المركز العاشر: قاسم العابدي (مسرى بتمتمة الجراح)

المركز العاشر:

مسرى بتمتمة الجراح

قاسم العابدي (العراق)


في الليل حيثُ الصّمتُ تاهَ بظلِّهِ

والشّوكُ في الصّحراءِ غاصَ برملِهِ

يمشي الفتى القُدسيُّ يحملُ كاهلَ

ال دّنيا ويُلقيها بلمعةِ نَصلِهِ

لكنَّ في عينَيهِ حزنَ نبوءةٍ

ألقَتْ مَراسيها بمرفأ رَحلِهِ

يهفو إلى المسرى ويبصرُ ما أتى

من ذلك الأفقِ العجيبِ بسُؤلِهِ

تركَ الحجازَ وراءَهُ وأتى إلى

تربِ العراقِ وقدْ أتاهُ بأهلِهِ

ورأى على ذاكَ التّرابِ مصارعاً

للأصفياءِ الناطقينَ بفضلِهِ

وأتى صباحُ الطّفِّ كانَ مُكلَّلاً

بخُطى الجراحِ ولوحةٍ مِن فَصلِهِ

الخيلُ في الميدانِ تصهُلُ بالبُكا

لكنَّ حقدَ القومِ باحَ بغِلِّهِ

ورنا الحسينُ إلى القلوبِ فلمْ يجِدْ

إلا قلوبَ التاركينَ لنهلِهِ

لكنَّ في أضلاعِهِ قلباً رأى

أنَّ الحقيقةَ تستقيمُ بقتلِهِ

فمَشى وجنحُ الموتِ رفرفَ فوقَهُ

حتّى كأنَّ الموتَ تاقَ لوصلِهِ

ماعادَ في الأكوانِ ثمّةَ مقلةٌ

إلا ترامَتْ في منابعِ بَذلِهِ

النَّبلُ من كلّ الجهاتِ أتى إلى

أحضانِهِ شوقاً ولاذَ بنُبلِهِ

والسّيفُ إذ ألقى خُدودَ شفارِهِ

في نحرِ من  ملأَ  الزّمانَ بعَدلِهِ

قد كانَ يُبصرُ فيهِ مِحرابَ السّما

فأتى ليرويَ مِنْ تفانِي وَبلِهِ

وهنا توقَّفَتِ الحياةُ فقُطبُها

نزفَتْ دِماهُ على خرائطِ  طَلِّهِ

لكنَّ مِن ذاكَ النزيفِ تَدوَّنَتْ

لغةُ الإباءِ على رحابِ سجلّه

المركز العاشر: شذا نوفل القاسم (نسغُ البهاء)

نسغُ البهاء

شذا نوفل القاسم

(دمشق – سوريا)


 

تربٌ نديٌّ ..

مِن دِماكَ تعَطَّرا

و دمٌ سَنيٌّ ..

في ترابكَ عُفِّرا

و ظما شفاهِكَ

غيمتان من الرؤى

هَمَتا على جدْب الزمان

لِيُزهِرا

و قميصكَ المُدمى

ربيعُ شهادةٍ

حِيْكَتْ قلوبُ العاشقين له عُرى

ألقيتَه عَبِقاً

على وجه الدجى

حتَّى تكحَّلَ

بالضياء و أبصرا

ها أنتَ وحدكَ

في العراء قصيدةٌ

قدْ خُضِّبَتْ بالحُسْن ،

يَلبسُها العَرا

جسدٌ تقطَّرَ

كالبهاء نقاوةً

لمَّا تعمَّمَ بالسهام

و دُثِّرا

فسنا

على طور التجلّي

نازفاً جرحاً

على شفة الفرات

تكوثرا

و هززتَ جذع الريح

فانتثر الندى عِقداً

على جِيْد السماء ،

و مرمرا

و اسَّاقطتْ رُطَبُ الجمال

و أينعتْ

و بِنفْحكَ

” الزيتونُ ” طابَ و أثمرا

ما زلتَ تنسج

من ثريَّات الهوى معنى

تحاوله الجداولُ و الذُّرا

آهٍ ذبيحَ الله ،

يا نجماً هوى

كيما يُعيدَ الصبحَ فينا أطهرا

يا شجوَ فاطمةٍ …

و عَبْرَةَ زينبٍ

يا سيدَ الشهداء ..

يا نبض الثرى

يا أيها الموقودُ من شجنٍ ..

و يا دمعاً

على خدِّ النبيِّ تَحدَّرا

قد جئتَ

من أقصى اليقين صبابةً

بيديك تحمل وردتين و خنجرا

و أتيتَ

بالفكر المشعشع ثورةً

تستنهض الإنسانَ

كي يتحرَّرا

ألقيتَ ” موساكَ ” الرضيعَ بيمِّه

لكنَّ سهم المبغضين

له انبرى

فرفعتَ ” عبدَ الله “

ترسِلُ نيزكاً من نحره

صوْبَ السماء مظفَّرا

قد كنتَ

مثل أبيك _ يعسوبِ الهدى _

أسدَ الشدائدِ ،

حين كانوا خيبرا

فإذا حصونُ الحاقدين

تصدَّعتْ

لمَّا شهرتَ

من الأصابعِ خنصرا

بتروه ..

ما علموا بأنَّ دماءَهُ

غيثٌ من الصلوات

يُخصِبُ بيدرا

فعرَجْتَ للمعنى الجليِّ

تطوف في غُرَفِ الخلود

مسبِّحاً و مكبِّرا

ما زال نهجك

يا حسينُ منارةً

تزداد في نسغ الحياة تجذُّرا

يا جرحُ ..

قلبي مترَفٌ بالحزن ،

لو فتحوا شراييني لفاضتْ أبحُرا

يا أيها الوجعُ المرابطُ في دمي

زدْ هذه الأشعار

فيَّ تسعُّرا

ناديتُ :

أين الظاعنون و ريحُهمْ ؟

هل من نسيمٍ

من طلولهمُ سَرى ؟

و ركبتُ موج الدمع ،

يحملني إلى

شطِّ الذين بحبِّهم قد أمطرا

المركز 10: قصيدة (الحسينُ مشيراً على الله) / حيدر خشان الجابري (العراق)

الحُسَيْنُ مُشيراً على الله

حيدر خشان الجابري (العراق – الناصرية)

 

تُلَوِّحُ للسّحابِ بأُمنياتٍ  ‍
وَصَوْتٌ مِثْلَ حدِّ السَّيفِ حِيناً  ‍
وصامِتُ فطنةٍ ، صَمْتَ المُبالي  ‍
وصاحٍ، والحُشودُ بلا دُعاةٍ  ‍
يُوشِّحُها الخُمولُ ، كما شُجاعٌ  ‍
إذا ما الأُمةُ الخَرْساءُ قالتْ  ‍
ويُعْلِنُها الصَّباحُ دِيارَ شَمْسٍ  ‍
إلى أمْرٍ خُلِقْتَ لهُ عزيزٍ  ‍
وما تاهتْ بهِ الطُّرقاتُ حتَّى  ‍
وكانَ صَراحةً تُؤذي المُداجي  ‍
وكانَ فُتُوَّةً،وَجَدَتْ مَداها  ‍
أشاحَ الـمُبْلِسُونَ لهُ وُجوهاً  ‍
وألقى رغمَ شُحِّ الحرفِ حرفاً  ‍
وإنَّ فَسِيلةً في حُضْنِ أرْضٍ  ‍
كذاكَ الخَيْرُ،لا ما تدَّعيهِ  ‍
بِيَوْمٍ ذَلَّتِ التَّلَعَاتُ حَتَّى  ‍
وأُرْغِمَتِ الأُنُوْفُ عَلى خُضُوعٍ  ‍
وشاءتْ قُدْرَةُ الأقْدارِ فِيهِ  ‍
وشاءتْهُ البُطولةُ،إذْ فَتاها  ‍
وما كَبُرَتْ على جَلَدِ الليالي  ‍
لِيَسْقِيَها بــــــِكُلِّ دَمٍ مُراقٍ  ‍
وما وجَدَتْ -على خَطْبٍ عَظيمٍ-  ‍
خطابةُ ثائرٍ كأبيهِ دَوْماً  ‍
فَصُلْتَ وإنَّكَ العَلَويُّ فيهمْ  ‍
وأظْهَرَ عِنْدَ كَظْمِ الغَيْظِ غَيْظاً  ‍
وإنْ يَصْمُتْ يَكُنْ حِلْماً وعِزّاً  ‍
ولَمْ تَتْرُكْ لـِمُعْتَذِرٍ بِعُذْرٍ  ‍
وغَيْرُك باذِلٌ مالاً وجاهاً  ‍
ونِمْتَ بِمَلْءِ جَفْنِكِ عَنْ عِداها  ‍
وَتَبْكيهِمْ وَهُمْ حَجَرٌ أصَمٌّ  ‍
وأعجَبُ،مَنْ يُحَرِّرُهُمْ،فآلُوا  ‍
ومَنْ كُتِبَ الكِتابُ لهُمْ أضاعُوا  ‍
لَهُ في “ماوراءَ الطَّفِ” طَفٌّ  ‍
ويُنْحَتُ رأسُهُ النَّبَويُّ رَسْماً  ‍
أتُسْبى بِنْتُ مَنْ ستَرَ الأعادي؟  ‍
سَقَاهُمْ مِنْ مَناهلِهِ فَشَحَّوا  ‍
أراهُمْ خِلْقةً في السُّوحِ مِنْهُ  ‍
تفرَّقتِ الرُّؤوسُ وهِيْ حُشُوْدٌ  ‍
عَفُوٌّ حَدَّ أنْ يَبْكي عليهِمْ  ‍
تُفَتَّحُ في حَدائقِهِ وُرُوْدٌ  ‍
فَمَا ضاقتْ بِساحِ الفِكْرِ رُؤياً  ‍
فيا ابْنَ الأكْرَمِيْنَ وإنَّ صَوْتاً  ‍
سَلامٌ يَوْمَ ما غَرَسَتْ يَمِيْنٌ  ‍
وما غايُ القَصيدِ الثُّكْلِ مَدْحاً  ‍
  وتَبْذُلُ في مُحيَّاهُ النَّهارا
وحِيناً كانَ سيْفاً لا يُجارى
لِيَحْفِلَ بالتَّوَقُّدِ كي يُثارا
وما انْمَازَ الصُّحاةُ ولا السُّكارى !
ينامُ على تَوَثُّبِهِ اضْطِرارا  !
تَعِزُّ بِمَجْدِ ما فَقَدَتْهُ عارا
إذا لَيْلُ الطُّغاةِ سبى الدِّيارا
لَعَمْري كُنْتَ تُلْبِسُهُمْ وَقَارا
لَيسلُكُها بأصْعَبِها اخْتيارا
وكانَ سَماحةً تُؤوي الحَيارى
لِكُلِّ مَسالِكِ الدِّيْنِ ابْتِكارا
فردَّ بأنْ أقالَهُمُ العِثَارا
لِيغْرِسَ أنهُراً بِفَمِ الصَّحارى
لَتَرْجو بَعْدَ أنْ تُسقى اشْتِجارا !
يَدٌ شَلَّاءُ لا تَهَبُ البِذارا
أسالتْ ماءَها الفِضِّيَّ نارا
رَأتْ في عَيْشِ أشْرَفِها احْتِضارا
تُرينا مِنْهُ لِلحَقِّ انْتِصارا
لَيقصُرُ عُمْرُهُ الفَذُّ اخْتِصارا
فَلَيْسَتْ مِثْلَما كَبُرَتْ صَغارا !
كما سقتِ الـــــ”مُسَخَّرةُ” القِفارا
لَهُ الدُّنيا عَنِ الخَطْبِ ازْوِرارا
وصارِمُهُ سَيَلْقَفُ إذْ يُمارى
ودُونَكَ يَدَّعُونَ لَهُ انْحِدارا
أثارَ بِهِ الـمَناحِرَ لا الغُبارا
وإنْ ينْطقْ يَكُنْ ثَبْتاً قَرارا
-وأنْتَ الباذِلُ الأتْقى- خَيارا
فما نالَ الخُلُودَ ولا الفَخارا
وَكابَدَ آخَرونَ بِها السُّهارا
وقَدْ جُرُّوا إلى الحَرْبِ اغْتِرارا
-بِقيْدٍ مِنْ صنائعِهِم- أُسارى !
حُقوقَ مُؤلِّفٍ رحَلَ اصْطِبارا
بَكَتْ مِنْ هَوْلِ مِحْنتِهِ النَّصارى
إذا هَتَفَتْ بهِ للعِزِّ دارا
إذا ما في بَطائِحِهمْ أغارا
طَوى عَمَّا بأيْديهِمْ وسارا
رَأوْا خَيْرَ الثَّباتِ لها الفِرارا
لِيأخُذَ مِنْهمُ الـمَوْتُ اعْتِبارا
شَديْدٌ غَيْرَ مَنْ إنْ شَدَّ جارا !
وتلْمَسُ في تَنَوُّعِها انْبِهارا
“إذا ما الرَّأيُ مَعْ رَأْيٍ تبارى”
أصِيلاً،لَيْسَ نَأْلَفُهُ مُعارا !
لِتُفْرِعَ في ضَميرِهِمُ اخْضِرارا
ولكنْ كانَ يَلْتَمِسُ اعْتذارا

سيرة ذاتية للشاعر

·   مواليد الناصرية (العراق)، عام 1989.

·   بكالوريوس هندسة + بكالوريوس آداب.

·   عضو اتّحاد الأُدباء والكُتّاب في العراق.

·   له مجموعتان شعريتان: ما آمن الطين، ما وراء السّنبلة.

·   عضو نقابة الصحفيّين العراقيين، ونقابة المهندسين العراقيّين.

 

النص العاشر: نُبُوْءَةُ العاشِقِ الأوَّل

رَكِبْتُ غِمَارَ الحُبِّ يَتْبَعُني ظِلِّي
أُجَذّفُ ، والأشواقُ راعِفَةٌ مِثْلي

أُرَتِّبُ أَلْفَاظي وَبِي رَهْبَةُ النَّدى
إذا ارْتَسَمَتْ في الأُفْقِ رائِعَةٌ تُجْلي ..

وكُنْتُ اعْتَصَرْتُ الشِّعْرَ خَمْرَ نُبُوءَةٍ
مَتَى وَضَعُوا كَأْسَ البَلاغَةِ في رَحْلي

وَسَكْرانُ، لا مِنْ صَفْوةِ الرَّاحِ ، مِنْ يَدٍ
تُقَلِّبُني بَيْنَ الرَّياحينِ والطَّلِّ

أَرَى لُغَةَ الأَلْحَاظِ مَحْضَ ارْتِعَاشَةٍ
إِذا مَرَّ تَغْوى كالفراشَةِ في الحَقْلِ

كَمَا العِطْرُ في بالِ الخُزَامَى يَمُرُّ بِيْ
حَبِيبي ، كَمَا الوَحْيُ المُسَاوِرُ في الرُّسْلِ

أَحَايِينَ كانَ اللَّيْلُ دَفْتَرَ صَبْوَتي
حَمَلْتُ مُنَاجَاتِي إِلى هَمْزَةِ الوَصْلِ
تَراأَيْتَ يا عَبَّاسُ في طُوْرِ حَيْرَتي
يَقِيْناً بِأَنَّ النُّورَ أَيْنَعَ فِي عَقْلي

وأَنَّكَ مُذْ أوْمَأْتَ لي ، واتَّخَذْتَني
نَجِيّاً ، تَتَبَّعْتُ انْسِكَابَكَ في الفَضْلِ

ظَمِئْتُ ، وَلِيْ عَيْنَاكَ مِدْرَارُ كَوْثَرٍ
وَكَفَّاكَ ! ما كَفَّاكَ ؟ مَا حِرْفَةُ البَذْلِ ؟

وما رَيَعَانُ الجُودِ في خَاطِرِ النَّدَى
سِوَى لَفْتَةٍ مِنْ غُصْنِ أَرْوَع مُخْضَلِّ

أَبَا الفَضْلِ ، لا أَحْتَاجُ غَيْرَكَ أَخْضَراً
وَلُوعاً بِأَنْسَامِ المَحَبَّةِ والنُّبْلِ

عَطُوفاً ، كَحِضْنِ الأرْضِ ، يَنْضَحُ بالوَفا
ظَلِيْلاً كَمَا الدِّفْلَى ، كشَامِخَةِ النَّخْلِ !

أَتَيْتَ على كَفٍّ أَمِيرٍ مُخَضَّبٍ
تُكَحِّلُ رِمْشَ الحُسْنِ ، يا رَوْعَةَ الكُحْلِ !

وتَحْمِلُ آمالَ الوُجُودِ بِلا يَدٍ ،
بِقَلْبٍ بِتَحْنَانِ الإِمَامَةِ مُبْتَلِّ !
وكُنْتَ رأيْتَ الطَّفَّ .. كُنْتَ رَأَيْتَهُ
سَبِيْلاً لِغَمْدِ السَّيْفِ في مَهْمَهِ الذُّلِّ

وَكُنْتَ حَمَلْتَ الجُودَ دِرْعَ رُجُولَةٍ
فَمَا هَمَّ لَوْ تَرْمِيْكَ حَاقِدَةُ النَّبْلِ

تَعَالَيْتَ عَنْ كُلِّ الجِراحِ سِوَى الَّتي
بِقَلْبِ حُسَيْنِ الوَحْيِ .. حَاشاكَ تَسْتَعْلِي !

تَنَبَّأْتَ مُنْذُ اعْشَوْشَبَتْ رَبْوَةُ الهُدى
بِأنَّ رِيَاحَ النَّاسِ مَالَتْ إلى الجَهْلِ

وأَنَّ مَرايا الوَقْتِ تَرْسُمُهُ الجَفَا
وأنَّ صَحِيحاً غَابَ عَنْ فِعْلِ مُعْتَلِّ

وأَنَّ غَدِيراً مِنْ إِبَاءٍ مُكَرْبَلٍ
سَيَجْري، بَلَى يَجْرِي ، على وَجَعِ الرَّمْلِ

وأَنَّكَ حينَ اسْتُضْعِفَ الحَقُّ فارِسٌ
عَلِيٌّ ! ومَنْ يَقْفُو الغَضَنْفَرَ كالشِّبْلِ؟!

نُبُوءَتُكَ الحَمْرَاءُ حِنَّاءُ عَالَمٍ
سَيقْتُلُهُ المَوْتَى لِيُزْهِرَ بالقَتْلِ
سَتَظْمَأُ ، لا للماءِ ، للأمَلِ الَّذي
تراءَى مواويلاً على شَفَةِ الطّفْلِ

حَبَبْتُكَ مُذْ أَطْلَقْتَ كَفَّيْكَ شَاعِراً
غَيُوراً على المَعْنى ، خَفيفاً بِلا ظِلِّ

مَدَاكَ مَدَايَ ، ازْرَعْ بأُفْقِيَ باقَةً
مِنَ النُّورِ وَانْزَعْ لَيْلَ دَاجِيَةِ الغِلِّ

كِلانا شَهيدٌ : أنْتَ أَوَّلُ عاشِقٍ
حَمَى قِرْبَةَ الإيثارِ مِنْ لَدْغَةِ النَّصْلِ !

بَحَثْتُ عَنِ الفَضْلِ الَّذي شَغَلَ النُّهَى
فَلَمْ أَلْتَمِسْ فَضْلاً كَفَضْلِ أَبِي الفَضْلِ

معزوفةٌ فوقَ الرمح

رأسُ الحسينِ يطوفُ بوصلةَ الجهاتِ
محلّقاً نحوَ السماءِ
كغيمةٍ قدسيّةٍ
نطقتْ بأسرارِ المطرْ

للرمحِ وجهتهُ
وللخدِّ التريبِ حكايةٌ أخرى
تترجمُ أبجدياتِ القدرْ

للدّمِ سنبلةٌ تحررُ كلَّ شيءٍ عابرٍ
نزفٌ على رئةِ الخلودِ ..
مسافةٌ للدمعِ …
أروقةٌ مشاغبةٌ …
ضجيجُ الخيلِ …
قهقهةُ السيوفِ …
نحيبُ أطفالٍ …
ورأسٌ واحدٌ يجتازُ قاموسَ الخطرْ

يحنو على كلِّ الجراحِ برأسهِ
وعلى فمِ التاريخِ ثورة حدسهِ

قد صاغَ من غدهِ المسافرِ غيمةُ
تنمو وتنمو في تمرّدِ أمسهِ

وكأنهُ وحي الوجودِ وآية
رسمتْ تفاصيلَ الجهاتِ بقدسهِ

الشمسُ أتعبها الغيابُ ولم يزلْ
للضوءِ محرابٌ يطوفُ بشمسهِ

الجرحُ يقترفُ الخطيئةَ
حينما ضجَّ النزيفُ
وكربلاء تسابقُ الزمنَ السوادَ
وذي طبولُ الحربِ مُـشرَعةٌ
وفوقَ الرمحِ صوتٌ
يستمدُّ من السماءِ
طهارةَ القرآنِ .. نبضَ تلاوةٍ
تسمو بأرواحِ الصغيراتِ التي شَهَـقتْ
وبلّـلها الضجرْ

وجهُ الحسينِ على مسافةِ اصبعٍ
والسهمُ يعبثُ
في نبوءةِ صدرهِ
واللحظةُ اشتعلتْ
ومزّقها الحجرْ

لا شمرَ عادَ
ولا السيوف تمرّدتْ
لا شيءَ من قلقِ الجهاتِ
ولا هدير الماءِ في جسدِ الفراتِ
ولا امتداد النارِ
كانَ لصوتهِ سحراً لــ ( بسمِ اللهِ ) في كلِّ السوّرْ

يأتي بوشمِ المعجزاتِ
ولم تزلْ ( هيهات ) تعبثُ بالظلامِ
وتفتحُ التأويلَ
في قلقِ الممرْ

الآنَ يعبرُ ( سيدُ الشهداءِ ) للوجعِ الخفيِّ
وفي يديهِ حكايةُ الغرباءِ
ترسمُ للخلاص ِ
على امتدادِ العمرِ
سنبلةً تراقصُ ثورةً في الطفِّ
من ألمِ الصورْ

لا زالَ رأسٌ للحسينِ
يطوفُ أروقةَ الحنينِ
كأنهُ جسدُ القمرْ

الضوءُ فوقَ الرمحِ عانقهُ السهرْ
والماءُ في قلقٍ يفتشُ عن أثرْ

جسدٌ هناكَ ، وألفُ صوتٍ ها هنا
والريحُ صامتةٌ … وأتعبها السفرْ

صوتٌ سماويٌ يبوحُ بطهرهِ
وملامحٌ خضراءَ يلثمها الشجرْ

للرأسِ ثورتهُ التي نهضتْ بنا
وكأنه قد صاغَ أرواحَ البشرْ

 

 

حوارٌ مَعَ مَوْتٍ وَاهِم

… فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا…

 

 

حَتَّامَ يَا مَوْتُ – مَزْهُوّاً– تُجَسِّدُهُ ؟!

 

وَلَيسَ لِلخُلدِ مِنْ حَدٍّ يُحَدِّدُهُ!!

 

بهِ الخُلُودُ تَجَلَّى ذَاتَ مَذْبَحَةٍ

 

مِنْ السَّمَاءِ، وَعِندَ الذَّبحِ مَوْلِدُهُ

 

يُسَافرُ الوَحيُ فِيْ مَعنَاهُ أَشْرِعَةً

 

يُجَدِّدُ (الطَّفَ)، والِإنْسَانُ مَقْصَدُهُ

 

فِيْ طُوْرِ سِينَائهِ الأَنْهارُ مُذْ سَكَنتْ

 

مِيْقَاتَها، انْبَجَسَتْ فِيْ كَرْبَلا يَدُهُ

 

تُضَمّدُ النَّهْرَ جُرحَاً نَازِفَاً حُلُمَاً

 

وَنَحرُهُ النُّوْرُ قُلْ لِيْ مَنْ يُضَمِّدُهُ؟!

 

هُنا وَقفتُ بِبَابِ الصَّمْتِ ذَاتَ دمٍ

 

أُسَائلُ المَوْتَ عَنْ نَحْرٍ سَيَخْمدُهُ:

 

أَنَّى تَمُوتُ نُحُورٌ كَانَ قَبَّلَها

 

فَمُ الإلهِ، وَشَمْسُ النَّزْفِ تَعبُدُهُ؟!

 

فَللنحُوْرِ شِفَاهُ الغَيبِ، إن قُطِعَتْ

 

تُكَلِّم اللهَ تَكْلِيمَاً وَتَحمدُهُ

 

وللنحُورِ لُغَاتٌ كَانَ يَكْتُبهَا

 

دَمُ الحُسينِ وَفَجْرٌ حَانَ مَوعِدُهُ

 

ليُشعلَ الحَرفَ نَهْراً، قِرْبَةً وَيَدَاً

 

مَقْطُوْعَةً، إِذْ هَوى لِلأَرْضِ فَرقَدُهُ

 

وفِي الفُراتِ يُصليْ المَاءُ أَفْئِدةً

 

مِنَ الخُشُوعِ، وَذاكَ النَّهرُ مَعبَدُهُ

 

وفِي الخِيامِ رَضِيعٌ فِي ابْتِسَامَتِهِ

 

حُلْمُ العَصَافِيرِ لَحْنَاً رَاحَ يُنْشُدُهُ

أَليسَ يَا مَوتُ فِي رُؤيَاكَ فَلْسَفَةٌ

 

أُخْرَى، تُمِيْتُ بِها جُرْحَاً وَتُلحِدُهُ؟!

 

أَنا وأَنتَ وَقَفنا قُرْبَ مَذبَحَةٍ

 

يَفُوْحُ مِنها خُلُودٌ كُنتَ تَرصدُهُ

 

فَمَا وَجَدنَا سِوى نَحْرٍ يَشِعُّ هُدَىً

 

و(زينبٌ) لَمْ تَزلْ بالدَّمْعِ تُوْقدُهُ

 

والمُهْرُ يَنْحتُ فِي التَّارِيخِ أُغْنِيَةً

 

تَحْكِيْ (سُلَيمانَ) لَمَّا عَادَ هُدْهُدُهُ

 

لِيُخبرَ العَرشَ أنَّ المَوتَ مُخْتَنِقٌ

 

بِالنَّحْرِ، حَيْثُ ارْتَمَى رُعْبَاً مُهَنَّدُهُ

 

وَطَعنَةٌ سَجَدَتْ فيْ مَسْجِدٍ/ جَسَدٍ

 

لَمّا يَزلْ خَاشِعاً بالطَّعنِ مَسْجِدُهُ

 

يَا مَوتُ هَبْنِيْ جِرَاحاً، تَزْدَهِيْ عُمُرَاً

 

وَدَهَشْةً مِثلَ سَيفٍ فِيَّ تُغْمِدُهُ

 

لَعَلّنِيْ أَحْملُ الصَّحراءَ فَوقَ يَديْ

 

وَمَنْحَراً مِنْ (طُفُوفٍ) جِئتَ تَحْصدُهُ

 

لَعَلّنِيْ باحْمِرارِ الطِينِ أَبْحَثُ عَنْ

 

رُوحِ الحُسينِ ضِيَاءً لَستُ أَعهَدُهُ

 

هُوَ الحُسينُ ابْتِكارُ اللهِ مُذْ ظَمِئتْ

 

عُينُ الحَياةِ، أَسالَ الضَّوءَ مُوْرِدُهُ

 

مِيَلادُهُ لَحْظَةُ السَّيفِ التيْ فَصَلَتْ

 

رَأْسَاً، فَلمْ يَنْفَصلْ عَنْ أَمْسِهِ غُدُهُ

 

قَدْ كَانَ مَسْرَاهُ نَحوَ الذَّبحِ مُعْجِزةً

 

وَكانَ جِبريلُ فِي المَسْرَى يُهَدْهِدُهُ

 

فَوقَ (البُرَاقِ) عُرُوجاً كَانَ مُنْهَمِرَاً

 

وَهوَ انْبلاجُ سَلامٍ غَابَ مَشْهَدُهُ

 

يَا مَوتُ إِنَّ فَناءَ الرُّوحِ مُنْصَهِرٌ

 

بالمُسْتَحِيلِ، فَدَعْ سَهْمَاً تُسَدِّدُهُ

 

يَكْفِيْ الحُسين حَيَاةً أنَّهُ وَطَنٌ

 

يَشِعُ فِي جَبْهَةِ الدُّنيَا تَمَرُّدُهُ

 

يَكْفِيهِ أَنَّ عُيُونَ الشَّمسِ سَابِحَةٌ

 

عَلى الضَّرِيحِ، وَفَجرَاً فَاضَ مَرقَدُهُ

 

يَكْفِيهِ أَنَّ شُعُوبَ اللهِ تَقرَأهُ

 

رُوْحَاً، ولمَّا يَزلْ لُغْزَاً تَفَرُّدُهُ

 

والأَنْبِيَاءُ امْتِدادُ النَّحْرِ وَحْيُهُمُ

 

فَلَمْ يَمتْ بالهُدَى يوماً (مُحَمّدُهُ)

 

يَا أيها المَوتُ إِنَّ (الطَّفَ) سَاقِيَةٌ

 

تُبَلِّلُ النَّحْرَ قُرآنَاً .. تُخَلِّدُهُ

 

وَكُلُّ عَصرٍ– بِنَصرٍ– جَاءَ مُمُتَشِقاً

 

دَمَ الحُسينِ سِلاحَاً قَامَ سُؤدَدُهُ

 

حَتَّامَ .. حَتَّامَ؟!! قَدْ حَارَ السُؤالُ وَقَدْ

 

خَارتْ قِوَاهُ، وكَمْ قَرنٍ يُجَدِّدُهُ؟!

 

آمنتُ بِالنَّحرِ خُلْدَاً، جَنَّةً وهُدَىً

 

حَتَّامَ يَا مَوتُ – مَزهُوّاً- تُجَسّدُهُ؟!

 

في غَيابةِ الحُب

بين يدي ضريح سيدي أبي عبدالله الحسين (ع) خطبٌ وخطاب

 

يا ليتنا فوقَ الرخامِ نذوبُ
 
وعلى الضـريحِ مواجعٌ وقلوبُ
  
يا ليتنا ذرٌّ على أعتابهِ
 
يلهو بنا ذهبٌ، ويعبثُ طيبُ
  
قد مضَّنا شوقٌ لـ (يوسفِ) عشقنا
 
فمتى لـ (كنعانِ) الوصالِ نؤوبُ؟
  
ذئبُ المصائبِ لم يعُد بقميصهِ
 
بدمٍ جرى، لم تفترسْهُ نيوبُ
  
بل جاء ينزفُ بالظلامة جرحهُ
 
فدمُ الحسين على السما مسكوبُ
  
ما عادَ إخوته سوى برؤوسهم
 
وجسومُهم باهى بهنَّ كثيبُ
  
يا (يوسفَ) العُشاقِ رفقاً، قد ذوتْ
 
منا العيونُ، فكُلنا يعقوبُ
  
حَزَناً عليكَ عيوننا مبيَضّةٌ
 
كم ذاب من جزعٍ بنا(أيوبُ)
  
امدد لنا حبل الوصالِ فبئرنا
 
فيه القوافلُ ضجةٌ ونحيبُ
  
خبّئ (صواعك) خفيةٍ في جرحنا
 
ودَعِ (المؤذِّن) في نداه يخيبُ
  
لن نبرحَ الأرض التي شجَّرتَها
 
بالعاشقين، إذ الغرامُ قشيبُ
  
إنا سرقنا بعض حبك فاسترق
 
من ذاقَ فيك الرِقَّ، كيف يتوب؟
  
***
وحملتُ آمالي على فرسِ الهوى
 
تِلقاء (مديَنِكَ) العظيمِ أُنيبُ
  
أنا يا (شعيبَ) هوايَ جئتُ يقودني
 
بخطى الحياءِ تلهُّبٌ ولهيبُ
  
أنا قد أتيتكَ هارباً من أمةٍ
 
فاحتْ هزائمها، ولاحَ غروبُ
  
وأتيتُ أرضك خائفاً مترقباً
 
ذلاً يُلاحقُ أمتي ويَعيبُ
  
إني لما أنزلتَ بي من نعمةٍ
 
وكرامةٍ متلهفٌ ورغيبُ
  
خُذني إليكَ أتمُّ (عشـرك) خادماً
 
وأزيدُ، لا عتبٌ ولا تثريبُ
  
إحدى اثنتيك أريدها لي غيمةً
 
أحيا بها، إنَّ الطريقَ جديبُ
  
شرفُ الشهادةِ في قوافل (كربلا)
 
حيثُ الخلودُ مع الحسين يطيبُ
  
أو عزةٌ أسمو بها وكرامةٌ
 
فيها تفانت أنفسٌ وشعوبُ
  
ألقيتُ أحلامي زجاجةَ آملٍ
 
في بحر جودكَ، كيف كيف أخيب؟!
  
***
يا سيدي عُذراً إذا لم يبتسم
 
وجه القصيدة، فالنشيدُ نحيبُ
  
«نحن الحسينيون»، ذاك شعارنا
 
لكنه (شمّاعةٌ) وهروبُ
  
هذي دماؤك مزّقت أشلاءنا
 
فبكل عام يا حسين- حروبُ
  
بعنا دماءك بالشقاقِ وبالشقا
 
فالكل عن وطنِ الإخاء غريبُ
  
صرنا نقاتلُ بعضّنا في بعضنا
 
ولنا عدوٌ شامتٌ وطروبُ
  
(رادودُنا) تُهَمٌ بصوتِ رصاصةٍ
 
والشتمُ في بيتِ الحسينِ (خطيبُ)!
  
صار اختلافُ الرأي آفَتنا التي
 
أكلتْ حصادَ (الطفِّ) وهْوَ خصيبُ
  
أتُرى تآكلنا الصـراعُ فلم يزل
 
يجتاحنا نصَبٌ، وشاعَ لغوبُ؟
  
كلٌ رمى كبدَ الحقيقةِ زاعماً
 
لكنه كبدَ الحسينِ يصيبُ
  
***
يا من هتفتم بالحسين وسيلةً
 
لا تخذلوهُ، فما هُناك (حبيبُ)
  
عُدنا لكوفةِ أمسنا في غيِّنا
 
فتنازعتنا أوجهٌ ودروبُ
  
كلٌ يحرضُ للقيامِ (حسينَهُ)
 
لكنه في (كربلاهُ) غريبُ
  
نحتاجُ أن يأتي (حسينٌ) فاتحاً
 
أرض (العراك)، فأنصتوا وأجيبوا
  
نحتاجُ (للعباسِ) يسقي ذلَّنا
 
عزاً هنيئاً، فالضميرُ جديبُ
  
قوموا لنحيي بالوئام قلوبنا
 
ونعيدَ مجداً بالإخاء يطيبُ
  
ولنكتب التاريخ من أحضاننا
 
فالبغض في عرف الرواةِ كذوبُ
  
فإذا صفتْ أرواحكم، طَهُرَ الولا
 
ولئن سألتُمْ فالحسين يجيبُ
  

 

عـاشــوريـات

يضيعُ نداؤك في الفلواتْ كصـوتِ المؤذنِ في الخرباتْ
وباتَ نجيعُكَ يا سيـدي بحـاراً تسيرُ بها الراسيــاتْ
وأضحى جبينُكَ يا سيدي سـماءً بها أنْجُـمٌ نيـــراتْ
هزبرٌ أسيرٌ بأيديْ بُغاثٌ فأينك حيـدرُ ؟ أيـن الكُمـاةْ؟
تصيحُ بهم يا ِلئامُ ارجِعوا فيهدُرَ صوتَك َنبْلُ الرمــاةْ
وأصبحَ رجعُ الصدىْ أخرساً وباتت ريـاحُ الخنىْ ساكِناتْ
فَهلْ ترتَجيْ النَصرَ من خائنينَ ضمائِرَهُمْ جيفٌ نتنــاتْ؟
ومَزقتِ القُربَةَ حُمْرُ الرمــاحِ وفوقَ الشريعةِ عباسُ ماتْ
وفي عُرْسِ قاسم أزهارُهُ روتهــا دماؤكَ الطاهـراتْ
وإنَ الفُراتَ أضحى سرابــاً فقّـدارُ جَفّفَ ماءَ الفُـراتْ
ونسلُ قُرْيْضَةَ والقينُقاعِ أشاعوا الفواحِـشَ والحُرُماتْ
وبوابةُ خيبرِ أضحت جـداراً وأضحت فلسطينُ مستعمراتْ
وبئساً بيارقُهمْ خَفَقــتْ على القُدْسِ يا سورةََ العادياتْ
وسهامُ حرملةٍ ما ارتوتْ وأطفالُ قـانـاْ هدفٌ للطُغاةْ
وفي “كمبِ ديفدَ” نُكِّسَتْ رايةٌ علي ضفةِ النيلِ نـهرُ الحياةْ
وضاجعَ فرعونُ يـهوداْ هُناكَ وصوتُ النِضالِ عدا ذكْرَيات
وإنَ غُثاءً هو السيلُ فاضَ وأصْبَحَ يكْتَسِحُ الطُرُقـــاتْ
دماءُ حيدرةٍ في الصـــلاةِ مشاعلُ نـورٍ هي الهاديـاتْ
وأسرعَ للتسويةِ المُرْجِفُونَ وأرعدَ شارونُ بالراجمـاتْ
فيا وارثَ المجدِ يا سيدَ الشُهـداءِ ويـا صاحبَ المكـرماتْ
أرادوكَ ترفعُ راياتَ ذُلٍ فجاوبتـهم بـهيهـاتِ هيهـاتْ

عندما تبسّم الهلال

1- هلَّ الهلالُ مؤذناً لمحرمِ
بادٍ كثغرِ الضاحكِ المتبسمِ

2- فعجبتُ من هذا الهلالِ وأمرِهِ
ولِمَ التبسمُ في المصابِ الأعظمِ

3- فأجابني ضوءُ الهلالِ ونورُهُ الــــ
ــــمنسابُ مثلُ القطرِ فوقَ البرعمِ

4- هذي ظعونُ العاشقين توافدت
صوبَ الطفوفِ بشوقها المترنمِ

5- تمشي وتحفرُ في ترابِ دروبها
كالقيدِ يحفرُ رسمَهُ في المعصمِ

6- فانظر لهذا الرسمِ أصبحَ منهجاً
يمشيهِ كلُ مُولـّهٍ ومتـيّمِ

7- وانظر لبقعةِ كربلاء توسُّماً
فبها ستنظرُ آية َ المتوسمِ

8- وسلْ الحسينَ إذا وصلتَ ضريحهُ
ونزلتَ ضيفاً في عرينِ الضيغمِ

9- هل هذهِ الأرضُ التي لم تروِها
إلا زكاةُ النحرِ من فيضِ الدمِ

10- وأديمُها وترابُها وصخورُها
هي من بقايا صدرك َ المتهشمِ

11- هل هذهِ الأرض التي في حضنِها
تعلو الرماحُ برأسكَ المتعممِ

12- هل هذهِ الأرضُ التي من بأسها
فطموا رضيعكَ سيدي بالأسهمِ

13- هل هذهِ الأرضُ التي نيرانُها
لم تبقينَّ إليكَ أيَ مخيمِ

14- وإذا وقفتَ على المقامِ تفكراً
لتجولَ فيهِ بنظرةِ المستفهمِ

15- وقفَ الزمانُ بكربلاء مبجِّلاً
هذا الغريبُ الفاطميُ الهاشمي

16- يبلى الزمانُ وليس يبلى عشقُ منْ
قهرَ الزمانَ بعشقهِ المتقادمِ

17- فانظرْ لجدرانِ المقامِ كأنها
مبنيةٌ من صدرهِ المتحطمِ

18- وكأن ُشبّاكَ الضريحِ مُعتّــقٌ
ومُطرّزٌ من ثغرِهِ المُـتـثـلّمِ

19- والقبة ُ الصفراء فوقَ ضريحهِ
شمسٌ لقد وُضِعَتْ كفصِ الخاتمِ

20- وانظر منارَتهُ تُداعبُ كفُها
رأسَ الغيومِ السابحاتِ الهُـيَّمِ

21- إذ تستظلُ بها الحمائمُ رهبةً
من أن يظللُها جناحُ الهيثمِ

22- حتى المصابيحُ التي قد عُــلــِّــقت
فوقَ المقامِ تلألأت كالأنجمِ

23- ستقولُ يا عجبَ الزمانِ لكربلا
أوَلمْ تكوني الأمس مثلَ جهنمِ

24- هوذا الحسينُ فأين من ساروا لهُ
ما بين مختصمٍ وبين مُزَاهِمِ

25- فأجابني التاريخُ هاهم قد مضوا
ورفعتُ عنهم رايةَ المستسلمِ

26- عبدوا يزيدَ ومالَهُ ومقامَهُ
والعابدونَ لغيهِ المُتصنّمِ

27- مضتْ الجيوشُ وبُدِّدتْ أعدادُها
وقصورُهُ بتصدعٍ وتهدمِ

28- أين الثرى من جسمهِ ورميمهِ
أم منْ يجودُ بدمعةِ المترحمِ

29- قتلوا الحسينَ لعلهم لم يعلموا
وُلِدَ الحسينُ مجدداً بمحرمِ

30- هو فـُلْـكُ نوحٍ حينما قد علّقوا
آمالَهم سَفَهاً بركنِ الظالمِ

31- اليومَ أمرُ اللهِ حلَّ وما لهم
عن أمرهِ وعذابهِ من عاصمِ

32- ثارتْ دِماهُ كأنها بحرٌ وهم
غرقوا بلُجّةِ موجهِ المتلاطمِ

33- أبلاهم التاريخُ حتى أنهُ
فرعون موسى جسمُهُ لم يُعدَمِ

34- رأفَ الزمانُ بنا فما أبقى لهم
أثراً يحزُ بجرحنا المتألمِ

35- هوذا الحسينُ أراهُ حياً واقفاً
– وهو القتيلُ- على رفاتِ الظالمِ

36- هوذا الصراط ُ المستقيمُ ومنْ علـــ
ــــــيهِ يسيرُ بينَ مثبَّتٍ ومُدَمْدَمِ

37- والكوثرُ العذبُ الزلالُ ومن إلــــ
ـــــــيهِ يسيرُ بينَ مؤخَّرٍ ومُقدَّمِ

38- حسبوا بقتلِكَ نصرَهم وتوهّموا
ضحكَ الزمانُ لغفلةِ المتوهمِ

39- سقطَ القناعُ وبعدهُ أسطورةَ الـــ
ـــنصرِ المؤزرِ وهو محضُ مزاعمِ

40- أكذوبةَ النصرِ التي ليست سوى
نصرٍ تحقق في خيالِ الواهمِ

41- مرّت بمرفأِ كربلاءَ وأبحرت
سفنُ السنينِ بحزنِها المتراكمِ

42- واليومَ قد بزغَ الضياءُ لتنجلي
شمسُ الحقيقةِ بعدَ دهرٍ غائمِ

43- فاستيقظت كلُ الشعوبِ وشاهدت
يا كربلا لمن انتصارُكِ ينتمي

44- وقفت على أوهامهم كلُ الشعــــــ
ــــوبِ وخاطَبتهم يا عبيدَ الدرهمِ

45- اليومَ من عضَّ الأناملَ حسرةً
لا تنفعـنّـكَ عضـةُ المتندمِ

46- عجباً فإن القاتلينَ إليهِ قد
هُزِموا وإنّ قتيلهم لم يُهزمِ

47- الحقُ يُعلي أهلَهُ بسمائِهِ
والجُرمُ يُقبرُ فيهِ ذكرُ المجرمِ

48- كَلْمى تمرُ بيَ السنينُ وأمتطي
الأحلامَ دونَ عنانِها والألجمِ

49- وأجولُ في فَـلـَكِ الفجيعةِ سابحاً
كالعقلِ يسبحُ في فضاءِ الحالمِ

50- يومَ الحصادِ بعاشرٍ ماذا عسى
غيرَ الدموعِ حصادُها في موسمي

51- بكتْ العيونُ عليكَ فيضاً من دمٍ
والشيبُ أشرقَ بعدَ ليلٍ مظلمِ

52- وعجزتُ من حزني أبوحُ وأشتكي
فجعلتُ حسْراتي لسان َ تكلـُّـمي

53- ولقد رسمتُكَ والطفوفَ بلوحةٍ
ويدي بها عشقي وقلبي مرسمي

54- فأحلتُ رمضاء الطفوفِ جنائناً
وكسوتُ عاري جسمِكَ المتهشمِ

55- وجعلتُ ماءَ النهرِ ينبعُ دافقاً
من بينِ كفكَ كالرحيقِ البلسمِ

56- ونزعتُ أهدابي وفيكَ زرعتُها
ورداً بموقعِ نابتاتِ الأسهمِ

57- أرجعتُ خنصركَ التي بُتِرتْ وقد
طوّقتُها يا سيدي بالخاتمِ

58- ورويتُ طفلكَ سيدي ورسمتُ في
وجناتهِ إشراقةَ المتبسمِ

59- وجعلتُ نيران الخيامِ جنائناً
من وحي بابل صغتُها كالمعْـلـَمِ

60- وجعلتُ حولكَ منْ تشاءُ من الورى
فيها ابتداءً بالرسولِ الأكرمِ

61- ومسحتُ من أرضِ الفجيعةِ سيدي
كلَ الجيوشِ وكلَ عاتٍ مجرمِ

62- ورسمتُ أصحابَ الحسينِ تجمعوا
مثلَ السماءِ تزينت بالأنجمِ

63- وجعلتُ عباساً يجولُ برايةٍ
والكلُ مبتهجٌ بعرسِ القاسمِ

64- لكنْ عجزتُ بأن أواري وطأةَ الـــ
ـــشمرِ اللئيمِ على المقامِ الأحرمِ

65- يا مُلهمَ الأجيالِ وحْياً فارتقت
طرقَ السماءِ على براقِ المُــلهِـــم ِ

66- ومحّررَ الأجيالِ من أقيادها
وخنوعِها وركوعِها للغاشمِ

67- أيقظت أفئدةَ الورى من نومِها
دهراً بكهفِ الجهلِ دون تبرم ِ

68- وبعثتَ في موتى القلوب ِ تكرُّماً
روحَ الإباءِ بنحرِكَ المُـــتَكرّم ِ

69- يا منبعَ الحرية ِ الحمراءِ يا
كهفاً تلوذُ بهِ النحورُ وتحتمي

70- يا مرفأ الأحرارِ تلكَ مراكبُ الـ
ـــعشاقِ عندَ رصيفِ عشقِكَ ترتمي

71- أحسينُ يا عشقي الأصيلُ وإنني
عبدٌ إليكَ فأنتَ حقُ معلمي

72- علّمتني أنّ الكرامةَ تُشترى
بدمٍ لمن قد باعها بالدرهمِ

73- علمتني أن الدماءَ حضارةٌ
تبقى وصرحُ مُريقِها بتهدمِ

74- علمتني أنّ المناحرَ سيدي
جُعِلتْ كرامتُها بسيفِ الظالمِ

75- علمتني أنّ الرؤوسَ إذا اعتلت
رمحاً عَلَتْ فخراً رؤوسَ العالمِ

76- فلتعلم الدنيا بأن حضارتي
في كربلاء وعيدُها بمحرمِ

77- يا كعبةَ العشاقِ أنتَ حضارتي
أبداً وفيضُ دماكَ أمسى زمزمي

78- دمُكَ المدادُ وما رأيتُ حضارةً
أقلامُها كَتَبتْ بحبرٍ من دمِ

اقرأ بِسْمِ الذّبيح

 

 

 

 

 

قد أُوحِيَ الحزنُ المُقدّسُ فاسمعي

آيَ الحسينِِ تنزلتْ في أضلعي

 

هزّتْ حِراءَ القلبِ تُحْكِمُ رزءها

وكأنّ جبريلاً بِهيبتهِ معي

 

( اقرأ /..دعتني كربلاء وأردفت

بِسْمِ الذبيح / .. بلوعةٍ وتفجُّعِ

 

رتِّل كَهَيَعَصَ* بالنشيجِ مُولوِلاً

إن اختصاري موجزٌ بتقطعِ

 

سَبِّحْ نحوراً شاءَ ربّك أن يرى

فيها انكشافاً للخلودِ الأروعِ

 

قُل.. هل أتى ذبحٌ كما في عاشرِ؟

أم هل أتى يومٌ كيومِ المصرعِ ؟

 

أم هل أتاكَ حديث غاشية الردى ؟

وتجدّل الزيتونِ بين البلقعِ

 

والشمس خجلى من رؤوسٍ وهجها

شقّ المجرةَ بالوميضِ الألمعِ )

 

فتلوتُ أصدقَ ما تجلّى  ناصعاً

في لحظةِ الإشراقِ حيثُ تطلُّعي

 

وولجتُ فاتحةَ القصيدِ يرفُّ بي

تأويلُ رؤيايَ التي لم  تُسجعِ

 

كفراشةٍ في دهشةِ الضوءِ.. اشتهتْ

روحي تُحلقُ للمقامِ الأرفعِ

 

تنثالُ ذاكرةُ الجراحِ لِتنتضي

حزناً تناسلَ  كالبياضِ بأجْمَعي

 

مازالَ يومضُ قابَ جفنٍ يلتظي

حتى تبلورَ باذخاً في أدمعي

 

ورقيتُ أستسقي الرُّؤى  مستلهماً

فإذا الطيوفُ همت بوقعٍ مُوجعِ

 

أستنبىءُ الريحَ التي ألْقتْ بما في

صدرها /”هل من معينِ؟” /..بمسمعي

 

وأُصيخُ للماءِ الذي من ذنْبهِ

جُنّت به القطرات.. هامت لا تعي

 

والرملُ ما أدراكَ ما باحت بهِ

الذرات من سرِّ النجومِ الصُّرعِ

 

والنخلُ أومئَ لي يقصُّ حكايةَ

الطفلِ الذي يُسقى بسهمٍ مُترعِ

 

 

وتداركَ الغيمُ الحديثَ متمماً

فتهاطلتْ سِورُ الدماءِ بمطلعي

 

وإذا بِوَحيِّ الطفِّ يغزلُ أحرفي

ضوئيةً بكفوفِ بدرٍ قُطّعِ

 

ويصوغُني لحناً سماويَّ الخُّطا

يمشي  بقافيتي لأعظمِ مُبْدعِ

 

ما اخترتُ عزفَ الشِّعرِ .. بل قد خِيْرَ لي

فحسينُ دوزنني وقيثاري يعي..

 

*كهيعص تُقرا ككلمة واحدة دون تقطيع ”