تجليات رياحية

تقمّصــتُ أنفـــاسَ الصــباحِ إذا تُتـلى وأمسكتُ ظلَّ الشمسِ في لحـظةٍ حُبلى
خرجتُ من التابوتِ حينَ انبـرت يــدٌ تحــــرِّكُ من أعتـــى مغالِقِـــه قُفـــــلا
وغــادرتُ أيوبي الذي طــالَ ضُـــرُّهُ أُهرولُ منزوعــاً إلى عينِــــه غُسْــــلا
يُجَعجِعُ بي صوتٌ سحيـــقٌ ولم يَـزلْ يبشـــرّني حتــى وُلــــدتُ لــه كهــــلا
أراقبـــــــه منــــذُ استقـــــلَّ سِنِيـَّـــــهُ وأقبـــلَ من مهــــوى مدينتِــــه جَفْـــلا
يُقِــــلُّ عليـــها الضِّـــدَ والشِّبْــهَ توأمًا ومِن كلِّ زوجٍ من معاني الإبـــا أهــلا
يُسهِّلُ صـــعبَ المدرَكــات برمْقَـــــةٍ وأنّى يشــأْ من أمرِها صــعّبَ السَّــهْلا
فيفقَــأُ عـــينَ المستحيـــــلِ مُصــــيِّراً حبــــائلَــهُ صَيــــداً وألغــــازَهُ حَـــــلّا
فلـم أرَ -يـا للهــول- أســـرعَ ثـــابـتٍ على الحـقِّ ترتدُ الطريقُ لــه عَجـــلى
فيدنــــو لأعـــــذاقِ الرجـــالِ يَهُشُّــها فلــم يرَ جَنْيـــًا يُستــطابُ ولا نخـــــلا
فهــزّ بجـــذعِ العـرشِ حتى تسـاقطت على مَتْنِـــهِ الأنصـارُ تَقـرؤهُ “قُلْ لا”(1)
كأنّ خُــــطا نَعليــــهِ ريـــشُ حقيقــــةٍ تقصّيتُـــها كي أدركَ الفــوتَ والرَّحْـلا
فـألفيتُــــهُ ريحـــــاً أقلّــــت سحــــابَها إلى بلــــدٍ مَيْـــــتٍ ليُعشِبَــــــهُ حَقْــــلا
ولمّا وجدتُ الركبَ كالحـــبل صاعداً وكنتُ بقعـــرِ الجُــبِّ، أمسكتـهُ حبـــلا
فأبصــرتُ من أجلى الحقائقِ وجــهَها ومن بينها وجــهُ الحســينِ بدا الأجـلى
يُقــسّمُ قلــبَ الخُلْـــد نبضـــاً وكعكـــةً ليُفردَ لـــي ممّـــا يجــــودُ بــه كِفْـــــلا
فمرَّ بنــا في ومضـــةٍ مـا رأت لهــــا بصــائرُنا في الخلــقِ رِدفًـــا ولا مِثْـلا
فقطّعتُ أوصـــالي اشتغـــالاً بما أرى كمــا قطّـــعَ الكفّـــين سقّــــاؤهُ شُغْـــلا
وحيثُ هوى جســمي أفقتُ لكي أرى دَمَاً غطَّ فيـــه الرمـلُ لكنْ بلا قتـــــلى
فجــاءتـه تكتــالُ السمـــــاءُ نصيبَـــها فأمطـــرهــا من سُحْـبِ آفاقِــــه كَيْـــلا
يُصعِّــــدُ فيضَ الطفلِ قيـــدَ حمــــامةٍ ليجمعَ ما بين الثرى والســما شَمْـــــلا
وأسفرَ من أقصى المخــــيّم مُشــــرقاً وقــــوراً يُقفّــي خَــطوَهُ المــلأُ الأعلى
يباشــــرُ لاهوتيّـــةَ العِشـــقِ مُخبِتــــاً يُقيـــمُ طقــوسَ القُربِ من دَمِــهِ حَفْـلا
يجــاوِزُ حــدَّ الــريِّ في اللهِ ظامئـــــاً فينســـابُ ريُّ الذكــرِ من ثغــره نَهْـلا
فألقـى هُــواةُ السحــرِ كُــلَّ حبــــالِـهم ومحـــضَ عِصِيٍّ يَمّمت شـطرَهُ نَبْـــلا
فأبصـرتُ قلبـــاً بيــن جنبيـــه كُلَّمـــا توخّـــاهُ ســهمٌ كــان يَلقَفُـــــه حَبْــــــلا
وحين انبرى يســتدرجُ المــوتَ نحوَه تنـاهى إليـــه النصــرُ يقصـــدُه قَبْــــلا
فيسفـــعُ -ذاتَ الذبــحِ- ناصيـةَ الردى ويسحـــلُــه سَحْـــلَ العــزيــــزِ إذا ذَلّا
تظنون أنْ فاضت إلى العرش روحُـهُ فكيفَ لها، والعرشُ في صدره حَــــلّا
فلم أرَ أحلى منـــه من قبـلِ ذبحـــــــهِ ولكنْ بَدَت بالفيـــضِ سحنتُـــهُ أحـــلى
تَفتَّــــحَ حـــتى خِلتـُــــه ياسـمـيـنــــــةً تُبَوصِل أســــرارَ الجمـــال لها نَحْـــلا
وزيتونــــةً حُبــــلى لكلِ مواســــمِ الـ حيـــاةِ، فتُــؤتي كــلَّ حــــــينٍ لها أُكْلا
كأنْ لم يَجــدْ حُلْــمُ الســــماءِ مُئــــوِّلاً يُأنسِــــنُهُ، حــتى ارتـــأى أنّــه الأوْلى
أراهُ حكـــايـــــاتٍ كــــأنّ فصـــــولُها تُنسِّـــــلُ من أقصى نهاياتها نَسْـــــــلا
فيَرجـــعُ في فصــلٍ يُلملِـــمُ بعضَــــهُ لينثــرَه فصــــــلاً ويجمعَـــه فَصـــــلا
يُشجِّــــــرُ بـالآلام آفـــــاقَ مُلْكــــــــهِ ليَجنيَ من أغصـانـِها اللـذةَ المُثـــــــلى
أراقبُــــــهُ منــــذُ استقـــــلّ حقيقةَ الـــ عُروجِ فمرّت فــوقَ أضلُعِـــهِ خَيْـــــلا
فأدركتُ أنّي (العبدُ) حـــــينَ تَصَنّمتْ عبــوديةُ المعــــنى لأعبدَها عِجـــــــلا
فحــررني معنى الحســـينِ وعِشقُــــه لأُدرِكَ أنَّ (الحـــرَّ) مَن أدركَ المَــوْلى

 

  • “قل لا”: “قل لا اسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى”