْ عَنْ فَراغٍ أنْ يُراقَ هُنا يَرْضى ؟

أُريْقَ على الغبرا بأبشعِ صورةٍ ‍
ليكتُبَ للأجيالِ دستورَها الغضَّا

نقيضانِ يومَ الطَفِّ كَيْفَ تمازجا ‍
فأيَّانَ ظِلُّ اللهِ تصهرُهُ الرَّمْضا ؟

أيا مُطْفِئاً نارَ الجحيمِ على الأُلى ‍
تدبُّ بِهمْ روحاً .. تعيشُ بهمْ نبْضا

لماذا تركْتَ النارَ تسري بطفلةٍ ‍
لفرْطِ الوَنى والسُّهْدِ لَمْ تَسْتَطِعْ ركْضا

ورأسُكَ يتلو الكهْفَ لا بُدَّ أنْ يرى ‍
لِسَوْطِ البغايا في فواطِمِكُمْ عَضَّا

عَلِيَّاً يجوبُ الأرْضَ وَهْوَ مُضّمَّخٌ ‍
دَماً أشْعَلَ الدُّنيا وَلَكنْ أبى الخَفْضا

نَعَمْ يا بْنَ مَنْ إنْ راحَ لِلحَرْبِ راجلاً ‍
تَجِدْ مَوْجَها العاتي الّذي اشتبكَ افتضَّا

يلاوي عِنانَ المَوْتِ في ذي فَقَارِهِ ‍
كَنَفْضِ الرِّداءِ الحَرْبُ ينفضُها نَفْضا

قصيُّ النوايا لا يُوانيهِ مَنْ نهى ‍
على نَيْلِ مبْغًى لَمْ يَزِدْ فيهِ مَنْ حضَّا

وهَلْ يتناهى المَدْحُ في وصْفِ جنَّةٍ ‍
إذا ما استطالتْ لَمْ يَطَلْ طُوْلُها العُرْضا

بِذكراكَ فيَّ السَّعْدُ قَدْ غازَلَ الأسى ‍
فَمَنْ مِنْهُما أُوْليهِ ــ إنْ مسَّني ــ رفْضا

ففي السَّعْدِ ما تصبو لهُ النَّفْسُ ، والأسى ‍
عليكَ بهِ سَعْدٌ ــ وإنْ شفَّني ــ أيضا

ينوءُ بكَ التأريخُ يا آسِرَ الدُّنا ‍
وتمضي لكَ الأوقاتُ مِنْ قَبْلِ أنْ تُمْضى

فتُشْرِقُ شَمْساً في دياجيرِ أُمَّةٍ ‍
تراكَ بعينِ اللهِ مِنْ نُورِهِ فَيْضا

لأنَّكَ سِفْرُ الكِبْرياءِ وَصَرْحُهُ
لِمَجْدِكَ عينُ الذُّلِّ لا بُدَّ أنْ تُغْضى ‍