التعليق النقدي للجنة القراءة النقدية (فئة القصيدة الحديثة): الدكتور رحمان غرقان

التعليق النقدي للجنة القراءة النقدية (فئة القصيدة الحديثة): الدكتور رحمان غرقان

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا دائما أبدا، وصلى الله وسلم على خاتم أنبيائه الحبيب محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته الشهداء الأطهار وصحبه المنتجبين الأخيار، ومن استن بسنته مهتديا بهدي الله إلى يوم الدين، والصلاة والسلام موصولان إليكم أيها الملأ المبارك الحاضر والمستمع والمشاهد ورحمة الله وبركاته.

شكرا للأسرة الكريمة القائمة على إعداد هذه النسخة الشعرية الخامسة عشرة من مسابقة شاعر الحسين. شكرا يحفه الدعاء بدوام التوفيق وازدهاره.

شكرا لكل الشعراء الذين أسعدتنا القراءة لهم وتشرفنا بقراءة عطائهم الشعري الذي هو مما ينفع الناس ويمكث في الأرض مثمرا في القلوب. وأشكر أخويّ العزيزين اللذين شاركتهما شرف القراءة النقدية في هذه المتون الشعرية العالية أعني الدكتور علي فرحان والأستاذ حبيب حيدر وعنهما يصدر الصالح مما أقول هنا.

أما بعد فإنّ الشعر كلام نوعي يصدر عن إحساس متميز بالشيء والمعنى ولغة التعبير عنهما، وبمعزل عن مائز الإحساس بالشيء وبلغة التعبير عنه، لا يصلنا الشعر اللافت الباعث على الإدهاش، وأجد أن الشعر ليس معجماً وأوزاناً وقوافيَ وتراكيبَ لغويةً وبناءً فقط، بل ذلك كله مسقيًّا بإحساس مختلف مستجد من لدن القلب الشاعر لأجل أن يخرج النص الشعري من أسر القالب الجاهز الذي هو شأن متاح مطروح في الطرقات، ولهذا يتعدد الشاعر الكبير في قصائده الكبيرة، أما التقليدي فتجد قصائده كلها نسخة واحدة.هذه الرؤية التي تقع في الشعر تتكرر في عالم الأشياء والمعاني، الرؤية التي يعيشها الشاعر مع الرمز ولاسيما الديني ومنه النبوي، والإمامة جزؤه الأثرى والأغزر في امتداده هي جسر ضوء للنبوة، ومن ثمة فإن رمزية الإمام المعصوم في الشعر تستدعي أن يتنفسه الشاعر بوعي فني وإحساس وجداني متميزين يتمثلهما في لحظة القصيدة، ويأخذ بهما لديمومتها حتى يتخلقا في عالمها الشعري. أقول هذا بين يدي القراءة في القصائد المشاركة في مسابقة شاعر الحسين بنسختها الخامسة عشرة، وأسجل في عجالة من رؤية نقدية الملاحظ الذاتية. حين تتجاور قامات القصائد في ارتفاعات متشابهة يكون الحكم النقدي في تقديم بعضها على بعضها الآخر نسبيا بسبب من زئبقية الشعر ومرونة الرؤية المنهجية الموجهة للقراءة. ولهذا نلجأ إلى تقنيات التأثيث الداخلي لعالم القصيدة والكيفية التي يجتهد الشاعر بها في إثرائها فنيا وجماليا، وبخاصة أن القصائد تستلهم رمزا هائلا في أفق من عناصر وعوالم تاريخية وعقائدية ووجدانية فردية أحيانا.توزعت القصائد المشاركة على أربعة اتجاهات:أولاً: قصيدة خلق الصوري اللافت الباعث على الإدهاش. من ذلك قصيدة (النحر اللوحة الأخيرة) ذات البناء الشعري التصويري اللافت، وقصيدة (بين الشهود والغيب)، وقصيدة (مآذن الجرح).ثانياً: قصيدة الرمز التاريخي التي اجتهد الشعراء في الخلوص إلى كيفيات ترميز شعري ذي حضور إبداعي جديد في الشعر الحسيني كما في قصائد: ذروة المجد، منحوتات الإزميل، خارج من كربلاء، قمر مضرج بالقيامة، كعبة في هودج نور، الطبعة الأولى لكتاب الحقيقة، ولكنه العطش الأخير، والدمعة الملحمة، وكليم السبط.ثالثاً: قصيدة اللغة الشعرية الحديثة التي تشتغل فنيا على كيمياء اللغة الشعرية في هائل ممكناتها لتوظيف ذلك في سياقات الشعر الملتزم كما في قصائد: تلك السيوف، وعاشوراء صوت السماء الأبدي، وآخر فرصة لآدم، ووصول، وغيرة الغيث، ومرايا العطش، ومسند الرفض، وحرية الماء.رابعاً: قصيدة القناع التي يرد فيها كلام القصيدة ناطقا باسم صوت من رموز الطف الحسيني بلغة من ثراء شعري وتوظيف لتقنيات إبداع المعنى الشعري مثل: آخر ما حلم به الماء، ومتلقيا كلمات ربي.ومن بين هذه الاتجاهات الأربعة الرئيسة أشير بإيجاز إلى ثلاث قصائد بدت لنا متوافرة على ما يبعث على الوقوف عندها أكثر. هي:قصيدة (آخر ما حلم به الماء) [للشاعر سيد علوي سيد أحمد الغريفي] وهي قصيدة قناع إسلامي تقنع الشاعر فيها بصوت عبد الله الرضيع لتجري القصيدة في بث الصوت الحسيني في حوار مع الطف مكانا سماويا أرضيا ومع الماء معنًى سماويا، ومع أبيه معنى نبويا، ومع القرآن نيابة حضور السماء في الأرض، بلغة ذات تقنيات شعرية عالية الإيحاء. ومع ذلك أدعو الشاعر إلى مراجعة البيتين العشرين والسادس والعشرين، فإن في نفسي شيئا من (قد) فيهما.قصيدة (رسم بلا أصابع) [للشاعر ناصر زين] قصيدة الصورة الشعرية بكيمياء اللغة الشعرية الحديثة، ترسم واقعة الطف برؤية تستدعي جبرائيل عليه السلام رساماً، موظفة بعض آي القرآن العظيم مرجعية في الرؤية والرسم والكشف، وبألوان تستدعي الرموز النبوية لبث معانيها في رسم تفاصيل المعركة. وإذ يكون الرسام جبرائيل عليه السلام فإنّ الآمر الله سبحانه وتعالى.قصيدة (متلقياً كلمات ربي) [للشاعر علي المؤلف] وهي قصيدة قناع أيضاً حيث تقنّع الشاعر بصوت قيس بن مسهّر الصيداوي السفير الأول للإمام الحسين عليهما السلام، وهي قصيدة استشراف تؤدي المعاني الشعرية بنهج قصيدة النبوءة، وتقارب بين رحلة السفير وبعض معاني الإسراء النبوي من جهة، وبين لحظة الاستشهاد والمعراج النبوي من جهة أخرى، ليكون المعراج خلوصاً إلى الجنة بلغة ذات مرجعية قرآنية عالية البث.أما التوصيات التي خلصت إليها لجنة القراءة النقدية فيمكن إيجازها فيما يأتي:(1) يمكن أن يصار إلى تحديد أفق موضوعي من آفاق الطف أو معطيات أدب الطف والإعلان للكتابة فيه.(2) يمكن أن تخصص كل نسخة برمز من رموز عالم الطف يكون مدار الاستلام الشعري.(3) تحديد تقنية بعينها للكتابة في ضوئها مسبقا وفي مدة تتاح للشعراء لا تقل عن ثلاثة أشهر من مثل قصيدة القناع، قصيدة النبوءة، قصيدة التمييز التاريخي، قصيدة الاعتراف، قصيدة العائلة، القصيدة اليومية، وهكذا.(4) أن يُصار إلى أن يكون الفائزون في هذه النسخة ضيوف شرف في النسخة القادمة حتى لا تتكرر الأسماء، ويتاح المجال للمشاركة في النسخ المتعددة لأكثر عدد من الشعراء.ندعوه سبحانه أن يتقبل محبتنا إياه خالصة، والسلام على الحسين وآله وأصحابه، ومن تنفّس محبته إلى يوم الدين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأستاذ الدكتور رحمان غرقان

أستاذ النقد الأدبي والبلاغة – جامعة القادسية (العراق)

عضو لجنة القراءة النقدية – فئة القصيدة الحديثة