لَكَ… مُنَاضِلاً كَوْنِيًّا

(1)
قَلَقٌ، وَصَمْتٌ مُطْبِقٌ، وقُبُورُ؟
مُتَصالِحُونَ مَعَ الدُّمُوعِ وَرَجْفِها
أمْ يَنْزِعُونَ مِنَ الظَّهِيرَةِ حَرَّها،

يَتَبادَلُونَ المَوتَ، يَبْتَكِرُونَه،
حَمَلُوا مَصائِرَهُمْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ
فَتَناسَلَتْ أَصْدَاءُ حُرِّيَّاتِهِمْ
مُتَشَبِّثُونَ بِوَعْيِهِمْ، لَمْ يَقْبَلُوا
فِكْرٌ، يَغُوصُ بِهِ عَمِيقاً كُلُّ مَنْ
هُمْ أَبْدَعُوا صُوَرَ الوَفاءِ، وَكَوَّنُوا
نَذَرُوا النُّفُوسَ إِلَى الحَبِيبِ مُطِيعةً،
فَإِذَا اسْتَدَارَ الْاِنْحِرافُ كَصَخْرةٍ
وَعَلَى اليَبَاسِ انْسَابَ نَهْرُ إِبَائِهِمْ،
فِي كُلِّ سَطْرٍ لِلْحَنِينِ مَوَاكِبٌ
هُمْ هكَذَا الشُّهَدَاءُ حِينَ يَشِفُّهُمْ

(2)
يا سَيِّدِي عَنْ أَيِّ جُرْحٍ مُشْرَعٍ
هَلْ ثَمَّ مُتَّسَعٌ لِضَحْكَةِ (طِفْلَةٍ)
وَعَلَى الثَّرَى تَرَكَتْ جَبِيناً ناعِماً
جَسَدُ البِلادِ مُضَرَّجٌ بِدِمَائِهَا
وَالأُمَّهَاتُ مَدَامِعٌ مَرَّتْ هُنَا
وَاجُرْحَنا! فَدَمُ الضَّحَايا لَمْ يَزَلْ
فَلَذَاتُ أَكْبَادٍ تَعَاظَمَ نَزْفُها؛
لا شَيْءَ يَبْدُو فِي الفَرَاغِ سِوَى (يَدٍ)
نَذَرَتْهُ لِلْأَحْبابِ، وَالْتَمَسَتْ لَهُمْ

(3)
بِي مِنْ تُرابِ الأَرْضِ أَشْجَانٌ وَبِيْ
يَنْتَابُنِي رَوْعُ المَسافاتِ اْلَّتِي
وَيَكَادُ نِصْفِي أَنْ يُفَارِقَ نِصْفَهُ،
أَنَا قَدْ حَفَرْتُ عَلَى زَوَايَا غُرْبَتِيْ
وَأَتَيْتُ أَمْشِي مِنْ بَعِيدٍ حَامِلاً
لَيْتَ الغَرِيبَ وَقَدْ مَضَى عَن دَارِهِ
لَيتَ السَّمَاءَ تَنَامُ فِي عَيْنِي! فَذَا
رَأْسِي الَّذِي اشْتَعَلَ المَشِيْبُ بِهِ بَدَا
لِي أَنْ أفَتِّشَ فِي ثَنَايا الأَرْضِ عَنْ
لِي أَنْ أَمُدَّ إِلَى الغَرِيقِ قَصِيدَةً
بِحَقَائِبِي حُزْنِيْ الشَّهِيُّ وَقِصَّةٌ
وَلِزَعْفَرَانِ الذِّكْرَيَاتِ حَدَائِقٌ
مَأْهُولَةٌ هذِي الحَيَاةُ بِمَنْ مَضَوا
تَرْوِي لَنَا الأَيَّامُ أَلْفَ قِيامَةٍ
مَا لا يَعُودُ، يَعُودُ حِينَ تَقُولُ لِلـ

أَنَا يَا أَبَا الأَحْرَارِ جِئْتُكَ ظَامِئاً
بِرَشَاقَةِ الشُّهَدَاءِ تَهْطِلُ أَدْمُعِي
فِي البَذْلِ، فِي الإِخْلاصِ، فِي المُدُنِ التي
أَحْتاجُ مِنْكَ لِخَيْمَةٍ آوِي لَها
أَحْتَاجُ مِنكَ لِبَسْمَتَينِ وَمَرْفَأٍ
وَأَقَلُّ مِنْ جُرْحٍ بِصَدْرِ حَمَامَةٍ
أَدْرَكْتُ حُزْنَ العُشِّ حِينَ تُوَدِّعُ الْـ
مَنْ ذا يَشُدُّ عَلَى الجِراحِ ضِمادَةً
ويُصَبِّرُ الآبَاءَ لَوْ يَوماً هَوَتْ
جَسَدِي مَوَاوِيلُ الوَدَاعِ وَسَحْنَتِي
وَأَنَا انْهِمَارُ الذِّكْرَيَاتِ بِمَسْرَحٍ
أَوْمَأْتُ نَحْوَ ضِفَافِ نَهْرٍ مُتْعَبٍ
وَشَعَرْتُ أَنِّي زَوْرَقٌ مُتَحَطِّمٌ
دَمْعُ العُيُونِ عَلَيَّ يُلْقِي نَظْرَةً،
حَدَثٌ يُلِحُّ عَلَيَّ، حِينَ تَقَوَّسَتْ
يَتَوَقَّفُ اسْتِرسَالُ صَوْتِي، أَنْحَنِي،
سُبْحانَ مَنْ أَسْرَى بِدَمْعِي حَيْثُ لِلْـ

أَشْعِلْ سِراجَكَ؛ تَنْطَفِئْ آلامُنا
هَيَّأْتَ لِلْمَعْنَى خُلُوداً آخَراً،
أنَا شَاعِرٌ لَكَ عائِدٌ مِنْ مَوْتِهِ،
مِنْ فَرْطِ مَا أَلْهَمْتَنِي أَوْقَظْتَ فِــ
حَتَّى شَعَرْتُ بِأَنَّ أَجْرَاسَ الشُّعُو
ما زِلْتُ أَسْمَعُ صَوتَ أَجْمَلِ طِفْلَةٍ
وَيَقُولُ: يَا أَبَتِي (رُقَيَّتُكَ) الَّتِي
ما زِلْتُ أَقْرَأُ فِي مَلامِحِ (زَيْنَبٍ)
فِي كُلِّ لَيلٍ بِالوَدَاعِ مُبَلَّلٍ،
هِيَ عَالَمُ (العَبَّاسِ) فِي إِيثَارِهِ
هِي مَدُّ ثَوْرَتِكْ الَّتِي مَا بَارَحَتْ

(4)
يَا أَيُّهَا الوَطَنُ الحُسَينُ! مَعِي هُنَا
وَتُشَكِّلُ النَّاياتِ مِنْ قَصَبِ الرُّؤَى،
وَتُدِيرُ أَشْرِعَةَ الحَيَاةِ مُنَاضِلاً
أَنْتَ (المُدَجَّجُ بِالسَّلامِ) لِكُلِّ قُطْـ
يَا حَامِلاً إِنْضَاجَ رُؤْيَتِهِ إِلَى
ذِكْرَاكَ تَنْحَتُ -فِي اللُّغاتِ جَمِيعَها-
مَا لِلْعُيُونِ سِوَاكَ طَيْفاً آسِراً
مَنْفَى الحَياةُ، وَأَنْتَ وَحْدَكَ مَوْطِنٌ
يَا أيُّها الكَوْنِيُّ فِي أبْعادِهِ!

صَافَحْتُ مَاءَكَ، والعُرُوقُ تَلَهُّفٌ،
وعَلَى شِفَاهِ الغَيْمِ حُبُّكَ آيَةٌ
وهُناكَ حَيْثُ الرُّوحُ تَفْتَرِشُ المُنَى
أَقْصَى امْتِدَادِكَ لا حُدُودَ تَحُدُّهُ

يَا وَاحِدَ التَّارِيخِ! دَرْبُكَ وَاحِدٌ،
فَانْفُخْ (بِصَلْصَالِ الضَّمَائِرِ) مُلْهِماً؛
(دَاوُودُ) أَنْتَ، وذِي جِبَالٌ أَوَّبَتْ
وَلَكَ الطَّبِيعَةُ سُخِّرَتْ بِسَخائِها
أَمَّا القُلُوبُ فأنتَ (يُوسُفُها) الذي

إنَّا (حَوَارِيُّوكَ)، لَمْ نَحْتَجْ (لِمَا
إنَّا (حَوَارِيُّوكَ)، أَنْصارٌ إِذا
نَرْجُوكَ، عَلِّمْنا المَزِيدَ مِنْ العَطا
تَقْسُو الحَياةُ عَلَى بَنِيها تَارَةً،

عَيْنَاكَ فَلْسَفَتَانِ مِنْ عِشْقٍ، وَمِنْ
مِن أَجْلِ مُجْتَمَعِ السَّلامِ تَمُوتُ، بَلْ
فَمِنَ الحُقُوقِ زَرَعْتَ دَرْبَكَ سُنْبُلاً
بَعْضُ الشُّخُوصِ جَدِيرَةٌ بِخُلُودِها
حَرَّرْتَ أَنْتَ هَواءَنَا وَمِياهَنَا،
سُرْعَانَ مَا تَمْضِي فُصُولُ حَيَاتِنَا،
لَمْ تقترِبْ هذِي الحِكَايَةُ مِنْ نِها
بَينَ التَّمَنِّي وَالتَّمَنِّي بَذْرَةٌ،

أَمْ هَدْءَةٌ، وَسَكِينَةٌ، وَسُرُورُ؟
فِي الحَلْقِ، يَلْفَحُهُمْ هُناكَ زَفِيرُ؟
وَعَلَى ابْتِسامَتِهِمْ يَسِيلُ النُّورُ؟

وَلَهُمْ -وَإِنْ عَصَفَ الغِيابُ- حُضُورُ
لِيُعِيدَ تَضْمِيدَ المَصِيرِ مَصِيرُ
فِي كُلِّ صَوْتٍ حُلْمُهُ التَّحْرِيرُ
إلا بِما يَخْتَارُهُ (التَّفْكِيرُ)
لَمْ تُغْنِهِ مِمَّا يَراهُ قُشُورُ
ما لَمْ يُحِطْ بِحُدُودِهِ التَّصْوِيرُ
لِلْحُبِّ – يا اللهُ – ثَمَّ نُذُورُ
كَانُوا كَمَوْجِ البَحْرِ حِينَ يَثُورُ
وَوَرَاءَ إِبْدَاعِ الإِبَاءِ سُطُورُ
وَقَصَائِدٌ مَعَ مَنْ يَزُورُ تَزُورُ
مَاءٌ، وَفَجْرٌ مُشْرِقٌ، وَضَمِيرُ

أَحْكِي، وَجُرْحُ اليَاسَمِينِ غَزِيرُ؟
صَعَدْتْ إِلَيْكَ كَأَنَّها عُصْفُورُ؟…
غَضًّا بَكَاهُ (رَضِيعُكَ) المَغْدُورُ
وَالعُمْرُ -يَا عُمْرَ الزُّهُورِ- قَصِيرُ
وَأَزاهِرٌ مِنْها يَفُوحُ عَبِيرُ
يَغْلِي، وَأَحْزَانُ السَّمَاءِ تَمُورُ
فَأَعَادَ رَسْمَ الأُغْنِياتِ هَدِيرُ
تَرْبِيتُهَا وَحَنَانُهَا مَنْذُورُ
عُذْراً إِذا مِنْهُمْ بَدَا التَّقْصِيرُ

مِنْ كَرْبَلاءَ (فُرَاتُها) المَأْسُورُ
مِنْ قَبْلِ غايَتِها يَلُوحُ السُّورُ
عَظْمِي مَهِيضٌ، والجَنَاحُ كَسِيرُ
حُلُمِي، فَبَعْضُ الْاِغْتِرَابِ صُخُورُ
أَعْوَامَ عُمْرِي، وَالحَيَاةُ مَسِيْرُ
يَأْتِي! فَتُفْتَحُ كَالْقُلُوبِ الدُّورُ
بَصَرِي بِلا حُلُمِ السَّمَاءِ حَسِيرُ
عَصْراً تَنَامُ عَلَى يَدَيْهِ عُصُورُ
حُزْنِ الرِّمالِ، فَلِلرِّمالِ شُعُورُ
بِاسْمِ (الحُسَيْنِ) خِتَامُهَا مَمْهُورُ
تُحْيِيْ الشُّعُوبَ فَمَاؤُها (الإِكْسِيرُ)
فِي الرُّوحِ يَحْرُسُهَا الغَدُ المَنْظُورُ
مَاذَا أُسَمِّي الْمَوتَ يَا (دُسْتُورُ)؟
فَإِلَى الضَّحَايَا عَوْدَةٌ و(نُشُورُ)
تَّارِيخِ: صِرْ مُسْتَقْبَلاً! فَيَصِيرُ

وَ(النَّارُ) فِي لُغَةِ اللِّقَاءِ (نَمِيرُ)
(آياً) وَحُبُّكَ وَحْدَهُ التَّفْسِيرُ
آنَسْتَ وَحْشَتَهَا، فَأَنْتَ أَمِيرُ
إِنْ مَسَّنِي الإِبْعَادُ وَالتَّهْجِيرُ
أَنَا مِنْ بَقَايَا (الراحلينَ) جُذُورُ
بَيْضَاءَ، يَنْزِفُ جُرْحُها، وَيَغُورُ
أُمُّ الصِّغَارَ، وَقَلْبُها مَفْطُورُ
تَمْتَصُّ نَزْفَ الدَّمِّ حِينَ يَفُورُ؟
-غَدْراً- على وَجَعِ التُّرابِ بُدُورُ؟
لَحْنٌ حَزِينٌ وَالدُّمُوعُ (أَثِيرُ)
حَيٍّ بِهِ انْتُهِكَتْ إِلَيكَ خُدُورُ
تَرْنُو إِلَيهِ مَحَاجِرٌ وَثُغُورُ
وَمُسافِرٌ، قَدْ أَجَّلَتْهُ بُحُورُ
وَالدَّمْعُ بِالحُزْنِ الدَّفِينِ خَبِيرُ
في (كَربَلاءَ) مَعَ (الحُسَينِ) ظُهُورُ
أَبْكِي، وَيَغْلِي فِي دَمِيْ التَّنُّورُ
أَحزانِ فِي (أقصَى) السَّماءِ خَرِيرُ

يا مَنْبَعاً! لَمْ يَخْلُ مِنْهُ النُّورُ
أَثَّرْتَ فِيهِ، وَطَبْعُكَ التَّأْثِيرُ
وَإِلَى نَوَايَا الطَّيِّبِينَ (سَفِيرُ)
ـيَّ الصَّمْتَ، وَالصَّمْتُ الطَّوِيلُ مَرِيرُ
رِ تَرِنُّ إنْ وَارَى الشُّعُورَ شُعُورُ
فِي (الشَّامِ) يَحْكِي دَمْعُها المَنْثُورُ
رَحَلَتْ تُحِبُّكَ… وَالكَلامُ كَثِيرُ
صَبْراً سَخِيًّا، وَالمُصابُ كَبِيرُ
للهِ يَصْعَدُ سَعْيُها المَشْكُورُ
وَوَفَائِهِ، وَلَها يَقِلُّ نَظِيرُ
تَسْعَى لِعَدْلٍ، وَالزَّمانُ يَجُورُ

تَخْطُو؛ فَتُوْلَدُ مِنْ خُطَاكَ زُهُورُ
وَكَمَا الصَّبَاحِ عَلَى الوُجُودِ تَدُورُ
حُرّاً، لِنَهْضَتِهِ القُلُوبُ تُشِيرُ
ـرٍ خَانَهُ الإِرْهَابُ وَالتَّفْجِيرُ
لُغَةِ الحِوَارِ، خَصِيمُكَ التَّكْفِيرُ
أَحْلَى القَصَائِدِ، (فَاشْتِقَاقُكَ نُورُ)
مِنْ ظِلِّهِ يَتَشَكَّلُ (البَلُّورُ)
مُدَّتْ لَهُ -مِلْءَ الحَنِينِ- جُسُورُ
ما خانَنِي في حُبِّكَ التَّعْبِيرُ

فَعَلَى ضِفافِ العُمْرِ أَنْتَ غَدِيرُ
تُتْلَى، وَوَحْيُكَ كَالغُيُومِ مَطِيرُ
شَوْقاً لِقُبَّتِكَ الجِهَاتُ تَسِيرُ
فَالكَوْنُ دُونَكَ يَا حُسَيْنُ صَغِيرُ

مِنْ حَيْثُ تَبْدَأُ يَبْدَأُ التَّغْيِيرُ
لِتَحُومَ -فِي أُفُقِ الفِدَاءِ- طُيُورُ
إِيقَاعُها التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ
وعَلَيْكَ أُنْزِلَ في الطُّفُوفِ (زَبُورُ)
ما زالَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُ

ئِدَةٍ) لِنُؤْمِنَ، فَاليَقِينُ عُبُورُ
مَا عَزَّ عِنْدَ النَّائِباتِ نَصِيرُ
ءِ، فَفِي الحَياةِ مُشَرَّدٌ وَفَقِيرُ
لكِنَّكَ التَّفْرِيجُ، والتَّيْسِيرُ

فَنٍّ، لَهُ إِيحَاؤُهُ المَوْفُورُ
تَحْيَا، وَيَفْنَى الظُّلْمُ وَ(التَّطْهِيرُ)
وَإِلَى الحُقُوقِ عَطَاؤُكَ المَذْخُورُ
وَبِكَ الخُلُودُ أَيَا (حُسَينُ)! جَدِيرُ
فَخُطَاكَ يَسْكُنُ وَقْعَهَا التَّحْرِيرُ
لَكِنَّ فَصْلَكْ أَوَّلٌ، وَأَخِيرُ
يَتِها وَلَمْ يَنْفُذْ لَهَا الدَّيْجُورُ
وَإِلَى نِهايَاتِ الكَلامِ بُذُورُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *