~ قَابَ فَنَاءٍ أو أَدْنَى ~

ذَرْنِي لِأَفْنَى فِي هَوَاكَ فَأُخْلَقُ
وانْفَخْ بِرُوحِيَ مِنْ سَنَاكَ فَأُشْرِقُ

هَا طِيْنَتِي مِطْوَاعَةٌ فَاعْجُنْ بِِهَا
مِنْ فَاضِلِ الطّينِ الّذِي يَتَأَلّقُ

وارْوِي بِمَاءِ الحُبّ قَفْرَ جَوَانِحِي
ودَعِ الحَيَاةَ بِخَافِقِي تَتَدَفّقُ

مَا كُنْتُ إلّا جُثّةً تَمْشِي عَلَى
قَدَمَيْنِ والأَهْوَاءُ حَوْلِيَ تَنْعَقُ

مُسْتَغْرِقٌ فِي ذَاتِيَ العَمْيَاء
يَحْصُرُنِي بِفَكّيْهِ السّوَادُ المُطْبَقُ

كُلّ الجِهَاتِ تَعُقّنِي وأَنَا بِهَا
أَكْبُو عَلَى تِيهِي وَحِيْنًا أَزْلِقُُ

مُتَوَرّطٌ بِتَخَبّطِي وهَواجِسي
حَيْرَى بِقَبْضَتِها سُؤَالٌ يَطْرُقُ

أَيْنَ السّبِيلُ ؟؟ وإِذْ بِمِصْباح الهُدَى
يَحْنُو عَلَى قَلْبِي الغَوَيّ ويُشْفِقُُ

ومَدَدتَ لِي حَبْلاً مِنَ الضّوءِ ادّلَى
مِنْ كَرْبَلا فَوَجَدْتُنِي أَتَسَلّقُ

أَطْوِي مَرَاقِي الْغَيْبِ مَدّ بَصِيْرَتِي
والمَاوَرَاءُ سِتَارَةٌ تَتَمَزّقُ

لِأَرَى ومَابَرِحَ الذّهُولُ يَهُزّنِي
كُلّي عُيُونٌ فِي الطّفُوفِ تُحَدّقُ

كَيْفَ افْتَرَعْتَ المَدّ طُوفَانًا أَتَى
جَسَدَ المِيَاهِ وفي القَوادِمِ زَوْرَقُ

فَاسْتَيْقَظَ المَوْجُ الكَسُولُ لِثَوْرَةٍ
عذْرَاءَ أَشْعَلَهَا الجُمُوحُ الأَزْرَقُ

حِيْنَ اسْتَمَدّ مِنَ الدّمَاءِ حَرَارَةً
حَمْرَاءَ تَزْفُرُ فِي المُحِيطِ وَتَشْهقُ

لِيَضُخَ فِي صُلْبِ التّرَابِ سُلَالَةً
ثَوْرِيّةً مِنْ كَرْبَلا تَتَخَلّقُ

فَتَمُورُ فِي رَحِمِ الوُجُودِ وثَأْرُهَا
مِنْ سَاعَةِ الطّلْقِ المُقَدّسِ يُطْلَقُُ

“لَبّيْكَ” بَارُودُ الحَنَاجِرِ تَلْتَظِي
غَضْبَى يُفَجّرُهَا الوَلاءُ المُطْلَقُ

زَحْفٌ مَعَ الطّوفَانِ تَتْبَعُ وَحْيَهَا
خَلَفَ اليَقِينِ إلى الكَمَالِ تُحَلّقُ

وهُنَاكَ تَجْرِفُنِي رُؤَاكَ بِمَدّهَا
أَطْفُو عَلى لُجَجِ الدّمُوعِ وأَغْرَقُ

حَيْثُ انْتَفَضْتَ عَلَى اليَبَابِ
فَشَطّ مِن لَاءاتِكَ الدّفْلَى وثَارَ الزّنْبَقُ

وكَأَنّمَا بِالتّضْحِيَاتِ تَبَرّجَتْ
مِنْ كُلّ ألْوَانِ البُطُولَةِ رَوْنََقُ

وتَوَرّدَ الحَقْلُ المُخَصّبُ بِالفِدَا
فَإذَا بِهِ فِي كُلّ نَحْرٍٍ يُورِقُ

قُطِفَتْ عَنَاقِيدُ الكَرَامَةِ والإبَا
فِي حَانَةِ المَوْتِ المُدَامِ تُعَتّقُ

فَإذَا القُطُوفُ كَوَاكِبٌ دُرّيَةٌ
فَوْقَ الرّمَاحِِ إلى السّمَاءِ تُعَلّقُ

والسّدْرَةُ الحَوْراء تَرْتِقُ صَبْرَهَا
مَهْمَا تَخِيطُ الجُرْحَ دَأْبًا يٌفْتَقُ

تُؤْوِي بَلابِلَهَا المَرُوعَة كُلّمَا
تَنْعَى بِتَغُرِيدِ الفَجِيعَةِ تُرْشَقُ

حَتّى الزّهُورْ تَرّشُ عِطْرَ نِضَالِهَا
والنّصْرُ مِنْ أَكْمَامِهَا يَتَفَتّقُ

مَا جَفّ نَهْرُ الجُودِ يَسْقِي الّلائِذِينَ
” وإنْ بِلا كَفّينِِ ” ..صَبًّا يُغْدِقُ

وتَعَرّشَ الزّيْتُونُ وِسْعَ جِهَاتِنَا
يَزْهُو بِأَثْمَارِ الفُتُوحِ ويَعْبَقُ

مَازَالَ يُوقِدُ فِي الضّمِيْرِ شَرَارَةً
تَجْتَاحُ مَرْعَى الظَالِمِينَ وتُحْرِقُ

مَازَالَ يَغْرُسُ فِي الصّحَارَى نَخْلَهَا
الحُرّ الّذِي رُغْمَ التّحَجُر يَبْسُقُ

مَازَالَ مِصْبَاحًا تَنَاسَلَ بِالهُدَى
كُلّ الرّؤَى حبْلَى بِهَدْيٍٍ يَبْرُقُ

مَازَالَ بَلْ مَازَالَ بَلْ مَازَالَ فِي
أَبَدِيّةِ الأَحْرَارِ حَيّا يُرْزَقُ

ذَرْنِي لِأَفْنَى فِي سَنَاكَ فَرَاشَةً
سَكْرَى تَخرّ مَعَ الوِصَالِِ وتُصْعَقُ

وأَعُودُ أٌخْلَقُ فِي هَوَاكَ كَأَنّنِي
مَا كُنْتُ ذَاتَ غِوَايَةٍ أَتَشَرْنَقُ

وأنْقُشْ عَلى فستان أَجْنِحَتِي
“أَنَا أَهْوَى حُسَيْنًا” حِينَهَا سَأُحَلّقُ

وأَرُفُّ عِنْدَ ضَرِيحِكَ /الفِرْدَوْس
والّلهَفَاتُ مِنْ فَرْطِ التّوَلّهِ تُهْرَقُ

“لَبّيْكَ” قَابَ فَنَاءِ رُوحِيَ أَجْتَلِي
وَهْجَ الخُلُودِ ومِنْ هُنَالِك أُشْرقُ

حيرة ُ خدر … واستفاقة ُ نحر

مابين َ نحرِك َ والسيوف حوار ُ
ألق ٌ على رمح الضياء ِ يدارُ

ما بين تلك الطعنتين مجرة ٌ
من جرحها يتدفق الثوار ُ

ما بين قلبــــِــك والشريعة ِ جمرة ٌ
تروي الجباه َ بها تجف ُ بحار ُ

الله يا قلب الرضيع ونحره
يتلو نشيدا صاغه المسمار

الله يا خدر العقلية ِ حائرا ً
نام الوجود ُ ليستفيق َ قرار ُ

أيشد نحرك َ يا حسين ليرتوي ؟
يا روض َ نحرِك والحياة ُ قفار ُ

أيطير بالأوجاع ِ يا جنح الأسى ؟
نحو الشريعة ِ والعتاب ُ يثار ُ

فهناك َ يُختصر ُ الكلام ُ بصمته ِ
الصمت ُ في لغة ِ الدماء ِ وقار ُ

فهناك َ يلجم ُ الزمان ُ للحظة ٍ
زأرَ اليمين ُ بــِـها وضج َ يسار ُ

أم يقتفي أثر الصغار ِ مفرقا ً
شمل ُ المدامع ِ كي تـــُــلــَّم صغارُ ؟

هبت قلوبهم ُ يعانقها اللظى
فالأرض ُ تلهث ُ والظما إعصار ُ

ام ينحني نحو الخيام مقبلا
صبر الفواطم والعيون غزار

أم لا ليستر ذلك َ القمر َ الذي
قدْ كان َ حارس َ نوره ِ الكرار ُ

يا عين َ زينب َ والمساء ُ يلفها
وترى الظلام َ يدور ُ حيث ُ تدار ُ

صبت تصبرَها بثغر ِ جراحها
فالصبر ُ طود ُ والجراح ُ قصار ُ

فلكم تمنت نحر َ شمس ِ سمائِها ؟
ويشيب ُ ليل ٌ كي يموت َ نهار ُ

ألم ٌ دماء ٌ ثورة ٌ وجع ٌ دموع ٌ
منحر ٌ وحي ٌ يعيش ُ ونار ُ

في ظل ِ صمتي سوف يشرق ُ صوته ُ
فالصوت ُ أخرس ُ والحسين ُ شعار ُ

لله ِ يا ألقا ً يحاور ُ مقلتي
الضوء ُ أعمى والحسين ُ منار ُ

عندما تبسّم الهلال

1- هلَّ الهلالُ مؤذناً لمحرمِ
بادٍ كثغرِ الضاحكِ المتبسمِ

2- فعجبتُ من هذا الهلالِ وأمرِهِ
ولِمَ التبسمُ في المصابِ الأعظمِ

3- فأجابني ضوءُ الهلالِ ونورُهُ الــــ
ــــمنسابُ مثلُ القطرِ فوقَ البرعمِ

4- هذي ظعونُ العاشقين توافدت
صوبَ الطفوفِ بشوقها المترنمِ

5- تمشي وتحفرُ في ترابِ دروبها
كالقيدِ يحفرُ رسمَهُ في المعصمِ

6- فانظر لهذا الرسمِ أصبحَ منهجاً
يمشيهِ كلُ مُولـّهٍ ومتـيّمِ

7- وانظر لبقعةِ كربلاء توسُّماً
فبها ستنظرُ آية َ المتوسمِ

8- وسلْ الحسينَ إذا وصلتَ ضريحهُ
ونزلتَ ضيفاً في عرينِ الضيغمِ

9- هل هذهِ الأرضُ التي لم تروِها
إلا زكاةُ النحرِ من فيضِ الدمِ

10- وأديمُها وترابُها وصخورُها
هي من بقايا صدرك َ المتهشمِ

11- هل هذهِ الأرض التي في حضنِها
تعلو الرماحُ برأسكَ المتعممِ

12- هل هذهِ الأرضُ التي من بأسها
فطموا رضيعكَ سيدي بالأسهمِ

13- هل هذهِ الأرضُ التي نيرانُها
لم تبقينَّ إليكَ أيَ مخيمِ

14- وإذا وقفتَ على المقامِ تفكراً
لتجولَ فيهِ بنظرةِ المستفهمِ

15- وقفَ الزمانُ بكربلاء مبجِّلاً
هذا الغريبُ الفاطميُ الهاشمي

16- يبلى الزمانُ وليس يبلى عشقُ منْ
قهرَ الزمانَ بعشقهِ المتقادمِ

17- فانظرْ لجدرانِ المقامِ كأنها
مبنيةٌ من صدرهِ المتحطمِ

18- وكأن ُشبّاكَ الضريحِ مُعتّــقٌ
ومُطرّزٌ من ثغرِهِ المُـتـثـلّمِ

19- والقبة ُ الصفراء فوقَ ضريحهِ
شمسٌ لقد وُضِعَتْ كفصِ الخاتمِ

20- وانظر منارَتهُ تُداعبُ كفُها
رأسَ الغيومِ السابحاتِ الهُـيَّمِ

21- إذ تستظلُ بها الحمائمُ رهبةً
من أن يظللُها جناحُ الهيثمِ

22- حتى المصابيحُ التي قد عُــلــِّــقت
فوقَ المقامِ تلألأت كالأنجمِ

23- ستقولُ يا عجبَ الزمانِ لكربلا
أوَلمْ تكوني الأمس مثلَ جهنمِ

24- هوذا الحسينُ فأين من ساروا لهُ
ما بين مختصمٍ وبين مُزَاهِمِ

25- فأجابني التاريخُ هاهم قد مضوا
ورفعتُ عنهم رايةَ المستسلمِ

26- عبدوا يزيدَ ومالَهُ ومقامَهُ
والعابدونَ لغيهِ المُتصنّمِ

27- مضتْ الجيوشُ وبُدِّدتْ أعدادُها
وقصورُهُ بتصدعٍ وتهدمِ

28- أين الثرى من جسمهِ ورميمهِ
أم منْ يجودُ بدمعةِ المترحمِ

29- قتلوا الحسينَ لعلهم لم يعلموا
وُلِدَ الحسينُ مجدداً بمحرمِ

30- هو فـُلْـكُ نوحٍ حينما قد علّقوا
آمالَهم سَفَهاً بركنِ الظالمِ

31- اليومَ أمرُ اللهِ حلَّ وما لهم
عن أمرهِ وعذابهِ من عاصمِ

32- ثارتْ دِماهُ كأنها بحرٌ وهم
غرقوا بلُجّةِ موجهِ المتلاطمِ

33- أبلاهم التاريخُ حتى أنهُ
فرعون موسى جسمُهُ لم يُعدَمِ

34- رأفَ الزمانُ بنا فما أبقى لهم
أثراً يحزُ بجرحنا المتألمِ

35- هوذا الحسينُ أراهُ حياً واقفاً
– وهو القتيلُ- على رفاتِ الظالمِ

36- هوذا الصراط ُ المستقيمُ ومنْ علـــ
ــــــيهِ يسيرُ بينَ مثبَّتٍ ومُدَمْدَمِ

37- والكوثرُ العذبُ الزلالُ ومن إلــــ
ـــــــيهِ يسيرُ بينَ مؤخَّرٍ ومُقدَّمِ

38- حسبوا بقتلِكَ نصرَهم وتوهّموا
ضحكَ الزمانُ لغفلةِ المتوهمِ

39- سقطَ القناعُ وبعدهُ أسطورةَ الـــ
ـــنصرِ المؤزرِ وهو محضُ مزاعمِ

40- أكذوبةَ النصرِ التي ليست سوى
نصرٍ تحقق في خيالِ الواهمِ

41- مرّت بمرفأِ كربلاءَ وأبحرت
سفنُ السنينِ بحزنِها المتراكمِ

42- واليومَ قد بزغَ الضياءُ لتنجلي
شمسُ الحقيقةِ بعدَ دهرٍ غائمِ

43- فاستيقظت كلُ الشعوبِ وشاهدت
يا كربلا لمن انتصارُكِ ينتمي

44- وقفت على أوهامهم كلُ الشعــــــ
ــــوبِ وخاطَبتهم يا عبيدَ الدرهمِ

45- اليومَ من عضَّ الأناملَ حسرةً
لا تنفعـنّـكَ عضـةُ المتندمِ

46- عجباً فإن القاتلينَ إليهِ قد
هُزِموا وإنّ قتيلهم لم يُهزمِ

47- الحقُ يُعلي أهلَهُ بسمائِهِ
والجُرمُ يُقبرُ فيهِ ذكرُ المجرمِ

48- كَلْمى تمرُ بيَ السنينُ وأمتطي
الأحلامَ دونَ عنانِها والألجمِ

49- وأجولُ في فَـلـَكِ الفجيعةِ سابحاً
كالعقلِ يسبحُ في فضاءِ الحالمِ

50- يومَ الحصادِ بعاشرٍ ماذا عسى
غيرَ الدموعِ حصادُها في موسمي

51- بكتْ العيونُ عليكَ فيضاً من دمٍ
والشيبُ أشرقَ بعدَ ليلٍ مظلمِ

52- وعجزتُ من حزني أبوحُ وأشتكي
فجعلتُ حسْراتي لسان َ تكلـُّـمي

53- ولقد رسمتُكَ والطفوفَ بلوحةٍ
ويدي بها عشقي وقلبي مرسمي

54- فأحلتُ رمضاء الطفوفِ جنائناً
وكسوتُ عاري جسمِكَ المتهشمِ

55- وجعلتُ ماءَ النهرِ ينبعُ دافقاً
من بينِ كفكَ كالرحيقِ البلسمِ

56- ونزعتُ أهدابي وفيكَ زرعتُها
ورداً بموقعِ نابتاتِ الأسهمِ

57- أرجعتُ خنصركَ التي بُتِرتْ وقد
طوّقتُها يا سيدي بالخاتمِ

58- ورويتُ طفلكَ سيدي ورسمتُ في
وجناتهِ إشراقةَ المتبسمِ

59- وجعلتُ نيران الخيامِ جنائناً
من وحي بابل صغتُها كالمعْـلـَمِ

60- وجعلتُ حولكَ منْ تشاءُ من الورى
فيها ابتداءً بالرسولِ الأكرمِ

61- ومسحتُ من أرضِ الفجيعةِ سيدي
كلَ الجيوشِ وكلَ عاتٍ مجرمِ

62- ورسمتُ أصحابَ الحسينِ تجمعوا
مثلَ السماءِ تزينت بالأنجمِ

63- وجعلتُ عباساً يجولُ برايةٍ
والكلُ مبتهجٌ بعرسِ القاسمِ

64- لكنْ عجزتُ بأن أواري وطأةَ الـــ
ـــشمرِ اللئيمِ على المقامِ الأحرمِ

65- يا مُلهمَ الأجيالِ وحْياً فارتقت
طرقَ السماءِ على براقِ المُــلهِـــم ِ

66- ومحّررَ الأجيالِ من أقيادها
وخنوعِها وركوعِها للغاشمِ

67- أيقظت أفئدةَ الورى من نومِها
دهراً بكهفِ الجهلِ دون تبرم ِ

68- وبعثتَ في موتى القلوب ِ تكرُّماً
روحَ الإباءِ بنحرِكَ المُـــتَكرّم ِ

69- يا منبعَ الحرية ِ الحمراءِ يا
كهفاً تلوذُ بهِ النحورُ وتحتمي

70- يا مرفأ الأحرارِ تلكَ مراكبُ الـ
ـــعشاقِ عندَ رصيفِ عشقِكَ ترتمي

71- أحسينُ يا عشقي الأصيلُ وإنني
عبدٌ إليكَ فأنتَ حقُ معلمي

72- علّمتني أنّ الكرامةَ تُشترى
بدمٍ لمن قد باعها بالدرهمِ

73- علمتني أن الدماءَ حضارةٌ
تبقى وصرحُ مُريقِها بتهدمِ

74- علمتني أنّ المناحرَ سيدي
جُعِلتْ كرامتُها بسيفِ الظالمِ

75- علمتني أنّ الرؤوسَ إذا اعتلت
رمحاً عَلَتْ فخراً رؤوسَ العالمِ

76- فلتعلم الدنيا بأن حضارتي
في كربلاء وعيدُها بمحرمِ

77- يا كعبةَ العشاقِ أنتَ حضارتي
أبداً وفيضُ دماكَ أمسى زمزمي

78- دمُكَ المدادُ وما رأيتُ حضارةً
أقلامُها كَتَبتْ بحبرٍ من دمِ

إناأنزلناه في ليلةالطف

حدثيني وأشعلي القلب نارا

واسكبي اللحن خاشعا موّارا

حدثيني فكل نبضة عشقٍ

في كياني تغازل الإنتظارا

وابعثي الليل موسماً غزليا

فعلى مقلتيك صلى السكارى

حدثيني عن كل شيء فإني

مغرم فيك لست أهوى اختصارا

كل همس يا سجدة الروح منكم

هو وحي يلهو بثغر العذارى

راقصي فيَّ نغمة الروح شوقاً

فبقلبي ثار الهوى واستطارا

لك للحب للهوى للأماني

للجمال القدسي رمت ادِّكارا

فأطلي حرفاً يعانق حرفاً

وشموساً تغازل الأقمارا

حدثيني فقد سئمت اغترابا

وبخطوي ماتت دروب الصحارى

عدت في موعد المواسم شعراً

لحنه داعب الهوى مزمارا

حدثيني قالت فحسبك فخرا

أن تناجي أئمة أطهارا

فتغافى على فم الدهر لحن

يبدع العشق في قلوب الحيارى

فأضأت الشموع ميلاد فجر

لحسين شف الهوى واستنارا

رَقَّصته يد البتول حناناً

وبطهر الوصي حاز الفخارا

هدهدته الأملاك في حجب

الغيب فلبت وأنشدت قيثارا

هو أنشودة الجمال عليها

وإليها تهفو قلوب الحيارى

هبطت باسمه الجلالة سكرى

ولمحرابه الكمال استدارا

وعذارى اللحون بَرَّحها الشوق

فأهدت باسم الحسين الشعارا

لكَ من نفحة البتولُ دلالٌ

ومنارٌ بل أنت خيرٌ منارا

ومن المرتضى تعلمت عزماً

للبطولاتِ صغتهن انتصارا

ومن المصطفى وحسبُكَ عزاً

واصطفاءً أن تُشبه المختارا

أنت من حجر فاطم وعلي

قد سكنت الخلد الإلهيَّ دارا

ومرجت البحرين درا وسحرا

قبساً يُشعل المدى إكبارا

عانقتك الأحلام في ألقِ الفجرِ

فكانت بشوقها أقدارا

والتراتيل مصحف علوي

للمعاني إذ صغتها أبكارا

يا إماماً من زاره زاره الله

فحقاً لطفِّه أن يزارا

يا وليدَ البيتِ المقدسِ قِدْماً

هو للحشرِ ذكره لن يوارى

وله في سما المعارج ذات

أيقظت من غرامها أسحارا

فمحاريبه التقى وصلاة العزم

فيه قد أبدعت أحرارا

يا غناء الأملاك ِ رتل علينا

من تسابيح وحيه أذكارا

وأدرْ كأسه المعتقَ فينا

فبخمرِ الولا أتينا سكارى

همسه همس أحمد وهواه

فاطميٌّ قد عانق الكرارا

قد تجلت يدُ اللطافة فيه

فتعالى فشاء لطفاً فصارا

(في علي أباً وفاطمَ أُماً

وأبيها جداً وجبريل) جارا

فحسين قد لون الطف مجداً

وعلى الأفق قد تراءى احمرارا

يا فماً راقص الخلود وغنى

للبطولات مصحفاً ومنارا

وتمشى مع الزمان هديراً

صاخباً يملأ الدُّنى إعصارا

وصهيل الخيولِ في كربلاه

كِسَفُ تمطرُ الجبان جمارا

وصداه موالُ آلهةِ الحبِّ

يصلي على الشفاه جهارا

وإباء الطفوف نبضٌ بقلبِ

الدهر ما انفك يبدع الأعمارا

فالحسين الدم المخبأ فينا

إن فيه بكل قلب مزارا

بقايا الباء

قدّستُ عندكَ فكرةَ العُظماءِ
فدَنَوتُ منكَ بخطوةِ استحياءِ

وسكبتُ كلّ الشعرِ فوقَ ملامحي
حتّى أمرّغَ بالبكاءِ بقائي

وتوضّأتْ بدمي القصيدةُ قُربةً
لكَ.. واستوتْ لصلاتها الحمراءِ

وطرقتُ باسمِكَ باب قلبي فانبرتْ
تسقي حروفكَ يا حسينُ دمائي

كنتُ انتهيتُ إلى ثراكَ معفّرا
بالفقدِ.. أبحثُ عن فقيدِ الماءِ

ظمآن مثلكَ والقوافي أدمنَتْ
هذا الجفافُ على فمِ الشعراءِ

كاللهفةِ العَطشى تحاولُ أن تضمّـ
ـكَ في جديبِ القفرِ والرمضاءِ

ملءَ اشتغالك بالضياءِ.. وماؤه
يتلو انتفاضَ مريئكَ الوضّاء

ما بين مائك والسماء وصورتي
نورٌ أُريقَ على يدِ الظلماء

يُبدي وضوحَ المُنزِلات على المدى
نَبَأ الندى ونداوةَ الإنباءِ

وجموحَ أسئلةٍ كأنَّ حروفَها
عَقَرَت جروحَ الأرض في أحشائي

مَن أنتَ؟.. يا ضوءَ الوجودِ ولا أرى
إلاك ضوءَ اللهِ في الأرجاءِ

مَن أنتَ؟.. يا مَن لمَّ روحيَ والسنا
يا سيّدي يا سيّدَ الشهداءِ

مَن أنتَ؟.. والضوءُ الجريحُ يقودُني
نحوَ الخلودِ على خُطى الهيجاءِِ

أمضي وهذا الدهرُ أقفرَ والرؤى
وكأنَّ كلّ الكونِ جاءَ ورائي

فأزحتَ عن مُقَلِ القلوب سَوادها
وجعلْتَها ترنو إلى العلياءِ

وجعلتني أدعو بكلِّ جوارحي
ومعي فؤادٌ مُثخَنٌ برجائي

ومعي اصطبارُ المتعبينَ السائريـ
ـنَ إليكَ في السرَّاءِ والضرَّاءِ

أيتامِ هاشمَ والسواكبِ أدمعًا
حَيرى تُبلِّلُ صفحةَ الصحراءِ

اللاطماتِ خدودَهُنَّ من الأسى
والباحثاتِ عن القريبِ النائي

الجاعلاتِ عُيونَهُنَّ منابعًا
تروي مُصابكَ في عيونِ الرائي

والسائراتِ من الطفوفِ إلى هنا
تترى من الآباء والأبناءِ

أدعوكَ أنتَ ولستُ أدرِكُ أنَّني
نفسي دَعوتُ وقد أجبتُ دعائي

يا سيِّدي من أنت؟ كلُّ حقيقتي
أني أرى عينَيكَ في أنحائي

أنِّي أراكَ وأنت تُسلِمُني يدي
كيما أصافحَ عِزّتي وإبائي

فكتبتَ ما أعطيتَني من فكرةٍ
عصماءَ ضِمنَ قصيدةٍ عصماءِ

وَلَقَد قصصتُ بكربلاءَ حكايةً
عمَّا جرى بالغدر والبغضاءِ

قَبَسُ الرضيعِ وَقَد أتمَّ شعاعَهُ
ألَقًا بصدر جريمةٍ نكراءِ

أمُّ المصائِبِ وَهجُها وَشموخُها
أختُ الشدائدِ زَينبُ النُّجباءِ

قَمَرٌ وَكفٌّ وانثيالُ أخوّةٍ
تَجري منَ العبّاس في البطحاءِ

عُرسٌ سَماويّ المحيّا.. فَرحةٌ
بتراءُ.. أرخَتْ دَمعةَ الزهراءِ

سبعون فجرًا قد تبلّجَ نورُهم
في ساعةٍ دَمويّةٍ هوجاءِ

وَالحُرُّ أدركَ.. والمدامعُ أَرهَقَتْ
وَجهَ الفُراتِ.. وآمنَتْ بِبُكاءِ

يا سيِّدي.. جرحُ الحقيقة نافرٌ
من إصبعٍ في الأسطرِ السَّوداءِ

مَدّوا عليهِ الملحَ وهْوَ مُقيّدٌ
بمَدَاهُ.. رَغمَ رَحابةِ الأشلاءِ

والصبرُ أودَعُهُ الهدوءَ فيحتفي
– يا للأسى – بِوديعةِ الحنّاءِ

وَالجوعُ أقبلَ وَالمكارمُ أدبَرَتْ
عَذراءَ مَرّتْ مُرّةَ الإغراءِ

كالصَّمتِ يَرغَبُ بالضجيجِ ودونَهُ
صَوتُ السرابِ على فمِ الحسناءِ

صِدقَ انتماءِ السائرينَ إلى الردى
هربًا من الدخلاءِ والطلقاءِ

بِفظاعَةِ التاريخ فرطُ حثالةٍ
تَطَأ النفوسَ بمقلةٍ عَمياءِ

يا سيِّدي هَبْني دواءكَ سرمدًا
فأنا احتضار العابثينَ بدائي

أشكو إليك الريحَ وَهْي تسوقُني
كالموتِ ملءَ ملامحِ البؤساءِ

أشكو الضياعَ وَصرختي مبتورةٌ
والخوف يملأُ بالشجى أشيائي

والنأيَ والحزنَ المقيمَ بخافقي
وقساوةَ الأمواتِ والأحياءِ

ومرارةَ الزمنِ الأخيرِ وغدرَهُ
وحفاوةَ النُّدماءِ بالأعداءِ

مَن لي سواكَ يزمُّ أطرافَ الصدى
يا موئلي وجوابَ كلّ نداءِ

مولاي تلك حدودُ قلبي لا أطيـ
ـقُ تحمّلا وكذا حدودُ بلائي

مولاي خُذْني.. لا إليكَ.. وإنما
لرحابِ عطفِكَ يا عظيم عطاءِ

خُذْني فهذا البؤسُ أطبَقَ وَالدجى
علّي أراكَ بليلةٍ قمراءِ

خُذْني إليكَ.. نَعَمْ.. إليك.. لأنَّني
أنا في الخيالِ أراكَ في إسرائي

مَطرُ الحنينِ وما تبقّى من دَمي
زُلفى لِحضنِكَ يا أبا الفقراءِ

يا حاءَ كلِّ الحبِّ أنتَ حكايتي
فامدُدْ يَدَيكَ.. أنا بَقايا البَاءِ

***

ذاكرة الرمال

سرْ يا فراتْ
سِرْ في هدوءِ العجزِ عن قصصٍ وأعذارٍ ترتّبُها الرمالْ ….
سِرْ حيثُ يجرحُ صمتُ أزمنةِ الغبارِ تعطشَ الموتى بأغصانِ الرماحْ
ويقطّر الخوفُ التذلّلَ في شفاهِ صغارِنا
نتوسّلُ الذكرى ونرمقُ آخرَ الأحلامِ لا يُرجى انفصالْ
أو حين تحرجُ صوتَك المبحوحَ أغنيةُ اليتامى في تفاصيلِ الزوالْ
كان الحسينُ ندىً لأروقة الصباحْ
هل كانَ شكّاً يا فراتْ
حتى يوثّقَهُ المماتْ
نهرٌ تولّى أو تعامى غير معنيٍّ بفاجعةِ النـزالْ
سِرْ يا فراتْ … سِرْ ثمّ ثُرْ
ثُرْ عن جراحِ الصمتِ
حينَ عيونُ أطفالٍ يخالجها الذبولْ
ومضتْ تراودُها الوعودْ
ثُرْ إنّ خوفَك يستبدُّ به الخلودْ
هذا أوانُك يُستَفَزُّ معادُهُ
فصفاءُ وجهِكَ لا يعودْ
ما لم تثُرْ
سِرْ لا تثرثرْ .. سِرْ وثُرْ
دعْ ما تخافُ من التعثّرِ في حطامِ الضوءِ
في ظلماتِ أمّتِنا العقيمةْ
للآنَ يغرينا القناعْ
للآنَ نسقيها دمانا وهي تسقينا الضياعْ
سِرْ يا فراتْ ….
سِرْ ثمّ ثُرْ
سترى حسينَ الله في عبراتِهِ
وترى ضميرَ الرملِ يحفرُ خطوَهُ
سترى بذاكرةِ الرمالِ تَحفّظَ الريحِ المُذيّلِ حزنُها
وجعاً تناسلَ في سنيِّ الخوفِ في رحمِ الذبولْ
سترى بأنّ اللهَ في أعدائِهِ
يبكي عليهِ وهو ينتزعُ الحقيقةَ من نقاءِ دموعهِ
هو ذاك سلطانُ الترقّبِ والتقرّبِ تلك آياتُ الوصولْ
فالحزنُ يبدأُ والدموعُ حكايةُ الكبتِ المرادِ له بأن يتوغـّلَ المعنى المسافرَ عن وجوهِ الناسِ حيثُ ملامحُ الأصنامِ تطبعُ في جبينِ الخوفِ ذلَّ الصمتِ في زمنٍ هجينْ
فأبيتَ يا ظلَّ الإلهِ خطى المتاهةِ في عيونِ الموتِ في نفقِ السوادْ
هو يومُ أنتَ خرجتَ وجهَ حقيقةٍ
يا منبعَ الهادي ويا استسقاءَهُ
فجّرتَ ينبوعَ التطهّرِ واصطفاءَ كواكبٍ للآنَ أوّلُها يضيءْ
للآنَ آخرُها انتظارُ اللهَ حين العدلُ كلُّ الأرضِ كلُّ العمرِ
كلُّ وجودِهِ
ليضيءَ في زمنٍ نبيٍّ ما تحاوله الفصولْ
فيزيحَ وجهَ الموتِ عن قدرٍ بريءْ
ولأنت ِ نفسُ محمّدٍ
يا معدنَ النفسِ النبيّةِ يا مذاقَ الطهرِ يا طعمَ الإلهْ
يا موطنَ الإرثِ المضيءِ على ترابِ الأمسِ حينَ اخضـّرَ وجهُ الموكلين إلى الحياةِ على ضفافِ الدمعِ أو نزفِ السماءْ
وعلى حضاراتٍ تكلَّفَتِ العناءْ
وعلى همومِ نهوضِها
فخلقتَ في طرقِ المنايا ألفَ نهجٍ للنقاءْ
كان المرادُ غصونَ لاهوتٍ تجذّرتِ السماءْ
فخرجتَ حتى يستقيمَ الضوءُ في فيءِ الإلهْ
ينبوعَ أضواءٍ أراكَ .. خصوبةَ النورِ .. امتدادَ العرشِ
حين اللوحُ ممتلئٌ بإشراقِ انتمائِكَ للعلا
هو ذاك يومُ الطفِّ كنتَ على انتشارِ جهاتِهِ متلألئا
فيضٌ يفيءُ ولا يبارحُ وجهَ هذي الأرض إلا باكتمالِ الضوءِ أو بسكينةِ المعنى وباستسلامِ آخر ذرةٍ لهبوبِ وجهِكَ حينها تـُستنطقُ البشرى
فوجهُ الأرضِ مرآةٌ ملامِحُها تقاطيعُ ابتساماتِ السماءْ
ولربّما عَرفَتْ بحزنِك حينها
فَمَضَتْ تعارضُها الدموعُ تجرّحتْ أبوابُها
وملوحةُ الأيامِ تسكنُها الجراحْ
فبكتْكَ أمطاراً دماءً حين موعدُها الهطولْ
سكتتْ وسرُّ الله يفشيهِ النواحْ
سكتتْ وروحُ الأرضِ دائمةُ البكاءْ
إذْ فجّرت ماءً يشقُّ إلى الحياةِ صفاءَ كوثرِك الحزينْ
هو ذاك جرحُ الله .. نزفُ العرشِ
لا الضلعُ المهشّمُ لا الجنينْ
فبأيِّ لوذٍ يستكينْ
والحزنُ يَثأَرُ والدموعُ حكايةٌ ..
لا ترتوي الأيامُ حتّى نبدأَ الأيامَ في معنى تَجَاوَزَه الأنينْ
لا أن نسيرَ نؤمّلُ الموتى مساحةَ قبرِهم
فلقد تصدّعَ وجهُ تأريخٍ تناولَ حزنَك المخبوءَ من حين لحينْ
لتمزّقَ الذكرى شرايينَ السنينْ
فيفيقُ من وجعٍ أنينْ
ويحيل ليل المتعبين إلى البعيدْ
خجلى هي الأيامُ كيفَ تمرُّ من وجعٍ إلى أفراحِ عيدْ ؟!!!
ثُرْ يا فرات
سترى بتكرارِ الإلهِ تشابهَ الآلامِ حين نصرُّ أن نتلو النـزيفَ على الطريقْ
سِرْ إن آخرَ ما نفكّرُ فيهِ في النارِ الحريقْ
ٍ

وضوءٌ على شرفِ الحسين…..

وضأتُ روحي من هديرِ جراحي
وعبرتُ جرحَك مالئاً أقداحي

وفتحتُ حبَّكَ قلعةً لفرادسٍ
أسمو بها لعوالمِ الأرواح

علِّي أترجمُ أبجديَّةَ قصَّةٍ
رفعت عنِ التاريخِ كلَّ وشاحِ

وأرى السنين المسرجاتِ دروبها
تجلو الشقاءَ على مدى أتراحي

هذي حياتكَ والخلودُ يصوغها
أنشودةً للمشرقٍ الوضَّاح

ويطلُّ فجركَ من ضفافِ جراحهِ
حتَّى يباركَ موكبَ الإصباح

جرحي وجرحكَ ها هما يا سيِّدي
متعانقانِ بشقوتي ومراحي

وأرى لديكَ الكونَ يرفُلُ عزَّةً
لا تنحني أبداً إلى سفَّاح

عشَّاقكَ الأحرار باغتَ دربهم
نحوَ الضيا حُجُبُ الظلامِ الماحي

لبيكَ يامولايَ كانَ لوائهم
في كلِّ مرفدِ عزَّةٍ وكفاح

أجمل بهم من عاشقينَ توحَّدوا
ومضوا إلى دربِ الهيامِ أضاحي

شربوا من النخبِ الذي ثملت بهِ
هذي الحياةُ وأثملت ألواحي

وتدفقت ذكراكَ في أعماقنا
حمراءَ ذاتَ توهُّجٍ وجمـــاح

بوركتَ من جرح يفيضُ نميره
عذبا على مرأى اللظى الصدَّاح

ياراسماً دربَ الخلودِ خريطةً
أزليَّةً من ريشةِ الأطماح

ذا ليلُ عاشوراء رحتَ تحيله
صبحاً تسلِّطهُ على الأشباح

هيهاتَ منَّا الذلَّ دوَّى جمرها
تصطكُّ سمعاً تستفزُّ نواحي

هيهاتَ منَّا الذلَّ تقتحمُ المدى
حتى يفيقَ بأنهرٍ وبطاح

وهديرُ نبعَك لم يزل بهديره
يمتدُّ أفقاً للسنا الممراح

جراحٌ بنكهةِ الحبّ..!

1. ما اسْمُ الجراحِ التي كالحُبِّ نكهتُها

= ما اسْمُ الأَشقّاء بالآهَاتِ والوَجَعِ

2. ما اسْمُ العناوين مُنذُ الرَّمْل غَافـَلَني
حَظَّـًا فعرَّافتي قدْ شَدَّها طَمَعي

3. تمشي على لُغَةِ الأوجَاعِ شطرَ دَمِي
تـُغوِي فَأقـرَأُ فيها كُلَّ مُتَّـسَعي

4. أؤمُّ لَونَ المَسَاءَاتِ التي عَطِشَتْ
كالرِّيحِ حِينَ تمَادَتْ بالبُكَاءِ مَـعِي

5. إذْ أوّل الشَّوقِ مِينَاءٌ يَئِنُ بنا
وليسَ إلا قَوامِيسَ الرِّثاءِ يَعي

6. وليسَ في وِسْعهِ إلا النِّداءُ ضُحىً
والخَيلُ تُومِئُ لي أنْ خفِّفِي فَزَعِي

7. فَأمتَلي بنِدَاءَاتِ الفُرَاتِ إِذا
أغْرَى الدِّمَاءَ بِوَجهٍ مِنهُ مُصْطَنعِ

8. أَصِيحُ خَارجَ نَـفْسِي في مُسَاءَلةٍ
يا غُربَتي , يا احْمِرَارَ الوَجْدِ فلتَضعي

9. كَأسَاً سيَحتَاجُها الآتونَ من ظَمَأٍ
وسَكْرَةً كانتِشَاءِ النَّهْرِ بالبَجَعِ

10. أو كالعَويلِ الذي في الصَّدرِ سُورَتهُ
مُقدارُ عُمْرٍ سَبيِّ النَّبضِ مُنصَدِعِ

11. يا كَربَلاءاتُ أَوجَاعِي أ تَشبَهُني
حقِيقَتي وأنَا إيَّاكِ في هَلَعِ؟

12. كأنَّنا آلِـهَاتُ الدَّمعِ صُورتُنا
صِلصَالُ أُغنيةٍ من نُـوتةِ الجَزَعِ

13. كأنَّنا ويَتَامى الفَجْرِ يَسلبُنا
مَوتٌ طويلٌ لآهَاتِ الرَّحِيلِ دُعِي

14. ومُفرادتٌ من النزفِ الذي انتَفَضَتْ
لهُ الأقـَاصي على كَفٍّ من الوَرَعِ

15. وذا الغُموضُ يُضِيءُ الطِّينَ في ألمٍَ
فيَستحِيلُ كَمَاءٍ فيَّ مطَّلِعِ

16. هُنالكَ اليَـمُّ سيَّارٌ بلوعَتِنا
فالقِ القَراَبينَ بالتَّرتيِلِ أو فَـ قَعِ

17. واسجُدْ على نبَضاتِ الجُرحِ ذاكِرةً
واعرُجْ مَسِيحَـًا فما في العِشقِ من بِدَعِ

18. لا تمتَحنِّي أنا المَهْدُورُ نبرتُهُ
هذا السَّلامُ كلَحنٍ رَقَّ حِين نُعِي

19. والعَازِفونَ زِيَاراتي أَذَانُ فَمِي
يُهَسْهِسْونَ سَمَاءً ذَاتَ مُرتفَعِ

20. فيُـوجِعُونَ صَلاةَ الرَّمْلِ أَدعِيَةً
مَختُومَةً بِغَمَامِ العَصْفِ والهَمَعِ

21. بُكاؤُها ربّما أَعطَى المَـغِيبَ مَدَى
فيَا سَوَاقِيهِ يَا آلامَهُ اسْتَمِعِي

22. غِريبَةٌ هي أشْيَائِي التي غَرُبَتْ
إليكَ تَتلو شُرُوقَـًا جِدّ مُتَّسِعِ

23. تصَعَّدتْ بِدَمٍ تلكَ النُذُورُ هَوَىً
فاسَّاقَطَتْ لاثِمَاتِ القَبْرِ والقِطَعِ

24. هُنَالكَ العَطَشُ الدَّامي يُصَيِّرُنا
بَوَحًا تأخَّرَ , هلْ يأتِي كَمَا السَجَعِ؟

25. وهلْ يطوُلُ كَـ بَالِ اللَّيلِ في سَهَرٍ
حَدّ الأَنِينِ بِطَيفٍ نَاحِبٍ لَمِعِ؟

26. يَرمِي البَعيدَ على رِيحِ الوُجُوهِ لَظىً
كَمَا لو انَّ النَّوَى بِالخَطْوِ لم تَسَعِ.!

27. يا سيّدي مُنذُ أن صِيغَتْ مَدَاركُنا
جِئنَاكَ كالعَطْفِ , كالتَّرديدِ , كالجُمَعِ

28. يا سيّدي كانَ جِبريلٌ يَمرُّ بِنَا
نَرَاهُ يتلُو صَلَاةَ الآهِ والوَدَعِ*

29. يأتِيكَ زَحْفَـًا سمَاوِيَّـًا يُظلِّلُهُ
عَرَشٌ تَنزّلَ بالتَّهليِلِ والمِنـَعِ

30. وينَثْرُ الوَردَ في آلاءِ وِجهتِهِ
نُوبَاتُ حَرَفٍ على الآلامِ مُنطبِعِ

31. يَطِلُّ من غُربَاتِ النَّـخلِ يَسرِقُني
تِلاوةً بِدَعَاءِ النزفِ بالسَرَعِ*

32. يا جَاذِبِـيَّـتُها الأُخرى أَجِيءُ هُنا
بَيضَاءَ من غَيرِ سُوءٍ صَبَّني وَجَعَي

33. الشَمسُ في رَغبَةِ الإِشْرَاقِ تَصْلِبُني
كَالبَحْرِ مُحْتَضِنِ التِنحَابِ ممُتنَِعِ

34. فأَسْتَريحُ على أَهدَابِ خصلَتِها
بِاسمِ الحُسَينِ بِصوَتٍ فيّ مُرتَجَعِ

35. يا سِيرةَ الخُلْدِ مُسِّي في ملُوحَتِنا
حِكايَةٌ بين رَمْلٍ فِيكِ مُفتَجَعِ

36. كما السَّعِير إذا نَامَتْ جَوارِحُهُ
يكُونُ في جَوفِهِ تلّاً من الطَمَعِ

37. سَعِيرُنا مَاثِلُ الحِرمَانِ أعْجَبَه

نطقُ ابتِهَالاتِ عِشقِي نَحوَ مُنتجَعِي

*الوَدَع : ما يُعلّق على الكعبة ..
*السَرَع : الوَحى ..
..

” مدَدُ الطفوف “

هل من كليمِ جوىً لجرحِكَ يُلئِمُ
أم من رهينِ أسىً يُحررُهُ فمُ

ما ملَّ مِن نَوحٍ عليكَ ومِدحةٍ
شِعرٌ تُسرّحهُ الهمومُ وتُلجمُ

إذ فيكَ للشعرِ اختلاجُ تَميمةٍ
فيها بما يُشتقُّ منكَ تَنَمنُمُ

وبهِ عليكَ إذا تشَطّرَ حُرقَةٌ
فإذا تَفرّدَ كُلُّ حَرفٍ زَمزَمُ

ورحلتُ أستسقي هديلَكَ والإبا
مِن لَحنِ قانيكَ الشّدِيِّ يُتمتِمُ

أطويكَ في سِفرِ القصيدةِ مُصحفاً
فإذا انتثرتَ فأنتَ آيٌ مُحكَمُ

ما كنتَ عَشراً تُفترى سوراً وفي
إعجازِ وحيِكَ آيةٌ تتكلّمُ

شَوطَأتَ مِن مَدَدِ الطّفوفِ أناملاً
فغدتْ للجّةِ راحتَيكَ تُيَمِّمُ

أهفو إليكَ وفي الحشاشةِ مُهجةٌ
حرّى وفي الآماقِ دمعٌ مُحْرِمُ

من يومِ كانَ الماءُ أعطشَ واردٍ
مِن حيثُ يَــــروي حـالئيـــــكَ ويندمُ
وَوَددتُ لو كُنتُ الذبيحَ تتُلُّني
كفُّ السيوف فأفتديك، وتسلمُ

ما حُبُّكَ المنحوتُ حُبُّ صبابةٍ
حيناً يؤوبُ وتارةً يتصرَّمُ

كلا ولا نزواتُ طارقةِ الهوى
إنّ المحبَّ بما يَجِنُّ مُتيَّمُ

يا أنتَ حينَ تُفلسفُ العشقَ الفريدَ تجلّياً فيتيهُ فيكَ ويُغرمُ

ها قد أتيتُ وحقُّ دمّكَ إنني
في غيبِ ما شاهدتُ منكَ مُسلِّمُ

أنتَ الخلودُ إذا استبدّ بلحظةٍ فيها لمعناكَ الكبيرِ تبسُّمُ

راهنتَ بالموتِ البقاءَ فكانَ واللهِ الرهانُ بحقّ ثَأركَ يُقسمُ

وسنَنتَ بالدمِّ الطهورِ شريعةً
بسُدى وريدِكَ تستقيمُ وتُلحمُ

قُل لي بربّكَ ما تكونُ وفيكَ مِن
إرثِ النُبوّاتِ اتّساقٌ مُبرَمُ

أنت الذي تختارُ أقدارَ الطغاةِ فتارةً تُبدي وأخرى تحتمُ

يا تمتماتِ أسنّةٍ ونحيبِ رُمحٍ أو وَجيبِ نجيبةٍ تتألمُ

أبكي عليكَ وكلُّ جسمي مُقلةٌ
يابنَ الكُماةِ وكلُّ عمريَ مأتمُ

قد أعطشوكَ ونونُ كافِكَ لمحةٌ تكفي لتومئَ للفراتِ فيقدِمُ

أيقنتُ أنّكَ في انبعاثكَ مُعجِزٌ
ولُكلِّ طُلاّبِ الشهادةِ مُلهمُ

علّمتهم فصلَ الخطابِ بما ابتدعتَ من البلاغة فالذي نطق الدمُ

فزممتَهم في عِقدِ مجدكَ لؤلؤاً
حلّوا أساورَ مِن دِمَاكَ ونُعّموا

فتقلّدوكَ مصلّتينَ يفوحُ من أردانِهم ضَوعُ النجيعِ ويَفعَمُ

كفروا بعيش الخانعينَ وآمنوا
بكَ في يقينِ العارفينَ وسلّموا

للهِ صُنعُكَ بالنفوسِ فأنتَ إحدى حالتينِ معظِّمٌ ومكرِّمُ

ولأنتَ في أمثولةِ العزِّ انبهارُ ولادةٍ أخرى تَجِدُّ وتُتئمُ

تستحلفُ الدنيا وأنتَ يمينُها
فتقرّ أنك يا حسينُ الأعظمُ

فلأنتَ مَن جمعَ الشهادةَ فانثني في كفِّهِ الأُخرى انتِصارٌ مُبرَمُ

وأبيتَ إلا أن تكونَ قضيةً
عُظمى تُسافِرُ في الضميرِ وتُتهمُ

وبقيتَ تنطقُ في الزمانِ كأنما أنتَ الزمّان ووقتُ غيركَ أعجمُ

بأبي الذي أهدى الحقيقةَ كُنهَها
فهو الحقيقةُ طوقُها والمِعصَمُ

ساءلتُ عنكَ المرهَفاتِ فَهَمهَمَتْ
ولهــا بِمــا ســاءلـتُ ردٌ مُفـــحِــمُ
ليسَ الحسينُ سوى قتيلِ سُويعةٍ
طالتْ فجلجلَ في الزمانِ مُحرّمُ

حُييتَ مُشتَجرَ الرماحِ مَخيطُكَ البيضُ الصِفاحِ تُحلّها أو تُحرمُ

حُييتَ مُختزِلَ الطيوفِ بواحدٍ
والكونِ في أرضٍ واسمكَ مُعجَمُ

حُييتَ قِبلةَ عاشقٍ ألهمتَهُ
أنّ الشّهادةَ للسعادةِ سلّمُ

تبّاً لعقلٍ لا يراكَ حقيقةً
والحقُّ فيكَ تصوّرٌ وتَجسُّمُ

ما قلتُ فيكَ الشعرَ أطلبُ منحةً
إلا لأنّ الشعرَ فيكَ مُعظّمُ

غربة الرأس عن الجسد

إضاءة :

كغربةِ الزَّمان عن المكان , كنفي الجَمَال عن الجَلال , كانكسار ضوء الذات في ماء المرايا , كـ ..

النص :

إلى أينَ يا رأسَ الحسين تهاجرُ؟؟
تغربتَ مُنْذُ الطفِّ عن جسدِ الفدا
تصببتَ يومَ النحر نهرَ كرامة
أُحسُّ بأمواج ِانتصاركَ نشوةً
تفوَّقتَ يا رأسَ الحسين على العدا
وها نحنُ أهلُ الأرض نغفو على الثرى
نهارًا تربِّي الشمسَ تربيةَ السَّنا
وليلاً تصلِّي بالنجوم جماعةً
وتُلقِي على سرْبِ الكواكبِ خطبةً

أبا الغربة الظمأى .. كؤوسي تأنسَنَتْ
يناديكَ تيهي في براريه هائمًا
يضجُّ فؤادي داخلي ذاتَ ظلمة
وتزحفُ أحزاني تؤدي طقوسها
وتبكي مناديلي و أمسحُ دمعَها
تجننتُ حيث القلب ثارَ على النُّهى
جنوني هوَ ( العقلُ الجديدُ ) .. وها أنا
وأعشقُ مأساتي , أصونُ جلالها
أثاقفُ في ذكراكَ ظلا مفوَّهًا
ويشتجرُ المعنى ليصبحَ أيكة

تطلُّ على الدنيا من الخلد قادمًا
تصبُّ وقودَ الحقِّ داخلَ أمَّةٍ
وتُغْري محبيكَ المساكينَ بالضُّحى
سيوفُ اللظى البلهاءُ ظنتْكَ داميًا
أرادتْكَ – يا للطفِّ – رقمًا مُمَزَّقًا
خرجتَ على ريح السَّمُوم ِمناضلاً
لأجل ِالمدى قايضتَ روحَكَ بالردى
ورأسِكَ لمْ تشرقْ هوية ُمجدِنا
عشقناكَ مرآةً وظلاً ونرجسًا
رسمتَ على جدراننا شمسَ كربلا
هي الثورة الكبرى اختراعُك سيدي
ولا لونَ للزيتون ِ إذ جارَ جائرٌ

أمَا للسٌّرى في وحشةِ الدَّهرِ آخِرُ؟؟
وما زلتَ رحَّالا كأنَّكَ طائرُ
وقد كنتَ كفْؤَ الموتِ , والموتُ ماطرُ
وأنتَ على الرُّمْح الرماديِّ حاسرُ
تعاليتَ كُبَّارًا وهمْ همْ أصاغرُ
وأنتَ الذي فوق السماوات ساهرُ
تعلّمُهَا كيفَ الشروقُ المغايرُ
فبوركتَ من مولىً هوتْهُ المنائرُ
وأين تكنْ تنهضْ إليكَ المنابرُ

وشفَّت بأجسام الزجاج محاجرُ
ويهواك همِّي وهو في النفس غائرُ
كما ضجَّ في شهر المحرَّم عاشرُ
كما زحفتْ نحوَ الحقول المقابرُ
بعيني َّ!! يا نعْمَ الهوى المُتصاهِرُ
و أنتَ لأمثالي/ المجانين عاذرُ
أنوحُ وبالحزنِ ِالعتيق ِأفاخرُ
فبعض المآسي في الزمان جواهرُ
وما بيننا التفَّتْ رؤىً ومَحَاوِرُ
تُعَشْعِشُ أفكارٌ بها وخواطرُ

فلا غابَ سيماءٌ ولا اختلَّ ناظرُ
لأنَّكَ تهوى أنَّ تُشعَّ المصائرُ
وما الفجرُ إلا مِنْ جبينِكَ سافرُ
فكنتَ كما تنمو وتحيا القساورُ
فكنتَ وجودًا تشتهيه الضمائرُ
وأيقنتَ أنَّ العزَّ حيثُ المناحرُ
ولولاكَ ما كانَ الشموخُ المعاصرُ
بغير أضاحي الطفِّ وهي مجازرُ
وإن زأرتْ وسط الجحيم مخاطرُ
ومن حولها قطرُ الندى والأزاهرُ
وتسمو الدُّنا فيما تراهُ العَبَاقرُ
ولمْ يأتهِ من ( سورةِ الرَّعْدِ ) ثائرُ