أسئلةٌ في جيبِ الرمل

 

 

 

كُنَّا وكانَ الفجرُ خلف ظلالِي

  متزمَّلاً بشهيَّةِ الترحالِ

فجرٌ تراقِبهُ الحمائِمُ حيث لا
 
  فرقٌ لرأسِ النخلِ و الأنصالِ

فجرٌ يطفِّفهُ المساءُ ولم يَزَل

 

 

يربو ليقهرَ خِدعةَ المكيالِ

يتلمَّسُ الأيَّامَ، ينبِشُ جرحَها

 

  عمَّا تورَّطَ في يدِ الأنسالِ

وترَى غُبارَ الحُلمِ تكنسهُ الرؤى

  عن بعضِ أخيلةٍ و بعضِ جمالِ

وهُناكَ حيثُ العزُّ يجمَعُ شملَهُ

  ويمرُّ فوقَ العابرينَ خِلالِي

وقفَ الجوادُ بأضلعِي فتساءلت

  كُلُّ الحقيقةِ عنهُ فِي أوصالِي

ما اسمُ النصيبِ وهل لهُ ثانٍ يُقا

  سِمُ ما ارتمَى في القلبِ من أحمالِي؟

فأكادُ من فرْطِ التوجِّسِ ألتظي

  متكربلاً من شهقةِ الآجالِ

تمتدُّ بِي لغةٌ تُجعجعُ بِي هنا

  كَ على الصعيدِ بنبرتِي و خيالِي

يختلُّ سقفُ الكونِ مِن ميزانِها

  ويظلُّ متَّزِناً على مِثقالِي

وأعيذُ أيَّامِي بصحوِ غُدوِّها

  ممَّا تجذَّر فِي كرَى الآصالِ

 

حيثُ العراقُ تفرَّدَت بالسوسنا

  تِ المنهكاتِ الذابلاتِ قِبالِي

وتزيَّنت بالموتِ، إنَّ الموتَ خطُّ

  قلادةٍ في جيدِها المنثالِ

رسمَت بكفِّ المُبدعِينَ صمودَها

  وتمايزت مِن نصرِها المتتالِي

حيثُ الردَى قد شاقَهُ الطوفانُ يُغـ

  ـرقُ ما انبرى فِي سيلهِ المتعالِي

ما انجالَ فِي سُوحِ الكرامةِ موعدٌ

  إلاَّ تزيَّنَ بالدمِ السَلسالِ

وكأنَّمَّا أُطرُ المسافةِ لم تضِق

  حينَ استفاقَت غفوةُ الإقبالِ

وكأنَّما شطُّ الفراتِ مجَدِّفٌ

  نحوَ الحُسينِ بهيبةٍ و جلالِ

فأمِيطُ عن وجهِ القفارِ لِثامهُ

  ويضجُّ فِي جيبِ الرِمالِ سؤالي:

هل تستحِمُّ الشمسُ؟ هَل يتعطَّرُ الر

  ملُ المسافرُ فِي القميصِ البالِي؟

هل ينحنِي جذعُ السماءِ ليلقفَ الضـ

  ـوءَ الُمراقَ بصهوةِ الخَيَّالِ؟

مَاذا سيهرُبُ مِن دِنانِ العلقميِّ

  إذا انتشَى بالدمعِ ثغرُ خَيالِي؟

أنا كُنتُ حَولَ مساربِ الأحلامِ أحـ

  ـصي العِزَّ فوقَ مطامحِ الأجيالِ

ورأيتُهُ يهَبُ الرِمَالَ نوارِساً

  طارت تُعانِقُ بسمَة الشلاَّلِ

فرداً يقُصُّ على مسامعِ دهرِنا

  قصصَ الفِداءِ و نهضَةَ الإجلالِ

عارٍ مِنَ الأحلامِ وهوَ يخِيطُها

  للفجرِ مِن يدِ خِلَّةٍ و دَلالِ

مازالَ يعجُنُ فِي الترابِ إباءَهُ

  بالحُبِّ شكَّلَ عِزَّةَ الصلصالِ

لوسادةٍ فِي الرملِ هَرَّبَ جُرحَهُ

  متقلِّباً فِي سجدَةِ الأبطالِ

فتكادُ من غيظٍ تمِيزُ مواجِعاً

  كَم مِن حُسامٍ كافِرٍ و نِبالِ

اللهُ من حُرٍّ تناسلَ عزمهُ

  متمرِّداً فِي عُقدَةِ الأغلالِ

اللهُ من قلبٍ تثلَّثَ عَطفهُ

  فزهَا أريجُ الحبِّ بالأوصالِ

جرحٌ يُسافرُ في السماءِ نزِيفُهُ

  متسلَّقاً من سلَّمِ الآمالِ

مازال يفتحُ للسنينِ نوافذاً

  بالعطفِ تحرِجُ قسوةَ الأقفالِ

 

 

خارِطَةٌ أُخرى للوجع !

 

 

يـا سـؤالاً عـلـى شـفـاهِ الـمـرايـــــــا

وانـعـكـاسًـا عـلـى يـقيـنِ الضحايـــا

 

يـا شُـعـاعًـــا مِنَ الـغيـــوبِ تـدلَّــــى

كُـنـتَ حُـلْـمًـا عـلـى جِـراحِ الرزايــا

 

نــغــمٌ مـن فــمِ الــسَّــمـــاءِ تــنــزّى

فاصطفـتـْكَ الـسنـيـنُ حُـزنًـا ونايــا

 

كُـنـتَ فـردوسَـنـــا الذي ما سـكـنَّـاهُ

وخُــنَّــاهُ فـي جـحـيــمِ الـخطـايـــــا

 

وابـتـدعـنـاكَ فـكـرةَ الـوهمِ خُـسْـرًا

نحنُ والـوهـمُ والـسـرابُ حـكـايــا

 

واخـتـزلـنــاكَ في الخُـرافـةِ طقسًــا

واحـتـكـمْـنا إلى ظـنـونِ الخبـايــــا

 

واحـتـكـرنــاكَ في المنابِرِ طيـفًـــا

أثَّثَ الحقدَ في اختلافِ الـزوايـــــــا

 

فـئـويـّونَ في الـجـهـاتِ تفرَّعنــــا

انـقـسـمـنـا كما انقسامِ الـخـلايـــــا

 

قـد صلبـنـاكَ في الـدمـوعِ غريـبًـا

غُـربـةَ الـمــاءِ في رمالِ الشظايــا

 

أيّـهــا الواهِبُ القلوبَ اشتعالَ الـ

جمرِ هلاَّ أسرجتَ عـقْـلَ الحنايــا

 

غـلَّفتْـنـا الظلماءُ في الـجهـلِ عُمرًا

وأضعنا في الضوءِ حُلْمَ الـمرايـــا

 

ما اقـتـفـيـنــا جراحَكَ الحُمْرِ , إنّــا

قـد تـبِـعنـا الهـوى وسوءَ النوايــــا

 

إنَّــنــــا والــغـــيــــــابُ تـوأمُ فـقـدٍ

مُذْ فقدناكَ في السُّرى والـسـرايـــا

 

بـاعـدَتْـنــا أوهامُنــا عن جِراحاتِـكَ

ضـِعــنــا على دروبِ الـبـلايــــــــا

 

واسـتـبـدّت بـنـا ريــاحُ الـتـشـظّــي

وانـتـمـيـنـا إلى الـشـتـاتِ سـبـايــــا

 

غـفـلـةُ الـعـقـلِ سـوّرتـنـا ضـيـاعًـــا

مـنـذُ كُــنــّا على الـحـيـاةِ بـقــايــــــا

 

فـانـتـهـيـنــا إلى الـخـنـوعِ وكُـنّـــــا

ثورةَ البؤسِ وانــكــســارَ الـثـنـايــا

 

سـامـحِ الـحُـزَن سـيّدي , لَـوْ تــمــادَى

– في بُكاءِ الضميرِ – جرحُ الوصايــا

 

أنتَ في الكونِ والمدى دربُ وعـيٍ

ملكوتُ السَّنـا وغيبُ الـخـفـايــــــــــا

 

في غَيابةِ الحُب

بين يدي ضريح سيدي أبي عبدالله الحسين (ع) خطبٌ وخطاب

 

يا ليتنا فوقَ الرخامِ نذوبُ
 
وعلى الضـريحِ مواجعٌ وقلوبُ
  
يا ليتنا ذرٌّ على أعتابهِ
 
يلهو بنا ذهبٌ، ويعبثُ طيبُ
  
قد مضَّنا شوقٌ لـ (يوسفِ) عشقنا
 
فمتى لـ (كنعانِ) الوصالِ نؤوبُ؟
  
ذئبُ المصائبِ لم يعُد بقميصهِ
 
بدمٍ جرى، لم تفترسْهُ نيوبُ
  
بل جاء ينزفُ بالظلامة جرحهُ
 
فدمُ الحسين على السما مسكوبُ
  
ما عادَ إخوته سوى برؤوسهم
 
وجسومُهم باهى بهنَّ كثيبُ
  
يا (يوسفَ) العُشاقِ رفقاً، قد ذوتْ
 
منا العيونُ، فكُلنا يعقوبُ
  
حَزَناً عليكَ عيوننا مبيَضّةٌ
 
كم ذاب من جزعٍ بنا(أيوبُ)
  
امدد لنا حبل الوصالِ فبئرنا
 
فيه القوافلُ ضجةٌ ونحيبُ
  
خبّئ (صواعك) خفيةٍ في جرحنا
 
ودَعِ (المؤذِّن) في نداه يخيبُ
  
لن نبرحَ الأرض التي شجَّرتَها
 
بالعاشقين، إذ الغرامُ قشيبُ
  
إنا سرقنا بعض حبك فاسترق
 
من ذاقَ فيك الرِقَّ، كيف يتوب؟
  
***
وحملتُ آمالي على فرسِ الهوى
 
تِلقاء (مديَنِكَ) العظيمِ أُنيبُ
  
أنا يا (شعيبَ) هوايَ جئتُ يقودني
 
بخطى الحياءِ تلهُّبٌ ولهيبُ
  
أنا قد أتيتكَ هارباً من أمةٍ
 
فاحتْ هزائمها، ولاحَ غروبُ
  
وأتيتُ أرضك خائفاً مترقباً
 
ذلاً يُلاحقُ أمتي ويَعيبُ
  
إني لما أنزلتَ بي من نعمةٍ
 
وكرامةٍ متلهفٌ ورغيبُ
  
خُذني إليكَ أتمُّ (عشـرك) خادماً
 
وأزيدُ، لا عتبٌ ولا تثريبُ
  
إحدى اثنتيك أريدها لي غيمةً
 
أحيا بها، إنَّ الطريقَ جديبُ
  
شرفُ الشهادةِ في قوافل (كربلا)
 
حيثُ الخلودُ مع الحسين يطيبُ
  
أو عزةٌ أسمو بها وكرامةٌ
 
فيها تفانت أنفسٌ وشعوبُ
  
ألقيتُ أحلامي زجاجةَ آملٍ
 
في بحر جودكَ، كيف كيف أخيب؟!
  
***
يا سيدي عُذراً إذا لم يبتسم
 
وجه القصيدة، فالنشيدُ نحيبُ
  
«نحن الحسينيون»، ذاك شعارنا
 
لكنه (شمّاعةٌ) وهروبُ
  
هذي دماؤك مزّقت أشلاءنا
 
فبكل عام يا حسين- حروبُ
  
بعنا دماءك بالشقاقِ وبالشقا
 
فالكل عن وطنِ الإخاء غريبُ
  
صرنا نقاتلُ بعضّنا في بعضنا
 
ولنا عدوٌ شامتٌ وطروبُ
  
(رادودُنا) تُهَمٌ بصوتِ رصاصةٍ
 
والشتمُ في بيتِ الحسينِ (خطيبُ)!
  
صار اختلافُ الرأي آفَتنا التي
 
أكلتْ حصادَ (الطفِّ) وهْوَ خصيبُ
  
أتُرى تآكلنا الصـراعُ فلم يزل
 
يجتاحنا نصَبٌ، وشاعَ لغوبُ؟
  
كلٌ رمى كبدَ الحقيقةِ زاعماً
 
لكنه كبدَ الحسينِ يصيبُ
  
***
يا من هتفتم بالحسين وسيلةً
 
لا تخذلوهُ، فما هُناك (حبيبُ)
  
عُدنا لكوفةِ أمسنا في غيِّنا
 
فتنازعتنا أوجهٌ ودروبُ
  
كلٌ يحرضُ للقيامِ (حسينَهُ)
 
لكنه في (كربلاهُ) غريبُ
  
نحتاجُ أن يأتي (حسينٌ) فاتحاً
 
أرض (العراك)، فأنصتوا وأجيبوا
  
نحتاجُ (للعباسِ) يسقي ذلَّنا
 
عزاً هنيئاً، فالضميرُ جديبُ
  
قوموا لنحيي بالوئام قلوبنا
 
ونعيدَ مجداً بالإخاء يطيبُ
  
ولنكتب التاريخ من أحضاننا
 
فالبغض في عرف الرواةِ كذوبُ
  
فإذا صفتْ أرواحكم، طَهُرَ الولا
 
ولئن سألتُمْ فالحسين يجيبُ
  

 

أسئلةٌ معلقةٌ في سماءِ الحسين

 

 

أسائلُ الموتَ : هلْ في الموتِ مُرتَجعُ

إلى الحـياةِ، وهـل في الجرحِ مُتسَّعُ

هل في البداياتِ أسـرارٌ بلا زمـنٍ

هل في النهاياتِ مجدٌ لـيسَ يـنقطعُ

وأسألُ الحزنَ في عينيكَ مُــشتعلاً

كأنهُ مِنْ خيوطِ الـغيبِ يــلتمعُ

أيـُـشرقُ اللهُ في نحرٍ يـفيضُ دماً

أبهجةٌ في نـزولِ الـدمعِ تــرتفعُ

أغُربةٌ أنْ تـكونَ الروحُ في وطـنٍ

مِنَ السماءِ التي في العشقِ تــنتجعُ

أيصنعُ الجرحُ نوراً لا حــدودَ لهُ

كـلؤلؤٍ نـبويٍّ لـيسَ يُـصطنعُ

أيبدعُ الثائرونَ النــزفَ أغـنيةً

مـتى التلاحينُ في المأساةِ  تُـبتدعُ

أيظهرُ الـوجعُ السامي غديرَ رُؤىً

أيملأُ الأرضَ  ورداً  ذلـكَ الوجعُ

أحزنُكَ المأتمُ الكونيُّ، هلْ لــغةٌ

في نسجها الـنعيُ والأعراسُ تجتمعُ

 

وأسألُ الماءَ: هلْ يرويكَ مِنْ عطشٍ

أمْ أنـتَ تـرويهِ ماءً مِــلؤهُ ولعُ

وهل تـشيخُ حكاياتٌ مـرفرفةٌ

مِـنْ غـيمةِ الملكوتِ الحرِّ ترتـضعُ

وهل تجيءُ مِنَ الأشواقِ، مِنْ وَلَهِ

الـعُشَّاقِ، مِنْ وَجَعِ الأوراقِ تندفعُ

أَيبدأُ الشعرُ مِنْ كَفّيكَ،مِنْ دَمِكَ

المسفوكِ،يا لدمٍ بالشعرِ مُــنطبعُ!

ياكمْ تسيلُ على الأشياءِ مُجترحاً

وحيَ الحقيقةِ، لا زيـفٌ ولا خُدَعُ

أتستغيثُ وتدعو، لا ترى أحـداً

إلا بــنيكَ وأصـحاباً بهم ورعُ

 

أقـولُ:هذا يقيني فيكَ مـشتبكٌ

في حضرةِ الشكِّ يستقصي ويخترعُ

آمنتُ بالدمعِ في عينيكَ مـنتصراً

آمنتُ بالحزنِ حتى قيلَ : مُـبتدِعُ

ألم تكنْ رحلةً للموتِ فارتحلتْ

للهِ  أعـمدةَ الـطغيانِ تـقتلـعُ

 

 

وأسألُ الرأسَ: يا للرأسِ كَمْ جسدٍ

حُــرٍّ ستلبسُ،كَمْ عُمْرٍ ستـتسعُ

أكنتَ مستعصياً كالموجِ كنتَ فماً

في كـلِّ شبرٍ لهُ صوتٌ ومـستمعُ

أأنتَ أجيالُ رَفْضٍ، نارُ مـلحمةٍ

لاءاتُها لم تـزلْ تسمو وتـندلعُ

وكيفَ تنظرُ أبـناءً مُــذبَّحةً

فلا تخافُ، ولا يـدنو لكَ الجزَعُ

وهمْ يخافونَ منكَ الظلَّ،كيفَ تُرى

هلْ كانَ يُقذفُ في أرواحـهمْ فَزَعُ

وتلكَ أسئلةٌ تُـلقي حـكايـتها

إلى الذين حشاهمْ فـيكَ مُـفتجعُ

إلى هناكَ ..إلى الآتينَ مِنْ غـدهمْ

إلى هـوىً، لا زمـانٌ فيهِ  أو رُقَعُ

 

كربلاءُ نُبوَّةُ الألواح

 

في كربلاءَ نثرتُ بَعْضَ جراحي
كنبوةِ الإيحاءِ في الأرواحِ
 

أَرْضٌ يَمُطُّ الظِلُّ فيها طَرْفَهُ

فتراهُ مفتونًا بوجْهِ صباحِ
 

فيها ابتكارُ الضوءِ وَهْوَ مجرَّدٌ

يكفي الحقيقةَ سهرةُ المصباحِ
 

كَتَبَتْ على جَسَدِ السماءِ حروفها

إنَّ السهامَ نبوةُ الألواحِ
 

ملأى حقائبها بثقْلِ أُلوهةٍ

تمشي وَلَمْ تَعبْأْ بِعَصْفِ رياحِ
 

هي كربلاءُ عبارةٌ منحوتَةٌ

بِفَمِ الخلودِ وسُحنَةِ الإصلاحِ
 

هي كربلاءُ نشيدُ كلِّ بطولةٍ

لم تقتصرْ يومًا ببعض نُوَاحِ
 

وعلى سلالِ المستحيلِ تَلَوَّنتْ

سَعَفَاتُها في شهقةِ الأدواحِ
 

يتسربُ الزيتُ المعبأُ بالندى

في مقلتيها مِنْ فَمِ “ابن رباحِ”
 

يتوكأ الرَّملُ السنابلَ لحظةً

ويشي بِفَضْحِ شهيةِ الأقداحِ
 

غَرَسَتْ بفاكهةِ النحور سيوفَها

وَتَوّرَّقَتْ مِنْ أسهمٍ ورماحِ
 

وتشجرتْ لغةُ الفداءِ بثغرها

إنَّ الطفوفَ خطيئةُ الأملاحِ
 

ما جَفَّ مِنْ ظَمَأِ البياضِ إناؤها

سكبَ الطهارةَ فوقَ ذَلَّ جناحِ
 

يا كربلاءُ وَأَيُّ جُرْحٍ خالدٍ

زَمَّ المماتَ بنبرةِ الأشباحِ
فدمُ الحسينِ نوافذٌ مفتوحةٌ
نحو الضمائر في ألذِّ مراحِ
 

 

 

 

 

 

 

 

يا كربلاءُ رِدِيْ دلاءَ مواجعي
بئري معطلَةٌ وأنتِ طِماحي
 

لَنْ ينحني جِذْعي لأَوَّلِ طعنةٍ

قاسمْتُها خبزَ الهوى بأضاحِ
 

أنا آخرُ الكلماتِ فوقَ ردائها

نبضي يغارُ لِنَفْثةِ المُدَّاحِ
 

قلبي يقاسمُ كربلاءَ لهيبَهُ

ثغري حسينُ ، ومدمعي فضّاحي
 

لاتذكروا لي كربلاءَ لوحدها

هل يُذْكرُ الأبطالُ دونَ كِفاحِ
 

سأزورُ ذاتي إنْ شَممَتُ ترابها

فتقولُ لي ما حيلةُ التفاحِ
 

مطبوعةٌ رئتي على أَنْفاسها

وَشْمًا ولفظةُ ” ياحسينُ”وشاحي
 

وأقولها” لبيكَ إِنِّي في الهوى

أشتاقُ حتى مِدْيةَ الذَّبّاحِ
 

لن يُسكتوا صوتي فبين أضالعي

“عباسُ” يَحْرثُ بالإبا أَمْلاحي
 

أنا والحسينُ ، وكربلاءُ قصائدٌ

عطشى تَشَرَّبَها الظَّما بقراحِ
 

أنا في الطفوفِ وفي سنابلِ وعيها

فأسٌ يهيمُ بحكمةِ الفلاحِ

 

من المهد الى الخلد

وقطبـــًا تشيـــرُ البوصلاتُ إليـك مِن
فلســـتُ على علـــمٍ بغــــيرِك مُنهَـكاً
فتـولـَدُ والحــلاّجُ مـــازال غامــــــراً
كأن فقــاعات الطواســـين فوقـَــــــهُ
ولســتُ على علمٍ بغيرِك مُثخــــــــناً
فإنْ كنتَ من تحت الخيــول مُمزقــاً،
ورأسُك من فوق “الصلـيب” علامة
أشرتَ إلى النصرِ المـــؤزّرِ أن أجِبْ
وضـــمَّكَ حتى لفَّ أشــــلاكَ جبـــــة
ولستُ على علــمٍ بغيـــرِك فاديـــــــًا
ولستُ على علـــم بغيــــرك هامــــداً
ولستُ على علـــم بغيـــرك ظامئـــــًا
ولم أرَ نحراً غيرَ نحــرِك لـــم يـــزل
ولم يرَ عقلي بعـــد عمـــــقِ تدبّـــــرٍ
فمهما وجدتُ السعيَ نحـوَكَ شائكـــاً
أسيرُ على الأشــواكِ نحـــوكَ ناسيـاً
تَلـَــذ بيَ الآلامُ والنــــزفُ عنــــــدما
وإن حــالَ ما بيني وبينَك قاهـــــــــرٌ
وإن عــاد منـك المُتخَمـــــون بريّهم
ليُلقوا على وجهي “القميصَ” أشمّـــه
وأحبسُ في صـــدري هواكَ تنفـســاً

قريبٍ وقاصٍ تستشفـُّــك مقـصـــــدا
تحدّى غمـارَ الموتِ فانصـاعَ مَوْلدا
ودجلة يستجــدي من المَيْتِ موعـدا
بقايا غريقٍ ضـلَّ فيه وما اهتـــــدى
يشـدّ بكلتــا قبضتيــــه على الــردى
فأوصـــالك العنقــــاءُ تـأبى تَبَــــدُدا
تحيـلُ إلى العليــاء من رامَ ســـؤددا
فجاءك من خلفِ الســماءِ مؤيـــِّــدا
على طرفيها العزّ والمجــدُ نُضِّـــــدا
بقطــعِ نحـــورِ المستميتيــن يُفتـدى
يمـدّ القلــــــوبَ الهامـدات تجـــــدُدا
بــإروعَ سقـّـــــاءٍ ظـَــميٍّ تفــــــرَّدا
يضـخُّ بــأجداث النفــوس تمــــــرُدا
سواك مصيـــراً وانتماءً ومَرفَــــــدا
ودربــاً بحمّــــــام الدّمـــاءِ مُعبــــّـدا
نزيف جراحــــــاتي إليـــــك تـــودُدا
تَمدُ إليـها يــــا مسيـــحَ الهوى يــدا
وددتُ فلـــو أُنفى إليــك وأُطـــــــرَدا
ألــحُّ عليهم في الســؤالِ مُشــــــددا
فيُبصرُ طَرْفي بعدما كــان أرمــــــدا
شهيقــــاً أبى أنْ لا يعــود تنهُّــــــدا

عناقٌٌ في مطافِ الملائكة

(ارتباكٌ لسنبلةِ البكاءْ)

ذوَتِ الحُروفُ على الشِّفاهِ
وما ذَوَى لِلْحُزْنِ عهدُ

ستَدورُ ساقيةُ الأسى
ما دارَ شوقٌ مُستَبِدُّ

لِنُهدْهِدَ الذِّكرَى فَيورقَ
فِي الضَّميرِ هوىً ووَجدُ

ويفورُ في دَمِنا البُكاءُ
يديرُهُ قلقٌ وسهدٌ

بحِكايةٍ لَمْ يستَطِعْها
فِي فَمِ الأيَّام ِ سَرْدُ

النورُ محتدِمٌ وقَلبُ السّــ
ـبطِ للآمالِ يحدو

ويُعيدُ ترتيبَ الحَيــــــ
ــــــــاةِ بِتضْحِياتٍ لَاتُعدُّ

فيبُلّ روح المُتْعَبينَ
مِنَّ الظَّمَا لِيطِيبَ وِرْدُ

حجٌّ وترويةٌ بِها
في مَشْعَرِ الآجال قَصْدُ

مِنْ خَطْوِهِ انْبَجَسَ الهُدَى
وامْتدّ للتّوحِيدِ مَهدُ

وحَمائمُ الأشْواقِ إثــــ
ــــرَ رحيلهِ بالحزْنِ تشدُو

والكَعْبَةُ الحَوراءُ حَجَّ
لِخِدرِهَا شَرَفٌ ومَجْدُ

حتّى إِذا فرْضُ البُكــ
ـــاءِ أَتمّه ولَهٌ وبُعدُ

راحَت تسائِلُ قلبَها
أيُّ الجراحِ هو الأشدُّ

فَعلَى الفراتِ من الهُدى
عينٌ قد انْطفأتْ وزندُ

والجُودُ في كَتِفِ الِإباءِ
أَصَابَهُ بالسّهمِ حِقْدُ

كلّ الشفاهِ سنابلٌ
كانتْ لقُبْلتِه تُعَدّ

ظَمئِتْ فَسَمّرهَا على
طلَلِ السّقَا ألمٌ ووعدُ

لله نهرُ عذوبةٍ
ما نالهُ في الشوقِ بَردُ

….

أَحرمْتُ في لُجَجِ الأَسَى
جزْرٌ يُسافِرُ بي ومَدُّ

وَمعَ المثلث كم رحلتُ
لصمتِ ذاكرتي أقدّ

جُرحاً فَجُرحاً تخصفُ الـ
آلام بي فَيَضِيعُ رشدُ

ونَشَرْتُ أجْنِحةَ الوِصَالِ
إلى رَبيعِ الطَّفِّ أغدو

حيثُ الحسينُ لنبْضِهِ
لبّتْ ملائكةٌ وجُنْدُ

عَرَفوهُ مَحْضَ عذوبةٍ
فَإذا بِطَعمِ الموتِ شَهْدُ

كانوا يُمَاهونَ النّدى
بِإِبائِهمْ لِيُطِلّ وَرْدُ

سُرعانَ ما انْتَثَروا ومن
جِيدِ البطولةِ خرّ عِقدُ

( لبيكَ ) مِئْذَنةُ الجَمالِ
ونهرُ عِطرٍ لا يُحدُّ

رَحَلوا بأَعبَقِ فكرةٍ
منْها المَفَاخِرُ تُستَمدُّ

لا لمْ يموتوا كَيف يطــــ
ـــــوي الموتُ من يرجوهُ خُلْدُ

حزن الرمل

لا لون .. للكون .. ثوبَ الوردِ قد خلعا
لا زال يلبس حزنَ الرملِ مذ فُجعا

مذ غادرتُه طيورُ الحب ذاتَ دمٍ
لا زقزقاتٌ ولا همسٌ لهُ سُمعا

أجوسُ بين ديارِ الشكِ هل رحلوا ؟!
طفلٌ سؤالٌ صحا في مقلتي فَزِعا

وراحَ يبحثُ في الأشياءِ عن حُلُمٍ
فعادَ يحملُ ذنبَ الماءِ والجزعا

عن طفلةٍ، عن نهارٍ، عن مرمّلةٍ
عن مُقلةٍ جمرةٍ، عن دمعةٍ ودعا

يقال: أنّ قلوبَ الناسِ ما اتسعت
للحب مذ مُلئتْ كاساتُها جشعا

وأن وردَ النوايا لم يكن ألِقاً
بل كانَ كالشوكِ في أعمالهم بشعا

فجاء من آخرِ الأحلامِ مُدّرعٌ
بالأمنياتِ، بغير الحب ما ادّرعا

هو الحسينُ .. أعارَ الأرضَ بسمتَه
وهوَ الذي ابتكرَ البسمات واخترعا

فمنذ أنْ ظمئتْ أحلامُ فتيتهِ
قد علّمَ النهرَ أنْ يسعى لنا فسعى

وعلّمَ الشمس من أسرارِ طلعتهِ
معنى ضياءِ الهدى مذ رأسُه رُفعا

وجاءَ يسكبُ في أطفالنا فرحاً
مذ ذاقَ أطفالُه الويلات والهَلعا

ولم تقعْ فوقَ أرضِ الطف رايتُه
إلّا لأن يُمسكَ الإنسانَ أن يَقعا

نعى ولملمَ أفراحاً وبعثرها
وكنتُ أحزنَ أهلِ الأرض حين نعى

فحينَ كنتُ صغيراً، كنتُ أحملهُ
في لعبتي، في سريري عاشقاً ولعا

وكان نخلةَ شوقٍ في دمي غُرستْ
رغمَ الرياحِ بقى طوداً وما انشلعا

وكان ينظرُ في وجهي وأنظُرُهُ
حتى تشكّل في عينيَّ وانطبعا

أحسّه في دمي، في دمعِ والدتي
في كبرياءِ أبي، في الكلّ مندفعا

وحينَ يعصرني همٌّ أراهُ معي
فكمْ كِلانا تقاسمنا الهمومَ معا

أتيتُ أسكبُ أوجاعي على ورقي
فلمْ أرَ الوزنَ للأوجاعِ مُتسعا

قصائدي مُهجتي إن جئتَ تقرأه
بيتاً فبيتاً ترى من مُهجتي قِطعا

لا شيء في الكأسِ، كانتْ قهوتي وجعي
وكلّ ما أحتسيه الحزنَ والوجعا

لَكَ… مُنَاضِلاً كَوْنِيًّا

(1)
قَلَقٌ، وَصَمْتٌ مُطْبِقٌ، وقُبُورُ؟
مُتَصالِحُونَ مَعَ الدُّمُوعِ وَرَجْفِها
أمْ يَنْزِعُونَ مِنَ الظَّهِيرَةِ حَرَّها،

يَتَبادَلُونَ المَوتَ، يَبْتَكِرُونَه،
حَمَلُوا مَصائِرَهُمْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ
فَتَناسَلَتْ أَصْدَاءُ حُرِّيَّاتِهِمْ
مُتَشَبِّثُونَ بِوَعْيِهِمْ، لَمْ يَقْبَلُوا
فِكْرٌ، يَغُوصُ بِهِ عَمِيقاً كُلُّ مَنْ
هُمْ أَبْدَعُوا صُوَرَ الوَفاءِ، وَكَوَّنُوا
نَذَرُوا النُّفُوسَ إِلَى الحَبِيبِ مُطِيعةً،
فَإِذَا اسْتَدَارَ الْاِنْحِرافُ كَصَخْرةٍ
وَعَلَى اليَبَاسِ انْسَابَ نَهْرُ إِبَائِهِمْ،
فِي كُلِّ سَطْرٍ لِلْحَنِينِ مَوَاكِبٌ
هُمْ هكَذَا الشُّهَدَاءُ حِينَ يَشِفُّهُمْ

(2)
يا سَيِّدِي عَنْ أَيِّ جُرْحٍ مُشْرَعٍ
هَلْ ثَمَّ مُتَّسَعٌ لِضَحْكَةِ (طِفْلَةٍ)
وَعَلَى الثَّرَى تَرَكَتْ جَبِيناً ناعِماً
جَسَدُ البِلادِ مُضَرَّجٌ بِدِمَائِهَا
وَالأُمَّهَاتُ مَدَامِعٌ مَرَّتْ هُنَا
وَاجُرْحَنا! فَدَمُ الضَّحَايا لَمْ يَزَلْ
فَلَذَاتُ أَكْبَادٍ تَعَاظَمَ نَزْفُها؛
لا شَيْءَ يَبْدُو فِي الفَرَاغِ سِوَى (يَدٍ)
نَذَرَتْهُ لِلْأَحْبابِ، وَالْتَمَسَتْ لَهُمْ

(3)
بِي مِنْ تُرابِ الأَرْضِ أَشْجَانٌ وَبِيْ
يَنْتَابُنِي رَوْعُ المَسافاتِ اْلَّتِي
وَيَكَادُ نِصْفِي أَنْ يُفَارِقَ نِصْفَهُ،
أَنَا قَدْ حَفَرْتُ عَلَى زَوَايَا غُرْبَتِيْ
وَأَتَيْتُ أَمْشِي مِنْ بَعِيدٍ حَامِلاً
لَيْتَ الغَرِيبَ وَقَدْ مَضَى عَن دَارِهِ
لَيتَ السَّمَاءَ تَنَامُ فِي عَيْنِي! فَذَا
رَأْسِي الَّذِي اشْتَعَلَ المَشِيْبُ بِهِ بَدَا
لِي أَنْ أفَتِّشَ فِي ثَنَايا الأَرْضِ عَنْ
لِي أَنْ أَمُدَّ إِلَى الغَرِيقِ قَصِيدَةً
بِحَقَائِبِي حُزْنِيْ الشَّهِيُّ وَقِصَّةٌ
وَلِزَعْفَرَانِ الذِّكْرَيَاتِ حَدَائِقٌ
مَأْهُولَةٌ هذِي الحَيَاةُ بِمَنْ مَضَوا
تَرْوِي لَنَا الأَيَّامُ أَلْفَ قِيامَةٍ
مَا لا يَعُودُ، يَعُودُ حِينَ تَقُولُ لِلـ

أَنَا يَا أَبَا الأَحْرَارِ جِئْتُكَ ظَامِئاً
بِرَشَاقَةِ الشُّهَدَاءِ تَهْطِلُ أَدْمُعِي
فِي البَذْلِ، فِي الإِخْلاصِ، فِي المُدُنِ التي
أَحْتاجُ مِنْكَ لِخَيْمَةٍ آوِي لَها
أَحْتَاجُ مِنكَ لِبَسْمَتَينِ وَمَرْفَأٍ
وَأَقَلُّ مِنْ جُرْحٍ بِصَدْرِ حَمَامَةٍ
أَدْرَكْتُ حُزْنَ العُشِّ حِينَ تُوَدِّعُ الْـ
مَنْ ذا يَشُدُّ عَلَى الجِراحِ ضِمادَةً
ويُصَبِّرُ الآبَاءَ لَوْ يَوماً هَوَتْ
جَسَدِي مَوَاوِيلُ الوَدَاعِ وَسَحْنَتِي
وَأَنَا انْهِمَارُ الذِّكْرَيَاتِ بِمَسْرَحٍ
أَوْمَأْتُ نَحْوَ ضِفَافِ نَهْرٍ مُتْعَبٍ
وَشَعَرْتُ أَنِّي زَوْرَقٌ مُتَحَطِّمٌ
دَمْعُ العُيُونِ عَلَيَّ يُلْقِي نَظْرَةً،
حَدَثٌ يُلِحُّ عَلَيَّ، حِينَ تَقَوَّسَتْ
يَتَوَقَّفُ اسْتِرسَالُ صَوْتِي، أَنْحَنِي،
سُبْحانَ مَنْ أَسْرَى بِدَمْعِي حَيْثُ لِلْـ

أَشْعِلْ سِراجَكَ؛ تَنْطَفِئْ آلامُنا
هَيَّأْتَ لِلْمَعْنَى خُلُوداً آخَراً،
أنَا شَاعِرٌ لَكَ عائِدٌ مِنْ مَوْتِهِ،
مِنْ فَرْطِ مَا أَلْهَمْتَنِي أَوْقَظْتَ فِــ
حَتَّى شَعَرْتُ بِأَنَّ أَجْرَاسَ الشُّعُو
ما زِلْتُ أَسْمَعُ صَوتَ أَجْمَلِ طِفْلَةٍ
وَيَقُولُ: يَا أَبَتِي (رُقَيَّتُكَ) الَّتِي
ما زِلْتُ أَقْرَأُ فِي مَلامِحِ (زَيْنَبٍ)
فِي كُلِّ لَيلٍ بِالوَدَاعِ مُبَلَّلٍ،
هِيَ عَالَمُ (العَبَّاسِ) فِي إِيثَارِهِ
هِي مَدُّ ثَوْرَتِكْ الَّتِي مَا بَارَحَتْ

(4)
يَا أَيُّهَا الوَطَنُ الحُسَينُ! مَعِي هُنَا
وَتُشَكِّلُ النَّاياتِ مِنْ قَصَبِ الرُّؤَى،
وَتُدِيرُ أَشْرِعَةَ الحَيَاةِ مُنَاضِلاً
أَنْتَ (المُدَجَّجُ بِالسَّلامِ) لِكُلِّ قُطْـ
يَا حَامِلاً إِنْضَاجَ رُؤْيَتِهِ إِلَى
ذِكْرَاكَ تَنْحَتُ -فِي اللُّغاتِ جَمِيعَها-
مَا لِلْعُيُونِ سِوَاكَ طَيْفاً آسِراً
مَنْفَى الحَياةُ، وَأَنْتَ وَحْدَكَ مَوْطِنٌ
يَا أيُّها الكَوْنِيُّ فِي أبْعادِهِ!

صَافَحْتُ مَاءَكَ، والعُرُوقُ تَلَهُّفٌ،
وعَلَى شِفَاهِ الغَيْمِ حُبُّكَ آيَةٌ
وهُناكَ حَيْثُ الرُّوحُ تَفْتَرِشُ المُنَى
أَقْصَى امْتِدَادِكَ لا حُدُودَ تَحُدُّهُ

يَا وَاحِدَ التَّارِيخِ! دَرْبُكَ وَاحِدٌ،
فَانْفُخْ (بِصَلْصَالِ الضَّمَائِرِ) مُلْهِماً؛
(دَاوُودُ) أَنْتَ، وذِي جِبَالٌ أَوَّبَتْ
وَلَكَ الطَّبِيعَةُ سُخِّرَتْ بِسَخائِها
أَمَّا القُلُوبُ فأنتَ (يُوسُفُها) الذي

إنَّا (حَوَارِيُّوكَ)، لَمْ نَحْتَجْ (لِمَا
إنَّا (حَوَارِيُّوكَ)، أَنْصارٌ إِذا
نَرْجُوكَ، عَلِّمْنا المَزِيدَ مِنْ العَطا
تَقْسُو الحَياةُ عَلَى بَنِيها تَارَةً،

عَيْنَاكَ فَلْسَفَتَانِ مِنْ عِشْقٍ، وَمِنْ
مِن أَجْلِ مُجْتَمَعِ السَّلامِ تَمُوتُ، بَلْ
فَمِنَ الحُقُوقِ زَرَعْتَ دَرْبَكَ سُنْبُلاً
بَعْضُ الشُّخُوصِ جَدِيرَةٌ بِخُلُودِها
حَرَّرْتَ أَنْتَ هَواءَنَا وَمِياهَنَا،
سُرْعَانَ مَا تَمْضِي فُصُولُ حَيَاتِنَا،
لَمْ تقترِبْ هذِي الحِكَايَةُ مِنْ نِها
بَينَ التَّمَنِّي وَالتَّمَنِّي بَذْرَةٌ،

أَمْ هَدْءَةٌ، وَسَكِينَةٌ، وَسُرُورُ؟
فِي الحَلْقِ، يَلْفَحُهُمْ هُناكَ زَفِيرُ؟
وَعَلَى ابْتِسامَتِهِمْ يَسِيلُ النُّورُ؟

وَلَهُمْ -وَإِنْ عَصَفَ الغِيابُ- حُضُورُ
لِيُعِيدَ تَضْمِيدَ المَصِيرِ مَصِيرُ
فِي كُلِّ صَوْتٍ حُلْمُهُ التَّحْرِيرُ
إلا بِما يَخْتَارُهُ (التَّفْكِيرُ)
لَمْ تُغْنِهِ مِمَّا يَراهُ قُشُورُ
ما لَمْ يُحِطْ بِحُدُودِهِ التَّصْوِيرُ
لِلْحُبِّ – يا اللهُ – ثَمَّ نُذُورُ
كَانُوا كَمَوْجِ البَحْرِ حِينَ يَثُورُ
وَوَرَاءَ إِبْدَاعِ الإِبَاءِ سُطُورُ
وَقَصَائِدٌ مَعَ مَنْ يَزُورُ تَزُورُ
مَاءٌ، وَفَجْرٌ مُشْرِقٌ، وَضَمِيرُ

أَحْكِي، وَجُرْحُ اليَاسَمِينِ غَزِيرُ؟
صَعَدْتْ إِلَيْكَ كَأَنَّها عُصْفُورُ؟…
غَضًّا بَكَاهُ (رَضِيعُكَ) المَغْدُورُ
وَالعُمْرُ -يَا عُمْرَ الزُّهُورِ- قَصِيرُ
وَأَزاهِرٌ مِنْها يَفُوحُ عَبِيرُ
يَغْلِي، وَأَحْزَانُ السَّمَاءِ تَمُورُ
فَأَعَادَ رَسْمَ الأُغْنِياتِ هَدِيرُ
تَرْبِيتُهَا وَحَنَانُهَا مَنْذُورُ
عُذْراً إِذا مِنْهُمْ بَدَا التَّقْصِيرُ

مِنْ كَرْبَلاءَ (فُرَاتُها) المَأْسُورُ
مِنْ قَبْلِ غايَتِها يَلُوحُ السُّورُ
عَظْمِي مَهِيضٌ، والجَنَاحُ كَسِيرُ
حُلُمِي، فَبَعْضُ الْاِغْتِرَابِ صُخُورُ
أَعْوَامَ عُمْرِي، وَالحَيَاةُ مَسِيْرُ
يَأْتِي! فَتُفْتَحُ كَالْقُلُوبِ الدُّورُ
بَصَرِي بِلا حُلُمِ السَّمَاءِ حَسِيرُ
عَصْراً تَنَامُ عَلَى يَدَيْهِ عُصُورُ
حُزْنِ الرِّمالِ، فَلِلرِّمالِ شُعُورُ
بِاسْمِ (الحُسَيْنِ) خِتَامُهَا مَمْهُورُ
تُحْيِيْ الشُّعُوبَ فَمَاؤُها (الإِكْسِيرُ)
فِي الرُّوحِ يَحْرُسُهَا الغَدُ المَنْظُورُ
مَاذَا أُسَمِّي الْمَوتَ يَا (دُسْتُورُ)؟
فَإِلَى الضَّحَايَا عَوْدَةٌ و(نُشُورُ)
تَّارِيخِ: صِرْ مُسْتَقْبَلاً! فَيَصِيرُ

وَ(النَّارُ) فِي لُغَةِ اللِّقَاءِ (نَمِيرُ)
(آياً) وَحُبُّكَ وَحْدَهُ التَّفْسِيرُ
آنَسْتَ وَحْشَتَهَا، فَأَنْتَ أَمِيرُ
إِنْ مَسَّنِي الإِبْعَادُ وَالتَّهْجِيرُ
أَنَا مِنْ بَقَايَا (الراحلينَ) جُذُورُ
بَيْضَاءَ، يَنْزِفُ جُرْحُها، وَيَغُورُ
أُمُّ الصِّغَارَ، وَقَلْبُها مَفْطُورُ
تَمْتَصُّ نَزْفَ الدَّمِّ حِينَ يَفُورُ؟
-غَدْراً- على وَجَعِ التُّرابِ بُدُورُ؟
لَحْنٌ حَزِينٌ وَالدُّمُوعُ (أَثِيرُ)
حَيٍّ بِهِ انْتُهِكَتْ إِلَيكَ خُدُورُ
تَرْنُو إِلَيهِ مَحَاجِرٌ وَثُغُورُ
وَمُسافِرٌ، قَدْ أَجَّلَتْهُ بُحُورُ
وَالدَّمْعُ بِالحُزْنِ الدَّفِينِ خَبِيرُ
في (كَربَلاءَ) مَعَ (الحُسَينِ) ظُهُورُ
أَبْكِي، وَيَغْلِي فِي دَمِيْ التَّنُّورُ
أَحزانِ فِي (أقصَى) السَّماءِ خَرِيرُ

يا مَنْبَعاً! لَمْ يَخْلُ مِنْهُ النُّورُ
أَثَّرْتَ فِيهِ، وَطَبْعُكَ التَّأْثِيرُ
وَإِلَى نَوَايَا الطَّيِّبِينَ (سَفِيرُ)
ـيَّ الصَّمْتَ، وَالصَّمْتُ الطَّوِيلُ مَرِيرُ
رِ تَرِنُّ إنْ وَارَى الشُّعُورَ شُعُورُ
فِي (الشَّامِ) يَحْكِي دَمْعُها المَنْثُورُ
رَحَلَتْ تُحِبُّكَ… وَالكَلامُ كَثِيرُ
صَبْراً سَخِيًّا، وَالمُصابُ كَبِيرُ
للهِ يَصْعَدُ سَعْيُها المَشْكُورُ
وَوَفَائِهِ، وَلَها يَقِلُّ نَظِيرُ
تَسْعَى لِعَدْلٍ، وَالزَّمانُ يَجُورُ

تَخْطُو؛ فَتُوْلَدُ مِنْ خُطَاكَ زُهُورُ
وَكَمَا الصَّبَاحِ عَلَى الوُجُودِ تَدُورُ
حُرّاً، لِنَهْضَتِهِ القُلُوبُ تُشِيرُ
ـرٍ خَانَهُ الإِرْهَابُ وَالتَّفْجِيرُ
لُغَةِ الحِوَارِ، خَصِيمُكَ التَّكْفِيرُ
أَحْلَى القَصَائِدِ، (فَاشْتِقَاقُكَ نُورُ)
مِنْ ظِلِّهِ يَتَشَكَّلُ (البَلُّورُ)
مُدَّتْ لَهُ -مِلْءَ الحَنِينِ- جُسُورُ
ما خانَنِي في حُبِّكَ التَّعْبِيرُ

فَعَلَى ضِفافِ العُمْرِ أَنْتَ غَدِيرُ
تُتْلَى، وَوَحْيُكَ كَالغُيُومِ مَطِيرُ
شَوْقاً لِقُبَّتِكَ الجِهَاتُ تَسِيرُ
فَالكَوْنُ دُونَكَ يَا حُسَيْنُ صَغِيرُ

مِنْ حَيْثُ تَبْدَأُ يَبْدَأُ التَّغْيِيرُ
لِتَحُومَ -فِي أُفُقِ الفِدَاءِ- طُيُورُ
إِيقَاعُها التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ
وعَلَيْكَ أُنْزِلَ في الطُّفُوفِ (زَبُورُ)
ما زالَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُ

ئِدَةٍ) لِنُؤْمِنَ، فَاليَقِينُ عُبُورُ
مَا عَزَّ عِنْدَ النَّائِباتِ نَصِيرُ
ءِ، فَفِي الحَياةِ مُشَرَّدٌ وَفَقِيرُ
لكِنَّكَ التَّفْرِيجُ، والتَّيْسِيرُ

فَنٍّ، لَهُ إِيحَاؤُهُ المَوْفُورُ
تَحْيَا، وَيَفْنَى الظُّلْمُ وَ(التَّطْهِيرُ)
وَإِلَى الحُقُوقِ عَطَاؤُكَ المَذْخُورُ
وَبِكَ الخُلُودُ أَيَا (حُسَينُ)! جَدِيرُ
فَخُطَاكَ يَسْكُنُ وَقْعَهَا التَّحْرِيرُ
لَكِنَّ فَصْلَكْ أَوَّلٌ، وَأَخِيرُ
يَتِها وَلَمْ يَنْفُذْ لَهَا الدَّيْجُورُ
وَإِلَى نِهايَاتِ الكَلامِ بُذُورُ

الحُسَينُ الآَخَرْ

جِدْ لي ابتداءً فيكَ حتى أَقْطَعَكْ
وافتحْ رؤايَ على رؤاكَ لأجْمَعَكْ

لا زلتَ تربِكُ أحرفيْ يا واحدًا
وزَّعْتَ مِنْ وَحْي المعاجِزِ مَصْرَعَكْ

وفقدتُّني حيثُ المَجَازُ يتيهُ بي
ما أضيقَ البوحَ الفصيحَ وأوسَعَكْ

أنا عابرٌ عِلِقَتْ بيَ الكلماتُ في
وَحْلِ الرؤى وأنا أحاوِلُ مَطْلَعَكْ

لُغَتي تُخَاصِمُني بدَرْبِكَ كُلَّمَا
أنويكَ أفقِدُها وأفقِدُ مَوْضِعَكْ

حيثُ القرابينُ التي فَصَّلْتَها
فضفاضةً كُلُّ الوجودِ تَشَبَّعَكْ

قاومتَ جُنْحَ الليلِ -مِثلُكَ لا يبا
يعُ مِثْلَهُ- وأضأتَ لمَّا قَطَّعَكْ

وُوُلِدْتَ مِنْ جُرْحٍ، فَطَمْتَ مِنَ الرَّدى
عُمُرًا بأرحامِ المَواسِمِ أودَعَكَ

قارعْتَ لونَ الزيفِ، نَقَّيْتَ المَدى
بدماكَ، كنتَ مُلَطَّخًا ما أَنْصَعَكْ!

مانَعْتَ أنْ تحيا على عُمُرٍ رما
دِيٍّ ولم تَلْوِ السُّيوفُ تمنُّعَكْ

آثرتَ أنْ تعطي بقاءً آخَرًا
وتَمُدَّ في عُمُرِ الحقيقةِ أفرُعَكْ

عالَجْتَ بالجرحِ الهُرَاءَ نزفتَ بالـ
معنى، شَغَلْتَ المَوْتَ والمَحْيا مَعَكْ

أربَكْتَ بالدمِّ الحسامَ، هزمتَهُ
وأرَعْتَهُ لكنَّهُ ما رَوَّعَكْ!

يا نصَّ هيهاتٍ ويا شِعْرَ الإبا
ءِ ويا انسكابَ الدَّمِّ لمَّا أسْجَعَكْ

فردًا شَقَقْتَ الجَمْعَ! حُزْتَ مِنَ الصوا
بِ تفرُّدًا ومِنَ الهدى ما وَزَّعَكْ!

متنزهًا عَنْ كلِّ معنىً عابثٍ
شَجَّ الحقيقةَ بالخيالِ ليخدَعَكْ

متمردًا فوقَ الرَّوَاسِبِ ناصِعًا
كالماءِ لا تَصِلُ الخرافةُ مَنْبَعَكْ

وحسينُ عَقْلِكَ لم تَسَعْكَ منابرُ الـ
خطباءِ لم يُرْبِكْ سرابٌ أشرُعَكْ

وأعَذْتَ نَجْمَكَ أنْ تُحَنِّطَ ليلةٌ
أضواءَهُ فَسَطَعْتَ كَيْ لا تَسْطَعَكْ

وغدوتَ بوصلةَ العُقُولِ، دعوتَها
لتسيرَ منكَ إليكَ حتى تبدِعَكْ!

متحررًا كالجرحِ لستَ بعادةٍ
نحكيْ بها قصصًا ونذرفُها مَعَكْ

ما كنتَ منتفضًا ولم تكُ ثائرًا
كيْ تَذْرِفَ العينُ الدموعَ وتنقعَكْ

ما ثُرْتَ كي تغدو رهينةَ دمعةٍ
كي توغِلَ المأساةُ فيكَ وتصنعَكْ

بل أنتَ فعلٌ في المَكَانِ وفي الزما
نِ تدسُّ في كلِّ المواقعِ أذرُعَكْ

لستَ احتكارًا للقطيعِ ولستَ رَجْـ
عًا للأساطيرِ العِجَافِ لتزرعَكْ

هُمْ حَرَّفُوْكَ وأوَّلُوْا بكَ ثورةَ الـ
معنى وأطْفَوا بالبرودةِ أدْمُعَكْ

لم يقنعوا بكَ ثائرًا، قطعوا الصدى
جَعَلُوْكَ مَوَّالًا ونايُكَ أفجَعَكْ!

خَلَقُوا كما شاؤوا حسينًا، لا كما
قد شئتَ أنتَ، فكم حسينٍ ضَيَّعَكْ؟!

لمْ يَرْتَضُوْكَ سوى حسينٍ آخَرٍ
هو عادةٌ أخرى وضَلُّوْا موقِعَكْ!

وعلا منابرَهُمْ حسينُ منابرٍ
قتلَ البطولةَ بالخنوعِ وبَضَّعَكْ

لستَ احتكارًا للدّموعِ وللرثا
ءِ ولستَ مِنْ مَنْ بالنوائحِ أوسَعَكْ

حرًا تجوبُ العالَمِيْنَ قضيةً
حريةً والكونُ يعرفُ إصبعَكْ

يا ثورةً أخرى تُعَاوِدُ نفسها
وتفاجئُ الموتى وتقرأُ مَصْرَعَكْ

عُدْ بالحقيقةِ فالخرافةُ سَوَّرَتْ
أفكارَنا حتى أَضَعْنا مَرْجِعَكْ

هَبْ للقلوبِ بدايةً أخرى ونبـْ
ضًا آخَرًا وانْبُضْ و(عَوْلِمْ) أضلُعَكْ!

وارجِعْ جديدًا فالحكايةُ دبَّ فيـ
ها الشيبُ عُدْ بصداكَ حتى نَسْمَعَكْ

يا أيها الجرحُ الطموحُ أزلْ غبا
رَ المادِحِينَ مِنَ الحروفِ لتُرْجِعَكْ

كُنْ أنتَ، كُنْ معناكَ، واغْسِلْ مِنْ مرا
يانا الخرافةَ، لُحْ وأوقِدْ مَطْلَعَكْ

عُدْ في الخيالِ حقيقةً عُدْ بالحقيـ
ـقَةِ في الخيالِ ولُحْ لنا كي نَطْبَعَكْ