المركز الأول: قصيدة (كاهلٌ مثقلٌ بالسواد) للشاعر ناصر زين (البحرين / السنابس)

 المركز الأول

قصيدة:
(كَاهِلٌ) مُثْقَلٌ بالسَّوَاد

لشاعر الحسين / ناصر ملا حسن زين الدين

(البحرين / السنابس)

مُونولوج مَسْرَحي:.. يطلُّ حَرْمَلةُ بن كَاهِل .. يُسَمّمُ أَسْهُمَهُ الثّلاثة .. يُعانقُ ربَّهُ السَّرابي .. يَخلعُ وَجْهَهُ مِنْ قَوْسِ المَوتِ مُقلّبًا أَورَاقهُ القَدِيمة .. لِيَسْتَعرَ بذاتيةٍ رَقطاءَ مُمتلئةٍ بفَحِيحٍ أَسود:

خَلَعتُ لَوْنيَ ..
لا نَهْرٌ فَيَسْكُنَنِيْ
إِلا فَحِيْحَ أَفَاعٍ دَاخِلَ البَدَنِ

ولا سَمَاءٌ ..
ولا ظِلٌّ ..
ولا وَهَجٌ ..
سِوى ظَلامٍ ظَلامٍ
غَيْرِ مَؤْتَمَنِ

والخَيْلُ تَحفرُ مَوْتًا بَاهِتًا
بِدَمِيْ
مُنْذُ اكْتَشَفتُ بَأنَّ المَوْتَ يُشْبِهُنِيْ

بِيْ جَذْوَةُ القَتلِ،
أَصْنَامٌ مُدَجَّنَةٌ ..
وَمَولِدٌ مِنْ دُخَانِ الجِبْتِ والوَثَنِ

مُشَوَّهٌ ..
وَثُقُوْبُ اللَّيلِ تَصْرَخُ بِيْ:
قُمْ يا (…) !!!
.. وَسَيْلُ جَحِيْمٍ غَارَ فِيْ الأُذُنِ

تَعُجُّ فِيْ رَأسِيَ المَوَّارِ آلِهَةٌ مِنَ السَّرَابِ،
وَرَبٌّ لَيسَ يُنْقِذنِيْ !!

رَبٌّ بِهَيْئةِ سِكِّيْنٍ مُسَوَّمَةٍ
تُبَاغِتُ الذِّئبَ فِيْ صَدْرِيْ ..
وَتَذْبَحُنِي !!

أَرَى الفُرَاتَ سَمَاءً
كُلَّمَا احتَشَدَتْ أَنْفَاسُها ..
تَرْشُقُ الخَيْمَاتِ بالمُزُنِ

تُهْدِيْ الصِّغارَ هَدَايا الغَيْبِ،
تَغْرفُ مِنْ عُيُونِها الحُلْمَ،
تَسْتَسقِيْ بِلا ثَمَنِ

وَهَا أَنَا أَخْلَعُ الشُطَآنَ
مُرْتَدِيًا مَسَافَةَ الخَوْفِ
أَسْرَابًا مِنْ الوَهَنِ

تَكَسَّرتْ رِئتِيْ مَوْتًا ..
وَحَاصَرَنِيْ (نَحْرُ الرَّضِيعِ) ..
بِدَمْعٍ ظَلَّ يَرْشقُنِيْ

مَا كَانَ دَمْعًا،
ولكنْ مَحْض مُعْجِزةٍ ..
يُقطّرُ النَّحْرَ (جِبْرِيلاً) مِنَ السُنَنِ

مَوْتِيْ يَجُوْبُ ضِفَافَ الكَشْفِ
يَبْحثُ عَنْ (بَدْرِ الفُرَاتِ)
بِسِهْمٍ
أَسْوَدٍ
أَسِنِ

سَدَّدتُهُ ..
يا لعَيْنِ الله ِ
قَدْ نَزَفَتْ مِنْها المَلائِكُ ..
آآاهٍ ..
مَنْ سَيعْصمُني؟!

لَمْ أَخْسفِ العَينَ .. !!
كَانَ اللَّيْلُ مُنْخَسِفًا
والفَجْرُ  –  لو لا عُيْونُ الشَّمْسِ –  لَمْ يَكُنِ

مُعبَّأٌ بالمرَايا السُوْدِ
أَبْحَثُ عَنْ وَهَمٍ
يُبَادِلُ جِلْدِيْ لَوْثَةَ الدَّرَنِ

حَيثُ الحُسَينُ بِـجُرحِ المَاءِ مُنْبَجِسٌ بِالاخْضِرَارِ،
وَصَحْرَائِيْ بِلا فَنَنِ

يَغْفُو العِرَاقُ سَحَابًا
فَوْقَ (خُنْصُرِهِ)
لِيُمْطرَ السَّهْمُ أَوْجَاعِيْ
عَلى المِحَنِ

.. هَا « خِيرَ لِيْ مَصْرَعٌ .. »
– قَدْ صَاحَ –
ثُمَّ هَوَى نَهْرًا ..
فَنَهْرًا ..
فَنَهرًا ..
رَاحَ يُغْرِقُنِيْ

مِلحٌ يُطَارِدُ أَشْلائِيْ
وأَشْرِعَتيْ ..
والمَوْجُ يَنْهَشُ مِنّيْ نَشْوَةَ السُفُنِ

قَدْ خَانَنِيْ القَوْسُ
مُذْ نَادَيتُ: كُنْ لَهَبًا
وحَيْثُ صرتُ رَمَادًا ..
صَاحَ:
لا تَخُنِ !!

الزَّيفُ يعْبُرُ وَجْهِيْ
خَائنًا وَجَعِيْ
(يُنَكِّرُ العَرْشَ) مِنْ شَكٍّ
وَمِنْ ضَغَنِ

فَمَنْ أَنا؟! ..
أَينَ لَوْنِيْ ؟!
أَينَ بُوْصَلَتِيْ ؟!
وأَينَ (…) .. ؟!
أَينَ (…) .. ؟!
.. سُؤالُ التِّيْهِ يَخْنقُنِيْ !

فَلَمْ أَكُنْ (آصِفَاً)،
والوَقْتُ مُنْجَدِلٌ ..
لأَحْمِلَ العَرْشَ  –  مَزْهُوَّاً –  مِنْ اليَمَنِ !

لَرُبَّمَا كُنتُ (قَارُوْنًا)
بِنَشْوَتِهِ
سَتُخْسَفُ الأَرْضُ مِنْ تَحْتِيْ ..
وَتَبْلَعُنِي !

آآاهٍ ..
أَنَا مَسْرَحُ الأَمْوَاتِ
مُمُتَلِئٌ بِالنّارِ،
باللّيلِ،
بالصَّحْرَاءِ
والفِتَنِ

مُعَلَّقٌ ..
وَطُيورُ البُؤسِ
تَأَكُلُ مِنْ رَأْسِيْ
بتَأْوِيلِ حُلْمٍ فَزَّ مِنْ وَسَنِ

وذَا الحُسَينُ بِـرأسِ اللهِ
ما فَتِئتْ جِرَاحُهُ
تَرْفَعُ الإِنْسَانَ بالكَفَنِ

أَهْدَى السِّهَامَ قَمِيْصًا،
قَالَ مُبْتَسِمًا:
إِنَّ القَمِيْصَ سَمَاءٌ
سَوْفَ تَرْفَعُنِيْ

نَزْفًا فَنَزْفًا نَمَا؛
فَاخْضَرَّ مِنْ دَمِهِ وَحْيٌ،
قَنَادِيلُ نَحرٍ،
سُمْرةُ المُدُنِ

وكُنْتُ
–  حِينَ ارْتِعَاشِ المَوْتِ فِيْ فَمِهِ  –
أُلاحِقُ الجُرْحَ طِفْلاً
فّرَّ مِنْ سَكَنِ

مزَّقْتُ أَوْرِدَةَ الخَيْمَاتِ ..
مُذْ سَطَعَتْ بِـ(قَلْبِ زَيْنْبَ)
قُرْآنًا مِنْ المِنَنِ

فَأَيُّ لَوْنٍ سَيَغْفُو فَوْقَ أَوْرِدَتِيْ !
وشَهْقَةُ القَوْسِ خِزْيٌ خَارِقٌ بَدَنِيْ ؟!

آآاهٍ ..
تَمَزَّقتُ فِيْ الأَوْطَانِ أَقْنِعَةً مِنْ الشَّنَارِ،
وقَبْرًا شَاخَ فِيْ الزَّمَنِ

ولَمْ أَزلْ لَحْظَــةً ..
عَمْيَـــاءَ ..
تَائِهَةً
بِلا جِهَــاتٍ ..
بِلا شَــــمْـــسٍ ..
بلا وَطَنِ !!