بِصَفْحَةِ الخَدِّ حُزْناً يُوْرِقُ البَلَلُ
فَالدَّمْعُ نَايٌ وَأَهْدَابُ الزَّمَانِ فَمٌ
تَوَضَّأَ الجُرْحُ مِنْ بَاقَاتِ نَرْجِسِهِ
وَكَرْبَلاءُ صَهِيلُ النَّزفِ يُثْخِنُهَا
يَجِيشُ بِالخَطْوِ حُزْنٌ سَاخِنٌ أَبَداً
رغماً عَن المَوْتِ يَنْسَلُّ البَقاءُ مَدىً
تَظَلُّ يَا عُنْفُوَانَ اللهِ فِي ظَمَأٍ
أَنْهَارُ ضَوْئِكَ تَجْرِي فِي عَوَالِمِنَا
يَا بِسْمِ رَأْسِكَ فَوْقَ الرُّمْحِ مُرْتَفِعاً
حَدَّ الثّمَالَةِ يَوْمُ الطَّفِّ أَتْرَعَنَا
مُدَجَّجِينَ بِأَقْمَارٍ نَوَاظِرُهَا
هُنَا الثُّرَيَّا لَهَا فِي كَرْبَلا زُحَلٌ
ضُلُوعُكَ الْـوُسِّدَتْ يَنْدَى الغَمَامُ لَهَا
وَفِي الحَشَاشَةِ يَعْلُو السَّهْمُ مِئْذَنَةً
عَيْنَاكَ سَوْسَنَتَا حُلْمٍ يُدَاعِبُهُ
تَهْفُو إِلَيْكَ شِفَاهُ الغَيْمِ حَامِلَةً
ويُرْسِلُ الفَجْرُ مِنْ أنْوَارِهِ كَفَناً
أنَّى تُكَفَّنُ شَمْسٌ سِرُّ جَذْوَتِهَا
تَفْنَى الرِّمَاحُ إذَا أَدْمَتْ غطَارِفةً
إِنْ يَنْقُض العَهْدَ أَهلُ الغَدرِ ذاتَ شَجىً
كَمْ ذَا دَقَقْتَ نَوَاقيسَ الشُّمُوخِ أَباً
أَصَابِعُ القَلْبِ خَطَّتْ فِيَّ زَغْرَدَةً
صَلاةُ زَينَبَ مِرْآةٌ لِدَمْعَتِها
عَبَّاسُ هَبَّ نَسِيماً في تَشَهُّدِهَا
تَطْفُو سُكَيْنَةُ في التَّسْبيحِ واهِنَةً
يُحَلِّقُ الدَّمْعُ عُصْفُوراً بِوَجْنَتِهَا
وأيُّ دَمْعٍ عَلَى الرَّمْضَاءِ تَسْفَحُهُ
لا تُخْطِئُ العَيْنُ يَا مَولايَ خَارِطَةً
كَأَنَّهَا مَكَّةُ المَوْجُوعُ خَاطِرُهَا
مِنْ طُورِ سَيْنَائِهَا الأشْجَارُ قَدْ خَرَجَتْ
يَطُوفُ رَيْحَانُهَا فِي الأُذْنِ قَافِيَةً
وفِي الطَّرِيقِ إِلَيْهَا يَنْثَنِي بَرَدَى
هُنَا خِيَامُ بَنَاتِ الوَحْيِ مَاثِلَةٌ
تَشَكَّلَ الطِّينُ دَمْعاً حِينَ خُيِّلَ لِي
نَحْرُ الرَّضيعِ بَدَا صَدْراً تُرَضِّضُهُ
هُنَا تمَاهَت جِرَاحَاتٌ فَكَانَ بِهَا
بِكُلِّ رَجْفَةِ قَلْبٍ غُرْبَةٌ وَأَسىً
تَبْيَضُّ عَيْنَايَ حُزْناً، سُحْنَتِي وَجَعٌ
مَحَارَتِي الحُزْنُ وَالسَّجَادُ لُؤْلُؤُهُا
يُسَاوِرُ الطِّيبُ قَلْباً كَانَ سَيِّدُهُ
بِهِ ضَمِيرُ الأقَالِيمِ التي عَرَفَتْ
ضَمَّدْتَ فِيَّ جُرُوحَ الكِبْرِيَاءِ لِذَا
خُطَايَ حبْلَى بِمَجْدٍ أنتَ زارِعُهُ
تَلاطَمَ الحَرْفُ في بَحْرَيْكَ وَانْطَلَقَتْ
يَا لا نِهَايَةَ حُبِّي طِبْتَ فَيْءَ هُدىً
بِكَ الجَمَالُ فَيُحْكََى أَنَّ كُوَّتَهُ
أَنَا بِلادٌ سَقَاهَا الحُبُّ أَخْيِلَةً
بِحُلْكَةِ الليلِ طَوْرُ البَوْحِ يُؤنِسُني
تُنَهْنِهُ الدَّمْعَ في عَيْنٍ يُؤَرْجِحُهَا
كُلُّ الجِهَاتِ سَرَابٌ في مَحَاجِرِنَا
كَذَاكَ أنتَ بِأَشْهَى العِزِّ مُقْتَرِنٌ
كَأنَّنَا الرَّمْلُ وَالذِّكْرَى سَوَاحِلُنَا
|
يُضِيفُ صُبْحاً جَدِيداً نَبْضُهُ الأَمَلُ
وَدَافِقُ الحُبِّ مِنْ مَعْنَاكَ يَشْتَعِلُ
وَكَانَ لِلْعِطْرِ مِنْ قُبْلاتِهِ رُسُلُ
فَالعَابِرُونَ مَسَافَاتِ الهَوَى وَصَلُوا
وَآيَةُ القَلْبِ جُرْحٌ لَيسَ يَنْدَمِلُ
عَلَيْهِ عُشَّاقُ أَهْلِ البَيْتِ قَدْ هَطَلُوا
لِرَافِدَيْ ضَوْئِكَ الأَحْدَاقُ وَالمُقَلُ
حُنُوَّ كَفٍّ عَلَى المَفْجُوعِ تَنْسَدِلُ
يَسْمُو إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ يَبْتَهِلُ
فُصُولَ مَاءٍ بِهِ الأَرْوَاحُ تَغْتَسِلُ
تُغْضِي إِذَا لاحَ فِي بُرْجِ الهَوَى زُحَلُ
مَدَارُهُ قِبَبٌ بِالنُّورِ تَكْتَحِلُ
ظَلَّتْ تُسَامِرُ طَيْفَ الصَّحْبِ مُذْ رَحَلُوا
والنَّاسُ فِي ثَوْبِ تَكْبِيرَاتِها رَفَلُوا
تَوَرُّدُ التُّرْبِ إذْ تُهْدَى لَهَ القُبَلُ
بُستَانَ مَاءٍ لِعَيْنِ الغُسْلِ يَمْتَثِلُ
بِهِ الجَلالُ عَلَى الأَعْضَاءِ يَشْتَمِلُ
مِنْ نُورِ أَعْظَمِ عَرْشٍ حَوْلَهُ شُعَلُ
تَنُوحُ دَهْراً عَلَيْهَا البِيضُ والأَسَلُ
فَفِي وَفائِكَ دَوْماً يُضْرَبُ المَثَلُ
عَلَيْهِ كُلُّ إِبَاءٍ بَاتَ يَتَّكِلُ
تَنُوسُ غُصْناً بِجُنْحِ الليْلِ يَنْتَفِلُ
لِكُلِّ مَرفَأِ وَجْدٍ مِنْكَ يَنْهَمِلُ
فَزَمَّلَ الكَوْنَ نَحْراً دَمُّهُ ظُلَلُ
تَقُدُّ بَسْمَتَها الأوْجَاعُ وَالوَجَلُ
سَكرَى وَمَحْجَرُهَا مِنْ شَجْوِهَا ثَمِلُ
عَيْنُ الفُراتِ وَيَحْدُو جَرْيَهُ الخَجَلُ
عَلَى تُخُومِ هَوَاهَا يَنْبُتُ الغَزَلُ
بِهَا الحَجِيجُ غَدَاةَ الجُرْحِ قَدْ نَزَلُوا
ودُكَّ مِنْ غُصَّةٍ فِي حَلْقِهَا جَبَلُ
تَزْهُو عَلَى جِسْمِهَا الأبْرَادُ وَالحُلَلُ
والنِّيلُ يَكْسُوهُ خَطْبٌ فَارِعٌ جَلَلُ
لَهَا بِكُلِّ فُؤَادٍ خَاشِعٍ طَلَلُ
أنَّ السِّهَامَ بِنَحْرٍ لَيْسَ يَحْتَمِلُ
حَوَافِرُ الخَيْلِ حَتَّى يَهْجَع البَطَلُ
صَدَى المَشَاهِدِ قَبْلَ الصَّوْتِ يَنْتَقِلُ
مِثْلَ البَراكينِ وَسْطَ الصَّدْرِ تَعْتَمِلُ
أنَا الكَظِيمُ بِبَحْرِي فُلْكُ مَنْ ثُكِلُوا
وَمنْ مَسَارِبِ دَمْعِي يُطْرَدُ الكَلَلُ
حُبُّ الحُسَيْنِ الذي مَا انفَكَّ يَحْتَفِلُ
أنَّ المَلايِينَ مِنْ خَيْرَاتِهِ نََهَلُوا
مِنْ كُلِّ صَرْخَةِ عِزٍّ يُوْلَدُ العَمْلُ
والانْتِصَارُ رَبيعُ الخَلْقِ مَا بَذَلُوا
حَمَائِمُ الشِّعْرِ وَجْهاً طَرْفُهُ جَذِلُ
فَمَا مقَامُكَ إلا حَيْثُ يَكتَمِلُ
فَتَحْتَهَا وَارْتَوَتْ مِنْ حَوْضِها المُثُلُ
وَكُلُّ دَفْقَةِ شَوْقٍ مِنْ دَمِي دُوَلُ
وَليسَ لِي عَنْكَ إنْ فَرَّ الكَرَى بَدَلُ
نَصْلُ السُّهَادِ إذا ضَاقَتْ بِهَا الحِيَلُ
وَمُذْ قَصَدْنَاكَ مَا تَاهَتْ بِنَا السُّبُلُ
وَفِي مَرَاتِعِهِ أيَّامُنَا الأُوَلُ
وَالبَحْرُ أنْتَ بِكَ الآفَاقُ تَتَّصِلُ
|