المركز الثاني: حبيب المعاتيق (أسئلةٌ على ضفاف النهر)

المركز الثاني:

أسئلةٌ على ضفاف النهر

حبيب المعاتيق (المملكة العربية السعودية)


وجهًا لوجهِكَ لا أسوار تفصلني

يمتدُّ ضوؤُك ملءَ العين والأذنِ

وجهٌ تعرَّق بي،

لِمْ جئتَ متحدا بالنهر يا أنت

هذا النهر بلّلني

ضيّعتُ قلبيَ، سمْتي في الهوى، ثقتي

إن كان لابد كي ألقاك من ثمنِ

يا مدّ هيبتك الغلابَ يصنع بي

أشدَّ ما يصنعُ الإعصارُ بالسفنِ

عن موعدٍ بيننا رتَّبتُ أسئلتي

وحيث وجهُك من فوضاي رتّبني

بعضَ الشجاعةِ يا قلبي أكن لَبِقاً

لو كان يَحسنُ في هذا الهوى جُبُني

بعضَ الشجاعةِ يا كفيَّ؛  تملؤني

والجوّ يعصف حولي رعشةُ الغصُنِ

سأدخلُ الآن فافتح نصف نافذة

حتى أراك لأنّ الضوء يغمرني

💢💢💢

-في البدءِ من أنت؟

عرِّف باليسير؟

-أنا ! ..

ما أسهل السُؤل لو تدري وأصعبني!

لستُ السحابةَ لكني الهطول

وما بين انبساطةِ كفي

شيمةُ المزُنِ

-بدأتَ بالماء، هل للماءِ من صلةٍ؟

-لا بد أن تسأل الظمأى لتعرفني

بيني وبين الظما والماء أسئلةٌ

أشدُّ خوفيَ أن تقسو وتسألني

-والنهرُ؟

-كان خليلي في طفولتنا

يتيه بالطول لكن كان يقصُرُني

يسقي من النبع أفواه الرُبى

وأنا أسقي من الغيب

حيث الماء بي (لَدُنِي)

كنا امتهنا شجون الماء من زمنٍ

الله أعلم ما في الماء من شجنِ

-وهل صفا لك يوما عند حاجتهِ

-بلى صفا

والظما كالنار في بدني

-طوبى لروحك؛

 بُلَّت نارُ غلَّتها من بارد الماء،

-ما كانت ولم تكنِ

ثم انصرفنا بعيداً بُعد وحدتنا

يعدو بنا الموت مجنونا بلا رسنِ

عدا السقوط كثيرا قلتُ يُشبهني

في الأرض جلُّ صفات الهاطل الهَتِن

وقد سقطتُ – ولكن مرة – خجِلا

ما بين غمضةِ جفن الموتِ والوسنِ

-وهل غفا لك جفنٌ في الفلاة؟

-بلى

جفنٌ وحيدٌ على صلصالها الخشنِ

غفوت والنهر عريانين أسترُهُ

عن الوحوش

ولكن ليس يسترُني

💢💢💢💢

-عذرا لقلبك لو أشجتك قصتنا

ذهبتَ للحزنِ حيث الحزن لم يحنِ

لدي خِرج أحاديثٍ وأسئلة،

سنرجعُ الآن بعض الشيء في الزمنِ

 

من أين أنت؟

-أنا من قلب عاصفةٍ في الطفِّ،

دعنا من الأقطار والمدنِ

من بعض أسمائيَ الأدعى بها قمرٌ

إلى السماء إذا ما شئت تنسبني

ولي على الأرض بيتٌ شاخصٌ أبدا

على محاجر عشاقِ الحسينِ بُني

-تعني الحسين؟

تحدَّثْ عن علاقتِهِ؟

مَن الحسينُ؟ وأوجزْ وصفَهُ،

-وطني

سكنتُ عينيه من منفايَ ذاتَ هوى

ولم أزل كالندى في جنتَيْ عدَنِ

قلعتُ باب الهوى في حبه ولعًا

-من كان دلّك؟

-داحي الباب علّمني

مذ كنت رمحاً صغيراً بين قبضتهِ

يخوض بي لجةَ الأهوال والمحنِ

مذ كنت سهما صقيلاً في كِنانتِه

وأنت أدرى بما يَبري أبو حسنِ

وكان لي في قديم العمر والدةٌ

باسم الحسين تُحلِّي في الصبا لبني

-إذن تشكّلتَ مثل الطينِ منعقدٍ

-بلى بحبِّ أبي الأحرار منعجنِ

وصرتُ طوع بنان الحب

 أحمله ما بين صعدةِ أنفاسي

ويحملني

-وعن حياتك؟

-كانت رهن رَمشتِه

-وعن شبابك

-في هذا الغرامِ فُني

أسير بالريح أنى سار موكبه

وأحملُ الغيم حدَّاءً على الظُعُن

-وهل حكى لك من أسراره خبرا

-أن لا أصافح في الدنيا يَدَ

الوثنِ

وأن أموت ولا أعطي العدا بيدي

أولى لها البتُّ

أن تعطى لكفِّ دَني

وقد عقدتُ يدي نذرا لرايَتِه

وما ظننتُ بها يوما ستخذلني

مضيتُ أجني بها الأهوال أحصدُها

وحان حَينيَ

والجاني الأمين جُني

-ماذا صنعتَ إذن والرايةُ انكسرت

وذاب صوتكَ مما فيه من وهنِ

-ركزتُ زنديَ عند النهر يُخبرهُ

أنَّا سقطنا

ولم نخضع ولم نَهُنِ