المركز الرابع: الدكتور أحمد جاسم الخيّال (ما لم يُروَ من اعتذاريّةِ نهر العلقمي)

المركز الرابع:

ما لم يُروَ من اعتذاريّةِ (نهر العلقمي)

الدكتور أحمد جاسم الخيال (العراق)


مَن ذا شفيعي

فالمياهُ تكربلتْ

وأنا وحيدٌ في الصحارى أَندبُ

لا حقلَ

يرغبُ أن أزورَ ورودَهُ

لا وحشَ

ظامٍ من ضفافيَ يقربُ

وحدي أمرُّ

ورملُ ذاكرتي دمٌ

جفَّ النهارُ ودمعتي تتخشّبُ

مذ جاءني العبّاسُ حاملَ قِربةً

للآنَ

في قِربِ الغوايةِ أُسكبُ

أَ عصَيتُ ربَّ الماءِ تلك خطيئتي؟!

فأنا بعرفِ الماءِ

نهرٌ مُذنِبُ

فعيونُ مائي

كالظلامِ ضريرةٌ

لا الموجُ يغشاها ولا تُستعذَبُ

عطِشٌ أنا مُذ كربلاء

حكايةٌ بفمٍ عليلٍ

صوتُهُ يتغرَّبُ

أنا شمرُ نهرٍ

والمياهُ قبائلٌ

ومياهُ نهري لابنِ حربٍ تُنسبُ

مذ كربلا

وأنا جراحُ مغامرٍ

للآنَ

 يسكنني السرابُ الأكذبُ

لم أدرِ يا عباسُ أنّك قاتلي

حتى رأيتُ شيوخَ موجيَ تُصلبُ

لا ظلَّ لي

 شجري تسلَّقَ غربتي

وبلابلي رحلتْ

فمَن ذا يطرَبُ؟!

قد كنتُ قبلَ الطفِّ

نهراً ناعساً

وبوصفي الشعراءُ عِشقاً تطنبُ

فبخلتُ أن أروي الظماءَ بشربةٍ

فظمأْتُ

حتّى لم يَعُدْ ليَ مَشْربُ

عباسُ يا نهرَ الوجودِ

 فمن أنا؟!

ما عادَ يرجفُ في خضَمِّيَ كوكبُ

فتأرجحتْ

في اللامكانِ ملامِحِي مصفرَّةً

من عزمِ قلبِكَ تَعجَبُ

قمراً وقفتَ على الضفافِ

مُحارباً جيشاً

ووحدُكَ في الكتائبِ تضربُ

فرأيتُ أبطالَ الحروبِ

كأنّها قطعانَ خوفٍ

من زئيركَ تَهرَبُ

ورأيتُ مائي

كيف لاذَ بنهرِه

من حدِّ سيفكَ خائفاً يترقَّبُ

لمّا دنوتَ

شممتُ عِطركَ سيّدي

وحسبْتُ

أنّي بعد لثمِكَ أَعشبُ

لكنْ رميتَ الماءَ ترجزُ ظامئاً

هيهاتَ

قبلَكَ يا حسينُ سأشربُ

فمُعلَّقاً أضحى الوجودُ بكفِّهِ

فشعرتُ

أنِّي من وجوديَ أُسلَبُ

حاولتُ أن أستافَ من قسماتهِ

أنْ أرتوي منهُ

لعليَّ أخصبُ

حاولتُ يا قمرَ الرجاءِ

وإنّني للآنَ أُنفَى

في القفارِ أُعذَّبُ

ما بينَ عينيكَ السنابلُ أورقتْ

أشتاقُها

فالخيرُ منها يُنجَبُ

أشتاقُ بحراً

من وفاءٍ مُعجَزٍ

أو آيةً

من جودِ صبرِكَ تُسكَبُ

غرقِي بمائِي ليس شيئاً مُبهماً

فالليلُ ينبحُ

والإمارةُ حَوأَبُ

والنّاسُ لا كالنّاسِ

تجمعُ ضغْنَها

تَنسَلُّ من أعرافِها وتُكذِّبُ

حاطُوا لواءَكَ

 باغترابِ وجودِهم

وتزيَّنُوا أحقادَهم وتخضَّبُوا

وأنا هديرٌ عاجزٌ

لغتي صدىً

أرتجُّ

في معنى الخداعِ فأَنضَبُ

ماذا سيكتبُ حبرُ مائي حينَها؟!

وأنا

من السِفرِ المعظَّمِ أُشطَبُ

كفَّاكَ مذ قُطِعا

توارتْ دمعتي

خلفَ الضفافِ

وكذّبتْ ما أكتُبُ

أنا

نهرُ حزنٍ غارقٌ بمياههِ

أشجارُ أحلامي بصبرِكَ تُحطَبُ

يا كافلَ الأيَّامِ رغمَ جفائِها

كفّاكَ

في شَتلِ المحبَّةِ مَذهبُ

فبحقِّ

من هزَّتْ عروشَ أُميَّةٍ

تلكَ الأبيَّةُ في شموخٍ

زينبُ

يا سيَّدي العبّاسُ

جئتُكَ ظامئًا

ليَعودَ لِلضَفَتينِ ماءٌ أَعذبُ

يا سيّدَ الأنهارِ فامنحْ

غُربتي وطنًا

ودعْنِي في بهائِكَ أُنشَبُ

فخفضتُ أجنحتي أَطوفُكَ كعبةً

لا أستريحُ

وهامُ حزنيَ مُترَبُ

مائي صموتٌ

في رحابِكَ ظامئٌ

لا شيءَ إلّا العفوَ

جئتُكَ أَطلبُ