«شاعر الحسين» في حلته الثامنة
الوسط – أعمدة: قاسم حسين … كاتب بحريني
احتضنت البلاد القديم مجدّداً المسابقة الثقافية التي أطلقتها قبل ثمانية أعوام، تحت عنوان «شاعر الحسين» مساء الجمعة 11 ديسمبر/ كانون الأول 2015).
المسابقة ملأت فراغاً كبيراً كانت تعاني منه الساحة الدينية، بدليل ما تشهده من إقبال جماهيري يتزايد عاماً بعد عام. وبعد أن كانت تُقام في فضاءٍ مكشوف، حيث يتعرض الحضور لتقلبات الجو، انتقلت قبل أربعة أعوام إلى مسجد «عمار»، الذي أعيد بناؤه حديثاً، وبعد أن أصبح يضيق بالجمهور انتقل هذا العام إلى مكان أرحب، وهو صالة مأتم الحاج علي بن خميس الذي اكتمل تشييده قبل عامين.
مسابقة العام جاء توقيتها مناسباً جداً، وهو مساء الجمعة (28 صفر)، وهو يوم رحيل نبي الأمة (ص) إلى الرفيق الأعلى، والجمهور قد انتهى تواً من مجالس العزاء.
مسار المسابقة يمكن معرفته من خلال رصد عدد المشاركين منذ عامها الأول 2008، حيث بدأت بـ63، ثم صعد إلى 82، 100، 97، ثم هبط العدد إلى ما يقارب النصف (57) في 2012، كنتيجة طبيعية للأحداث التي هزّت البحرين. ثم عاود الصعود إلى 94 و82 في 2013 و2014، وأخيراً إلى 90 في العام 2015.
خارطة المشاركات تتوزع على البحرين (59 في المئة)، والسعودية (28 في المئة) موزّعةً على مناطق القطيف والإحساء والدمام والمدينة المنورة، فيما تتوزع النسبة الباقية على العراق ولبنان وعُمان ومصر. أما من ناحية تقسيم المشاركين فـ81 في المئة من الذكور مقابل 19 في المئة للإناث، اللائي سجلت مشاركتهن تراجعاً ملحوظاً (22 % في العام قبل الماضي و25 % قبل ثلاثة أعوام).
في الكتيب القيم الذي وزعته اللجنة المنظمة، ونعتمد هنا على ما أورد من أرقام، نرى أن مضامين الشعر تتوزع على عدة حقول: التمجيد والمناقبيات (34 %)، الحزن والبكائيات (27 %)، الاستنهاض والحماسة (23 %)، والشوق والاستلهام الرمزي في حدود (11 %) لكل منهما.
جديد هذا العام، تقديم خاطرة قصيرة بلغة الإشارة المستخدمة من قبل الصمّ، للتعبير عن مشاعرهم الدينية في هذه المناسبة، بالإضافة إلى ترجمة بعض القصائد بلغة «بريل» للمكفوفين، وهي لفتةٌ كريمةٌ لذوي الاحتياجات الخاصة. وقد أضاف الرادود الشاب (المنشد) أبوذر الحلواجي مسحةً شجيةً بقراءته أبياتاً قصيرةً مختارةً من القصائد المشاركة بنبرات حزينة. كما تم تكريم الحاج عبدالله السعيد، أحد رجالات البلاد القديم، فهناك محاولات دؤوبة لتقديم المسابقة بحلّةٍ أفضل كل عام. وقد توّجت بقصيدةٍ للشاعر البلادي المعروف غازي الحداد.
مع ذلك تبقى هناك ملاحظات رافقت المسابقة، بعضها أخذت به اللجنة المنظّمة، وبعضها مازالت تتردد في الأخذ به، وعلى رأسها لجنة التحكيم، حيث تظلّ هناك فجوة بين اختيارات اللجنة وبين خيارات الجمهور المتذوّق للشعر. وهناك مقترحٌ بتوسعة عدد المحكّمين من ثلاثة إلى خمسة إن أمكن، لزيادة الاطمئنان للنتائج، وليس تشكيكاً في قدرات الحكام وقدراتهم الفنية العالية، فضلاً عن إشراك كوادر من الطواقم التعليمية بالجامعة، سواء بحرينيين أو عرباً. كما تُسجّل ملاحظة أخرى على الاسترسال في النقد والتقديم للشعراء، ما يؤدي إلى إطالة فترة المسابقة لأكثر من ثلاث ساعات، يمكن اختصارها إلى ساعتين على سبيل المثال.
في المسابقة، استمع الجمهور للشعراء أو من ينوب عنهم، وبدأ الإلقاء بقصيدة «اركض بعمرك…» للشاعر حبيب المعاتيق (القطيف)، وهو يوجّه «رسالةَ إلى يزيد»:
أنفقت عمرك لم تروِ الدما نهَمَك
فكيف عضّك ذاك الجرحُ والتهمك
وكيف معولك المأزوم حين سعى
في هدم أول أسوار الهدى هدمك.
ولِمْ تأملتَ أن تلقاه منهزماً
في حين خنصره المبتور قد هزمك.
وما حطمت على البيداء أضلعه
لكنه بين سندان الإبا حطمك
وهي قصيدةٌ توقعت أن تحظى بالمركز الأول، لكن النتائج خالفت التوقعات (اختيرت للمركز الخامس)، حيث فازت قصيدة زهراء المتغوي (الدراز) «إليك إليك»:
بحالة عشقٍ، يوارب فيها الصباحين، صبح الشهادة حين تفض ملامحها للإباء، وصبحاً تخلّق من كبرياء… ألست تراه على شرفة الخلد، بوابة الله للعابرين؟ كمفترقٍ للضباب، يشير فيمطر وعد السماوات للأنبياء.
وحل في المركز الثاني الشاعر عقيل القشعمي، عن قصيدته «تجليات رياحية»، التي استهلها بعبارة: «اسألوا قلب الحرّ إن كنتم لا تعلمون»، وختمها قائلاً: «فحرّرني معنى الحسينِ وعشقه… لأدرك أن الحر من أدرك المولى». فيما فاز بالمركز الثالث الشاعر حلت حسين آل عمار من القطيف، بقصيدته «فأرانا الآية الكبرى»:
مرآته اختزلت وجوداً آخر… ما عاش إلا والمشاعر بوحُهُ.
وفاز الشاعر مجتبى التتان بقصيدته «جراحٌ تروّض الموت»:
يمرّون إن مر الصدى أيها الأصلُ
كصبحٍ عنيدٍ ما استكانوا ولا ذلوا
أمامك آلافُ الرماحِ تكسّرت
وأنصارك السبعون زادوا وما قلّوا
واحتل الشاعر أحمد رضي سلمان المركز السادس بقصيدته «لحن يسمى المشرعة»، التي ختمها بمخاطبته قمر الهاشميين:
خذني صدى شوقٍ ودمعة عاشقٍ
مازال يشعل من وفائك أدمعَه.
واخيراً… أتحفنا الشاعر أحمد حسن سلمان بهديته من جمهورية مصر العربية، «قبلاتٌ على عتبات الحسين»، نختار منها هذه المقاطع الجميلة لتكون مسك الختام:
للجرح أيضاً أنبياء
وليس غيرك -يا ذبيحَ الحقّ- آخر أنبيائِه
أعطى سيوف عداه درساً حين مات بها
وأبقى النصر حياً في ردائه
بقي الحسينُ
وشيّع الأموي نعش سيوفه الخمسين نحو لظى انطفائه
ومضى لمغربه بقلب الشمس
يحمل صبحه كفناً تزيّن بارتدائه
فالحسين الشمس حتى في اختفائه.