سرْ يا فراتْ
سِرْ في هدوءِ العجزِ عن قصصٍ وأعذارٍ ترتّبُها الرمالْ ….
سِرْ حيثُ يجرحُ صمتُ أزمنةِ الغبارِ تعطشَ الموتى بأغصانِ الرماحْ
ويقطّر الخوفُ التذلّلَ في شفاهِ صغارِنا
نتوسّلُ الذكرى ونرمقُ آخرَ الأحلامِ لا يُرجى انفصالْ
أو حين تحرجُ صوتَك المبحوحَ أغنيةُ اليتامى في تفاصيلِ الزوالْ
كان الحسينُ ندىً لأروقة الصباحْ
هل كانَ شكّاً يا فراتْ
حتى يوثّقَهُ المماتْ
نهرٌ تولّى أو تعامى غير معنيٍّ بفاجعةِ النـزالْ
سِرْ يا فراتْ … سِرْ ثمّ ثُرْ
ثُرْ عن جراحِ الصمتِ
حينَ عيونُ أطفالٍ يخالجها الذبولْ
ومضتْ تراودُها الوعودْ
ثُرْ إنّ خوفَك يستبدُّ به الخلودْ
هذا أوانُك يُستَفَزُّ معادُهُ
فصفاءُ وجهِكَ لا يعودْ
ما لم تثُرْ
سِرْ لا تثرثرْ .. سِرْ وثُرْ
دعْ ما تخافُ من التعثّرِ في حطامِ الضوءِ
في ظلماتِ أمّتِنا العقيمةْ
للآنَ يغرينا القناعْ
للآنَ نسقيها دمانا وهي تسقينا الضياعْ
سِرْ يا فراتْ ….
سِرْ ثمّ ثُرْ
سترى حسينَ الله في عبراتِهِ
وترى ضميرَ الرملِ يحفرُ خطوَهُ
سترى بذاكرةِ الرمالِ تَحفّظَ الريحِ المُذيّلِ حزنُها
وجعاً تناسلَ في سنيِّ الخوفِ في رحمِ الذبولْ
سترى بأنّ اللهَ في أعدائِهِ
يبكي عليهِ وهو ينتزعُ الحقيقةَ من نقاءِ دموعهِ
هو ذاك سلطانُ الترقّبِ والتقرّبِ تلك آياتُ الوصولْ
فالحزنُ يبدأُ والدموعُ حكايةُ الكبتِ المرادِ له بأن يتوغـّلَ المعنى المسافرَ عن وجوهِ الناسِ حيثُ ملامحُ الأصنامِ تطبعُ في جبينِ الخوفِ ذلَّ الصمتِ في زمنٍ هجينْ
فأبيتَ يا ظلَّ الإلهِ خطى المتاهةِ في عيونِ الموتِ في نفقِ السوادْ
هو يومُ أنتَ خرجتَ وجهَ حقيقةٍ
يا منبعَ الهادي ويا استسقاءَهُ
فجّرتَ ينبوعَ التطهّرِ واصطفاءَ كواكبٍ للآنَ أوّلُها يضيءْ
للآنَ آخرُها انتظارُ اللهَ حين العدلُ كلُّ الأرضِ كلُّ العمرِ
كلُّ وجودِهِ
ليضيءَ في زمنٍ نبيٍّ ما تحاوله الفصولْ
فيزيحَ وجهَ الموتِ عن قدرٍ بريءْ
ولأنت ِ نفسُ محمّدٍ
يا معدنَ النفسِ النبيّةِ يا مذاقَ الطهرِ يا طعمَ الإلهْ
يا موطنَ الإرثِ المضيءِ على ترابِ الأمسِ حينَ اخضـّرَ وجهُ الموكلين إلى الحياةِ على ضفافِ الدمعِ أو نزفِ السماءْ
وعلى حضاراتٍ تكلَّفَتِ العناءْ
وعلى همومِ نهوضِها
فخلقتَ في طرقِ المنايا ألفَ نهجٍ للنقاءْ
كان المرادُ غصونَ لاهوتٍ تجذّرتِ السماءْ
فخرجتَ حتى يستقيمَ الضوءُ في فيءِ الإلهْ
ينبوعَ أضواءٍ أراكَ .. خصوبةَ النورِ .. امتدادَ العرشِ
حين اللوحُ ممتلئٌ بإشراقِ انتمائِكَ للعلا
هو ذاك يومُ الطفِّ كنتَ على انتشارِ جهاتِهِ متلألئا
فيضٌ يفيءُ ولا يبارحُ وجهَ هذي الأرض إلا باكتمالِ الضوءِ أو بسكينةِ المعنى وباستسلامِ آخر ذرةٍ لهبوبِ وجهِكَ حينها تـُستنطقُ البشرى
فوجهُ الأرضِ مرآةٌ ملامِحُها تقاطيعُ ابتساماتِ السماءْ
ولربّما عَرفَتْ بحزنِك حينها
فَمَضَتْ تعارضُها الدموعُ تجرّحتْ أبوابُها
وملوحةُ الأيامِ تسكنُها الجراحْ
فبكتْكَ أمطاراً دماءً حين موعدُها الهطولْ
سكتتْ وسرُّ الله يفشيهِ النواحْ
سكتتْ وروحُ الأرضِ دائمةُ البكاءْ
إذْ فجّرت ماءً يشقُّ إلى الحياةِ صفاءَ كوثرِك الحزينْ
هو ذاك جرحُ الله .. نزفُ العرشِ
لا الضلعُ المهشّمُ لا الجنينْ
فبأيِّ لوذٍ يستكينْ
والحزنُ يَثأَرُ والدموعُ حكايةٌ ..
لا ترتوي الأيامُ حتّى نبدأَ الأيامَ في معنى تَجَاوَزَه الأنينْ
لا أن نسيرَ نؤمّلُ الموتى مساحةَ قبرِهم
فلقد تصدّعَ وجهُ تأريخٍ تناولَ حزنَك المخبوءَ من حين لحينْ
لتمزّقَ الذكرى شرايينَ السنينْ
فيفيقُ من وجعٍ أنينْ
ويحيل ليل المتعبين إلى البعيدْ
خجلى هي الأيامُ كيفَ تمرُّ من وجعٍ إلى أفراحِ عيدْ ؟!!!
ثُرْ يا فرات
سترى بتكرارِ الإلهِ تشابهَ الآلامِ حين نصرُّ أن نتلو النـزيفَ على الطريقْ
سِرْ إن آخرَ ما نفكّرُ فيهِ في النارِ الحريقْ
ٍ