الحقيقةُ أكبرُ

قيلَ إنَّ الحقيقةَ أكبرُ من جرأتي
ربّما..
حينَ رحتُ -علانيةً- أشرحُ الأمرَ للخيلِ
كيفَ تكونُ البلادُ موطّأةً فوقَ صدري
وكيف تصيرُ البلادُ حليباً بأمري
حليباً يُنَزُّ.. وليس يُقطَّرُ في شفتيِّ الرّضيعِ
وقيلَ: الحقيقةُ أكبرَ.
لو علمتْ حينها الخيلُ
هل صار صدري مداساً بأمرِ المغول؟

 

الحقيقةُ أكبرُ..
لو أنَّ قوساً يعالجُ عاهتهُ لاستوى قُزَحاً
هابطاً من سماءٍ ملوّنةٍ بالدّماءِ
إلى الأرضِ- أرضِ المثول
امتثلتم إذن
والحقيقةُ أكبرُ مِن كونها كربلاءُ
فهذا الحسينُ
الحسينُ
الحسينُ
ألم تسمعوا باسمهِ- اسمي
بصوتِ الرسول؟
فامتثلتم إذن
والحقيقةُ أكبرُ
حريّتي أن تكونَ الحقيقةُ أكبرَ
يعرفها الحرُّ، يجهلها خادمٌ للملوكِ
ولكنّني كنتُ أجرؤ أن أشرحَ الأمرَ..
أن أجعلَ السّيفَ رمزاً لفتحِ بلادٍ مفخّخةٍ من جميعِ الجهاتِ
وأحملُ موتي من الجهةِ الضّارية
وأنشرُ صوتيَ أشرعةً فوقهُ، موتيَ المستقيمِ كظهرِ الجهة-
موتيَ الصّارية
كنتُ أجرؤ
أن أتهيّأَ للمؤمنينَ سفينةَ نوحٍ
وأبحرُ فيهم
على اليابسة
وأعرفُ أنَّ الحقيقةَ أكبرُ
إذْ في فمي كانَ ينبضُ قلبٌ من الذّكرِ
… لو أنَّ هذي العروبةَ مائيّةٌ،
لو صليلُ السّيوفِ التي احتوشتنيَ ينشقُّ نهراً،
لو النّهرُ يعكسُ جرحي بعينينِ نضّاحتينِ
كربٍّ يراقبُ،
هل ستكونُ –عليَّ- لهم
قوّةٌ عابسة؟
كانَ للسّيفِ حاملهُ
كان في سيفهِ طعنةٌ كلّما طوّحتنيَ
عاندتُ قتلي
وعدتُ لهم من جراحي دماً
ليسَ يُحقَنُ
فاشتدّت العاصفة

 

… نصبتُ برأسي على الرّمحِ
-دونَ اكتراثٍ لهم-
خيمةً
وداخلها اللاجئون يزجّونَ أنفسهم
فوجئوا أنّني كنتُ فزّاعةً للسّلاطينِ
…فاجأتهم، كنتُ أجرؤُ

 

فزّاعةً للسّلاطينِ كنتُ، وكنتُ يداً للحقيقةِ
… تكبُرُ فيَّ الحقيقةُ،
كنتُ يداً
حينَ كانَ لزاماً على أحدٍ طَرْقَ بابِ الظّليمةِ
قيلَ لهُ:
لا يحقُّ لغيرِ القتيل الدخول.

بُعْدٌ إِلَهِيُّ الرُؤَى

لِلْرَمْلِ فَلْسَفَةٌ تُضِيْءُ وَعُقْدَةْ
وَالمَاءُ يَنْحَتُ فِيْ الضَمَائِرِ بَرْدَهْ

ضِدَّانِ يَبْتَكِرَانِ ظِلَّ هَشَاشَةِ الـ
ـأشْيَاءِ وَالتَّكْوِيْنُ يُشْرِعُ قَصْدَهْ

مِنْ قَبْلِ مَذْبَحَتَيْنِ وَالدَمُ شَارِدٌ
فِيْ فِكْرِ مَنْ سَنَّ الظَلَامَ وَعَدَّهْ

مَا عَادَ سَيْفُ الظُلْمِ إِلَّا اخْتَارَهُ
بَيْتًا فَهَذَا السَيْفُ يَعْرِفُ غِمْدَهْ

وَفَمُ السَعَادَةِ لَمْ يَكُنْ مُتَلَطِّخًا
بِالضَوْءِ حِيْنَ القَلْبُ سَجَّرَ حِقْدَهْ

يَحْكِيْ عَن الفَجْرِ الجَرِيْحَةِ رُوْحُهُ
دَهْرًا، يُؤَجِّجُ فِيْ العَشِيَّةِ وَقْدَهْ

حَيْثُ المَدَى الضِلِّيْلُ حَاقَ بِذَاتِهِ
وَسَلَا بِمُفْتَرَقِ الهِدَايَةِ رُشْدَهْ

لِتَمِيْدَ عَنْهُ الشَمْسُ فَوْقَ حِصَانِهَا
تَكْبُو وَنَصْلُ الليْلِ يُكْمِلُ حَصْدَهْ

عَنْ لُقْمَةٍ غَصَّتْ بِحَلْقٍ جَائِعٍ
أَحْكِيْ وَعَنْ جَسَدٍ يُلَفِّعُ بُرْدَةْ!

عَنْ حِطَّةٍ قِيْلَت أُقِيْلَ عِثَارُهَا
وَرَخًا تَصَدَّرَ حِيْنَ صَاهَرَ شِدَّةْ

الرُمْحُ فِيْ ظَنِّ البَرَاءَةِ لَاحَ غُصْـ
ـنًا مَائِسًا وَعَلَيْهِ تُزْهِرُ وَرْدَةْ

وَالمَوْتُ مَنْفَاهُ الأَخِيْرُ مُعَطَّلٌ
نَسِيَ الصُمُوْدُ عَلَى البَسِيْطَةِ وَعْدَهْ

مِنْ نَاسِكٍ يَهَبُ الدُمُوْعَ نَقَاءَهُ
لِمُؤَذِّنٍ صَلَّى الفَرِيْضَةَ وَحْدَهْ!

مَا اسَّاقَطَ الغَيْثُ الزُؤَامُ مِنَ الرَدَى
إِلَّا تَوَسَّدَ فِيْ التَسَاقُطِ زَنْدَهْ

مِلْحُ الغِيَابِ عَلَى الأَنَامِ مُكَدَّسٌ
إِلَّاهُ أَدْرَكَ فِيْ المَسَافَةِ شَهْدَهْ

دَفَنَ الحَيَاةَ بِرَمْلِ خَطْوِ مَدَاسِهِ
وَعَلَى الهَوَاءِ الطَلْقِ أَسَّسَ لَحْدَهْ

تَحْكِيْهِ: “لَوْ تُرِكَ القَطَا لَغَفَا” لذ
لِكَ ظَلَّ يُوْقِدُ فِيْ الأَضَالِعِ سُهْدَهْ

مَا مَلَّ كَفُّ المَوْتِ يَنْهَبُ جَيْبَهُ
وَهُوَ الذِيْ أَهْدَى الخَلِيْقَةَ رِفْدَهْ

لَا تَنْسِبُوا لِثَرَى العِرَاقِ عِظَامَهُ
أَوَتَحْتَوِي جَسَدَ ابْنِ أَحْمَدَ بَلْدَةْ؟

هُوَ فَوْقَ أَحْلَامِ المَدَائِنِ طَافِحٌ
فِيْ كُلِّ أَرْضٍ ظَلَّ يَبْذُرُ خُلْدَهْ

أَوَبَعْدَ هَذَا الصَحْوِ يَحْتَكِرُ الضَرِيْـ
ـحُ جَمَالَهُ زَمَنًا بِهَيْأَةِ رَقْدَةْ؟!

لَا قَبْلَهُ عُرِفَ الفِدَاءُ مُجَسِّدًا
رَجُلًا وَلَا عَبَرَ المَجَرَّةَ بَعْدَهْ

وَلِكَيْ يُصَاهِرَ بِالهَوَاءِ الدِيْنَ أَنْـ
ـفَاسًا فَلَا رِئَةٌ تُمَارِسُ رِدَّةْ

مِنْ ثَوْرَةٍ لِلحَقِّ جَيَّشَ فِكْرَهُ
وَأَطَلَّ يَنْثُرُ فِيْ العَوَالِمِ جُنْدَهْ

وَلِأَنَّ عُمْرًا لَا يَفِيْهِ تَصَاهُرًا
فِيْ اللهِ أَنْفَقَهُ بِدَمْعَةِ سَجْدَةْ

وَلِأَنَّ جِسْمًا لَا يَفِيْهِ تَمَزُّقًا
أَهْدَى لِمُعْتَرَكِ الأَسِنَّةِ وُلْدَهْ

يَا لِلْجَمَالِ المَحْضِ وَهْوَ يَحُضُّهُ
أَنْ يُبْتَلَى حُزْنًا وَيُبْرِزَ سَعْدَهْ!

لَا تَسْبُرُوا فِيْ المُشْتَهَى أَغْوَارَهُ
هَيْهَاتَ يُدْرِكُ أَيُّ عَقْلٍ بُعْدَهْ

وَدَعُوا لِسَانَ اللهِ يَكْشِفُ كُنْهَهُ
فَاللهُ يَعْرِفُ كَيْفَ يَشْرَحُ عَبْدَهْ

بكاءٌ خارجَ الحُزْنِ

الحسين (ع) هو المعادل الموضوعي للحياة والحرية والإباء ، وما الخلود إلا من ثماره اليانعة..

 

ألا ليتَ مِرآةً تُطارِحُني النَّجْوَى

وظلاً حميميَّا يُشاطرني الشَّجْوَا

 

أ يُوجدُ شيءٌ من جَوَى الحُزْنِ لايُرى

وراءَ الدَّياجي , كانَ بالصَّمْتِ مَكْسُوّا ؟

 

وهلْ غادرَ الدَّمْعُ السَّخِينُ مَحَلَّهُ

من المُقلةِ الدُّنيا إلى النَّجْمةِ القُصْوَى ؟

 

تُرَجْرِجُ (عاشوراءُ) مائي وطينتي

وتمنحني من قلبِها (المنَّ والسَّلْوَى)

 

لَبِسْتُ شِراعي ؛ حيثُ أبحرتُ مُوقنًا

وخضتُ عُبابَ الرِّيحِ , أفترعُ الجَدْوَى

 

ولا يَهْدَأُ البَحَّارُ في عُمْقِ نَفْسِهِ

وإنْ صارَ ماءُ البحرِ في هَدْأةٍ رَهْوَا

 

تراءتْ لروحي (كربلاءُ ) بقُدْسِها

حقيقيَّةَ المعنى , مجازيَّةَ المَهْوَى!!

 

قَطَعْتُ لها الوُجْدَانَ في شَهْقَةِ النَّوَى

مسافةَ ما أهفو إلى مَطْمَحِي عَدْوَا

 

فلمْ أَلْقَ فيها غيرَ ذاتٍ تجاوَزَتْ

حدودَ المعاني , ماوَجَدْتُ لها صُنْوَا!!

 

تَمُوجُ هُوِيَّاتٌ , وأسألُ من أنا ؟

وتمتزجُ الذَّاتُ امتزاجًا بمنْ تَهْوَى

 

أنا : العقلُ والقلبُ اللذانِ تَسَاقَيَا

وصارا معًا روحًا بأيقونةٍ نَشْوَى

 

تَشَرَّبْتُ ألوانَ السَّمَاءِ بخاطِري

وآنستُ إيقاعَ العُلا : الغيمَ والصَّحْوَا

 

حملتُ اعتقادِي بينَ جنبيَّ شامخًا

كما حَمَلَ التاريخُ في صَدْرِهِ (رَضْوَى)

 

ولي وطنٌ باسمِ ( الحسينِ ) سَكَنْتُهُ

تمدَّدَ فوقَ الدَّهْرِ , واخترقَ الجَوَّا

 

لَقَدْ بَصَمَتْ عينايَ فيهِ مَوَدَّةً

بألا أَرَى في غيرِهِ بالهوى مَثْوَى

 

هو الوطنُ المخبوءُ بينَ جوانِحِي

أعيشُ به عزًّا , وأفنى به زَهْوَا

 

توزَّعَ في كلِّ الأماكنِ , لَمْ يَكُنْ

تُقَيِّدُهُ أرضٌ , فَمَا أرفعَ الشَأْوَا !!

 

وليسَ تُرَابًا , ليسَ أطلالَ بُقْعَةٍ

ولكنَّهُ حُرِّيَّةُ المَنْهَلِ الأَرْوَى

 

هُوَ الوَطَنُ / الإنسانُ – دامَ بهاؤه-

وأطيافُ كلِّ العالمينَ بهِ تُطْوَى

 

تَخَيَّرْتُهُ مِنْ بينِ ألفِ هُوِيَّةٍ

أسامرُهُ عِشْقًا وأغرقُهُ شَدْوَا

 

سلامٌ على الرُزْءِ الذي يكتبُ السَّنَا

وطُوبى إلى مَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ مَحْوَا

 

هنالكَ كانَ اللهُ في (الطفِّ) , والهُدَى

وثَمَّةَ إبليسٌ , وغاشِيَةُ الطَّغْوَى

 

مُعَادَلَةُ (الفَتْحِ المُبينِ) تَكَوَّنَتْ

بحُرِّيَّةِ المَسْرَى , وبَوصَلةِ التَّقْوَى

 

تَشَظَّى سَلِيلُ الأنبياءِ زُجَاجَةً

إلهيَّةَ الأضواءِ , كونيَّةَ الفَحْوَى

 

وفي كُلِّ جُزْءٍ في الشَّظَايَا رِسالةٌ

إلى العَالَمِ المصنوعِ مِنْ آلةِ البَلْوَى

 

إذا ما تخيَّلْتُ المآسِي دقيقةً

تهاوى خَيالي , وارتمى رَسْمُهُ شِلْوَا

 

إذا لمْ يَعِشْ فينا (الحسينُ) , فمالنا

سوى الذِّلِ , يجترُّ المسافَةَ و الخَطْوَا

 

وهلْ مِنْ فَراغِ الوَهْمِ نُثْرِي سِلالَنَا

وإن عُطِّلَتْ بِئْرٌ , فهلْ نَسْحَبُ الدَّلْوَا؟؟

 

وما (الطفُّ) إلا أَبْجَدِيَّةُ ثَوْرَةٍ

تَعَلَّمْتُ مِنْ أسرارِها الثَّرََِّةِ النَّحْوَا

 

تَجِدُّ مع النُّور / الشهيدِ علاقتي

وعَنْ بُعْدِهِ لا أستطيعُ .. ولا أَقْوَى

 

وأبكيهِ حتَّى خارجَ الحُزْنِ فَجْأَةً !!

وأسمى دموعِ النَّاسِ ما انْسَكَبَتْ عَفْوَا

 

سأمتحنُ الدُّنْيَا برُمْحِ تَصَبُّرِي

وأجتازُ آلامي , وعاصفةَ الشَّكْوَى

 

وأفتحُ شُبَّاكًا يُطِلُّ على المَدَى

وأمْتَشِقُ الإشراقَ , والدِّفْءَ, والصَّفْوَا

 

وأصحُو على صَوتِ الضميرِ مُدَوِيًّا

وأجمعُ أحلامي التي سَقَطَتْ سَهْوَا

 

تضاريسُ أيَّامِي تُشَكِّلُها الرُّؤَى

ويمتدُّ لا زيفًا غَرَامي ولا لَغْوَا

 

وما عُدْتُ أنعى الأمسَ سيلَ مواجعٍ

ولكنَّمَا أبني بشِعْرِي الغَدَ الحُلْوَا

 

وحسبُ الهَوَى بابنِ السَّمَاءِ يَضَمُّنِي

يُهَيِّئُ لي في (سِدْرةِ المُنْتَهَى) مَأْوَى

 

جُرْحٌ بألفِ ضَفِيْرَةْ

في كُلِّ جُرْحٍ مِنْ جِراحِكَ حِيْرَةْ*
مِنْ أينَ أبدأُ؟ والجِرَاحُ كَثِيْرَةْ؟!

بيني وبينكَ خُطْوَةٌ أولى، وليـ
سَ لخُطْوَةٍ أولى إليكَ أَخِيْرَةْ:

أَوْجِزْ خُلُوْدَكَ، كيفَ تَقْطَعُ رحلتي الـ
آبادَ؟ أوجِزْ! فالحياةُ قصيرَةْ!

عَبَثًا يُلَخِّصُكَ الخُلُوْدُ، فلمْ تَكُنْ
وقتًا يؤطِّرُ في الزمانِ ضَمِيْرَهْ

حَرَّكْتَ ساعاتِ المَكَانِ على الزما
نِ، ولم تزلْ غيبًا يُعِيدُ حُضُوْرَهْ

باقٍ رُفَاتُكَ في العَرَاءِ يُحَاكِمُ الـ
دنيا ويدفَعُ في الرِّيَاحِ أثيرَهْ

ما زِلْتَ تَحْتَكِرُ الكنايةَ مِنْ حُسَيْـ
نِ صَدَىً إلى جُرْحٍ بألفِ ضَفِيْرَةْ

أطلقْ دِمَاءَكْ، عُدْ بأشلاءِ الحَقِيْـ
ـقَةِ مَصْرَعًا، وابعَثْ هناكَ نَمِيْرَهْ

تحتاجُ هذي الأرضُ قربانَ الحُسَيْـ
نِ لِتَسْتَعِيْرَ عِنَادَهُ وتُعِيْرَهْ

يحتاجُ هذا الأفقُ كُوَّةَ طَعْنَةٍ
لغَدٍ، فعَيْنُ البوصلاتِ ضَرِيْرَةْ!

أَشْرِقْ بجُرْحِكَ، ليسَ أنقى مِنْ شُرُوْ
قِ الجرحِ في الظُلُمَاتِ، يَعْدِلُ (سُوْرَةْ)!

لم تلوِ باريةٌ ضياءَكَ! كنتَ تُطْـ
ـعَنُ حيثُ تَطْعَنُ مِنْ عَدُوِّكَ زُوْرَهْ!

في كلِّ جُرْحٍ مِنْ جراحِكَ ضِفَّةٌ
تطفو ورملٌ يَسْتَرِدُّ بُحُوْرَهْ

لمَّا نَزَفْتَ هناكَ أجنحةً أكا
نَ دَمًا نزيفُكَ؟ أم تُرَى عُصْفُوْرَةْ؟!

جُرْحٌ مِنَ الأَعْصَارِ، رَفَّتْ منهُ أَجْـ
ـيالٌ، وما كَبَحَ الزَّمَانُ عُصُوْرَهْ!

وأَعَرْتَ كاهِلَكَ الوُجُوْدَ، بهِ عَبَرْ
تَ بكربلاءَ، بها نَزَفْتَ سُطُوْرَهْ

مُزِّقْتَ أشلاءً لأنكَ للوُجُوْ
دِ نَوَيْتَ قرآنًا، نَثَرْتَ بُذُوْرَهْ

ولأنَّكَ الكونيُّ وَزَّعْتَ الجِرا
حَ هُدَىً تقاسِمُهُ الجهاتُ ظُهُوْرَهْ

في كلِّ صوبٍ كنتَ رَجْعَ الجرحِ، تبـ
دو الأرضُ مِنْ مرآتِكَ المَكْسُوْرَةْ!

يا أيها الثوريُّ! صَهْوَةُ مُهْرِكَ الـ
أبعادُ، هَرْوِلْ في المَدَىْ لتُثِيْرَهْ

لا شيءَ إلا الدَّمُّ يَبْتَعِثُ الحَمِيـَّ
ـةَ في غَدِ المَوْتى ويبعَثُ غِيْرَةْ

ها أنتَ تَفْتَحُ في الرِّمَالِ الجُرْحَ، تَفْـ
تَحُ بَحْرَ أسئلةٍ وشَطَّ بَصِيْرَةْ

يا حاضِرًا ذاتَ الغيابِ وغائبًا
ذاتَ الحُضُوْرِ هُدَىً بألفِ وتيرَةْ

ما زالَ صوتُكَ يمتطي سَرْجَ الصَدَى
وبصهوةِ المَعْنَى يقودُ نَفِيْرَهْ

أَنَّىْ تموتُ؟ وأنتَ لَقَّنْتَ الطريـ
قَ خُطَاكَ، لقَّنْتَ الخلودَ هَدِيْرَهْ

وقَدَحْتَ للعقلِ الجِهَاتِ، وقلتَ كُنْ
حرًا، وصِغْتَ مِنَ الغيابِ جُسُوْرَهْ

عَلَّمْتَهُ أنْ يستطيلَ ويستطيـ
عَ المُسْتَحِيْلَ، ولا يَهَابَ عُبُوْرَهْ

وبأنْ يكونَكَ ثمَّ يخلقُ بالدما
ءِ صَدَىً جديدًا، سِيْرَةً ومَسِيْرَةْ

مَا مِنْ يزيدٍ لم يكنْ لكَ إثرَهُ
رُوْحٌ تلاحِقُهُ وتَهْدِمُ دُوْرَهْ

يا سورةَ الجَرَيَانِ في عِرْقِ الحيا
ةِ، ويا ثمارَ خلودِهِ وزهورَهْ

هِيَ بذْرَةُ الجُرْحِ الوَلُوْدَةُ تُنْبِتُ الـ
أرواحَ، تحيي في اليباسِ جذورَهْ

يومَ ابتكرتَ الرَّفْضَ فأسًا والإبا
ءَ مَعَاوِلًا حَرَّرْتَ كُلَّ بَصِيْرَةْ

ونبذْتَ دينَ الإمَّعَاتِ، كَسَرْتَ أغـ
لالَ القطيعِ، أَزَلْتَ عنهُ خُدُوْرَهْ

وعَدَلْتَ دَرْبَ الاِعْوِجَاجِ، بَذَلْتَ ذا
تَكَ، وابتكرْتَ بنزفِها تغييرَهْ

وفقأتَ أحلامَ الرَّعَاعِ، هشاشةَ الـ
أَتْبَاعِ، كنتَ الوعيَ، كنتَ نصيرَهْ

تبدو وحيدًا حيثُ تبدو آخَرًا
وِتْرًا وشفعًا يَسْتَشِفُّ نَظِيْرَهْ

يا سيدَ الإيقاعِ! كنتَ الشِّعْرَ كنـ
تَ قصيدةً أولى وكنتَ أخيرَةْ!

هُوَ مَصْرَع رَسَمَ الحَقِيْقَةَ بالمَجَا
زِ، ومَدَّ في رَحِمِ السُّؤَالِ الصُّوْرَةْ

جُرْحٌ تشاطِرُهُ الحَقِيْقَةُ نَزْفَهُ
أحرى بهِ أنْ يَجْرِفَ الأُسْطُوْرَةْ!

لو صَحَّتِ الذكرى -ولم تكُ مَيِّتًا-
لَنَصَبْتُ رَفْضَكَ مأتمًا وشَعِيْرَةْ

لقرأتُ مَصْرَعَكَ الطموحَ قضيةً
ونَفَضْتُ ألحانَ الأسى وقُشُوْرَهْ

هِيَ ثورةٌ أُخْرَىْ بألفِ بدايةٍ
لا الطفُّ دمعٌ! لا النوائحُ سِيْرَةْ!

عُدْ بالبدايةِ مَصْرَعًا يجلو الرُّؤَىْ
فالزَّيْفُ ضَحْلٌ والطُّفُوْفُ غَزِيْرَةْ!

و اجْلُ الأساطيرَ التي عَلِقَتْ ببو
صَلَةِ الخُطَا، فدُرُوْبُها مَأْسُوْرَةْ

حَرِّضْ طريقَكَ فهو يكتنزُ العُبُوْ
رَ، وَلَمْ تَكُنْ خُطُوَاتُهُ مَبْتُوْرَةْ!

حَرِّضْ شَعَائِرَكَ التي هَرِمَتْ، وحَرِّ
كْهَا لِتَحْكُمَ عَصْرَهَا وتُدِيْرَهْ

عُمُرُ الحقيقةِ في ثراكَ فَقُمْ لَهُ
واحرُثْهُ واستخْرِجْ إليكَ دُهُوْرَهْ

أَنَّىْ يَصِحُّ لكَ الرثاءُ وأنتَ تَسْـ
طَعُ في الغُرُوْبِ غدًا يَبُثُّ طُيُوْرَهْ

ولكُلِّ يومٍ، كُلِّ أرضٍ، كُلِّ وعـ
يٍ أنتَ، يا نهرَ الهُدَىْ وخَرِيْرَهْ

كم تكذِبُ الذكرى! فعُمْرُكَ آخَرٌ
حَيٌ تُقَاسِمُهُ الشُّعُوْبُ مَصِيْرَهْ

جُرْحٌ .. يَحْتَرِفُ الخُلُوْد

جرحٌ يُرتِّبُ مِلْحَهُ ومَحَارَهْ

سُفُنُ المدامِعِ ما لَوَتْ إصْرارَهْ

في ذِمَّةِ الإيثارِ أطلَقَ فَجْرَهُ

حيثُ الخَيارُ الصَعْبُ كانَ قَرارَهْ

مِنْ سورةِ الخيماتِ يغزِلُ شمسَهُ

وبوحيِّ ( زينبِهِ ) يَحوكُ نَهاره

ماضٍ ، وَإنْ نَبْضُ الفُرَاتٍ تَعَثُّرٌ

لابُدَّ مِنْ قلبٍ يُقيلُ عِثَارَهْ

الآنَ .. ” أجِّلْنَ الدموعَ ” فموسِمٌ

آتٍ لِيُوقِدَ أَدْمُعًا قيثارة

قلبي مَلامِحُ دَمعةٍ .. وقصيدتي

عَبَرَتْ على خدِ المَجَازِ عِبَارَة

بيدَيَّ ترتعِشُ الحروفُ وَقَارِبي

ما عَادَ يُتقِنُ كربلا ، إبحارَه

وحدي فإبراهيم شعري حائرٌ

في ليلٍ أسئِلةٍ ، يُكابِرُ نارَه

لا صَوت يُشبهُني فأرسمُ مَنْ أنا؟!

لا صمت يَملأُ مِنْ صَدايَ جِرارَه

بَعْضي نُبُوءةُ شاعِرٍ وبقيَّتي

لغةٌ مُبَعْثرةُ الصَدَى مُحتارة

هُمْ قِلَّةٌ ولِوَحدِهِ هُو كَثرةٌ

قلبٌ وعزمٌ ، رؤيةٌ وغَزارة

ويُبَاغِتُ الدُنيا هُنَاكَ بكربلا

ءاتٍ ، يُدشَّنَ بالجِراحِ مَسَارَه

” هيَّا خُذيهِمْ يا دِماءُ .. ” جَهَنَّمًا

فتُجيبُهُ ” هل مِنْ مَزيدٍ ؟ ” ، غارَة

يومًا سيكتشِفُ الزَمانُ بأنَّهُ

عَقَدَ الحَقيقةَ حينَ فكَّ حِصَارَه

يومًا ستعترِفُ السُيوفُ بأنَّها

في يومِها ما قدَّرَتْ إنذَارَه

وبِأنَّها كَفَرَتْ بوحيِّ دمائِهِ

، إذ أُنزِلَتْ ، فَتجاهَلَتْ مِقدارَه

**********

يا جُرحُ حينَ الموت أصبَحَ دولةً

أشرقتَ مِنْ وَهَجِ الإباءِ حَضَارَة

حينَ التحدِّي كانَ ليلَ مُخَيَّمٍ

أضرَمتَ صُبحَكَ واخترقتَ غِمَارَه

لَمْ يُدْرِكوكَ دَمًا يُصَدِّرُ نَصرَهُ

ويُكربِلُ الدُنيا .. يُعولِمُ ثارَه

لمْ يُدرِكوكَ اختَرتَ أيَّ مساحةٍ

كونيّةٍ ، فرَسمتَها مِضمَاره

لمْ يُدرِكوا كُلَّ الجِهاتِ فَتَحتَها

نارًا لتُطفئ ليلَهُم وشَنارَه

تستَلُّ جُرحَكَ في قِبالِ سيوفِهِم

فَتعودَ مُنتَصِرًا بِكُلِّ جَدَارة

يا مَنْ خَلَعتَ أَنَاكَ ، تبقى عاريًا ،

تكسو الزمانَ تَحرُّرًا وطَهارة

يا مَنْ شَربتَ ظَمَاكَ ، نبعَ شهادَةٍ

يروي الحياةَ عطاءَهُ .. إيثارَه

نبعٌ .. يُطَرِّزُ للحياةِ وِلادةً

أُخرى وينثُرُ في المدى أعماره

 

والرأسُ في رُمحٍ ، يشعُّ كرامَةً

قمرًا يُكوثِرُ في السُرى أنواره

لوشاء في دربِ السباءِ بأن يُديــ

ــرَ الكونَ من فوقِ القنا لأدارَه

**********

أحسينُ رُغم الذَبحِ لم تكُ مشهَدًا

للمَوتِ ، كَانَ صَدى الرِثَاءِ إطارَه
ما كُنتَ ذاكرةً تنوءُ بنزفِها

أوليلَ بُؤس يشتكي أكداره
عذرًا إذا عِشناكَ منبرَ دمعةٍ

وممارسات مواكِبٍ وزيارة
حتى احتكرنا كربلاءَ عواطِفًا

و( حسينَها ) لم نكتشِفْ أسراره
ذُكِرَ المُصابُ نُوَاحُهُ وبُكاؤهُ

نُسيَ ( الحُسينُ ) وَلَمْ نَعِشْ أفكاره
حُشِرَ اختناقُ الفِكرِ في رئةِ (الشعا

ئِرِ) ، في طُقُوسٍ مارسَتْ إنكارَه
نحيا ( الحسينَ ) كما نشاءُ وَلا كَما

شاء ( الحسينُ ) ونرتضي إهداره
هذا (الحسينُ)/ الفكرُ صدَّرَ نهضةً

لا كي نُحاصِرَ بالدموعِ مسارَهْ
ما كانَ مُنكَسِرًا .. بِكُلِّ إرادةٍ

كُلُّ الجراحِ اختارَ أنْ تختاره
ما كانَ عُطشانًا .. فَعَينُ خُلُوْدِهِ انـــ

ـــبَجَسَتْ ، تُحَرِّرُ مِنْ ظَمَىً أَنْهَارَه
مَا كانَ فردًا كان أعظَمَ أُمَّةٍ

أَذْكَتْ رؤاها ثَوْرَةً جَرَّارَة
دعنا نَعُدْ لإلى الحسينِ شهادةً

وإرادةً وقيادةً وإدارة
لِحُسينِ وعيٍ نقتفي أهدافَهُ

حتى نُعيدَ به أجلَّ صَدَارة
مولايَ .. غَرْقَى في بِحَارِ ضياعِنا

فامدُدْ لنا طوقَ النجاةِ مَنارة

 

 

حوارٌ مَعَ مَوْتٍ وَاهِم

… فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا…

 

 

حَتَّامَ يَا مَوْتُ – مَزْهُوّاً– تُجَسِّدُهُ ؟!

 

وَلَيسَ لِلخُلدِ مِنْ حَدٍّ يُحَدِّدُهُ!!

 

بهِ الخُلُودُ تَجَلَّى ذَاتَ مَذْبَحَةٍ

 

مِنْ السَّمَاءِ، وَعِندَ الذَّبحِ مَوْلِدُهُ

 

يُسَافرُ الوَحيُ فِيْ مَعنَاهُ أَشْرِعَةً

 

يُجَدِّدُ (الطَّفَ)، والِإنْسَانُ مَقْصَدُهُ

 

فِيْ طُوْرِ سِينَائهِ الأَنْهارُ مُذْ سَكَنتْ

 

مِيْقَاتَها، انْبَجَسَتْ فِيْ كَرْبَلا يَدُهُ

 

تُضَمّدُ النَّهْرَ جُرحَاً نَازِفَاً حُلُمَاً

 

وَنَحرُهُ النُّوْرُ قُلْ لِيْ مَنْ يُضَمِّدُهُ؟!

 

هُنا وَقفتُ بِبَابِ الصَّمْتِ ذَاتَ دمٍ

 

أُسَائلُ المَوْتَ عَنْ نَحْرٍ سَيَخْمدُهُ:

 

أَنَّى تَمُوتُ نُحُورٌ كَانَ قَبَّلَها

 

فَمُ الإلهِ، وَشَمْسُ النَّزْفِ تَعبُدُهُ؟!

 

فَللنحُوْرِ شِفَاهُ الغَيبِ، إن قُطِعَتْ

 

تُكَلِّم اللهَ تَكْلِيمَاً وَتَحمدُهُ

 

وللنحُورِ لُغَاتٌ كَانَ يَكْتُبهَا

 

دَمُ الحُسينِ وَفَجْرٌ حَانَ مَوعِدُهُ

 

ليُشعلَ الحَرفَ نَهْراً، قِرْبَةً وَيَدَاً

 

مَقْطُوْعَةً، إِذْ هَوى لِلأَرْضِ فَرقَدُهُ

 

وفِي الفُراتِ يُصليْ المَاءُ أَفْئِدةً

 

مِنَ الخُشُوعِ، وَذاكَ النَّهرُ مَعبَدُهُ

 

وفِي الخِيامِ رَضِيعٌ فِي ابْتِسَامَتِهِ

 

حُلْمُ العَصَافِيرِ لَحْنَاً رَاحَ يُنْشُدُهُ

أَليسَ يَا مَوتُ فِي رُؤيَاكَ فَلْسَفَةٌ

 

أُخْرَى، تُمِيْتُ بِها جُرْحَاً وَتُلحِدُهُ؟!

 

أَنا وأَنتَ وَقَفنا قُرْبَ مَذبَحَةٍ

 

يَفُوْحُ مِنها خُلُودٌ كُنتَ تَرصدُهُ

 

فَمَا وَجَدنَا سِوى نَحْرٍ يَشِعُّ هُدَىً

 

و(زينبٌ) لَمْ تَزلْ بالدَّمْعِ تُوْقدُهُ

 

والمُهْرُ يَنْحتُ فِي التَّارِيخِ أُغْنِيَةً

 

تَحْكِيْ (سُلَيمانَ) لَمَّا عَادَ هُدْهُدُهُ

 

لِيُخبرَ العَرشَ أنَّ المَوتَ مُخْتَنِقٌ

 

بِالنَّحْرِ، حَيْثُ ارْتَمَى رُعْبَاً مُهَنَّدُهُ

 

وَطَعنَةٌ سَجَدَتْ فيْ مَسْجِدٍ/ جَسَدٍ

 

لَمّا يَزلْ خَاشِعاً بالطَّعنِ مَسْجِدُهُ

 

يَا مَوتُ هَبْنِيْ جِرَاحاً، تَزْدَهِيْ عُمُرَاً

 

وَدَهَشْةً مِثلَ سَيفٍ فِيَّ تُغْمِدُهُ

 

لَعَلّنِيْ أَحْملُ الصَّحراءَ فَوقَ يَديْ

 

وَمَنْحَراً مِنْ (طُفُوفٍ) جِئتَ تَحْصدُهُ

 

لَعَلّنِيْ باحْمِرارِ الطِينِ أَبْحَثُ عَنْ

 

رُوحِ الحُسينِ ضِيَاءً لَستُ أَعهَدُهُ

 

هُوَ الحُسينُ ابْتِكارُ اللهِ مُذْ ظَمِئتْ

 

عُينُ الحَياةِ، أَسالَ الضَّوءَ مُوْرِدُهُ

 

مِيَلادُهُ لَحْظَةُ السَّيفِ التيْ فَصَلَتْ

 

رَأْسَاً، فَلمْ يَنْفَصلْ عَنْ أَمْسِهِ غُدُهُ

 

قَدْ كَانَ مَسْرَاهُ نَحوَ الذَّبحِ مُعْجِزةً

 

وَكانَ جِبريلُ فِي المَسْرَى يُهَدْهِدُهُ

 

فَوقَ (البُرَاقِ) عُرُوجاً كَانَ مُنْهَمِرَاً

 

وَهوَ انْبلاجُ سَلامٍ غَابَ مَشْهَدُهُ

 

يَا مَوتُ إِنَّ فَناءَ الرُّوحِ مُنْصَهِرٌ

 

بالمُسْتَحِيلِ، فَدَعْ سَهْمَاً تُسَدِّدُهُ

 

يَكْفِيْ الحُسين حَيَاةً أنَّهُ وَطَنٌ

 

يَشِعُ فِي جَبْهَةِ الدُّنيَا تَمَرُّدُهُ

 

يَكْفِيهِ أَنَّ عُيُونَ الشَّمسِ سَابِحَةٌ

 

عَلى الضَّرِيحِ، وَفَجرَاً فَاضَ مَرقَدُهُ

 

يَكْفِيهِ أَنَّ شُعُوبَ اللهِ تَقرَأهُ

 

رُوْحَاً، ولمَّا يَزلْ لُغْزَاً تَفَرُّدُهُ

 

والأَنْبِيَاءُ امْتِدادُ النَّحْرِ وَحْيُهُمُ

 

فَلَمْ يَمتْ بالهُدَى يوماً (مُحَمّدُهُ)

 

يَا أيها المَوتُ إِنَّ (الطَّفَ) سَاقِيَةٌ

 

تُبَلِّلُ النَّحْرَ قُرآنَاً .. تُخَلِّدُهُ

 

وَكُلُّ عَصرٍ– بِنَصرٍ– جَاءَ مُمُتَشِقاً

 

دَمَ الحُسينِ سِلاحَاً قَامَ سُؤدَدُهُ

 

حَتَّامَ .. حَتَّامَ؟!! قَدْ حَارَ السُؤالُ وَقَدْ

 

خَارتْ قِوَاهُ، وكَمْ قَرنٍ يُجَدِّدُهُ؟!

 

آمنتُ بِالنَّحرِ خُلْدَاً، جَنَّةً وهُدَىً

 

حَتَّامَ يَا مَوتُ – مَزهُوّاً- تُجَسّدُهُ؟!

 

خُيَلاءُ مَاء

اِسْقِ الفُرَاتَ الجُودَ مِنْ خُيَلائِكْ

أنتَ الحُسَينُ .. المَاءُ مِنْ أسْمَائِكْ

وأَدِرْ غَمامَك فالجِهاتُ ترقُّبٌ

حتَّى السّماء دَنَتْ لفيضِ سَمائِكْ !

مأْوَى الضُّيوفِ ، وأَنتَ أوَّلُ ريِّهمْ

أترى السِّهامَ على غديرِ دِمائِكْ ؟

إنْ كُنْتَ مِنْ عَطَشٍ شكَوتَ ، فإنّما

تشكُو احتِضارَ النَّهْرِ دُونَ لقائِكْ

وفمٌ تُبَلِّلُهُ حروفُكَ هل ذَوَى

ظمأً ؟ وفيه هَرقْتَ كأسَ إبائكْ ؟!

أنتَ الذيْ سكَنَ الخلودَ زُلالُهُ

فإذا الحياةُ تعُبُّ مِنْ أنْدائِكْ

يا أيُّها المذبُوحُ صوتُكَ لم يزَلْ

يُحْيِي الوُجودَ ، فما ادِّعاءُ فَنائِكْ؟!

الموتُ أُحجيَةٌ ، فرأسُكَ في القَنا

يحدو، ويمشي الكونُ خلفَ حُدائِكْ

حرقوا خِباءَكَ كيْ نَضِلَّ طريقَهُ

وبداخِلي قلبٌ كَلونِ خبائِكْ

وعلى ضُلوعِكَ لاحَ مشْعَرُ حافرٍ

يسعَى ؛ أقُلتَ الحَجَّ مِنْ أشلائِكْ ؟!

وبقِيتَ مِئذنةً وذِكْرُ مُحمَّدٍ

فيْهَا اعتَلَى ، يزهو بثوبِ عَرائِكْ!

بدمِ الرضيع خَضَبْتَ ناصيةَ السما

ءِ فلوَّنتْ منه جفونَ رثائِكْ

ومُجَدَّلٍ أحيا الصّلاةَ ، وخَلْفَهُ

تصطَفُّ حيَّ على الحُسينِ ملائِكْ

ولئنْ أباحَ الشّوكُ جسمَكَ ، إنّما

هوَ لائذٌ ، أرأيتَ مثلَ حرائكْ ؟

وعليكَ أسرابُ المنون تزاحمتْ

فخطبتَ فيها “الكهفَ” من عليائكْ

والموتُ مهما جالَ فوقك خيلُهُ

خلَّفْتَهُ كَلاًّ على أعدائكْ

هلْ أطفَأَ اسمَك ظنّ زحفُ رمادِهمْ؟

فخذلتَهُ .. والشمسُ تحت ردائكْ

ويظلُّ نحرُكَ في الزمانِ حكايةً

هيهاتُهُ للمُبصرِينَ أرائكْ

ورُؤاكَ جذوةُ مَن بليلِ مسيرِهِ

طلبَ الكرامةَ فَهْيَ من آلائكْ

ما كربلاؤكَ غيرُ وحي رسالةٍ

وبمهدِ طفلكَ كانَ بَدءُ ندائكْ

الفتحُ يتبعُني ورَحلِيَ جَنَّةٌ

ودمِي براقي حيثُ دَرْبيَ شائِكْ

ومَعِي سأحمِلُ شاهدَينِ : قِماطَهُ

ودمًا ، فخُذْ يا أُفْقُ نقْشَ كِسائِكْ

فتسابَقَتْ حتّى العبيْدِ بكربلا

تستمْطرُ الفِردوسَ مِنْ زهرائِكْ

ورضيعُكَ الْـ.يفدِيكَ أبيضُ نحْرِهِ

ووراءَهُ الدُّنْيا حبَتْ لفِدائِكْ
هل سُورَةُ التوحيدِ أنتَ، ولمْ يكنْ

كُفُؤًا لكُلِّ عُلا سوى أَجْزائِكْ
ما أنتَ بالعَطشَانِ ! إنْ هَمَتِ السَّمَا

لمْ تهْمِ إلاّ من سحابِ عطائِكْ

ولأنّكَ الماءُ الذي انْهمَرَ اسمُه

غادرْتَ ماءَ النّهرِ دونَ رُوائِكْ

يا ابنَ التي ماءُ الحقيقةِ مَهْرُها

أغْدِقْ على شِعْرِيْ بُحورَ وَلائِكْ
فإذا مضَى الشُّعراءُ يَتْبَعُهُمْ غِوَى

ما ضرَّنِي إنْ كُنتُ مِنْ شُعرَائكْ

 

 

رِحْلَةٌ فِي فُراتِ الضَّوء

مَعاً ذاهِبُونَ اليَومَ كَي نَقْطِفَ النَّجْمَا

وَنَبْتَكِرَ النَّصَّ الذي يُطْفِئُ الهَمَّا

فِداءً لِعَيْنَيْكَ انْسَكَبْنا قَصِيدَةً

تُحَلِّقُ حَتَّى تُدْرِكَ الغايَةَ الأَسْمَى

وَتَنْحازُ لِلْمَعنَى الذي مِنْ خِلالِهِ

تُتِيحُ لَنا التَّأْوِيلَ، وَالبَحْثَ، وَالفَهْمَا

وَحِيدُونَ إِلا مِنْكَ يا ماءَ عِزِّنا

وَكَيْفَ لِهَذِي الرُّوحِ مُذْ كُنْتَ أَنْ تَظْمَا؟!

كَفَى بِكَ عِزاً أَنْ تَكُونَ مُضَحِّياً

بَصِيراً يُرِيحُ النَّفسَ مِنْ جَهْلِها الأعمَى

ويَمْتَصُّ آلامَ الحقيقةِ عِندما

يَدُسُّ لَها أعداؤُها الزَّيْفَ والسُّمَّا

فيا مَن مَنَحْتَ المَوتَ طَعمَ وِلادةٍ

تَذَوَّقَها الإيقاعُ فاسْتَعذَبَ الطَّعْمَا

ويا أَيُّها الكَوْنِيُّ فِي دِفْءِ قلبهِ

لِقَلْبِكَ هذا في المَدَى قُوَّةٌ عُظمَى

رُؤاكَ على اللَّوحاتِ ضَربةُ رِيشَةٍ

مُغايِرَةٍ في كَربلا تتْقِنُ الرَّسْمَا

تليقُ بكَ اللاءُ التي اخترتَ دَربَها

بِرِحلةِ تَغْيِيرٍ تُنَوِّرُ ما اظْلَمَّا

وتحفَظُ لِلحَقِّ المُبِينِ سُلالَةً

تَعِي مُفرداتِ الجُودِ، والعَطْفِ، والرُّحْمَى

نُحِبُّكَ شمساً لا تَغيبُ ومَرفأً

لَهُ يَلْجَأُ العُشَّاقُ إنْ صارَعُوا اليَمَّا

رَسَمْتَ إلى القَتْلَى حَياةً جَمِيلةً

تَحَدَّتْ وُجُوهَ الضِّيقِ فاصَّاعَدَتْ حَجْمَا

بِلَيلِ المَسافاتِ العنيدةِ أنتَ مَنْ

نَرَى ضَوءَهُ بَينَ المُحِبِّينَ قد عَمَّا

وإنَّا لَشَعْبٌ كاليَنابيعِ حُبَّهُ

يُطَرِّزُ مِن أَنهارِكَ الغَيْثَ والغَيْمَا

إذا ارتَدَّ قَومٌ خَلْفَ أسوارِ خَوفِهِمْ

بعجزٍ، بَقينا نَحْنُ مَن يَملِكُ الحَزْمَا

عَلَونا عَلَى كُلِّ الجِراحِ كَيُوسُفٍ

وكَم يُوسُفٍ في السِّجْنِ لم يَرتَكِبْ جُرْمَا

وما هَزَّ مِنا الخَوفُ أغصانَ نَخلةٍ

تَؤُمُّ لها الأطيارُ في لَهفةٍ أَمَّا

عَنِيدُونَ كَالصَّبَّارِ إنْ مَسَّنا الظَّما

 

ومنذُ رَضَعْنا الصَّبرَ لَمْ نَرتَضِ الفَطْمَا

 

لآخِرِ نَبضٍ في الضُّلُوعِ وشَهقَةٍ

نَعِيشُ كِراماً، نَقْتَفِي خَيرَكَ الجَمَّا

إذا غارَ جُرحُ الفَقْدِ فِي قلبِ أُمَّةٍ

وعاشَتْ على ذِكرَى أحِبَّائِها اليُتْما

تُصِرُّ على تَضميدِ كُلِّ جراحِها

وَتَخلَعُ عَنها الخوفَ والبُؤسَ والسُّقْما

 

بِشتَّى مَناحِيها الحياةُ رِوايَةٌ

وما غبْتَ عَن مَيدانِ أحداثِها يَوما

 

تَجَلَّيْتَ في عُمْقِ المَضامِينِ فِطْرَةً

يُجَسِّدُها مَن عاشَ أيامَهُ شَهْما

 

وَأَسَّستَ لِلأَجْيالِ أَعظَمَ قِيمَةٍ

جماليةٍ سُرعانَ ما أشرَقَتْ نَجْما

 

هُوَ الضَّوْءُ قَدْ شَكَّلتَ سِيماءَهُ لِذا

إلَيكَ شُعاعُ النُّورِ يا سَيِّدي يُنْمَى

 

تَنَفَّسَكَ الإنسانُ حُريةً بِها

رأَى كُلَّ نَخلٍ باسِقٍ يَرفُضُ الظُّلْما

 

رآكَ أمامَ الجَيْشِ حَشْدَ كرامَةٍ

نَياشِينُهُ العَزمُ الذي يُنجِبُ العَزما

 

فبوصلةُ الأقدارِ أنتَ تَقُودُها

ومثلُكَ أنَّى كانَ لا يقبلُ الضَّيْما

 

مَسارُكَ لِلعلياءِ أَغنَى تجارِباً

وأيقَظَ أذهاناً تَشَرَّبَت الوَهْما

 

تُحَدِّثُنا عنكَ الوُرودُ وعِطْرُها

أيا نَسمةَ الوردِ التي تهزِمُ السَّهْما

 

ويا مُرتَقَى الحُبِّ الذي في ظِلالِهِ

بِعَدْلِ السَّما يستَصدِرُ الحاكِمُ الحُكْمَا

 

فَحِينَ رَمادُ الحِقدِ يَطعَنُ مَوطِناً

بِخِنْجَرِهِ لا بُدَّ أن نُوقِفَ الدَّمَّا

 

وحِينَ رصاصُ الحَربِ يَخْتَرِقُ المَدَى

حَرِيٌّ بِنا أنْ نَزرَعَ الأمنَ والسِّلْمَا

 

فَمنْ يَتَّبِعْ سِربَ العَصافِيرِ يَرتَفِعْ

وتَمْنَحُهُ العَلياءُ مِن إِسْمِها إِسْما

 

ولا تُكتَمُ الأفكارُ في الصَّدْرِ دائماً

فَبُحْ بالأحاسِيسِ التي تَرفضُ الكَتْمَا

 

وصافِحْ يدَ الصُّبحِ الجميلِ، فَكَفُّهُ

بِكَفِّكَ تَبني كُلَّما حاولوا الهَدْما

 

عَلامَ ضَجِيجُ القَومِ؟! قَد كُنتَ هادِئاً

ولكنَّكَ الصَّمْتُ الذي يُرعِبُ الخَصْما

بِقُربِكَ أقمارٌ تُحاصِرُ مَوتَها

فَتُولَدُ (كَلا)، تَسْتَمِرُّ هُنا (مَهما)

ولا تُهزَمُ الـ(هَيهاتُ) إنْ أنتَ قُلتَها

وشَكَّلتَ مِن طِينِ اليقينِ لَها العِلْما

بِمِلْءِ الإبا والبَأسِ ما زلتَ واقِفاً

تُواجِهُ مَن قَد أضْمَرُوا الغَدْرَ والإثْمَا

كأنَّ جِراحَ الطَّفِّ سِربُ حَمائِمٍ

وبَدرٌ على أرجوحةِ اللَّيلِ قد تَمَّا

 

إذا احتاجَتْ الأوطانُ يَوماً لِنَهضَةٍ

فأنتَ الذي عَنْ جَفْنِها تَنفُضُ النَّوما

تبارَكْتَ رأساً مُطمئِناً على القَنا

مَضَى يَحرسُ الأيتامَ مُذْ فارقَ الجِسما

يحدِّثنا دَمعُ المرايا وَجَمْرُها

عن امرأةٍ في دَربِها تَزرَعُ الحُلْما

شَراييِنُها يجري بها الوعيُ ثورةً

وذا صَبْرُها قد أعجزَ الكَيفَ والكَمَّا

يُداوِي جِراحَ الأُمنِياتِ حَنانُها

ويَختارُها مَن فارَقُوا أُمَّهُمْ أُمَّا

أُرَمِّمُ ذَاتِي حِينَ أَرنُو لأُفْقِها

أنا ذلكَ القلبُ الذي لِلفِدا أَوْمَا

وألقَى علَى الأرضِ اليَبابِ بَنَفْسَجاً

فَجَدْبُ المنافِي لا يَليقُ بِهِ حَتْما

 

بَعِيداً عن المَحدودِ تَنسابُ أحرُفي

وتُزهِرُ بُستاناً يَضُمُّ الرُّؤَى ضَمَّا

ولي كَارتِعاشاتِ الفَراشاتِ آهَةٌ

تُزيحُ بِماءِ الوَردِ عَن خاطِرِي الغَمَّا

 

على شَفَتي نايٌ تَقَاطَرَ عَزفُهُ

كَقَافِيَةٍ فِي الرُّوحِ قد عَرَّشَتْ كَرْما

 

هُنا بِسَنَاكَ العَذبِ يَغتسِلُ النَّدَى

هُنا الحُبُّ مَرفُوعٌ ولا يَقبَلُ الجَزْما

 

فَخُذْنَا، يَكادُ العُمْرُ أنْ يَسبِقَ الخُطَى

وَثَمَّةَ ما يَحتاجُهُ قَلبُنا المُدْمَى

 

وإنْ حاصَرَ المَوتُ اخضرارَ حياتِنا

فَأَرْسِلْ عَلَى صَحْراءِ أَيَّامِنا الغَيْما

 

رصاصةٌ في جيب الأزدي

(الهفهاف بن المهند الراسبي الأزدي، ثمالة أصحاب علي (ع)، وآخر من قطع تذكرة من دم للّحاق برحلة الخلود في ركب الحسين (ع)، وصل عصر عاشوراء، وما زال يقاتل!).

غيمةٌ من نسل (هابيل) تسحُّ الحزن للأعلى
فتذوي سدرةٌ عند السماء السابعهْ
صرخة الأرض تصلي ضارعهْ
لم تعد يا رب للموتى تخومي جائعهْ
ينفض الوقت غبار الموتِ..
والنارُ احتفاءُ (الشمر) في طَقس جنوني ليرضي جوع تشرين بإحراق الورودْ
مظلمٌ هذا النهارْ
ميتٌ هذا النهارْ
جئتُ ذئبُ الموت يعوي في النواويس فيرتد الصدى في كربلاءْ
خاشعٌ حتى صليل السيف في صمتِ الدماءْ
جئت لا صوتك يرتد بأعماقيَ زلزالا
ولا وجهك يسقيني ضياءْ
جئت لا عباس
لا أكبر
لا قاسم
لا شيء سوى سبعين شمسا تشعل الكون شتاءْ
لا ورودٌ
لا نخيلٌ
لا هواءْ
لم يقل لي سيدُ الماء (عليٌ) أن في يومك ينقض نعاس القارعهْ
جئت كالرعدِ، بكفي مِديَتي
وأراجيز اللهبْ
جئت و(الأزد) شظايا ثورتي
ولها الجند حطبْ
ماردُ الرعب هنا في بُردتي
والمنايا والغضبْ
***
وانحنى النخل على خاصرة الأرض يصلي
واحتفى السعدان والشوك بأيام الجفافْ
وأنا والخيل والسيف على مصرعك الغائم بالصمت ظِماءٌ
ومحياك ضفافْ
شدَّ يا خيلُ على أسطورة الجيش الذي لا يرهب الموتَ
وحطم صنم الزيف وأشباهَ الدُّمى
واتخذ يا سيفُ من أعناقهم بوصلةَ الخوفِ..
وحطّم أعظما
واحتفل بالنصل مأموماً يصلي كلما
أمَّ سِربَ الموت نزفٌ ورعافْ
وأنا لي موعدٌ في حفلة الموت مع الجند
مع الأسياف والأرماحِ
إني في زفافْ
ولذا لستُ أخافْ
***

سيدي عدتُ
أنا (الهفهافُ) لم أخلف مواعيد الفناء الحلو
بعد الألف والنيف على ذاتِ العراصْ
عدتُ في قلبي تنينٌ من الشوق
وفي جيبي رصاصْ
كي أصلي بجموع المتعبين اليوم فرضَ النصر
في عيد الخلاصْ
***
أرقبُ الساعة من ذاكرتي / وبقلبي أمنيات السنبلهْ
فمتى يا قلب أنسى كبوتي / وأغني في صلاة الزلزلهْ
يا حسين الدمعُ بذر الفكرةِ / وهو زيتٌ لفتيل القنبلهْ
سحّهُ الجفنُ لأروي غلتي / ولكي أضحك عند المقصلهْ
يضحك الجلاد، هذي جثتي / وهو لا يعلمُ أن الموتَ له
قدري الثأرُ، وهذي مديتي / سوف أحيا ثورةً كي أقتلهْ
***

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ حَشْدُ المَوْتِ يَجْتَمِعُ

اليُتْمُ والظَمَأُ المَهْدُورُ وَالوَجَعُ

 

 

وَغُرْبَةٌ كَمَرَايَا قُرْبَةٍ هُجِرَتْ

فِيْ شَفِّهَا صَارَ وِرْدُ المَاءِ يُرْتَجَعُ

 

 

السَّيْفُ وَالكَفُّ وَالعَيْنَانِ بِئْرُهُمَا

وَالثَّغْرُ وَالنَّحْرُ دَلْوٌ حَبْلَهُ قَطَعُوا

 

 

وَالسَّهْمُ وَالصُّمُّ وَالطِّفْلُ الرَّضِيْعُ إِذَا

شَكَا .. لَهُ صَمَمٌ فِيْ السَّهْمِ يَسْتَمِعُ

 

 

فَالمَاءُ وَالنَّسْلُ صِنْوَانٌ لِمَنْحِرِهِ

إِذْ فِيْهِ نَسْلُ رَسُولُ الله يَلْتَمِعُ

 

 

بَلْ فِيْهِ كَوْثَرُهُ المُنْسَابُ مِنْ ظَمَأٍ

مَا أَبْتَرٌ كَانَ لَكِنَّ العِدَا خُدِعُوا

 

 

ظَنُّوا بِقَتْلِ رَضِيْعٍ دَفْقُ كَوْثَرِهِ

هَدْرٌ وَنَسْلُ رَسُولِ الله يَنْقَطِعُ

 

 

فَصَوَّبُوا النَّحْرَ عَيْنُ الكَوْثَرِ انْفَجَرَتْ

لَمْ يَجْرِ فِيْ الأَرْضِ هَدْراً فَهْوَ يَرْتَفِعُ

 

 

وَمِرْضِعٌ وَحِلِيْبٌ دَرَّ مِنْ وَلَهٍ

فِيْ غِيْرِ مَوْعِدِهِ بَالمَاءِ تَمْتَقِعُ

 

يَا رَضْعَةَ العَطَشِ المَحْمُومِ زِدْتِ لَهُ

جُرْحاً فَكَيْفَ بِحُضْنِ السِّبْطِ يَرْتَضِعُ

 

 

ذا مَنْحَرٌ ضَمَّ سَهْماً فِيْ مُعَانَقَةٍ

لَوَالِدٍ دُوْنَ نَحْرٍ مَا الرَّضَاعَ وَعُوْا

 

 

والخَيْلُ والصَّدْرُ لَمَّا ضَجَّ مِنْ عَطَشٍ

بِوَطْئِهِ ضَـجَّةٌ لِلْمَاءِ تُقْتَلَعُ

 

وَالقَلْبُ وَالسَّهْمُ مَثْلُوثُ الفُؤَادِ بِهِ

لِيُهْرَقَ القَلْبُ حِيْنَ المَاءُ يَمْتَنِعُ

 

 

وَالوَعْدُ وَالفَقْدُ فِيْ أَفْيَاءِ قُرْبَتِهِ

يَا حِيْرَةَ المَاءِ لَمَّا وَعْدُهُ يَقَعُ

 

 

فَدُوْنَهُ يَتَهَاوَىْ فِيْ الثَّرَىْ قَمَرٌ

وَجَزْرُهُ لفُرَاتِ الثَّكْلِ يَبْتَلِعُ

 

المَاءُ صِيْغَةُ حَرْبِ الطَّفِّ وَاجِفَةٌ

لَهَا القُلُوْبُ وَبِالتَّعْطِيْشِ يَفْتَرِعُ

 

كَأَنَّهُ الحَرْثُ مِنْ غَيْظِ القُلُوبِ نَمَا

إِذَا تَعَهَّدَهُ الإِغْوَاءُ وَالطَّمَعُ

 

 

قُلْ مَا تَشَاءُ مَعَانِيْ المَاءِ مُهْدَرَةٌ

فِيْ ذَاتِهَا لِسَواهَا فِهْيَ تَتَّسِعُ

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ كَانَ الرَّيُّ آخِرَهُمْ

قَدْ يُنْزَعُ السَّهْمُ لَكِنْ لَيْسَ يُنْتَزَعُ

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ كَانَ الرَّيُّ مُسْتَتِراً

وَمَنْ تَبَجَّحَ نَقْعُ الدَّمِ إِذْ نَقَعُوا

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ خُذْ مَا تَشْتَهِيْ ذَهَباً

بِكُلْفَةِ المَاءِ لِمَّا شُرْبَهُ مَنَعُوا

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ إِقْصَاءُ الغَدِيْرِ عَلَىْ

إِرْوَائِهِ .. لِجُحُودٍ رَايَةً رَفَعُوا

 

 

وَكَوْثَرٌ لِعَلِيٍّ غَارَ مُنْتَكِساً

فِيْ رَدْمِهِ الدَّمُّ مَوْبُوْءٌ وَيَنْتَقِعُ

 

 

هَذِيْ بَقَايَاهُ قُرْبَىْ قُرْبَةٍ حُصِرَتْ

بِكَفِّ عَبَّاسِهَا وَالكَفُّ تُقْتَطَعُ

 

لا شَيْءَ يُشْبِهُ طَبْعَ المَاءِ إِذْ ظَمَؤُوا

فِيْ عَاشِرٍ وَفُراتُ القَوْمِ مُنْطَبِعُ

 

 

الطَّفُّ قَطْرَةُ مَاءٍ بُخِّرَتْ عَنَتاً

فَجَادَ بِالدَّمِّ رَياًّ كُلُّ مَنْ صُرِعُوا

 

 

لابُدَّ لِلطَّفِّ مِنْ رَيٍّ يُشَرِّبُهَا

رُوْحَ السَّكِيْنَةِ لَمَّا يَشْرَقُ الهَلَعُ

 

إِنْ لَمْ تُرَوَّىْ قُلُوبُ الآلِ عَاطِشَةً

فَتُرْبَةُ الطَّفِّ ظَمْأَىْ.. مَنْ تُرَى تَسَعُ؟!

 

لِذَاكَ يَرْوِيْ حُسَيْناً تُرْبَ ضَجْعَتِهِ

بِنَجْعِهِ لا بِرَيِّ المَاءِ يَضْطَجِعُ

 

كُلُّ الفُراتِ الذِيْ يَجْرِيْ بِمَشْهَدِهِ

مُجْتَثُّ أَصْلٍ وَمَا فِيْ حُكْمِهِ تَبَعُ

 

مَنْ يَتْبَعُ السِّبْطَ نَهْرٌ مِنْ مَصَارِعِهِ

بِذَاكَ حُدَّتْ رِيَاضُ الطَّفِّ فَانْتَجِعُوا

 

إِنِّيْ رَأَيْتُ حُسَيْناً زَمَّ صُوْرَتَنَا

بِلَقْطَةِ الحَيْرَةِ الأُوْلَىْ .. بِهَا هَزَعُ

 

فِيْ دَهْشَةِ المَاءِ مَقْطُوعٌ تَسَرُّبُنَا

كَجَدْوَلٍ لِحُسَيْنٍ ظَلَّ يَتَّبِعُ

 

أَلَمْ نَكُنْ بَعْضَ مَحْصُورِيْنَ فِيْ زَمَنٍ

مِنْ فَرْطِ شَقْوَتِهِ بِالحَصْرِ نَدَّرِعُ

 

أَلَمْ نَكَنْ ظِلَّ مَقْمُوْعِيْنَ قَدْ جَفَلُوا

وَظِلُّنَا حِيْنَ حَرَّكْنَاهُ مُبْتَدَعُ

 

 

كُنَّا سَرَايَا وَلَكِنْ مِنْ سَرَابِ خُطَىْ

كَصُوْرَةِ المَاءِ فِيْ العَيْنَيْنِ نَخْتَرِعُ

 

 

أَشَدُّ إِيْمَانِنَا وَهْمٌ نُخَزِّنَهُ

فَإِنْ تَلَجْلَجَ قُلْنَا فَهْوَ يَنْدَلِعُ

 

 

فِيْ القَلْبِ تَكْمُنُ مَكْبُوتَاتُ حَيْرَتِنَا

كَغَيْمَةٍ عَنْ سَمَانَا لَيْسَ تَنْقَشِعُ

 

 

وَلَيْسَ تُمْطِرُ حَتَّىْ فِيْ تَهَدُّجِنَا

وَضَرْعُهَا يَبَسُ الأَحْزَانِ إِنْ ضَرَعُوا

 

 

لَنَا شِفَاهُ حُسَيْنٍ فِيْ تَعَطُّشِهَا

لَكِنْ بِلا كَوْثَرٍ فِيْ الغَيْبِ يَنْدَفِعُ

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ إِنَّا مُتْرَفُوْنَ عَلَىْ

حَشْدِ المَعَانِيْ وَلَكِنْ عِذْقُهَا دَقِعُ

 

لابُدَّ لِلدَّمِّ أَنْ يُجْرِيْ تَفَجُّرَهُ

بَيْنَ العُرُوْقِ بِشُحِّ النَّفْسِ يَقْتَرِعُ

 

لِكَيْ يَفُوْزَ بِنَرْدِ النَّصْرِ كَوْثَرُهُ

أَنَّى رَمَىْ فَحَشَا غَيْمَاتِهَا دَمِعُ

 

 

وَالمَاءُ يَرْجِعُ مَاءً لَوْنُهُ عَدَمٌ

لا حَفْلَةً فِيْ ظِلالِ المَوْتِ يَصْطَنِعُ

 

 

رَياًّ جَوَاداً كَرِيْمَ الطَّبْعِ مُنْبَلِجاً

قَلْبُ الحُسَيْنِ بِهِ الأَوْلَىْ ولا طَمَعُ

 

 

لِنَهْتَدِيْهِ عَلَىْ ثَغْرٍ بِلا حَرَجٍ

لا نَبْتَ صَبَّارِهِمْ فِيْ الحَلْقِ قَدْ زَرَعُوا

 

 

يَا حَشْرَجَاتِ حُسَيْنٍ فِيْ تَمَنُّعِنَا

عِنْ مَائِهِمْ إِنَّنَا بِالثَّأْرِ نَمْتِجَعُ

 

مَا بِيَنْ مَضْمَضَةٍ نُلْقِيْ رَوَاسِبَهَا

وَبَيْنَ رَيٍّ كَوِزْرٍ حَمْلَهُ نَضَعُ

 

لا يُصْبِحُ المَاءُ مَاءً مِنْ مَشَارِبِنَا

حَتَّى يَغَادِرَ عَنْ وَاحَاتِنَا الضَّبُعُ