المركز 4: قصيدة (ما تيسر من حديث الليل) / أحمد كاظم خضير (العراق)

ما تيسَّرَ من حديثِ الليل

للشاعر / أحمد كاظم خضير (العراق – البصرة)

زينب تحدث الحسين مع نفسها ، بعد خروجه من الخيمة في الليلة الأخيرة ..

صمتٌ أخيرٌ والعيونُ تماطلُه

والليلُ تُسرعُ في الهروبِ مداخلُه

ومسافةُ الضوءِ الأخيرةُ لم تجدْ

خطواتِ صبحٍ يابسٍ تتواصلُه

قمرٌ تثائبَ عن وجوهِ العابرينَ

وعن جوابِ الأمسِ حينَ اسائلُه

أأخيُّ هذا الليلُ يعبثُ بالنوايا،

يستبيحُ الصبرَ ،

كيفَ اجادلُه؟

مازالَ يحكي لي

كما تحكي المناجلُ للسنابلِ..

بالإباءِ أبادلُه

ثمنُ الأصالةِ

أنَّ دربَكَ موغلٌ بالطارئين،

فأرهقتكَ منازلُه

الكلُّ نزفٌ آهلٌ بصداكَ،

صغْ للجرحِ صوتاً

كي تضجَّ جحافله

مذ سارَ آدمُ والشراعُ ممزقٌ

وقميصكَ الممتدُّ منكَ يحاولُه

لا تسترحْ فالارضُ مَلَّتْ رملَها

ومسارُ رحلتِها بكفّكَ حاملهُ

لا تنتظرْ قمحاً ليومكَ

فالنبوءآتُ الجديدةُ

بالقماطِ تعاجلُه

أأخيُّ كلُّ الاخضرارِ دفنتُهُ

لمْ تدَّخرْ سجناً عليَّ سنابلُه

حبرٌ هناكَ..

وشمعةٌ وقفتْ كمئذنةٍ

وبحرٌ لم تصلكَ رسائلُه

عَنونْ سمارَ السائرينَ

برحلةِ الموتِ اللذيذِ

فكلُّهم لكَ ساحلُه

فُتِقَتْ هنا رئةُ الفصولِ،

ومحورُ الرتقِ احمرارٌ..

لونُ سيفِكَ غازِلُه

وهنا تكوَّرَ فكرةً

ما قالَهُ اللهُ

الذي ارستْ عليكَ دلائلُه

وأراكَ تقترحُ الصعودَ مسيرةً

نحوَ احترافِ الموتِ حينَ تنازلُه

ما بين أروقةِ الجراحِ مُزَمَّلٌ

جمعتْ تفاصيلَ الدعاءِ أناملُه

يخضرُّ جيلٌ من تمائمِ خيمةٍ

وتضوعُ في دربِ الحروفِ خمائلُه

من قطرةٍ مالامستْ غصناً لها

الا انحنى شكراً وجذعكَ هاطلُه

للماءِ وجهٌ سوفَ يأتي مُعلِناً

خَجَلَ الفراتِ المُرِّ حينَ تقابلُه

منذُ استعارَ الماءُ لونَ ظماكَ

والأيامُ تسعى أنْ تشيخَ جداولُه

شاختْ بعيني الذكريات..

وأنتَ من تأوي خواءَ الأمنياتِ هياكلُه

قَلَقُ الجهاتِ يبيحُ بعدكَ موطناً

وتُميتُ بوصلةَ الرياحِ جدائلُه

إيقاعُ آخرِ دهشتينِ سينقضي

درباً أخيراً لن تعودَ محافلُه..

ولإن أطلتَ اليومَ قربيَ سجدةً

فغداً مُصلّاكَ الدموعُ تطاولُه


سيرة ذاتية للشاعر

·        مواليد البصرة 1992.

·        دبلوم من معهد البترول.

·        موظف في وزارة النفط العراقية.

·        عضو الهيئة الإدارية لرابطة مصطفى جمال الدين الأدبية.

·        لديه مجموعة شعرية مخطوطة بعنوان “أسيرُ باتجاه القمر”.

·        نشر في مجلات عراقية وعربية، وشارك في العديد من المهرجانات والجلسات.


ملخص تعليق المحكّمين

المعقّب : الأستاذ زكريا يوسف رضي

أنت شاعر تجيد حرفتك وصنعتك الشعرية وتقود الكلمات بشفافية عالية لعل سمة قصيدتك الأبرز هو اتكاؤها على بنية حوارية مهدت لها منذ البداية بإشارتك في صدارة القصيدة إلى أن ما سوف يأتي هو حديث زينب مع نفسها بعد خروج الحسين الأخير من خيمته .

إذن فنحن أمام ما هو أشبه بالمنولوج الشعري ولكن بالتأمل في هذا العنصر الحواري نجد أن اشتباك صوت الشاعر مع صوت  زينب عليها السلام جعل القصيدة تتردد ما بين صوتين ففي اللحظة التي يظهر فيها صوت زينب في صيغة النداء  ( أأخيّ )  تظهر أمامك التنوع في الأساليب الإنشائية من نهي وأمر واستفهام وغيرها ببنما في اللحظة التي يعلو فيها صوتك كشاعر تتوارى تلك الأساليب لتأخذ شكلا  استعاريا ومجازيا متنوعا قد نقف منه مثالا على قولك للماء وجهُ سوف يأتي معلنا / خجَلَ الفرات المرِ حين تقابله،،،  ولا يفوتنا هنا وصف الفرات،  بالفرات المرّ خلافا لما عهد من أن الماء العذب إنما هو الفرات ،،، في دلالة لا تخفى على القاريء الحصيف من انسحاب عذوبة هذا الماء بعد فاجعة الطف،،،  ( أبدعت وابتكرت بما لا سابق  عليه ) وقولك(  منذ استعار الماءُ لونَ ظماك/ والأيام تسعى أن تشيخَ جداوله ) جميل وملفت ،،، وان كنت أقترح بديلا عن ( الأيام )  فَلَو قلت ( والأزمان ) كونها أكثر سعة وامتدادا من الأيام وأكثر تعبيرا عن محاولة الزمن تقزيم الحدث وجعله  في طَيّ النسيان ،،، أحييك أيها الشاعر المجيد وأتمنى لك يراعا لا يكل ولا ينضب.