المركز الثاني: قصيدة (غيبٌ ومسندُ وحْي) للشاعر علي حسن المؤلف (البحرين / إسكان سلماباد)

المركز الثاني

قصيدة:
(غَيْبٌ وَمُسْنَدُ وَحيْ ..!)

الشاعر / علي حسن  المؤلف

(البحرين – إسكان سلماباد)

مُطارَدًا مُنْذُ الحُسينِ، مُنْذُ أَلْفٍ وَثلاثُمِئَةَ وَتِسْعٍ وَسَبْعينَ طَعْنَةٍ، تَمَكَّنْتُ مِنَ المَوْتِ مِرارًا وَمِنَ النَّجاةِ كَذَلِكَ، إلى أَنْ تَخَطَّفَني المُخْتارُ الثَّقَفِيُّ ؛فَأَفْلَتُّ مِنْهُ وَلَمْ أُفْلِتْ إلى أَنْ أَنْشَدْتُ:

أَلَمْ تَرَني عَلى دَهَشٍ
نَجَوْتُ وَلَمْ أَكَدْ أَنْجو

رَجاءُ اللهِ أَنْقَذَني
وَلَمْ أَكُ غَيْرَهُ أَرْجو

فَهَرِبْتُ مِنْهُ وَمِنِّي وَما زِلْتُ هارِبًا إلى حَيْثُ لا أَدْري، وَكَما نَقَلْتُ عَنْ كَرْبلاءَ وَعاشُوراءَ، وَعَنْ الدَّمِ الحَرامِ الَّذي سُفِكَ؛ فَها أَناْ أَنْقُلُ روايَتِيَ الأَخيرةْ .

حُميْدُ بْنُ مُسْلِم الأزدي


دَرْبانِ غَيْرُهُما ؛ فَمالِيَ آخَرُ
دَرْبٌ مُعَطَّلَةٌ وَدَرْبٌ عاثِرُ

فِيَّ اعْتِصارُ قَريحَةٍ ظَمْأَىً
وما بِسِوى السَّرابِ المَحْضِ
يُرْوى الشَّاعِرُ

جَفَّتْ خُطايَ فَلَمْ يَعُدْ سَيْرٌ بِها
لَكِنَّما
لِلْآنِ وَجْهِيَ سائِرُ ..!

وَحْدي
أُراوِدُ فِكْرَةً عَنْ فِكْرَةٍ أُخْرَىً
وأُعْرِضُ عَنْهُما وَأُسافِرُ


في الرِّيحِ أَعْبُرُني إِليَّ ؛ فَيا تُرى
هَلْ ثَمَّ غَيْرِيَ مِنْ خِلالِيَ عابَرُ ..؟

ما زِلْتُ أُقْنِعُني بِنَفْسِيَ
إنَّني – خَوْفَ انْفِلاتِيَ في سِوايَ –
أُحاذِرُ

أَعْرَى
فَـ(ـآدَمُ) فِكْرَتي لا خاصِفٌ فِكْرًا
وَلا لِعُرِيِّ فِكْريَ ساتِرُ

طَرَقَتْ شَوارِدِيَ الجِهاتِ
وَما دَخَلْتُ جُنونَ أَسْئِلَتي
فَكَيْفَ أُغادِرُ ..؟

يَنْتابُنِي رَيْبُ (اهْبِطا)
قَلَقَ الوُجُودِ
وَلَمْ يَنَمْ فِيَّ السُّؤالُ السَّاهِرُ :

أَيْنَ الـ(ـحُسَيْنُ) تُرى ..؟
أَلَيْسَ هُوَ اليَقيْنُ مُجَسَّدًا ..؟
فَالشَّكُّ بي يَتَكاثَرُ

نَادَيْتُهُ والأَيْنُ تَرْكُضُ بِي إلَيْهِ
كَأَنَّما
نَحْرٌ يُحَزُّ وَناحِرُ

نَادَيْتُهُ مُتَخَفِّفًا مِنِّي
وَمِنْهُ مُزَوَّدًا
وَمَلامِحِي تَتَطايَرُ

يا أَنْتَ
يا مَنْ (جاءَ مِنْ أَقْصى المَدينَةِ) ..!
يا (مُحَمَّدُ) عَنْ (قُرَيْشَ) مُهاجِرُ


أمْعَنْتُ في رُؤْياكَ أَعْمَقَ رُؤيَةً
مِمَّا تَعمَّقَ في ضُلوعِكَ حافِرُ

وَحْدي
تَمَرْأَيْتُ الحَقيقَةَ مُوْقِنًا
فَرَأَيْتُ ما لا يَسْتَطيعُ النَّاظِرُ

حَوْلي الجَميعُ يُرَونَ
لَكِنِّي أُحِسُّ الكُلَّ غيَّابٌ
وَوَحْدَكَ حاضِرُ ..!

لِيَ فُرْصَةُ الثَّلْجِ الأَخِيرَةِ فَامْتَحِنِّيَ
عَلَّني لَكَ لا لِغَيْرِكَ ناصِرُ

عَبَثًا تَبِعْتُ الجَهْلَ
قُلْ :
كَمْ مَرَّةٍ بالعِلْمِ واسْتِشْرافِهِ أَتَظاهَرُ ..؟

أَلْفَيْتُ (خِضْرًا) فِيكَ
إِلاَّ أَنَّني (مُوسَىً) أُحاوِلُ أَنْ ..!
وَما أَنَاْ صَابِرُ

قُلْتَ احْتِمالاً : (لَنْ تُطيقَ مَعي)
فَقُلْتُ : بَلى
لِأَنِّيَ آنِفٌ وَمُكابِرُ

مَسْعَى (اِبْنِ سَعْدٍ) كَمْ سَعَيْتُ ..؟
وَكَمْ خَذَلْتُ ..؟
وَكَمْ رُهِنْتُ بِطَيْشِ ما هُوَ آمِرُ ..؟


لَكَ سِيرَةٌ عُليًا وَلِي دُنيًا
لِذا
فَأَنَا بِلا سَنَدٍ وَأَنْتَ تَوَاتُر

لا نَرْدَ يَبْعَثُنِي احْتِمالاً سابِعًا
فَعَلامَ أُسْرِفُ بالفَنا وأقامِرُ ..؟

يَصطادُني وَجعُ النَّدامَةِ
مِثْلَما يُصْطادُ بالسَّهْمِ المُثَلَّثِ عافِرُ

وَحْدي
بِغيْرِ فَمٍ أُحَدِّثُ مِنْ دَمٍ
فَعلى الشِّفاهِ أَسِنَّةٌ وَخَناجِرُ

حَدَّثْتُ عَنْكَ
مُتاجِرًا بِكَ عَبْرَ أَلْسِنَةِ الرُّواةِ
وَما أَزالُ أُتاجِرُ


إِنْ مَرَّنِي اِسْمُكَ
لا أُبارِحُ زافِرًا
فَأَكادُ أُخْلَقُ فَرْطَ ما أَناْ زافِرُ ..!

حَاصَرْتَني حَدَّ التِباسيَ
لَسْتُ أَدْري فَيكَ
أَمْ في جَنْبَتَيَّ مُحاصَرُ

فَأَناْ الصَّدى
والصَّوْتُ أَنْتَ وَطالما أَحْيا رَمِيمِيَ
صَوْتُكَ المُتَقاطِرُ

وَلَأنْتَ أَوَّلُ مَنْ يُصَلِّيهِ الرَّدى
كَيْ لا تَكونَ إلى الصَّلاةِ أَواخِرُ

يا واحَدَ اللهِ الَّذي
أَوْحَى الهُدى
فَكَأَنَّهُ غَيْبٌ وَوَحْيٌ مَاطِرُ

كَيْفَ الصَّعودُ إلَيْكَ ..؟
كَيْفَ وَها هُنا
بَيْني وَبَيْنَكَ أَضلُعٌ وَحَوافِرُ

ما بَيْنَنَا وِرْدٌ وأَحْسَبُ أَنَّهُ
جَسَدٌ أَسيرٌ أَوْ فُراتٌ آسِرُ ..!

وِرْدٌ
وَقَدْ حَرَثَتْ بِهِ فَرَسٌ كَما حُرِثَ الثَّرى
فمَناجِلٌ وَبَيادِرُ

وَحْدي
اَدَّعَيْتُ بِمَا اَدَّعَيْتُ أمامَ جُرْحِكَ ماثِلًا
حَيْثُ المُثولُ السَّافِرُ

مَا ثَمَّ فِي جَيبي رَصاصَةُ رَحَمْةٍ
فَرصاصُ ظُلْمِيَ فِي فُؤادِكَ غائِرُ

مُتَوَرِّطٌ جَدًّا
وُعاذِرُ ضِلَّتي أَنِّي بِغَيْرِ هُدىً
وَمالِيَ عاذِرُ

يا لَيْتَني مِنْ أَهْلِ :
(لا خَوْفٌ وَلا هُمْ يَحْزَنونَ)
وَلَيْتَني بِكَ عامِرُ

أَوْ لَيْتَني غَيْري فَأُوْلَدَ مَرَّةً أُخرْىً

وَفَهْمِيَ
لِلْوجودِ مُغايِرُ