بقايا الباء

قدّستُ عندكَ فكرةَ العُظماءِ
فدَنَوتُ منكَ بخطوةِ استحياءِ

وسكبتُ كلّ الشعرِ فوقَ ملامحي
حتّى أمرّغَ بالبكاءِ بقائي

وتوضّأتْ بدمي القصيدةُ قُربةً
لكَ.. واستوتْ لصلاتها الحمراءِ

وطرقتُ باسمِكَ باب قلبي فانبرتْ
تسقي حروفكَ يا حسينُ دمائي

كنتُ انتهيتُ إلى ثراكَ معفّرا
بالفقدِ.. أبحثُ عن فقيدِ الماءِ

ظمآن مثلكَ والقوافي أدمنَتْ
هذا الجفافُ على فمِ الشعراءِ

كاللهفةِ العَطشى تحاولُ أن تضمّـ
ـكَ في جديبِ القفرِ والرمضاءِ

ملءَ اشتغالك بالضياءِ.. وماؤه
يتلو انتفاضَ مريئكَ الوضّاء

ما بين مائك والسماء وصورتي
نورٌ أُريقَ على يدِ الظلماء

يُبدي وضوحَ المُنزِلات على المدى
نَبَأ الندى ونداوةَ الإنباءِ

وجموحَ أسئلةٍ كأنَّ حروفَها
عَقَرَت جروحَ الأرض في أحشائي

مَن أنتَ؟.. يا ضوءَ الوجودِ ولا أرى
إلاك ضوءَ اللهِ في الأرجاءِ

مَن أنتَ؟.. يا مَن لمَّ روحيَ والسنا
يا سيّدي يا سيّدَ الشهداءِ

مَن أنتَ؟.. والضوءُ الجريحُ يقودُني
نحوَ الخلودِ على خُطى الهيجاءِِ

أمضي وهذا الدهرُ أقفرَ والرؤى
وكأنَّ كلّ الكونِ جاءَ ورائي

فأزحتَ عن مُقَلِ القلوب سَوادها
وجعلْتَها ترنو إلى العلياءِ

وجعلتني أدعو بكلِّ جوارحي
ومعي فؤادٌ مُثخَنٌ برجائي

ومعي اصطبارُ المتعبينَ السائريـ
ـنَ إليكَ في السرَّاءِ والضرَّاءِ

أيتامِ هاشمَ والسواكبِ أدمعًا
حَيرى تُبلِّلُ صفحةَ الصحراءِ

اللاطماتِ خدودَهُنَّ من الأسى
والباحثاتِ عن القريبِ النائي

الجاعلاتِ عُيونَهُنَّ منابعًا
تروي مُصابكَ في عيونِ الرائي

والسائراتِ من الطفوفِ إلى هنا
تترى من الآباء والأبناءِ

أدعوكَ أنتَ ولستُ أدرِكُ أنَّني
نفسي دَعوتُ وقد أجبتُ دعائي

يا سيِّدي من أنت؟ كلُّ حقيقتي
أني أرى عينَيكَ في أنحائي

أنِّي أراكَ وأنت تُسلِمُني يدي
كيما أصافحَ عِزّتي وإبائي

فكتبتَ ما أعطيتَني من فكرةٍ
عصماءَ ضِمنَ قصيدةٍ عصماءِ

وَلَقَد قصصتُ بكربلاءَ حكايةً
عمَّا جرى بالغدر والبغضاءِ

قَبَسُ الرضيعِ وَقَد أتمَّ شعاعَهُ
ألَقًا بصدر جريمةٍ نكراءِ

أمُّ المصائِبِ وَهجُها وَشموخُها
أختُ الشدائدِ زَينبُ النُّجباءِ

قَمَرٌ وَكفٌّ وانثيالُ أخوّةٍ
تَجري منَ العبّاس في البطحاءِ

عُرسٌ سَماويّ المحيّا.. فَرحةٌ
بتراءُ.. أرخَتْ دَمعةَ الزهراءِ

سبعون فجرًا قد تبلّجَ نورُهم
في ساعةٍ دَمويّةٍ هوجاءِ

وَالحُرُّ أدركَ.. والمدامعُ أَرهَقَتْ
وَجهَ الفُراتِ.. وآمنَتْ بِبُكاءِ

يا سيِّدي.. جرحُ الحقيقة نافرٌ
من إصبعٍ في الأسطرِ السَّوداءِ

مَدّوا عليهِ الملحَ وهْوَ مُقيّدٌ
بمَدَاهُ.. رَغمَ رَحابةِ الأشلاءِ

والصبرُ أودَعُهُ الهدوءَ فيحتفي
– يا للأسى – بِوديعةِ الحنّاءِ

وَالجوعُ أقبلَ وَالمكارمُ أدبَرَتْ
عَذراءَ مَرّتْ مُرّةَ الإغراءِ

كالصَّمتِ يَرغَبُ بالضجيجِ ودونَهُ
صَوتُ السرابِ على فمِ الحسناءِ

صِدقَ انتماءِ السائرينَ إلى الردى
هربًا من الدخلاءِ والطلقاءِ

بِفظاعَةِ التاريخ فرطُ حثالةٍ
تَطَأ النفوسَ بمقلةٍ عَمياءِ

يا سيِّدي هَبْني دواءكَ سرمدًا
فأنا احتضار العابثينَ بدائي

أشكو إليك الريحَ وَهْي تسوقُني
كالموتِ ملءَ ملامحِ البؤساءِ

أشكو الضياعَ وَصرختي مبتورةٌ
والخوف يملأُ بالشجى أشيائي

والنأيَ والحزنَ المقيمَ بخافقي
وقساوةَ الأمواتِ والأحياءِ

ومرارةَ الزمنِ الأخيرِ وغدرَهُ
وحفاوةَ النُّدماءِ بالأعداءِ

مَن لي سواكَ يزمُّ أطرافَ الصدى
يا موئلي وجوابَ كلّ نداءِ

مولاي تلك حدودُ قلبي لا أطيـ
ـقُ تحمّلا وكذا حدودُ بلائي

مولاي خُذْني.. لا إليكَ.. وإنما
لرحابِ عطفِكَ يا عظيم عطاءِ

خُذْني فهذا البؤسُ أطبَقَ وَالدجى
علّي أراكَ بليلةٍ قمراءِ

خُذْني إليكَ.. نَعَمْ.. إليك.. لأنَّني
أنا في الخيالِ أراكَ في إسرائي

مَطرُ الحنينِ وما تبقّى من دَمي
زُلفى لِحضنِكَ يا أبا الفقراءِ

يا حاءَ كلِّ الحبِّ أنتَ حكايتي
فامدُدْ يَدَيكَ.. أنا بَقايا البَاءِ

***