المركز الأول: قِيامَةٌ هَاربَةٌ إلى الظّـلِ (سيد أحمد العلوي)

قِــيامَـةٌ هَاربَـــةٌ إلى الظّـــلِ

سيد أحمد هاشم العلوي

(السنابس – البحرين)


 

هَــذِهِ الجِداريَّةُ تُــوَثّــقُ أوَّلَ خُطوةٍ نــقَــشَها الحُسَينُ على ( صِراطِهِ المُستـقِـيم )، حينَ سَارَ بالرَكبِ والقيامَةُ تتعقَّبهُ رُمحاً رُمحاً ، حتى وَصَل إِلى كرْبَلاءَ … حيثُ ظِلُّ الله.

لَمْ يَكْترِثْ لِلمَوتِ

شَدَّ غِيابَهُ …

ومَضى يُخرّقُ باليَــقينِ ثِــيَابَهُ

أرْخَى حَقائِبَهُ

الجَريحَةَ فوْقَ نهرٍ ،

ثمَّ ذاقَ مِنَ الجِراحِ شَــرَابَهُ

( لمْ

يدْرِ أينَ يُنِــيخُ )1

قلباً مُرهقاً

فعَلى سُيوفِ الهَمِّ حَطَّ (رِكابَهُ)

هَـوَ

مُذْ تلبَّسَهُ الرّحيلُ خَريطَةً مَنْـــفيّةً

والموتُ يَطرُقُ بَابَهُ ..!

مَا مرّ بالصَلصَالِ

إلا خُطوتينِ

وقَطرَتينِ

مِنَ النّــدَى فأذابَهُ

ومَشى

لِيُسرِجَ في عُيونِ اللـيْلِ قُرآناً

يُــقطّرُ في المَدَى أهْدَابَهُ

ويَخُطَّ لِلشهَـدَاءِ

ضَوءًا بَرْزخيًّا

يا لقلبٍ يَحتوِي أصْحابَهُ

الخُطوةُ الأوْلى ..

يمُدُّ اللهُ فيهَا ظِلَّهُ

يُزجِي إليهِ سَحَابَـــهُ

الخُطوَةُ الأوْلى ..

تخَضّرَ تَحْتها خَدُّ السَّماءِ

فأوْرقَتْ أعْشابَهُ

يَا كَمْ

أرَاقَ على رَصِيفِ الحُزنِ حُزناً آخَراً،

ورَمَى عَليهِ (كِتابَهُ)

الرَّملُ يَـشْربُ مُـقْـلتيهِ

ومَا بَكَى إلّا لِيَغْسِلَ بالدُّمُوعِ عِتابَهُ

فهُوَ المسَافة بينَ (رُوحٍ) لا تطِيرُ

وبينَ (ريحٍ) أطْلقتْ أسْرَابَهُ

ومَضَى

يُثــقّـفُ في (الصِفاحِ)2 خُيولَهُ ،،

ويُــقِــيمُ في كَفِّ القَضَا أقْتــَـــابَهُ

مَنْ أنتَ قالَ؟

-أنَا (فرَزْدقُهُ)

الْذي طَحَنَ القصيدَةَ واشتَهَى أَسْبابَهُ

وَأنَا (اخْتلاجَةُ طَائرٍ)3

سَقطتْ عَلى رمْلِ الطفُوفِ

وأنشدَتْ(سَـيّابَهُ)

ومَشى مَسَافةَ شمْعتينِ

إلى (زَرودَ)4

يُضيءُ للمَسْرى البَعيدِ شِهَابَهُ ،،

حَيثُ الصَّهيلُ

يَـفرُّ مِنْ سِجنِ الخُيولِ العَادِياتِ

ذهَابَهُ

وإيابَه ُ

ويُجَعْجِعُ العَطشى

ويسْرقُ خَوفَهمْ مِن هودَجٍ

سَدَلَ العَـفافُ حِجابَهُ

ينسلُّ مِن جلبَابِهِ

(وحيٌ) عِصامِيٌّ

يُورّثُ ” لاءَهُ ” أصْلابَهُ

حَتى إذا ..

عَمِيتْ عُيونُ النَّهرِ

أبْصَرها

وألقى فِي المَدَى جِلبابَهُ !

الوقتُ

دقَّتْ فيهِ لحْظةُ (يَا حُسينُ)

كأنّه وجْهٌ يُذلُّ صِعابَهُ

الوقتُ

يَرصِدُ طِفلةً حُرقتْ عباءَتُها

فلمّتْ (خوفَها وسَرابَهُ)

يَمْشي كَأَنْ ..

لا شيْءَ يُوقِفُ نزفَهُ

إلّا رَصَاص الخالدينَ أصابَهُ

هُوَ

حينَ صفَّــفَ وردَهُ

فكأنَّهُ جيشٌ مِن النسرينِ مَدَّ رِقابَهُ

عرَّيتَ أسْئلةَ الزمَانِ

نزفْتَ ورداً مِن ثــــقوبِ النَّايِ

كُنتَ خِضابَهُ

ولذاكَ

حينَ بقيتَ

تحْفرُ في الزمَانِ الكَهلِ

صُرْتَ مَدى الزمَانِ شبَابَهُ ..!

سَلبوا وشاحَكَ

مِنْ يدِ المَلكوتِ

يَا سِفراً يُغطّي في العَرَا سُلّابَهُ

نكسُوكَ

فانقلبَ الوُجودُ

وضَجَّت الأوْراقُ !!

وابتلعَ الجَفافُ رُضابَهُ !

نكسُوكَ

فارتجفَت جهنَّمُ ..

يَا حبيبَ اللهِ إنَّ اللهَ صَبَّ عَذابَهُ !

للعَائدينَ

بِلا طَريقٍ

حينَ شمّوا فِي تُرابِ العَاشقينَ تُرابَهُ

للسَّائلينَ

مَن الذي سَألَ الفُراتَ عَن الفراتِ

ولا حَمَامَ أجابَهُ ؟؟

للعَابرينَ

معَ (الهَداهِدِ) خَيمةً

(بلقِيسُ) تَــنْزعُ فِي الخِيامِ حِرابَهُ

يَا ..

أوَّلَ الآتينَ مِن حُزنِ العِراقِ

حَمَامَةً نقشَتْ عليهِ قِبَابَهُ

خُذني كأيِّ حَصِيرةٍ مَمْزوقةٍ

العُمرُ يغْرزُ في ضُلوعِي نَــــابَهُ

هَا جئْتُ ،،

في (رحْلي صُواعٌ)

مــــن شمُوعِ الطَّــفِّ

أشعَلتْ الدُّموعُ ثِــــقابَهُ

أدريْكَ تعْرفُني ،

خَطايا حِنطتي ،

مَلِكٌ يجُرٌّ إلى الفقيرِ جِرابَهُ !

-هَذا أنا ..

-هذي جِراحُك ،

فامْلأ المَعنى جِراحاً

كيْ تُـفــــيضَ قِرابَـــــــهُ

مُذْ

كُنتُ (طِفْلاً)

كُنتَ (ظِلّاً) فِي رُؤايَ ،

أجِيءُ مِن قَــلقي أُعيدُ مُصَابَهُ

يَا مِعْطفَ الشهدَاءِ

ينْـــفضُ كُلَّ جُرحٍ لا يَــعِي

أنَّ الخُلودَ انتابَهُ

مَــرَّتْ قوَافِلُ مِن رمَاحٍ

خرّقتْ جَسَدَ الصَّلاةِ

فمَا رأتْ مِحْرابَهُ

هَربتْ إلى

(الظِّلِّ) القِــيَامَةُ

حِينَ مَــَّر (الرأسُ) مَــقطوعاً

يُشِيعُ خِطَابَهُ!

ويقولُ: يَا موتُ !

استفقْ مِنْ رعْـشةِ السَّكْرى

فقدْ أخَــذَ الدَّعيُّ عِقــَــابَهُ !!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: تضمين من قصيدة للسيد جعفر الحلي.

2: المكان الذي التقى فيه الإمام الحسين بالفرزدق.

3: تضمين من نص (خطاب إلى يزيد) للشاعر بدر شاكر السياب.

4: من المنازل التي نزل بها الإمام الحسين أثناء طريقه إلى كربلاء.