إليهِ الفضاء
خريطةُ شوقٍ
تسافرُ من نبضِ نبضِ الهيام
ثنيّات ضوءٍ تقودُ عصافيرَها للسماءْ ..
لبوّابةِ العرشِ في كربلاءْ ..
يهجّنها الحزنُ يختزلُ الظلَّ فيها
ويبكي الأديمُ على أن تحثَّ شراراتِه
يتوترُ قلبُ الزمانِ ، يؤوب كأقصى العناق
ويرتبكُ الدّهرُ ، ينزف رعشته ، فوق جنح الذهول
ويسحقُ أبخرةَ الصمتِ صوتُ الدماءْ ..
على ذروة في مواقدِ شعرٍ تناسل منها كأحفاد هابيل
حين تقودُ القوافي إليهِا
بمنذورةٍ من بيانْ
وكلُّ القصائد خرساء بكماء وهي اللسان
فخذ خطوة وانتبذ جهة اللامكانْ
فما حُمّ كان.
ليقطف شهدَ الحناجرِ
نصل المذابحِ
ريحا غضوبا هصورا
و ثورة بركنة تتمخّضُ حرفين في حيّز الروح : دالَ الدموعِ و ياءَ النداءْ..
ويحكي إذا ما ترقرق من وجعٍ للقصيدةِ كالغمغمات
تنهنهُ وخز المدى والندى
وحمحمة الموتِ للنوق للنخل للعنفوان
لحزنٍ بتولٍ
يرتب فجرا أنيقا
ولكنَّ مفعولَه كالتماوج حين ينثّ الضياء
بحالةِ عشقٍ
يواربُ فيها الصباحين
صبحَ الشهادة حين تفضُّ ملامحها للإباء
وصبحاً تخلّق من كبرياءْ.
وتصرخ في مُطرة الحسنيين : إليه إليه!
حسينٌ على برزخٍ من جُمانٍ يسوّي لمنسأةِ المجدِ شارةَ عزٍّ
ويصبغ بالعندمِ المشرئبِّ خدودَ الزّمانِ
و يخرجُ كفَّيه بيضاءَ للناظرين
فكيف و”لا ناصرٍ” ؟!
والزقاق تقاذفها العشقُ توقاً إليه
وما الفرق بين دلالةِ قلبٍ تراقصَ في العتبات جنونا ،
وبين الذي ضاع منه الدّليل؟
كلانا أيا صاحبي نتحرّك ضدّ سياق الجمودِ
وبعض الضفاف تهدهدُ ميقات أمنية المتعبين
وبعضُ المآتم خصبٌ وماءْ.
بألويةٍ تتوشح تلتفُّ بين الدهاليز
نهتف :”هيهات هيهات
لا يخفض العزُّ أجنحةً للحمائم لو ضاع منها الهديل
ولو نال منها جنون الأخاديد
لا تنتهي نحو سوقِ النخاسة حيثُ السلام الذليل.”
وذاكرة الصخر تقصص رؤيا الجراح وتفضي إلى أنّ ذِكْرَ الحسين على السرمديّة فوق المدارات كالبوصلة
وإن دبّ فيها النّواح لتلطمَ أفياؤها معولة.
فدوما لها نهضة تتفتّق منها الجهات و يكتبها الممكن المستحيل.
ومنها الأساطير لا تتهيأ للقحط ، ظاهرة الضوء أشمل من منطق كالسراب ، وأغزر من شوكة في الهباء .
فدعني بنصف المسافة ، مابين غمزة وصلٍ ، وبعثرةٍ ترسم اللانهاية ، دعني بلثغة نبضي أشكّل حزنا جميلا يكون بمقياس عشقي ويلهمني معطيات الكلام
ويشربني كالمواويل تأتأة تتنفس من رئة الطف
دفء الكنايات ،
زهر البيان و مسك الختامْ.
ليأخذ من تربة الطف ما يتشهَّب
يصعد مثل الفسائل حين يجرّدها النخل من جاذبيتها في الهواء.
رويدك !
أنشودةٌ لا تجوبُ قلاعَ الحسين
تظلُّ على قارعاتِ الفراغِ كأرصفةٍ للعراءْ .
فدوّن بأنَّ الأساريرَ تُطبع في دفترٍ للبدايات أنشودة من ظماء.
وأنّ اختلالَ التوازنِ في لغةِ الأرضِ يشهقُ للعطرِ من كربلاء.
وتعجبُ لو أمْطَرَتْ بالدماءْ ؟
أليس الحسينُ هنالك لَملَم سبحتَه
مازج التربة المتدلاّة
عمّدها بالخلودِ؟
فللّه درُّ الترابْ !
يسافر في ملكوت الغيابْ.
ألستَ تراهُ على شرفة الخلدِ
بوّابة الله للعابرين ؟
كمفترقٍ للضبابِ
يشير فيمطر وعدُ السماوات للأنبياء.ْ
فكيف أكوثرُ تفعيلة الجرحِ
والشعرأعمى؟
وللشعر تهويمة من ضياع
تقول بأنّ الشموس غيابٌ
أقول بأن الشموس إياب.
فسافر بقلبكَ
هل ثمّ شمسٌ تزاور عنك بذات اليمين وذات الشمال ؟
وهل ثمّ قافلة من خيالْ ؟
ألا فامتطِ الرّوحَ للغادريّة للازورد
فهذي السنابك ريحٌ تضجُّ وتجرشُ
توقنُ
أنّ الشباب هناك يخطُّ الحياة بمعصم نورٍ
ويحملُ للأبديةِ مُلكاً يقوّضُ تاجَ الذئاب
وأنّ الصحاري تغني بثغر الصحاب الحُداءْ.
وأنتَ تعانق كلَّ الخيالاتِ ينهمرُ اللونُ في صَهلةٍ للسؤال :
لماذا إليه؟
لماذا المجرّاتُ عند النوايا
تصبُّ حكاياتها كاللُّجين
وترفع سقفَ الوجودِ امتدادا ليتّسع الكون
لم يبقَ متّسعٌ للعلوِّ
فينجذب الشكّ نحو اليقين
قليلا قليلا
فيجهش منا بكاءُ البكاءْ.
ويغتسلُ الحرفُ
و الأبجديّة تمرقُ من بين بُعدَيه غيما
وتسألني نبضةٌ بعد حينٍ :
لماذا إليه؟
فأسمع
وهو يدندن صمتي خجولا
ليصفعني النصلُ بعد المسافات من قبل أن يستريحْ
فأغفو على صدر قبّرةٍ تتهجّى الضريحْ
وتخصف للعتبات الحنين
فترفضّ منّي نياط السنين
وأهتف :
“إني كفرتُ بيومٍ يغافل تمتمتي عن هواه
أصيخ جوابا لمن قال في ردهات الشعور:
لماذا إليه؟
لماذا هو الحيّ فينا
وكل المفاهيم من حولنا مومياء؟
وأسطورة والحكايا البليدة منقوعة في الهراءْ.
وقد كان فينا الكثير الكثير، وكل المماليك من خلفه فقراء؟
وما كان فينا الحسين غريبا ،ولكننا الغرباءْ
وهمس الجموع نشازٌ مريعٌ وصوت الحسين نسيمٌ رُخاء.
نلوذ به حينما يعصف القحط واليأس والذلّ والانطفاء.
وحيث تعجُّ خواطرنا بالغثاءْ
فيهوي رذاذا يبلّل وقع الهموم ويرفو المدى
ويخصب زرعا وقمحا وسنبلة من أباة
وينفح دنيا المتاهات بالمعجزاتْ
و نملأ منه جرار الأماني
كما رُقْيَة العاشقين
“لماذا إليه؟”
وحدهُ اللهُ يعلمُ كيف نرتِّبه في خلايا الضلوع
وحده الله يعلمُ أن الحسين صلاة تنازعنا بالخشوع
وحده الله يعلم أنَّ الحسين وفيض الدماء بقاءُ البقاء