المركز الخامس: قصيدة (تِـلاوَاتُ الجــَــسَدِ  الغَـيْـبـِي) للشاعر السيد أحمد هاشم العلوي (البحرين / السنابس)

المركز الخامس

قصيدة:
(تِــــــلاوَاتُ الجــَــــسَدِ  الغَــيْــــبـِـي)


الشاعر / السيد أحمد هاشم العلوي

(البحرين / السنابس)

يُحكى عنْ جسدٍ مُضرَّجٍ بالضَــــــوءِ ، تنزِفُ كلُّ جَارحةٍ منهُ عصَافيرَ سَلام ..

تلاوَةُ الثـغـر :

لمْ يكنْ في ثغرِهِ إلا بقَايا غيمةٍ شاردةٍ

مِن كربلاءْ

شرّدتها الريحُ و الخيلُ فعادتْ مرةً أخرى

تصبُّ الحزنَ من أهدَابها فوقَ الخِباءْ ..!

تمـــتَــمتْ في شفتيهِ اللحظةُ البِكرُ

فأعطاها خُــلوداً آخراً منهُ

وظلَّتْ شَــــفَـــةٌ تنزفُ ميلادَ الحياةْ ..

ثقَّبَ الموتَ بمزمارٍ قديمٍ

حينما مزَّقـــــــهُ النَّصلُ على الرَّملِ

فصار الموتُ في نسختهِ الأولى شبيهاً بالغناءْ !

يا نبيَّ الماءِ هل ذقتَ جراحَ الماءِ في الماءِ

و عمَّدْتَ الصبــــــيَّــــاتِ بطينِ الــــنَّــــهرِ

أمْ إنَّ الشفاهَ احترقتْ من ثورةِ الدَّمعِ على خدِّ البُكاءْ !

لِمَ لا تملأُ أقداحَ الصَّباحاتِ بعينيكَ

ففي عينيكَ ما يكفيْ لكيْ يملأَ هذا الليلَ

مِنْ كُوزِ الضياءْ …

مرَّةً أخرى .. يجيْءُ الوحيُ من آخَرِ جُرحٍ

يتملَّى في وُجُـــــــوهِ الماءِ حتى

يسكُبَ الضَّوءَ على كلِّ انطفَاءْ !

تلاوةُ الصَّــدر :

إِنني أرتعشُ الآنَ على صدرِكَ مثلَ الطَّيرِ

مثلَ الورقِ المنسيِّ فوقَ الرَّملِ

مثلَ الشمْعةِ الأولى مِنَ العُمرِ

أُحنّي شهوةَ السَّهمِ بنحري ..

أَيْ حُسينُ .. انكسرتْ أحلامُ فجري

ثمَّ لــــمَّـــا أيقظتني الريحُ بالسَّـــهمِ

تفاجأتُ بأني ظامئٌ يشربُ في الغيبِ

من الــــخُــلدِ إلى الـــــخُــلدِ

وإني ظامئٌ يشربُ أوطاناً من الخمْرِ

وإنَّ اللهَ في صدرِكَ مثلُ اللهِ في صَدري !

أيْ حسينُ .. الماءُ لا لونَ و لا طعمَ سوى

رائحةِ الموتِ التي تأكلُ أطرافَ العَباءات ِ

وتلتفُّ على بسمةِ زهرِ

وكأنَّ الموسمَ الآتي

سيمتدُّ مِنَ الخيمةِ .. للطفلةِ .. للتلةِ

للرملةِ .. للخطوةِ .. للقربةِ .. للزُّرقةِ .. للنهرِ  !!

ظامئاً تشربُني الأسيافُ إلا إنني

أرشحُها بالوردِ حتى يعبرَ الإنسانُ ورداً فوق جِسْري

تلاوَةُ القلب :

لكَ أنْ تفتحَ هذا القلبَ أسرابَ صبايَـــا

فإذا طارتْ وغابتْ في المدى ..

لا بُـــدَّ أنْ ترجعَ في ركبِ السبايَـــا ،،

نبضةٌ سالتْ عصافيرَ سلامٍ

نبضةٌ تفتحُ شــــبَّـــاكَ المسافاتِ على حُمرَةِ قلبِكْ

نبضةٌ شائكةٌ بين خيوطِ الرملِ

ماتت فوقَ ثوبِكْ

نبضةٌ عند احتشادِ الموتِ دقّتْ كالمــُوسِــيقى

إنها رحمةُ ربِّكْ ..

مثلمَا يرتعشُ الفانوسُ في الليلِ

على شُرفةِ عينيكَ

وتبتَـــــلُّ المسَاءاتُ بملحِ الدَّمعةِ القمراءِ

يا مَولايَ ..

يبدو وجهُكَ الظمآنُ في كلِّ المرايَـــا ،

قسَّمتْــكَ الرِّيحُ وانثالتْ على قلبِكَ

أنصافَ شظايَـــا

ثمَّ لما أسدلَ الغيبُ سِتارَ الحزنِ

عاودْتَ اقتراحَ المسْــتحيلاتِ

وجهَّــــزتَ وريداً من صَلاةٍ

ووتيناً من حُروفِ اللهِ

ثمَّ ابتدأَ الــــنَّــحرُ بتأليفِ الحكايَــــا ،،

أيُّـــــهذا الرَّمقُ المحروسُ كمْ طِــفــْــــــلٍ

ستحتاجُ لكي تملأَ هذا الصُّـــــبْـــحَ بالأحرازِ و الأحلامِ

إنَّ الخيمةَ الطفلةَ ترجو عودةَ الرأسِ إلى الجسمِ

فهلَّا عُدتَ من عَـــهْـــدِ النــــبــــــوَّاتِ

ووزَّعتَ الهدايَــــا ..!

تِلاوَة القدَمَين :

حينمَا قـــــرّرْتَ أن تمنحَ للرَّملِ خُطاكَ

اشتجـــرَتْ سبعُ سماواتٍ وراءَكْ

ونمتْ قافلةٌ من وَرقِ الموتِ على الرَّمــــــــــلِ

تجسُّ الوقتَ في كُلِّ الخــــــُــــطى

تلمسُ طيفَكْ ..

وتقدّمتَ  تقدّمتَ كثيراً

والسكاكينُ تجـــــــــــزُّ الوهمَ تلوَ الوهمِ خلـــــــفَكْ

أيُّـــهذا القمَرِيُّ اركضْ بنهرِ اللهِ للفتيةِ

إنَّ العطشَ استأثرَ أن يشربَ جُرفَكْ

أيُّهذا اللانهائيُّ ..

متى مرَّ على ظِـــلّـــــكَ نوحٌ

واستوى الفُلكُ على الجوديّ رأساً ملكوتياً

كأنَّ الكونَ في قنينةٍ مختومةٍ  يمسكُ كفَّكْ

قَـــالَ للطوفانِ كُن سَيفاً سمَاويّـــاً

عَلى هيئةِ نحرٍ

فتجلّى مَلَكٌ يشبهُ سَيفَكْ ؟!

وَتعثرْنا كمَا آدَمَ حينَ انْــفـلتَ الوقتُ

وصارَ الطِّينُ في رجليهِ نَهرينِ

يموجانِ بعينيكَ يمُــرَّان بأهدابِ المجَازَاتِ

كأنَّ الماءَ يستغفرُ طرفَــكْ

قدمَاكَ الآنَ ينمو فيهمَا التسبيحُ والتهليلُ

حتى آخرِ المَسْرى

صليبانِ يُجرَّانِ

إلى الخيْمةِ .. يا خُطوتَــهُ !

والــــــتَــــــفَّتِ الشمْسُ بمنديلِ صَلاةِ الأنبيا  تغسِلُ نزفَــكْ

خَــطَـأٌ أنْ أُبصِرَ اللهَ على عرْشٍ هُلاميٍّ ولكنْ

لِــيَ أنْ أُبصرَ كفَّ اللهِ في ملحَمَةِ الخُلدِ

و إنْ كنتُ كـفـيفاً

أرِني يا سيدَ الجَــنَّـةِ كــفَّــكْ   !!

واقفاً تملأُ بالقيثارةِ العَطشىْ فمَ الألحانِ

لحناً أبديّاً

والمواويلُ على كلِّ لسانٍ غيمةٌ تمطِـرُ عَــزفَــكْ

أنا أدري أنَّــكَ الآنَ على مُتـكأِ الغيبِ

ولو كُنتَ على الصَّحْراءِ تُسفَــكْ .. !