أراك سخي الدمع يخذلك الصبرُ / فكم للهوى نهيٌ عليك وكم أمرُ
كرعشة طير في المهب لوحده / به لعبتْ ريحٌ وعاقبهُ قهرُ
تشردكَ الأحزانُ نهبَ ذئابها / توالى عليكَ الجمرُ والثلجُ والجمرُ
أهاجكَ أحبابٌ حفرت قبورهم / فعادوا لهم في كل جارحةٍ حفرُ
فدأبكَ لا تنسى وزَوركَ دأبُهم / كأن لهم دَينٌ وفاك به عسرُ
وإن كنتَ لا تنسى فما تلك بدعة ٌ / فكل خدين الشعر يمطرهُُ الذكرُ
رقيقٌ كأحشاء القوافي شعورهُ / وصلبٌ على النسيان معدنهُ صخرُ
إذا ما تناسى الناس أحزان وقتهم / وشاخ الأسى أحزانهُ أبدا بكرُ
يعيدُ له ماضي الدماء خيالهُ / كأن على تلك الدما ما أتى الدهرُ
وتلك لأرباب القصيد جبلــّـة ٌ / على كل مفقودٍ يفيض بهم نهرُ
فكيف إذا كان القتيل قضى ظما ً / “وفي كل عضو من أنامله بحرُ”
له ميزة ٌ أن ادكار مصابهِ / يسليكَ عن كربٍ كما يفعلُ السحرُ
يريكَ عذابات الزمان عذوبة ً / وينمو على أجداث غُيّابكَ الزهرُ
ويأتيكَ ثم الحزنُ صرفا معتقا / عميقا فلا أمرٌ هناكَ ولا خمرُ
وثاني السجايا أن من ذل أهله / بأيدي الأعادي يستقي قلبكَ الحرُ
وثالثها إن أخلقَ الدهرُ وامحى / تراهُ فتيَّ الخلق و الغرس يخضرُّ
صديقي غريب الطف أي صداقةٍ / بها غمرتني منك أفضالك الكثرُ
فلولاكَ لم أنس الذين تركتـُهم / ولم يُقض من توديع أكتافهم وطرُ
ولولاكَ لم أحبس مدامع غصتي / بفقد الذي أودى بهِ الحادث المرُّ
ولولاكَ لم أرفع على الضيم هامتي / كما يتجلى فوق غيماته النسرُ
رأيتُ نكال الظالمين وبطشهمْ / بحبكَ أحلى ما يفوز به الصبرُ
فإن قيل قيدٌ قلتُ زيدوا حديده / وإن قيل قتلٌ طاب في حبكَ النحرُ
ولكن بأسي في قبال شدائدي / يذوبُ إذا ما كان في رزءكَ الصهرُ
أنا الصامد المعروف لكن صلابتي / تميدُ إذا ما طاف في خاطري المهرُ
يحمحمُ حتى الصوت حيٌ كأنه ُ / يهرول مذعورا ويتبعهُ البرُ
فتخرجُ في استقباله زينبٌ وقد / أحاطت بها البلوى وحاصرها الغدرُ
تناديهم خجلى وفي صدر ذلها / تهدج صوتٌ من خلائقه الكبرُ
ترى فوق رأس الرمح شمسا ً تلامعتْ / ولكن عليها من ظلام الأسى سترُ
تقول إليكَ العذرُ عن شح نصرتي / وما للذي أرداكَ يا مهجتي عذرُ
ألا أيها الرأس الذي جزهُ العدى / وفي كل بيتٍ من قصائده شطرُ
وما مر إلا وانحنى كل شاهق / عليه ومال النجمُ وانشطر البدرُ
مصيبة ُ معناي الذي حرفهُ دمٌ / وفرحة ُ مغناي الذي لحنهُ درُّ
حديثكَ لي عبر التواريخ مؤنسي / ومنبعُ إلهامي وأنت له سرُ
عليكَ سلام الله ما دار كوكبٌ / وما وقف التاريخُ وانتصبَ الحشرُ
هناك يرى الباغون سود أكفهم / وأوجههم بالرعب تذوي و تصفرُّ
هناك يرى العشاق بيض قلوبهم / طيورا إليها الله بالود يفترُّ
فلا عذبَ الله الذي صبَ أضلعي / بحبكَ حتى شيد في جوفها قبرُ
فيقصدني الزوار من كل ملةٍ / يروا قبة ً خضراء شيدها الشعرُ
هما الأمُ لا أنسى مدى العمر رضعها / مع الأب أحيتني مدارسهُ الغرُّ
فيا رب أجزل بالعطاء جزاهما / وإن قلَّ مني في حقوقهما البرُّ