حديثٌ مع الجسدِ المُضَرَّجِ بالحياة
للشاعر / عبد المجيد الموسوي (السعودية – الأحساء)
( اَشْهَدُ اَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ وَاقْشَعَرَّتْ لَهُ اَظِلَّةُ الْعَرْشِ، وَبَكى لَهُ جَميعُ الْخَلائِقِ في السماواتِ والأرضيين ما يُرى وَما لا يُرى )
وأراكَ …
كيفَ أراكَ ؟
لم أفهمْ ،
أأنتَ سقيتَ من عَطَشٍ
شِفاهَ الأرضِ عِرْفاناً
وأرخيتَ الوقارَ على الترابْ ؟!
أفأنتَ من أطعمتَ جوعَ الشمسِ
من وَهَجِ انصهارِكَ يومَ أنْ ذابتْ دماؤكَ في هجيرِ الرملِ
من لَفْحِ اليبابْ ؟!
أم أنتَ من أومأتَ للسُحُبِ الجريحةِ أن تُكَفْكِفَ دمعَها الدمويَ
رَغْمَ جنونِ هذا الطعنِ
في كبدِ السماءْ ؟ !
عجباً أرى عجباً
كأنَّ النهرَ يزحفُ باتجاهِكَ ظامِئاً يشكو الهَجيرَةَ
ويكأنَّ الماءَ يشربُ من لظاكْ
وأراكَ مَكْلوماً
وقد شعَّتْ دماؤكَ من شُقًوقِ الأرضِ
يا للهِ أيُ دمٍ – تعالى باتجاهِ الخُلدِ ينزفُ من ملاكْ؟!
وأراكَ …. كيفَ أراكَ ؟
مُنْسَكِباً على شَفَةِ الفجيعةِ …
مثخناً جَنْبَ الفُراتِ ….
مُرمَّلاً بالدَّمِ
تَعْفِرُ في الترابِ
تجودُ
تَهْمِسُ للرمالِ
وتَرْمُقُ الملكوتَ ترفعُ راحتَيْكَ مليئةً بالغيبِ …….
من وحي الدماءْ ،
لَهْفي لثغركَ
ظامِئاً مُتَشَقِقاً ….
قد أنهكتهُ الشمسُ وهو يُحيْلُ هذي الأرضَ
نسريناً وريحاناً
وقد كانتْ فلاةْ
مازالَ يلهجُ موقناً باللهِ
يكسوهُ الثباتُ …
فكيفَ ينْكُثُهُ الظلامُ ويُسْتَباحُ من الطغاةْ
وكذا جبينكُ ذلكَ الوَهَجُ المُشِعُّ
يُضيءُ مخترقاً حجابَ الليلِ
كيفَ يَصُكُّهُ حجرُ الأسى
وترُضُّهُ حقداً حَصَاةْ ؟ !
وهنا أرى سهماً
وقد نَبَتَتْ بعينِكَ من شَقِيٍّ نَبْلَةٌ حَمْرا اسْتَحالَتْ شَتْلَةً خَضْرا تَجَلَّتْ واسْتَوَتْ حقلاً
وكوناً من نباتْ
عجباً لقلبكَ
وهو يعزفُ وادعاً لحنَ العروجِ
مُتَيَّماً يَهْوى السَّماءَ
فكيفَ خاتلهُ المثلثُ
واستباحَ الطهرَ واغتالَ الصلاةْ ؟ !
وهُنا أراكَ …. وأنتَ تُخْرِجُ ذَلِكَ السَّهْمَ المُثَلَّثَ من قَفاكْ ،
ودِماكَ تجري مثلَ مِيزابٍ هَمَى فرَمَيْتَها نَحْوَ السَّمَاءِ
فلم تَزَلْ في الخُلْدِ تَسْكُنُ
لا يُرى منها انْسِكابْ
وأراكَ مُتَّكِئاً …. بعَيْنِ اللهِ تَخْضِبُ وجنتيكَ ورأسَكَ المُدْمى وشَيْبَتَكَ المَهيبَةَ
من دماءِ النَّحْرِ ….
تَهْمِسُ : هكذا ألقاكَ يا رَبَّاهُ مَخْضُوباً قتيلاً ….. مُوقِناً ….. تجري كنبعِ الماءِ مظلوماً دِمايْ
وأرى جوادَكَ هائماً يبكي
يُحَمْحِمُ غاضباً كالرَّعْدِ
مُنْفَجِعاً …
يَدُكُّ الأرضَ من هولِ المُصابْ
يدنو قليلاً منكَ منبسطاً
لِتَرْكَبَهُ ….. ليَقفُلَ راجعاً نحو الخيامْ
عجباً لصدرِكَ
بعد أنْ وطِئَتْهُ مسلوباً خيولُ البغي تَفْريهِ السنابكُ
وهو يلفِظُ طُهْرَهُ
كيفَ استطاعَ بما حواهُ من السَّنا
أنْ يملأَ الملكوتَ نوراً
تزدهي منهُ الجهاتْ ؟ !
عجباً لخُنْصِرِكَ المُرَمَّلِ
كيفَ غادرَ جِسمَكَ المحفوفَ بالآياتِ
والأورادِ
كيف يعافُ منفرداً
شَميماً من أراكْ ؟ !
ماذا يقولُ النحرُ
وهو مُرَمَّلٌ في اللهِ
تَصْهَرُهُ الظهيرةُ شاخصاً للعرشِ
قد أنهى طقوسَ القُربِ
مَحْزوزاً على نهرِ الفراتْ
عجباً لرأسِكَ وهو يتلو ما تيَسَّرَ من مَثاني الكهفِ مُبْتَهِلاً
يُذيبُ القلبَ
مرفوعاً على طرفِ القناةْ
يا أيُّها الجسدُ المُضَرَّجُ بالحياةْ ،
أفرِغْ علينا من بهائِكَ
من عُروجِكَ
من فيوضاتِ الهوى ،
كي نُلْهِمَ الدنيا
ونفنى فيكَ
يا مَنْ علَّمَ العُشَّاقَ
أسرارَ الفناءْ
أمْطِرْ علينا من عِنانِ العرشِ عزماً
وانْتَشِلْ مِنَّا الهوانْ
ثمَّ اسْقِنا من وحي روحِكَ
من شموخِكَ،
من ثباتِكَ،
من جمالِكَ،
نفحةً من عُنْفُوانْ
سيرة ذاتية للشاعر
· مواليد الأحساء.· بكالوريوس في الأدب الإنجليزي.· حاصل على شهادة TESOL ، جامعة لندن، 1999م.· عضو نادي الأحساء الأدبي، والاتحاد العالمي للشعراء، ومنتدى الينابيع الهجرية الأدبي .· عضو إداري في منتدى ابن المقرب الأدبي بالدمام.· حاصل على المركز الأول في الشعر في مسابقة جائزة راشد بن حميد بالإمارات 2014م.· له ديوانان مخطوطان قيد الإعداد .· له مشاركات بفعاليات أدبية وأمسيات محلية وخارجية، ولقاءات على قنوات فضائية وإذاعية.· تُرجم له في: معجم شعراء الخلج، ومعجم شعراء وأدباء الأحساء، ومعجم شعراء منتدى الينابيع الهجرية الأدبي. |
ملخص تعليق المحكّمين
المعقّب – الأستاذ زكريا يوسف رضي
من بين عدد من النصوص والقصائد الشعرية ذات النفس الشعري الحديث شكلا وبنية وصورة يقف هذا النص وتستوقفنا أيها الشاعر بلغة مدهشة ومؤثرة واستطعت باقتدار وتمكن من أن تجمع بين أمرين صعبين في الانقياد لدى شاعر عادة وهي كيف يمكنني أن أحافظ على زخم التأثير والعاطفة مع الحفاظ على مستوى عالٍ من حركة الرمز والدلالة في القصيدة الحديثة. أجدك كشاعر محترف القول أجدت هذه اللعبة الشعرية – إن جاز الوصف- بذكاء وبنيت قصيدتك على رؤيا مشهديّة لحادثة الطف الفجيعة ورؤيا شعرية مجازية وكان ذلك ملحوظا منذ أول فعل في النص بقولك ( وأراك كيف أراك ) توالي الاستفهامات والأسئلة في بداية هذا النص مكنك كشاعر من ان تستثير المتلقي القاريء النص بجعله يشاركك عملية البحث والتنقيب كما جعلت القصيدة في غمّة من حمى ذلك المشهد الفجائعي والكوني تقسمت القصيدة لديك مفصلة على مشاهد الفاجعة مرورا بالعطش العظيم حتى جعلت الأنهار تزحف باتجاه الإمام الظاميء وأطفاله العطشى ( عجبا أرى كأن النهر يزحف باتجاهك ظامئا ) مرورا بالجسد المنكوب بالجراحات وبرض السنابك ومرورا أيضا بالسهم المثلث ( عجبا لقلبك وهو يعزف وادعا لحن العروج متيما يهوى السماء فكيف خاتله المثلث واستباح الطهر واغتال الصلاة).
أثبتّ أيها الشاعر قدرة القصيدة الحديثة على اقتحام المشهد الفجائعي بدمع الكلمات وبانكسار الروح أحييك على هذا النص وهذه اللغة.