1- هلَّ الهلالُ مؤذناً لمحرمِ
بادٍ كثغرِ الضاحكِ المتبسمِ
2- فعجبتُ من هذا الهلالِ وأمرِهِ
ولِمَ التبسمُ في المصابِ الأعظمِ
3- فأجابني ضوءُ الهلالِ ونورُهُ الــــ
ــــمنسابُ مثلُ القطرِ فوقَ البرعمِ
4- هذي ظعونُ العاشقين توافدت
صوبَ الطفوفِ بشوقها المترنمِ
5- تمشي وتحفرُ في ترابِ دروبها
كالقيدِ يحفرُ رسمَهُ في المعصمِ
6- فانظر لهذا الرسمِ أصبحَ منهجاً
يمشيهِ كلُ مُولـّهٍ ومتـيّمِ
7- وانظر لبقعةِ كربلاء توسُّماً
فبها ستنظرُ آية َ المتوسمِ
8- وسلْ الحسينَ إذا وصلتَ ضريحهُ
ونزلتَ ضيفاً في عرينِ الضيغمِ
9- هل هذهِ الأرضُ التي لم تروِها
إلا زكاةُ النحرِ من فيضِ الدمِ
10- وأديمُها وترابُها وصخورُها
هي من بقايا صدرك َ المتهشمِ
11- هل هذهِ الأرض التي في حضنِها
تعلو الرماحُ برأسكَ المتعممِ
12- هل هذهِ الأرضُ التي من بأسها
فطموا رضيعكَ سيدي بالأسهمِ
13- هل هذهِ الأرضُ التي نيرانُها
لم تبقينَّ إليكَ أيَ مخيمِ
14- وإذا وقفتَ على المقامِ تفكراً
لتجولَ فيهِ بنظرةِ المستفهمِ
15- وقفَ الزمانُ بكربلاء مبجِّلاً
هذا الغريبُ الفاطميُ الهاشمي
16- يبلى الزمانُ وليس يبلى عشقُ منْ
قهرَ الزمانَ بعشقهِ المتقادمِ
17- فانظرْ لجدرانِ المقامِ كأنها
مبنيةٌ من صدرهِ المتحطمِ
18- وكأن ُشبّاكَ الضريحِ مُعتّــقٌ
ومُطرّزٌ من ثغرِهِ المُـتـثـلّمِ
19- والقبة ُ الصفراء فوقَ ضريحهِ
شمسٌ لقد وُضِعَتْ كفصِ الخاتمِ
20- وانظر منارَتهُ تُداعبُ كفُها
رأسَ الغيومِ السابحاتِ الهُـيَّمِ
21- إذ تستظلُ بها الحمائمُ رهبةً
من أن يظللُها جناحُ الهيثمِ
22- حتى المصابيحُ التي قد عُــلــِّــقت
فوقَ المقامِ تلألأت كالأنجمِ
23- ستقولُ يا عجبَ الزمانِ لكربلا
أوَلمْ تكوني الأمس مثلَ جهنمِ
24- هوذا الحسينُ فأين من ساروا لهُ
ما بين مختصمٍ وبين مُزَاهِمِ
25- فأجابني التاريخُ هاهم قد مضوا
ورفعتُ عنهم رايةَ المستسلمِ
26- عبدوا يزيدَ ومالَهُ ومقامَهُ
والعابدونَ لغيهِ المُتصنّمِ
27- مضتْ الجيوشُ وبُدِّدتْ أعدادُها
وقصورُهُ بتصدعٍ وتهدمِ
28- أين الثرى من جسمهِ ورميمهِ
أم منْ يجودُ بدمعةِ المترحمِ
29- قتلوا الحسينَ لعلهم لم يعلموا
وُلِدَ الحسينُ مجدداً بمحرمِ
30- هو فـُلْـكُ نوحٍ حينما قد علّقوا
آمالَهم سَفَهاً بركنِ الظالمِ
31- اليومَ أمرُ اللهِ حلَّ وما لهم
عن أمرهِ وعذابهِ من عاصمِ
32- ثارتْ دِماهُ كأنها بحرٌ وهم
غرقوا بلُجّةِ موجهِ المتلاطمِ
33- أبلاهم التاريخُ حتى أنهُ
فرعون موسى جسمُهُ لم يُعدَمِ
34- رأفَ الزمانُ بنا فما أبقى لهم
أثراً يحزُ بجرحنا المتألمِ
35- هوذا الحسينُ أراهُ حياً واقفاً
– وهو القتيلُ- على رفاتِ الظالمِ
36- هوذا الصراط ُ المستقيمُ ومنْ علـــ
ــــــيهِ يسيرُ بينَ مثبَّتٍ ومُدَمْدَمِ
37- والكوثرُ العذبُ الزلالُ ومن إلــــ
ـــــــيهِ يسيرُ بينَ مؤخَّرٍ ومُقدَّمِ
38- حسبوا بقتلِكَ نصرَهم وتوهّموا
ضحكَ الزمانُ لغفلةِ المتوهمِ
39- سقطَ القناعُ وبعدهُ أسطورةَ الـــ
ـــنصرِ المؤزرِ وهو محضُ مزاعمِ
40- أكذوبةَ النصرِ التي ليست سوى
نصرٍ تحقق في خيالِ الواهمِ
41- مرّت بمرفأِ كربلاءَ وأبحرت
سفنُ السنينِ بحزنِها المتراكمِ
42- واليومَ قد بزغَ الضياءُ لتنجلي
شمسُ الحقيقةِ بعدَ دهرٍ غائمِ
43- فاستيقظت كلُ الشعوبِ وشاهدت
يا كربلا لمن انتصارُكِ ينتمي
44- وقفت على أوهامهم كلُ الشعــــــ
ــــوبِ وخاطَبتهم يا عبيدَ الدرهمِ
45- اليومَ من عضَّ الأناملَ حسرةً
لا تنفعـنّـكَ عضـةُ المتندمِ
46- عجباً فإن القاتلينَ إليهِ قد
هُزِموا وإنّ قتيلهم لم يُهزمِ
47- الحقُ يُعلي أهلَهُ بسمائِهِ
والجُرمُ يُقبرُ فيهِ ذكرُ المجرمِ
48- كَلْمى تمرُ بيَ السنينُ وأمتطي
الأحلامَ دونَ عنانِها والألجمِ
49- وأجولُ في فَـلـَكِ الفجيعةِ سابحاً
كالعقلِ يسبحُ في فضاءِ الحالمِ
50- يومَ الحصادِ بعاشرٍ ماذا عسى
غيرَ الدموعِ حصادُها في موسمي
51- بكتْ العيونُ عليكَ فيضاً من دمٍ
والشيبُ أشرقَ بعدَ ليلٍ مظلمِ
52- وعجزتُ من حزني أبوحُ وأشتكي
فجعلتُ حسْراتي لسان َ تكلـُّـمي
53- ولقد رسمتُكَ والطفوفَ بلوحةٍ
ويدي بها عشقي وقلبي مرسمي
54- فأحلتُ رمضاء الطفوفِ جنائناً
وكسوتُ عاري جسمِكَ المتهشمِ
55- وجعلتُ ماءَ النهرِ ينبعُ دافقاً
من بينِ كفكَ كالرحيقِ البلسمِ
56- ونزعتُ أهدابي وفيكَ زرعتُها
ورداً بموقعِ نابتاتِ الأسهمِ
57- أرجعتُ خنصركَ التي بُتِرتْ وقد
طوّقتُها يا سيدي بالخاتمِ
58- ورويتُ طفلكَ سيدي ورسمتُ في
وجناتهِ إشراقةَ المتبسمِ
59- وجعلتُ نيران الخيامِ جنائناً
من وحي بابل صغتُها كالمعْـلـَمِ
60- وجعلتُ حولكَ منْ تشاءُ من الورى
فيها ابتداءً بالرسولِ الأكرمِ
61- ومسحتُ من أرضِ الفجيعةِ سيدي
كلَ الجيوشِ وكلَ عاتٍ مجرمِ
62- ورسمتُ أصحابَ الحسينِ تجمعوا
مثلَ السماءِ تزينت بالأنجمِ
63- وجعلتُ عباساً يجولُ برايةٍ
والكلُ مبتهجٌ بعرسِ القاسمِ
64- لكنْ عجزتُ بأن أواري وطأةَ الـــ
ـــشمرِ اللئيمِ على المقامِ الأحرمِ
65- يا مُلهمَ الأجيالِ وحْياً فارتقت
طرقَ السماءِ على براقِ المُــلهِـــم ِ
66- ومحّررَ الأجيالِ من أقيادها
وخنوعِها وركوعِها للغاشمِ
67- أيقظت أفئدةَ الورى من نومِها
دهراً بكهفِ الجهلِ دون تبرم ِ
68- وبعثتَ في موتى القلوب ِ تكرُّماً
روحَ الإباءِ بنحرِكَ المُـــتَكرّم ِ
69- يا منبعَ الحرية ِ الحمراءِ يا
كهفاً تلوذُ بهِ النحورُ وتحتمي
70- يا مرفأ الأحرارِ تلكَ مراكبُ الـ
ـــعشاقِ عندَ رصيفِ عشقِكَ ترتمي
71- أحسينُ يا عشقي الأصيلُ وإنني
عبدٌ إليكَ فأنتَ حقُ معلمي
72- علّمتني أنّ الكرامةَ تُشترى
بدمٍ لمن قد باعها بالدرهمِ
73- علمتني أن الدماءَ حضارةٌ
تبقى وصرحُ مُريقِها بتهدمِ
74- علمتني أنّ المناحرَ سيدي
جُعِلتْ كرامتُها بسيفِ الظالمِ
75- علمتني أنّ الرؤوسَ إذا اعتلت
رمحاً عَلَتْ فخراً رؤوسَ العالمِ
76- فلتعلم الدنيا بأن حضارتي
في كربلاء وعيدُها بمحرمِ
77- يا كعبةَ العشاقِ أنتَ حضارتي
أبداً وفيضُ دماكَ أمسى زمزمي
78- دمُكَ المدادُ وما رأيتُ حضارةً
أقلامُها كَتَبتْ بحبرٍ من دمِ