المركز الأول: قِيامَةٌ هَاربَةٌ إلى الظّـلِ (سيد أحمد العلوي)

قِــيامَـةٌ هَاربَـــةٌ إلى الظّـــلِ

سيد أحمد هاشم العلوي

(السنابس – البحرين)


 

هَــذِهِ الجِداريَّةُ تُــوَثّــقُ أوَّلَ خُطوةٍ نــقَــشَها الحُسَينُ على ( صِراطِهِ المُستـقِـيم )، حينَ سَارَ بالرَكبِ والقيامَةُ تتعقَّبهُ رُمحاً رُمحاً ، حتى وَصَل إِلى كرْبَلاءَ … حيثُ ظِلُّ الله.

لَمْ يَكْترِثْ لِلمَوتِ

شَدَّ غِيابَهُ …

ومَضى يُخرّقُ باليَــقينِ ثِــيَابَهُ

أرْخَى حَقائِبَهُ

الجَريحَةَ فوْقَ نهرٍ ،

ثمَّ ذاقَ مِنَ الجِراحِ شَــرَابَهُ

( لمْ

يدْرِ أينَ يُنِــيخُ )1

قلباً مُرهقاً

فعَلى سُيوفِ الهَمِّ حَطَّ (رِكابَهُ)

هَـوَ

مُذْ تلبَّسَهُ الرّحيلُ خَريطَةً مَنْـــفيّةً

والموتُ يَطرُقُ بَابَهُ ..!

مَا مرّ بالصَلصَالِ

إلا خُطوتينِ

وقَطرَتينِ

مِنَ النّــدَى فأذابَهُ

ومَشى

لِيُسرِجَ في عُيونِ اللـيْلِ قُرآناً

يُــقطّرُ في المَدَى أهْدَابَهُ

ويَخُطَّ لِلشهَـدَاءِ

ضَوءًا بَرْزخيًّا

يا لقلبٍ يَحتوِي أصْحابَهُ

الخُطوةُ الأوْلى ..

يمُدُّ اللهُ فيهَا ظِلَّهُ

يُزجِي إليهِ سَحَابَـــهُ

الخُطوَةُ الأوْلى ..

تخَضّرَ تَحْتها خَدُّ السَّماءِ

فأوْرقَتْ أعْشابَهُ

يَا كَمْ

أرَاقَ على رَصِيفِ الحُزنِ حُزناً آخَراً،

ورَمَى عَليهِ (كِتابَهُ)

الرَّملُ يَـشْربُ مُـقْـلتيهِ

ومَا بَكَى إلّا لِيَغْسِلَ بالدُّمُوعِ عِتابَهُ

فهُوَ المسَافة بينَ (رُوحٍ) لا تطِيرُ

وبينَ (ريحٍ) أطْلقتْ أسْرَابَهُ

ومَضَى

يُثــقّـفُ في (الصِفاحِ)2 خُيولَهُ ،،

ويُــقِــيمُ في كَفِّ القَضَا أقْتــَـــابَهُ

مَنْ أنتَ قالَ؟

-أنَا (فرَزْدقُهُ)

الْذي طَحَنَ القصيدَةَ واشتَهَى أَسْبابَهُ

وَأنَا (اخْتلاجَةُ طَائرٍ)3

سَقطتْ عَلى رمْلِ الطفُوفِ

وأنشدَتْ(سَـيّابَهُ)

ومَشى مَسَافةَ شمْعتينِ

إلى (زَرودَ)4

يُضيءُ للمَسْرى البَعيدِ شِهَابَهُ ،،

حَيثُ الصَّهيلُ

يَـفرُّ مِنْ سِجنِ الخُيولِ العَادِياتِ

ذهَابَهُ

وإيابَه ُ

ويُجَعْجِعُ العَطشى

ويسْرقُ خَوفَهمْ مِن هودَجٍ

سَدَلَ العَـفافُ حِجابَهُ

ينسلُّ مِن جلبَابِهِ

(وحيٌ) عِصامِيٌّ

يُورّثُ ” لاءَهُ ” أصْلابَهُ

حَتى إذا ..

عَمِيتْ عُيونُ النَّهرِ

أبْصَرها

وألقى فِي المَدَى جِلبابَهُ !

الوقتُ

دقَّتْ فيهِ لحْظةُ (يَا حُسينُ)

كأنّه وجْهٌ يُذلُّ صِعابَهُ

الوقتُ

يَرصِدُ طِفلةً حُرقتْ عباءَتُها

فلمّتْ (خوفَها وسَرابَهُ)

يَمْشي كَأَنْ ..

لا شيْءَ يُوقِفُ نزفَهُ

إلّا رَصَاص الخالدينَ أصابَهُ

هُوَ

حينَ صفَّــفَ وردَهُ

فكأنَّهُ جيشٌ مِن النسرينِ مَدَّ رِقابَهُ

عرَّيتَ أسْئلةَ الزمَانِ

نزفْتَ ورداً مِن ثــــقوبِ النَّايِ

كُنتَ خِضابَهُ

ولذاكَ

حينَ بقيتَ

تحْفرُ في الزمَانِ الكَهلِ

صُرْتَ مَدى الزمَانِ شبَابَهُ ..!

سَلبوا وشاحَكَ

مِنْ يدِ المَلكوتِ

يَا سِفراً يُغطّي في العَرَا سُلّابَهُ

نكسُوكَ

فانقلبَ الوُجودُ

وضَجَّت الأوْراقُ !!

وابتلعَ الجَفافُ رُضابَهُ !

نكسُوكَ

فارتجفَت جهنَّمُ ..

يَا حبيبَ اللهِ إنَّ اللهَ صَبَّ عَذابَهُ !

للعَائدينَ

بِلا طَريقٍ

حينَ شمّوا فِي تُرابِ العَاشقينَ تُرابَهُ

للسَّائلينَ

مَن الذي سَألَ الفُراتَ عَن الفراتِ

ولا حَمَامَ أجابَهُ ؟؟

للعَابرينَ

معَ (الهَداهِدِ) خَيمةً

(بلقِيسُ) تَــنْزعُ فِي الخِيامِ حِرابَهُ

يَا ..

أوَّلَ الآتينَ مِن حُزنِ العِراقِ

حَمَامَةً نقشَتْ عليهِ قِبَابَهُ

خُذني كأيِّ حَصِيرةٍ مَمْزوقةٍ

العُمرُ يغْرزُ في ضُلوعِي نَــــابَهُ

هَا جئْتُ ،،

في (رحْلي صُواعٌ)

مــــن شمُوعِ الطَّــفِّ

أشعَلتْ الدُّموعُ ثِــــقابَهُ

أدريْكَ تعْرفُني ،

خَطايا حِنطتي ،

مَلِكٌ يجُرٌّ إلى الفقيرِ جِرابَهُ !

-هَذا أنا ..

-هذي جِراحُك ،

فامْلأ المَعنى جِراحاً

كيْ تُـفــــيضَ قِرابَـــــــهُ

مُذْ

كُنتُ (طِفْلاً)

كُنتَ (ظِلّاً) فِي رُؤايَ ،

أجِيءُ مِن قَــلقي أُعيدُ مُصَابَهُ

يَا مِعْطفَ الشهدَاءِ

ينْـــفضُ كُلَّ جُرحٍ لا يَــعِي

أنَّ الخُلودَ انتابَهُ

مَــرَّتْ قوَافِلُ مِن رمَاحٍ

خرّقتْ جَسَدَ الصَّلاةِ

فمَا رأتْ مِحْرابَهُ

هَربتْ إلى

(الظِّلِّ) القِــيَامَةُ

حِينَ مَــَّر (الرأسُ) مَــقطوعاً

يُشِيعُ خِطَابَهُ!

ويقولُ: يَا موتُ !

استفقْ مِنْ رعْـشةِ السَّكْرى

فقدْ أخَــذَ الدَّعيُّ عِقــَــابَهُ !!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: تضمين من قصيدة للسيد جعفر الحلي.

2: المكان الذي التقى فيه الإمام الحسين بالفرزدق.

3: تضمين من نص (خطاب إلى يزيد) للشاعر بدر شاكر السياب.

4: من المنازل التي نزل بها الإمام الحسين أثناء طريقه إلى كربلاء.

المركز الثاني: ناصر زين (التَّلُّ .. بِوَصْفِهِ شَاهِد عيَان)

التَّلُّ .. بِوَصْفِهِ (شَاهِد عيَان)

 

ناصر زين

(السنابس – البحرين)


بينَ يدي اللهِ .. يَقفُ ( التَّلُّ ) شَاهِدًا وشَهِيْدًا يَحكِيْ عَنْ ( سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ ) و) امْرَأَةٍ / نَهْرٍ( شَايَعَتِ القُرْآنَ قَتِيلًا بِحُرُوفٍ خَطَّهَا الوَجَعُ هَوَادِجَ وَدُمُوعًا وَأحلامًا :

 

لـ(السُنْبُلاتِ الخُضْرِ) حُلْمٌ فَارعُ

وَفَمُ المَشِيئةِ هَوْدَجٌ

وَ(وَدَائِعُ)

للدَّمْعِ مَنْفَى الرَّاحِلينَ ..

وخَيْمَةٌ تَدنُو إِلى نَحرِ الحُسَينِ ..

تُبَايِعُ

وَطَنٌ مِنَ الوَجعِ الفَتِيِّ

وَلَوْنُهُ يَخْبُو

فَيُوقِدُهُ ( القَتِيلُ النَّاصِعُ ) !!

مُذْ كَانَ كَانَتْ ..

–  وَالجِهَاتُ غَرِيْبَةٌ  –

نَهْرًا يُسَافِرُ فِيْ الهُدَى ..

وَيُشَايِعُ

هَطَلتْ بِغَيْمَاتِ الكِتَابِ ..

فَشَجَّرَتْ طَفَّ القدَاسَةِ،

وَالنُّحوْرُ شَرَائِعُ

فَتَعَانَقَ الشَّجَرُ المُجَزَّرُ

والسَّمَا

وعِنَاقُ كُلِّ الأَنْبِيَاءِ مَوَاجِعُ

سَارَتْ بِأَنْهَارِ الجَلالِ

فَأَوْمَأَتْ للمُتْعَبينَ ..

« أَيا نَوَارِسُ:

سَارِعُوا !! .. »

هَذِيْ الحَقِيقَةُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُهَا للهِ ..

و( الكَفُّ المُقَطَّعُ ) قَارِعُ !

و( الخُنْصُرُ المَبْتُوْرُ ) يَرسمُ وِجْهَةً للنُّوْقِ،

حَيثُ الدَّربُ مَوْتٌ ضَائِعُ

نَقَشَتْ بلَوْنِ المُسْتَحِيلِ

مَلاحِمًا

والجُرحُ فِيْ نَقشِ المَلاحِمِ بَارِعُ !!

جُرْحٌ يُرَتِّلُهُ الحُسَيْنُ بِكَرْبلا

بَعْثًا جَدِيدًا ..

قَدْ سَقَتْهُ مَصَارِعُ

–     هَلْ أَنتِ مُعجِزَةُ الخِيَامِ ؟! ..

–     نَبِيَّةٌ ؟! ..

–    ( لَوْنٌ حِرَائِيٌ ) ؟! ..

–    صَبَاحٌ يَانِعُ ؟!

–     أَمْ أَنَّكِ ( البَلَدُ الأَمِينُ )

وخَلْفها ارْتَحَلَتْ مَساجدُ حُزنِهَا

وجَوَامِعُ ؟!

–     مَنْ أَنْبَأَ الأَشْلاءَ : « حَجٌّ أَكْبَرٌ هَذا .. »

فَسَالَتْ بالجِرَاحِ ( مَنَافِعُ ) ؟!

–     مَنْ صَاحَ بالسِّكِّيْنِ: « لا تَتَقَدَّمِيْ .. »

إِنَّ الحُسَينَ مَعَ المَلائكِ

خَاشِعُ ؟!

قَلَّبْتُ أَسْئِلَةَ النَّهَارِ .. !!

وفَجْأَةً وَقفَتْ عَلَى ( تَلِّ السَّمَاءِ ) ..

تُمَانِعُ !!

وَقفَتْ ..

وتَارِيخُ الدِّمَاءِ مُعَبَّأٌ بالغَيْبِ،

والصَّوْتُ المُقَدَّسُ سَاطِعُ :

« اللهُ فِيْ صَدرِ الحُسَينِ مُؤبَّدٌ

لَنْ يُذْبَحَ اللهُ البَصِيْرُ السَّامِعُ » !!

رَكَضَتْ ..

وخَلْفَ الدَّمْعِ يَرْكُضُ حُلْمُهَا

فَتَعَثَّرَتْ ..

والرَّملُ شِلْوٌ هَاجِعُ

لَمْ أَلْتَفِتْ ..

إِلَّا ( يَسُوْعُ ) مُسَارِعٌ فِي ذَبْحِهِ ..

حَيْثُ الحُسينُ يُسَارِعُ !!

وَدُمُوعُ )سَيِّدَةٍ( تَمدُّ برُوحِها نَحْوَ ( المَسِيْحِ ) ..

وَثَمَّ مُهرٌ رَاجِعُ

وبجَفنِ (زَيْنَبَ) تَسْتَرِيحُ مَلامِحُ القَتْلَى ..

فَتَعبُرُ فِيْ السُّؤالِ فَظَائِعُ !! :

  • « أَمُحَمَّدٌ هَذا ..؟! »

فَصَكَّتْ وَجْهَهَا :

  • « .. هَذا (ذَبِيحُ اللهِ) وهوَ يُنَازِعُ !! .. »

وكـ( أُمِّ مُوسَى )

والمَوَاجِعُ وَحْيُها ..

وَرَضِيعُهَا قَدْ غَادَرَتْهُ ( مَرَاضِعُ )

أَلْقَتْ عَلَى كَتِفِ الفُرَاتِ رِسَالَةً

كَتَبتْ: سَيَحملُها الرَّضِيعُ الوَادِعُ !!

وكَأنَّ ( تَابُوتَ السَّكِيْنةِ ) حَامِلٌ وَطَنًا بـ( يَمٍّ) دَاهَمَتهُ طَلائِعُ !

وكَأنَّهُ ( الصِّدِّيقُ )

جَاءَ بِـإِخْوَةٍ

رُدَّتْ إِلَيهِمْ – في الطُفُوْفِ – بَضَائِعُ !

فَدَنَوْتُ ..

حَيْثُ الظَّامِئُونَ،

وَخَيْمَةٌ عَزَفَتْ مُوسِيقَاهَا،

وَلَحْنٌ فَاجِعُ

نَايٌ،

ونِيرَانٌ،

خُيولٌ،

غُربَةٌ،

مَوْتٌ،

صِغَارٌ،

نِسوَةٌ

ومَدَامِعُ

خَطَّتْ بِأَقْلامِ النُّبُوَّةِ مَوْعِدًا ( لِلقَتْلِ )

مُذْ بَرَزَتْ هُنَاكَ ( مَضَاجِعُ )

بِحُرُوْفِهَا الزَّرْقَاءِ تَشْتَعِلُ الرُّؤَى

مَاءً فَمَاءً ..

والإِبَاءُ مَنَابِعُ

تَسْقِيْ الدُّهُورَ ..

تُرَوِّضُ الصَّحْرَاءَ ..

تَحْتَرِفُ العُبُورَ بِجُرْحِهَا ..

وَتُقَارِعُ

وَبِثَغْرِها الكَوْنِيِّ

( طُوْفَانٌ ) مِنَ الكَلِمَاتِ

يَنْمُو سَيْلُهُ المُتَدَافِعُ :

«.. وَلَقَدْ ذَهَبْتَ بِعَارِهَا وشَنَارِهَا.. »

فَتَجَذَّرَتْ – رُغْمَ الخُيُولِ – أَضَالِعُ !!

« لا عَاصِمَ اليَوْمَ .. »

– انْهِمَارُ قِيَامَةٍ –

صَرخَتْ .. !!

ونَحرٌ – كَـ( السَّفِيْنَةِ ) – شَاسِعُ !!

مِنْ لَحظَةِ اللهِ

السَّمَاءُ تَفَجَّرَتْ

وكَأنَّ رَأسَ السِّبْطِ أُفقٌ سَابِعُ !!

لَا الشَّمْسَ تَطْلُعُ ..

وَالرمَاحُ تَكَسَّرَتْ فِي رَأْسِهِ

حَيْثُ الشُّمُوخُ مَطَالِعُ

فَحَفَرْتِ مِنْ كَفِّ الحُسَيْنِ حَضَارَةً أُخْرى

وَإِنْ قُطِعَتْ إِلَيْهِ أَصَابِعُ !!

فَتَقَاطرَ الثُّوَّارُ

حِينَ تَقَاطَرَتْ فِيْ الأَرْضِ ( عَاصِمَةُ الإِلهِ )

تُدَافِعُ

وبِهَوْدَجِ الأَوْطَانِ حَطَّتْ آيَةً

حَمْرَاءَ

رَتَّلَها العِرَاقُ اليَافِعُ :

لَوْلا ( الهَوَادِجُ )

والحُسَينُ

لهُدِّمَتْ بِيَعٌ،

صَلَاةٌ،

مَسْجِدٌ،

وَصَوَامِعُ !!

المركز الثالث: علي المؤلف (سادِنٌ في حَضرةِ الغيب)

سادِنٌ في حَضرةِ الغيب

علي حسن المؤلف

(جدحفص – البحرين)


واقفٌ بين يديْ الحسينِ بن عليٍّ عليهما السلام، وقفةً بينَ يديْ اللهِ سبحانه وتعالى، واقفٌ في حضرتِهِ كاتبَ غيبٍ كما كتبةُ الوحيِ فيقولُ عليه السلام: “أكون أول من تنشق الأرض عنه، فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المؤمنين وقيام قائمنا، ثم لينزلن عليَّ وفد من السماء من عند الله، لم ينزلوا إلى الأرض قط ولينزلن إليَّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، وجنود من الملائكة”.

وقوفٌ إلَهيٌّ وَبَعثٌ مُزامِنُ

وثمَّ وجودٌ في المَشيئَةِ كامِنُ

تَداخَلَت الأَبعادُ بَعضًا بِبعضِها

طِباقًا طِباقًا

ما هُناكَ تَبايُنُ

وَحلَّت يدُ التَّوقيتِ أَزرارَ ثوبِها

كأنَّ تعرِّي الوقتِ في الوقتِ آمِنُ ..!

كَثيفٌ مَدى الرَّائينَ

مُشتَبِكُ الرُّؤى

وأَمَّا نسيجُ الضَّوءِ رثٌّ وواهِنُ

مَلائِكةٌ سدُّوا فَمَ الشَّمسِ وانبَروا

فُأُطفِئَ مُبْيَضٌّ وأُلهِبَ داكِنُ

أكادُ أَرى قَوسَ الصُّعودِ

ومَوعِدَ التَّجرُّدِ

لَكنَّ السَّرابَ مُداهِنُ

يُرينيَ فألًا لَستُ أَقرأُ بَختَهُ

فما أناْ عرَّافٌ وما أَناْ كاهِنُ

وما أناْ إلا شاعِرٌ

متنبِّئٌ

على فِكرَةِ الخلقِ الجديدِ أُراهِنُ

تخلَّقتُ في نصِّ القصيدَةِ رجعَةً

على مَتنها مِن مَتنها تَتهاتَنُ

هنا حيثُ مِعراجُ المُثولِ

وَمبلَغُ التَّراقي

استعادَ الرُّوحَ من بِكَ آمَنوا

تَجلَّوا وجوديِّينَ مِنْ عَدميَّةٍ

لِتشخَصَ أَجسادٌ

                 وتَعفى مدافِنُ

تَشقَّقُ عَنكَ الأرضُ أَوَّلَ شَقِّها

ووجهُكَ – يا وجهَ الأُلوهَةِ – فاتِنُ (١)

هِيَ النَّشأةُ الأُخرى

لَويتَ زِمامَها

يَدٌ تُمسكُ الدُّنيا وَأُخرى تُعايِنُ

كَأنَّكَ للِأسماءِ ماحٍ ومثبتٌ

وما لمْ يكُنْ طوعًا لأمرِكَ

                              كَائِنُ

وقوفًا سماويًّا وقفتَ مُبشِّرًا

تَلي النَّاسَ منْ همُّوا

                   ولَم يَتهاونوا (٢)

هُناكَ اصطفافٌ للمُريدينَ لائِحٌ

بِهِ لوَّحتْ لِلمحسنينَ المحاسِنُ

تَراءيْتَ محضَ المحضِ

مَرأىً مقدَّسًا

كأنَّكَ ظِلُّ العرشِ في النُّورِ طاعِنُ

لِطِينَتِكَ النُّوريَّةِ انقدتُ عاشِقًا

وَمن قَدمي انْسلَّتْ قرىً وَمدائِنُ

فَأُوجدتُ مَعلولًا

وأُوجدْتَ عِلةً

وَكُنهُكَ مخفيٌّ وَكُنهُيَ بائِنُ

كلانا حوارٌ لا شَفاهٌ تنثُّهُ

إذا قلتُ : ما اسمُ اليومِ ..؟

قلتَ : التَّغابُنُ ..!

هَلْ السَّاعةُ الآنَ : القيامَةُ ..؟

كَمْ إذنْ ..!

سُؤالي رمادِيُّ الملامِحِ آسِنُ

أغصُّ بِهِ كالرِّيحِ غصَّتْ بِأنِّها

فَلا هِيَ تَحدُوهُ ولا هُوَ ظاعِنُ

أناْ الهاجِسُ المشَّاءُ

خلفَ توجُّسي

إذا التَبستْ بالممكناتِ الكوامِنُ

خُطايَ غريباتٌ تَبعثرنَ في السُّرى

لَهنَّ منافٍ ما لَهُنَّ مَواطنُ ..!

عبرتُ صِراطَ الحقِّ

باسمِكَ مُمْسكًا

وما يُيْسِرُ الهُلاَّكُ إلاَّ أُيامنُ

أناْ الهاجِسُ المشَّاءُ

عَينُ تيقُّني

إذا انهمرَتْ لا تستريبُ الأَماكِنُ

أُقدِّسُ دَمعاتي بِحقِّكَ إنْ جَرتْ

فما هُنَّ دمعاتٌ ولَكِن سفائنُ

تمخَّضَ عُمري عَنكَ

مخضَ عَقيدَةٍ

وِإنْ هادنَ العُشَّاقُ ليستْ تُهادِنُ

فمعدنُ ذاتي لا يَلينُ صَلُودُهُ

إذا اختُبرتْ بالمغرياتِ المعادِنُ

مرايًا مِنَ الرِّيحِ المُسوَّمَةِ انتضتْ

سكاكينَها طعنًا

       وأنتَ المُطاعَنُ

ولولاكَ مَطعونَ الشَّهادَةِ والهُدى

بِجنحيْ أَذانٍ

لم تَرفَّ المآذِنُ

ظماكَ الَّذي نهرُ الفُراتَ مَدينُهُ

سيذكُرُهُ الظَّامونَ ما دانَ دائِنُ

إذا أدركتْ معناكَ

آفاقُ جُملةٍ

لِما أثبتَ الإدراكُ تُنكرُ لَكِنُ

أَنا خارِجٌ منِّي وإنَّكَ داخِلٌ

وَكلِّيَ مرهونٌ وَكلُّكَ راهِنُ

عَليكَ أُصلَّي عارفًا بِكَ

وافدًا على اللهِ

يُغريني الوجودُ المقارَنُ

لأَنَّكَ في الأَعلى إمامُ كَرامَةٍ

أيا لَيتني في حَضرةِ الغيبِ سادِنُ

———————————————————————————–

١- ذكر الإمام الحسين بن عليٍّ عليهما السلام مخبرًا عن نفسه: أكون أول من تنشق الأرض عنه.

     بحار الأنوار للعلامة المجلسي

٢- عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بنُ عليٍّ عليهما السلام.

   مختصر بصائر الدرجات للحسن الحلي

المركز الرابع: علي مكي الشيخ (صمت خارج النص)

صمت خارج النص

 

علي مكي الشيخ أبوالحسن

(القطيف – السعودية)


صبوا على

قبرِ القصيدةِ أنهرا

وتوارثوا بمجازها..ما يُفترى

فبثقبِ دمعتها..

       توارى شاعرٌ

        مقدارَ ما نسيَ الكلامَ تذكرا

عن ظلها

   الممسوسِ وهو مضمدٌ

        جرحًا يرممُ ما نقولُ وما نرى

عن “حافرٍ” تمشي

      عليه سنابكٌ

          والرملُ في حسكِ القوافلِ أثَرا

عن  ظاعنٍ يمشي

        و بوصلةُ المدى

          تمشي ليومٍ ضاعَ عن أهلِ القُرى..

وبلاغةُ الجرحِ

     المؤثثِ..أسَهما

        جمعت كنانتُهُ.. الكلامَ مُعَفَرا

كقميصِ أبياتٍ..

      ملامح خيمةٍ

        شهق انزياحُ الوحي حين تكسرا

ما لاذ بالكلماتِ

          ثغرٌ.. فاغرٌ

           إلا وصمت الأنبياءِ ..تفطَرا

مَنْ أوجزَ النهرَ

      الذي .. بخيامها

       إنَ القصيدةَ ..ذنبُها لن يُغْفرا!!؟

إِلاَّ إذا دخل

    الحسينُ ..بجيبها

        ونعى له “الجمريُّ” ما أبكى الثرى

وقرأتُ

هامشَ سيرةٍ منقوعةٍ

كادَ ارتباكُ الضوءِ يصبحُ معبرا

مستيقظا فِيَّ

    المماتُ كدهشةٍ

       عجزتْ رياحُ الوهمِ أن تتستَّرا

مُرّوا على

         جسد القصيدة وانصتوا

             لفراغها واستفرغوها أكثرا

ستحاولُ

      الكلماتُ أن تغتابني

        قدمُ الحسينِ بكل قافيةٍ سرى

  متشردٌ

    فِيَّ الكلامُ كطعنةٍ

       مازال يوسعها الظلامُ تحسرا

ما طعمُ

لونِ الحزنِ بين خيامه !!

فعلى جفونِ العرش سال وكبَّرا

مابين قوسينِ ..

      الدموعُ سلالمٌ

         قد وثقتها “العنعناتُ” عنِ السُّرى

نحتتْ سهامُ

      الغدرِ بعضَ طقوسها

        فوقَ الخيالِ وحين جاءَ تأخّرا

في الطف

كان الماءُ يفركُ جلده

فوق القصائد كي يكون المنبرا

متحيزا

للحزنِ ساعة يُشتهى

عطشا.. كهيْأةِ مَنْ يرى ما لا يرى

رشُّوا على

      جسد الحسين قصيدةً

          ممسوسةَ الإيقاعِ تصبحُ خنصرا

  واستنسخوا

       عطشَ الخيام بقربةٍ

          زَمَّتْ ألوهتها اللهيب مُحَرَّرا

    عن مُحكمِ

       الطعنات ما مَسَّ الردى

          وجرى بخاتمِ نقشِهِ ما قد جرى!!

     متوكئًا

       ظلُ المسافةِ ظلَّهُ..

           وسماءَ ذاكرةَ المغيبِ تسوَّرا

     فوق اشتباكِ

       الشكِ يمحو عارَهُ

           ذنبٌ برائحةِ الغوايةِ طُهِّرا

     وقميصُهُ

        بالأنبياء مُزَرَّرٌ..

           فلذاكَ “عابسُ” بالجنونِ تَزَرَّرا

    يطهو رمادَ

      اللازمان شهيقُهُ

          وعلى تمائمِ قبرهِ قد بُعْثِرا

عن نسخةٍ

        للعرش تشبه ما أرى

             قرأتْكَ “عاشوراءُ” سِفْرًا أَحمرا

ردوا على “جَوْنٍ “

            زُحاف قصيدةٍ

                كي يستقيمَ به العمودُ مُعَفَّرا

مَنْ أَيقظَ

المعنى بفاصلةِ الرَّدى

فالموت أخطأَ والحسينُ تكررا

    طعن المماتَ

     وَدَسَّ في أضلاعِهِ

        طعمَ البلاغةِ والمجازُ استبشرا

   وتآكلتْ

      كل الرماح فلم تَعُدْ

         “خَطِّيةً” ..”فالرأسُ” يبتكرُ الذُّرى

  والخيلُ..

   مِنْ خببِ العروضِ ..خبيرةٌ

        تعدو ولا تعدو وتقفز للورا

    والرايةُ انتصرتْ

        لأنَّ خيوطها

          لعباءةِ الحوراءِ أضحتْ مصدرا

     “لمّوا” بأطراف

          الخيام خيالكم

          وتقاسموا بالإنزياحِ المشعرا

    لا تُزْعجوا

     قلقَ القصيدةِ ..إنّما

      هِيَ والحسينُ كعاشقٍ نسيَ الكرى

     معذورةٌ.

      إن لم تكونوا مثلها

           فلقد “تأنسن” طبعها واستَأثْرا

    لن يفهم

       الجرحُ الحسينَ ..لوحدهِ

          إن لم “يشعْرِنْهُ” الكَلَامُ مُعَبِّرا

      وتقاسموا

       بللَ اشتهاءٍ “عاشرٍ”

          فرغيفُهُ يَهَبُ القَيامةَ محشرا

     قولوا

”      لِدِعْبِلَ”..و “الكميتِ” قصائدًا

              يصطادها الضَوءُ المُشرَّدُ أدهرا

      سيظل

       جرحُ الشعرِ يَدْعَكُ جفنَهُ

            فالجرحَ إن طالت خُطاهُ تحررا

المركز الخامس: أحمد الرويعي (لا ترهبِ الحوتَ بالبحْر!!)

لا ترهبِ الحوتَ بالبحْر!!

 

أحمد عباس الرويعي

(القطيف – السعودية)


 

(١)

 

إذا الطِّينُ..

جاءَ بعهدِ الكثافةِ للنورِ

سوفَ تفورُ التنانيرُ بالماءِ..

 

كانَتْ ذيولُ الرياحِ ..

تُحِيطُ السفينةَ

وهي تسيرُ إلى عالمِ الروحِ

 

كانَ القضاءُ.. أحدَّ من الحدْسِ

يمخرُ نسجَ العجاجِ

لتنفذَ منهُ الحقيقةْ

 

(٢)

 

يسيرونَ نحوَ البياضِ..

كأنَّ الضبابَ يهرولُ خلفَ النياقِ

ليتركَ آثارَهُ فوقَ آثارِها..

 

كلما ظهرَ النصرُ

وهو يرفرفُ فوقَ الهوادِجِ..

تُسمَعُ قعقعةُ السيفِ في الغمدِ

 

والموتُ..

حينَ رأى “حاجِبَ الربِّ”

يحمِلُ رايَتَهُ في عنانِ الوجودِ

تنحى..

وعصَّب أعينَهُ بالقدَرْ!

 

 

 

(٣)

 

أناخوا الرِّكَابَ.. وشدّوا الخيامَ..

وجاءوا برمحٍ طويلٍ ..

فحطَّتْ عليه غمَامَةْ

 

وشقّوا السماءَ قليلاً

فسالَ الخفاءُ..

أحاطَوا مخيمهَم بالسرابِ

 

وحَمْحَمَتِ الحربُ..

لمّا هوى النجمُ

وانسلَّ فيْءُ اليقينِ بجيبِ الظلامِ

وبانَ على الجيدِ

وهمُ القلادَةْ

 

(٤)

 

تنامُ الثعابِينُ فوقَ الوثيرِ

وتبقى بناتُ المشيئةِ

فوقَ حصيرِ الظمأْ!

 

(٥)

 

وحينَ غشا الصمتُ..

أخبيةَ الوحيِّ

وانقطعَ الحبلُ في البئرِ

مالَ عمودُ الضياءِ على الأرضِ..

فالتقطَ الفيضُ كفَّ المددْ

 

(٦)

 

أنا لم أجدْ غيرَ ظلِّك..

يعبرُ بينَ الخيامِ

يوزعُ تلكَ المشاعلَ في الليلِ

يفتحُ بينَ الضلوعِ بيوتاً إلى النحلِ

ينزعُ من تربةِ الخوفِ جذرَ الحسكْ

 

وأنتَ هناكَ..

تصلِّي..

فتندكُّ بينَ “التطنجينِ”

والمهدُ جنبَك يهتزُّ

والطفلُ يُرفَعُ فوق الهواءِ

ويطلِقُ أنفاسَهُ للفراغِ

فيصدرُ منها صريرُ الفلَكْ!

 

(٧)

 

لقدْ طلعَ الصبحُ..

تمشي..

وخلف ردائك تختبئُ الشمسُ

رأسكُ مُرتَكَزٌ للسحابِ

وكفُّكَ تمسِكُ بالبحرِ

تمشي..

كأنَّ الفراديسَ تصرخُ:

“أقدِمْ علينا

فقد أينعَ اللوحُ

واخضرَّ حبرُ القلمْ”

 

(٨)

 

وأسمعُ همهمةً بينَ طفلينِ:

  • “أينَ فؤادُكَ؟”

  • “عند الحسين..”

  • “لماذا إِذاً أنتَ خائِفْ؟!!!”

  • “أخافُ..

بأنْ يجلدَ النخلَ

سوطُ العواصِفْ”

 

  • “أهل يُطعَنُ الفجرُ عندَ اتساقِ القمرْ!؟”

  • “أجلْ، حينَ تُقطَعُ أيدي السماءِ

ويُذْبَحُ في الغيمِ نحرُ المطَرْ!!!”

  • “وماذا عن السَّهمِ؟”

  • “سوفَ يشقُّ حجابَ الألوهةِ في هيكلِ العرشِ”

  • “والرمح؟”

  • “اَلرمْحُ يحمِلُ رأسَ الحقيقةْ!

فيكشِفُ منديلَهُ الديبقيَّ

وتنقذُ عيناهُ تلك الرؤوسَ الغريقةْ”

 

(٩)

 

ولمّا بقيتَ وحيدًا..

تنزّلَ من صفرةِ الغيبِ في شفتيكَ

لتلكَ النواويسِ ماءُ الحياةِ

فأورقتِ الجثثُ الدَاميةْ

 

(١٠)

 

تُصِرُّ على الفتح..

والدَّمُ يشخبُ من جبةِ السرّ..

جسمُكَ منغمِسٌ في الحديدِ

وسيفُكَ يقتحِمُ البغيَ

تقبضُ ناصيةَ الكونِ

تمضي..

وجرحُك عشٌ لسربِ القطا!!

 

(١١)

 

دماؤك عذبٌ فراتٌ

ودمعُك ملحٌ أجاجٌ

فسبحان من مرجَ البحرَ والبحرَ

في عينِك الحانيةْ

 

(١٢)

 

وأما عنِ الموتِ..

حين وقعتَ صريعاً ومتَّ..

أزاحَ العصابةَ عن عينِهِ

فرأى “حاجب الربِّ” فوقَ رماحِ الأبدْ

 

المركز السادس: عادل الصويري (زَواجِلُ كفِّ العباس)

زَواجِلُ كفِّ العباس

عادل الصويري

(كربلاء – العراق)


بالقِربةِ العَطْشى أُضِيءَ الغَيْهَبُ ،

               وعلى ضفافِ الصَمْتِ شُيِّدَ كوكبُ

ضَوْءٌ على عطشٍ مُسَجّىً بالوفا

                 والكَوْنُ من أحداقِ جُرْحٍ يشربُ

شَرِبَ الغيابُ الوقتَ ظِلّاً راجفاً

               والأُفْقُ من كأسِ الظهيرةِ يُسْكبُ

وَنَوارِسُ النَبْضِ النَبِيِّ تَناثَرَتْ

                     بالنارِ تعدو والمدى مُتَعَجِّبُ

هي كربلا، والفَجْرُ فيها يرتدي

                     لَوْنَ الرمالِ الدامياتِ ويندبُ

في رَمْلِها، كتبَ الغيابُ ملامِحَ الـ…

                 معنى سُطوعاً والنخيلُ مُخَضَّبُ

عَزَفَتْ بأوتارِ الحقيقةِ جمرةً

                   يقتاتُها الجودُ الذي يَتَلَهَّبُ

وَ(سُكَيْنَةُ) المنفى سَراباً تلتظي

                 بلظى الخيامِ وحَدَّثَتْها زينبُ :

قَدْ خَبَّأَ العبّاسُ وَعْداً ظامئاً

                 وَفُراتُ قِرْبَتِهِ مسيحٌ يُصْلَبُ

كَفّاهُ في ثَغْرِ العُصورِ قصيدةٌ

           تُتْلى على وهجِ الشموسِ فَيُحْجَبُ

كَفّاهُ زاجِلُ من بُكاءِ فُراتِهِ

               يحكي وذاهلةُ الملامحِ يَثْرِبُ

صَدَحَتْ أراجيزُ السيوفِ كأنَّما

              في كربلاءَ عُكاظُ خُلْدٍ يَلْهَبُ

شَقَّ الجموعَ حَداثَويّاً صائلاً

                 بِفصاحةِ الفَقّارِ ضَرْباً يَخْطِبُ

طافَ الرقابَ على ارتجالِ المُسْتحيلِ

                   وَهُمْ بِعَوْرَةِ شانئيهِ تَنَقَّبوا

رَكَضَتْ أَصابِعُهُ تُلَمْلِمُ ماءَهُ

               في حيرةٍ وأبى الزمانُ المُجْدِبُ

(أُمُّ البَنينِ) تَسَلَّقَتْ أنفاسُها

                   خَجَلاً إلى زهرائها تَتَصَبَّبُ

حَدَّ التِماعِ السَهْمِ كانَ بُكاؤهُ

                     لِخيامِ وَجْدٍ طَيْفُها يَتَسَرَّبُ

من عَيْنِهِ رَفَعَ السِهامَ تحيةً

               خَجْلى إلى قَلْبِ العقيلةِ تُسْحَبُ

تنمو على النَوْمِ البعيدِ صَلاتُهُ

                   حُبْلى وَقُرآناً شَهيداً تَنْجبُ

لُغَةُ المرايا تُرْجِمَتْ مِنْ فَيْضِهِ

                 بِبَلاغَةٍ مِنْ نَزْفِ جودٍ تُعْرَبُ

بِنَزيفِهِ خاطَ الربيعُ قَميصَهُ

             لِجهاتِهِ يهفو الضياءُ الألحبُ

أشجارُ قِرْبَتِهِ الشهيدةِ أَوْرَقَتْ

               وَعْداً غَدا في كُلِّ فَجْرٍ يُطْلَبُ

رَكَعَتْ فؤوسُ الزاحفينَ لِطولِها

                 لِتَظَلَّ راقِيَةً على مَنْ حَطَّبوا

المركز السابع: حسن سامي العبدالله (بين الراهبِ وذبحائيل)

بين الراهبِ وذبحائيل

حسن سامي العبد الله

(البصرة – العراق)


حين أخذ الراهب رأس الإمام الحسين لليلة واحدة من جلاوزة عمر بن سعد مقابل عشرة آلاف درهم ورثها من آبائه، مسح عنه الدم والتراب وطيبه بالمسك وأخذ يحدثه قائلاً:



على خَدَّيك رَمْلٌ قُرمزيُّ
يُكفكِفُهُ على الأحرى نَبيُّ

وفي النَحْرِ المُضَمَّخِ طَعْمُ ربِّ
يُفسِّرُهُ النَجيعُ السَرمَديُّ

وتجهَلُهُ العَساكِرُ، كانَ يَهمي
لينمو بَعدها القَمْحُ الشَهيُّ

تساءَلَ عَنْ هواءٍ ماتَ خَنْقاً
بما يَسعى لهُ الجيشُ الغَبيُّ

وعَنْ نَخْلٍ يُعرِّفُهُ مَخاضٌ
لمريمَ، خانَهُ النَهرُ الظَميُّ

لهُ كانَ المَسيحُ يَقولُ سِرَّاً
إذا في المَهدِ قَدْ نَطَقَ الصَبيُّ

عَنِ الصَحراء تَبتَلِعُ الحَواري
ولمْ يأمَنْ بقَسوَتِها وَصيُّ

بكربائيلَ قُربانٌ لرَبٍّ
قَتيلٌ غالَهُ الشَرقُ العَصِيُّ

ليكسبَ لعنةً للآنَ تَنزو
على الدنيا فيحكُمها الشَقيُّ

على خَشَبِ الصَليبِ قرأتُ لُغزَاً
تولّى فَكَّهُ الجُرْحُ الطَريُّ

كأنّي قابَ عَرْشِ اللهِ ألقى
سَبايا الطفِّ يَزجُرهُم عَتيُّ

و(ذِبحائيلَ) مقتولاً بأرضٍ
عَليها طافَ نَحْسٌ حَنظليُّ

أرى عِيسى وَحيداً كانَ يَبكي
وفي عينيهِ حُزنٌ مَرْيَميُّ

يهرولُ للفُراتِ وقَدْ تَجلّى
لهُ في الحالِ سِترٌ زَينبيُّ

وحَشدٌ مِنْ صَغيراتٍ ونارٌ
ليصرخَ خائفاً: غَوْثاً عليُّ

هُنا وَرْدٌ بهِ عَطَشٌ لَئيمٌ
تربَّصَهُ احتمالٌ مِنجَليُّ

يَسوعيٌّ أنا لكنَّ قَلبي
لهُ نَبضٌ خَفيضٌ أحمَديُّ

وفي رأسي أيا رأسُ انزياحٌ
عَنِ المَوتى ومعراجٌ قَصيُّ

لشيءٍ مِنْ يَقين مُستَحيلٍ
لهُ شَكلٌ مَهيبٌ سُندسيُّ

أجِبني عَنْ مَديناتٍ تَشظّى
على أبوابِها الصَوتُ الأبيُّ

وقُلْ لي عَنْ رسائلَ لَيسَ تُتلى
لئلا يُكشَفَ الغَدرُ الخفيُّ

وعَنٍ قومٍ هُرائيين جدّاً
على سُحناتِهِم وَصْمٌ جَليُّ

يٌلاحِقُهم تُراثٌ من شَنارٍ
وعارٍ مُستدامٌ مِخمَليُّ

وعَنْ سَبعينَ صُبحاً ليسَ إلّا
بهِمْ يُستَنزَلُ القَطْرُ النَديُّ

تَماهوا في الحَقيقةِ مِثلَ نَجوى
لها فَجراً مَذاقٌ سُكَّريُّ

برأسي ألفُ قدّيسٍ تلاشوا
وأنتَ الآنَ سَيِّدُهُ التَقيُّ

ألا فاسمَحْ لكَفّي أنْ تؤدّي
صلاةً فاتَها العُمْرُ الشَجيُّ

لتَمسَحَ عَنْ جَبينكَ تُرْبَ حَرْبٍ
بِها قَدْ يزلقُ المَرْءُ السَويُّ

أناجيلي يُراوِدُها ارتِعاشٌ
وفي وَجهي اندهاشٌ كَوكَبيٌّ

مَلَكْتَ هواجِسي وزِمامَ روحي
فهلْ للنزفِ طَبْعٌ سَوسَنيُّ؟

قَتَلْتَ الشَكَّ يا مولايَ لمّا
تَفشّى منكَ ضَوْعٌ نَرجسيُّ

تَنشَّقَكَ النسيمُ الكَهْلُ عُمّرا
جَديداً أيُّها الشَيخُ الفَتيُّ

سَترفَعُكَ الرِماحُ لتَزدَريها
ويلثمَ نحرَكَ اللهُ العليُّ

المركز التاسع: قاسم محمد الدرازي (ذاكرةٌ مُثخنةُ الجِراح)

ذاكرةٌ مُثخنةُ الجِراح

قاسم محمد الدرازي

(بوري – البحرين)


ما اختزلتهُ ذاكرة أحد جرحى واقعة الطف،،

الضوءُ جفَّ.. فجاءَ يبتكرُ السقا ،، لوناً.. بأوداجِ الخُلودِ.. ترقرقا

مُذ جاءَ ينزفُ باليقينِ ويرسمُ الوجهَ المُخبّأَ للطفوفِ ليُشرِقَا

مُذ كانَ يحملُهُ بُراقُ جِراحِهِ ، عَبرَ الغُيوبِ.. لكربلاءَ إلى اللقا

مُذ جاءَ يهمسُ للجبالِ تصدّعت، وتكاد أن تُطوى السماءُ وتُهرقا

هل كانَ يختلقُ الجهاتِ ، يُلوّنُ الأشياءَ ، يجترحُ الخيالَ المُطلقا؟!

مُذ نحرهُ القُدسيُّ يضحكُ هازئاً في وجهِ من ظنّوهُ : لن يتدفقّا

مازالَ نحرُ النُورِ يخترقُ الدروبَ..يشعُّ ، ينهمرُ ..الظلامُ تمزَّقا

تنمو سُلالاتُ الشمُوخِ بكفِّهِ.. هل كانَ جُرحُ الضوءِ ، جُرحاً مُورقا؟!

الغيبُ مسراهُ القصيُّ ، خُطاهُ تطوي الكونَ ، يفترعُ الوجودَ الضيَّقا

يغفو (الفُراتُ) بُمقلتيهِ بحُزنِهِ ، ظمآنَ مُنكسرَ الشُعورِ ومُحرَقا

ويحطُّ قُربَ خيامِهِ الغيمُ المطيرُ، النهرُ مشدوهاً يفرُّ ومُطرِقا

اللهُ بالنحرِ العظيمِ أتى لُينبأَ ،  أيّ نحرٍ للسماءِ تدفقا

في مسرحِ الحربِ احتشادٌ آخرٌ للضوءِ، يحتشدُ المسافةَ فيلقا

فبدتْ جهاتُ اللهِ جيشاً هادراً، والأفقُ إعصاراً ، وكُنتُ المُغرَقا

ينسلُّ من أعتى المواجعِ فارساً ،  مُتوشِّحاً بالعنُفوانِ مُحلِّقا

من وحي ذاكرَةِ الطُفوفِ أطلُّ ، أشهدُ مشهداً ، فمُكذبِّاً ومُصدِّقا

مُنذُ السهام تمزّقُ الذكرَ الحُكيمَ بصدرِهِ ، من يا تُراهُ تمزَّقا؟!

جسداً تخضّبَ بالدِماءِ بلِ الضياءِ ، وبالرمَالِ بلِ الكمالِ تعتّقا

الريحُ تهبطُ عندَ موضِعِ عرشِهِ ، هل كان (آصف) في الحُسينِ مُحدِّقا؟!

مدَّ الفراتَ على الفراتِ فأمطرت عيناهُ مُذ فاض انهماراً أزرقا

الجُرحُ أعظمُ من حديث روايةٍ ، الجُرحُ يبدو – بالتأمّلِ – أعمقا!

يأتي، فينطفئُ الخيالُ، ويقشعّرُ الحبرُ، يجهشُ بالمآسيَ مُصعقا

ما زلتُ في حرمِ الفجيعةِ فكرةً مسلوبةَ الفحوى وقلباً مُرهقا

مازالَ يعبرُ بالقصيدةِ كلّما وقفت، ويُطلِقُ بحرَها والزورقا

هو عازفُ اللحنِ الذي لم ينكسر، لحناً على صوتِ الإباءِ مُموسقا

ما زلتُ أذكرُ  وجهَهُ وبهاءَهُ الـ.. قدسيَّ يُضفي للشهادةِ رَونقا

سيفزُّ من وجعِ الترابِ مُضمّخاً ، فيشعُّ ، يرفعُ للكرامةِ بيرقا

المركز العاشر: شذا نوفل القاسم (نسغُ البهاء)

نسغُ البهاء

شذا نوفل القاسم

(دمشق – سوريا)


 

تربٌ نديٌّ ..

مِن دِماكَ تعَطَّرا

و دمٌ سَنيٌّ ..

في ترابكَ عُفِّرا

و ظما شفاهِكَ

غيمتان من الرؤى

هَمَتا على جدْب الزمان

لِيُزهِرا

و قميصكَ المُدمى

ربيعُ شهادةٍ

حِيْكَتْ قلوبُ العاشقين له عُرى

ألقيتَه عَبِقاً

على وجه الدجى

حتَّى تكحَّلَ

بالضياء و أبصرا

ها أنتَ وحدكَ

في العراء قصيدةٌ

قدْ خُضِّبَتْ بالحُسْن ،

يَلبسُها العَرا

جسدٌ تقطَّرَ

كالبهاء نقاوةً

لمَّا تعمَّمَ بالسهام

و دُثِّرا

فسنا

على طور التجلّي

نازفاً جرحاً

على شفة الفرات

تكوثرا

و هززتَ جذع الريح

فانتثر الندى عِقداً

على جِيْد السماء ،

و مرمرا

و اسَّاقطتْ رُطَبُ الجمال

و أينعتْ

و بِنفْحكَ

” الزيتونُ ” طابَ و أثمرا

ما زلتَ تنسج

من ثريَّات الهوى معنى

تحاوله الجداولُ و الذُّرا

آهٍ ذبيحَ الله ،

يا نجماً هوى

كيما يُعيدَ الصبحَ فينا أطهرا

يا شجوَ فاطمةٍ …

و عَبْرَةَ زينبٍ

يا سيدَ الشهداء ..

يا نبض الثرى

يا أيها الموقودُ من شجنٍ ..

و يا دمعاً

على خدِّ النبيِّ تَحدَّرا

قد جئتَ

من أقصى اليقين صبابةً

بيديك تحمل وردتين و خنجرا

و أتيتَ

بالفكر المشعشع ثورةً

تستنهض الإنسانَ

كي يتحرَّرا

ألقيتَ ” موساكَ ” الرضيعَ بيمِّه

لكنَّ سهم المبغضين

له انبرى

فرفعتَ ” عبدَ الله “

ترسِلُ نيزكاً من نحره

صوْبَ السماء مظفَّرا

قد كنتَ

مثل أبيك _ يعسوبِ الهدى _

أسدَ الشدائدِ ،

حين كانوا خيبرا

فإذا حصونُ الحاقدين

تصدَّعتْ

لمَّا شهرتَ

من الأصابعِ خنصرا

بتروه ..

ما علموا بأنَّ دماءَهُ

غيثٌ من الصلوات

يُخصِبُ بيدرا

فعرَجْتَ للمعنى الجليِّ

تطوف في غُرَفِ الخلود

مسبِّحاً و مكبِّرا

ما زال نهجك

يا حسينُ منارةً

تزداد في نسغ الحياة تجذُّرا

يا جرحُ ..

قلبي مترَفٌ بالحزن ،

لو فتحوا شراييني لفاضتْ أبحُرا

يا أيها الوجعُ المرابطُ في دمي

زدْ هذه الأشعار

فيَّ تسعُّرا

ناديتُ :

أين الظاعنون و ريحُهمْ ؟

هل من نسيمٍ

من طلولهمُ سَرى ؟

و ركبتُ موج الدمع ،

يحملني إلى

شطِّ الذين بحبِّهم قد أمطرا

المركز الثامن: الدكتور أحمد جاسم الخيال (من هديلِ رسائل الأمواج)

من هديلِ رسائل الأمواج

 

 

د. أحمد جاسم مسلم الخيّال

(بابل – العراق)


“إليكَ وحدكَ يا سيدَ الحب … تُصلِّي المواسمُ بثوبِها الأخضر”

 

أكما الحفاةِ القادمينَ منَ الرُّؤى

في سُمرةِ الحزنِ الشهيِّ أُبدَّدُ

فخطايَ حُلمٌ والمسافةُ سلَّمٌ

والنهرُ في لغةِ العطاشى مُوصَدُ

قلبيْ على بابِ الحريرِ مُؤجَّلٌ

وصلاتُهُ العذراءُ لا تتجسَّدُ

فأنا انتماءٌ هاطلٌ من غربةٍ

أبديّةٍ والعشقُ فيَّ مؤبَّدُ

من أين أدخلُ؟!! والغيابُ حقيقةٌ

وسؤالُ أشرعةِ الوصولِ مقيَّدُ

لا سيفَ في لغتي يصولُ على دمي

لا جمرَ في صبواتهِ أتوقَّدُ

غيمُ الحكايةِ هل يبلّلُ وحدتي

إذ كلّما يدنو سحابُكَ أبْعُدُ

لكنَّني ما زلتُ أرسمُ حنطتي

فأراكَ من معنى المواسمِ تُولَدُ

وأراكَ في شهدِ المرايا لم يزلْ

بحناجرِ الأنهارِ صوتُكَ يُجلَدُ

برياءِ سهمٍ في كنانةِ نبتةٍ

لم يرتوِ ففحيحُهُ لا يبردُ

وأنا أطوفُ فلا جهاتِ لقِبلتي

لا نجمةً في الأفقِ يرسمُها الغدُ

لي رحلةُ الوردِ الخجولِ، مطارَدٌ

بين السهولِ، وبالقطافِ مهدّدُ

تتوسَّعُ الصحراءُ ضدَّ إرادتي

فكأنني عن كربلاءَ مُشرَّدُ

والظلُّ تحتَ عَصايَ أَوْرَقَ مِحنةً

ليلَ انتظاراتٍ وما مُدّتْ يدُ

باقٍ هنا وحدي بريدُ قصائدي

أضحى ضريراً والعيونُ الهدهدُ

صَخَبُ الرياحِ مآذني، وملاذيَ الرَّملُ المخضّبُ، والوجودُ المَعبدُ

مِيقاتُ ذاكرتي أتاكَ مؤجَّلاً

خِضْراً ، وما عندَ السواحلِ موعدُ

خذْنِي فقد تَعِبَ المجازُ من الهوى

فأنا بتيهِ اللاقوافلِ أُوجَدُ

إذ أنتَ نهرُ المتعبينَ وفيؤُهُمْ

صافَحْتَ رقّةَ حزنِهِمْ فتوحَّدُوا

فرسائلُ الأمواجِ تلثمُ صبرَهُمْ

وهمُ العطاشى والولاءُ المورِدُ

وأنا هنا عينايَ تبتَكِرُ اللُّقَا

وخيولُ قلبيْ نحو أرضِكَ تَصْعَدُ

نحو الحسينِ أَمِدُّ جُنحيَ خافقاً

وحَمامُ روحيْ في ثَراهُ مُوسَّدُ

هَبْني أراكَ على شموعِ تَبتُّلِي

نوراً على أسرارِهِ أتجدَّدُ

هَبْني أَطِلُّ على طفوفِكَ لحظةً

لا وقتَ يُجْرِيها ولا تَتحَدَّدُ

سفريْ إليكَ حقيقةُ الوعيِ القديمِ ، يسيرُ بي نحوي وأنتَ المقصَدُ

هاجرتُ أختطفُ الضفافَ أسيرةً

وقوافلُ التأويلِ معنىً أوْحدُ

ظَمِأَ البكاءُ مُطَارَدَاً بين القلوبِ   كدمعةٍ أسرارُها لا تَنفَدُ

وحديْ ونبضِي والمكانَ وكربلا

أنسلُّ من بُدَعيْ فلا أتعدَّدُ