معزوفةٌ فوقَ الرمح

رأسُ الحسينِ يطوفُ بوصلةَ الجهاتِ
محلّقاً نحوَ السماءِ
كغيمةٍ قدسيّةٍ
نطقتْ بأسرارِ المطرْ

للرمحِ وجهتهُ
وللخدِّ التريبِ حكايةٌ أخرى
تترجمُ أبجدياتِ القدرْ

للدّمِ سنبلةٌ تحررُ كلَّ شيءٍ عابرٍ
نزفٌ على رئةِ الخلودِ ..
مسافةٌ للدمعِ …
أروقةٌ مشاغبةٌ …
ضجيجُ الخيلِ …
قهقهةُ السيوفِ …
نحيبُ أطفالٍ …
ورأسٌ واحدٌ يجتازُ قاموسَ الخطرْ

يحنو على كلِّ الجراحِ برأسهِ
وعلى فمِ التاريخِ ثورة حدسهِ

قد صاغَ من غدهِ المسافرِ غيمةُ
تنمو وتنمو في تمرّدِ أمسهِ

وكأنهُ وحي الوجودِ وآية
رسمتْ تفاصيلَ الجهاتِ بقدسهِ

الشمسُ أتعبها الغيابُ ولم يزلْ
للضوءِ محرابٌ يطوفُ بشمسهِ

الجرحُ يقترفُ الخطيئةَ
حينما ضجَّ النزيفُ
وكربلاء تسابقُ الزمنَ السوادَ
وذي طبولُ الحربِ مُـشرَعةٌ
وفوقَ الرمحِ صوتٌ
يستمدُّ من السماءِ
طهارةَ القرآنِ .. نبضَ تلاوةٍ
تسمو بأرواحِ الصغيراتِ التي شَهَـقتْ
وبلّـلها الضجرْ

وجهُ الحسينِ على مسافةِ اصبعٍ
والسهمُ يعبثُ
في نبوءةِ صدرهِ
واللحظةُ اشتعلتْ
ومزّقها الحجرْ

لا شمرَ عادَ
ولا السيوف تمرّدتْ
لا شيءَ من قلقِ الجهاتِ
ولا هدير الماءِ في جسدِ الفراتِ
ولا امتداد النارِ
كانَ لصوتهِ سحراً لــ ( بسمِ اللهِ ) في كلِّ السوّرْ

يأتي بوشمِ المعجزاتِ
ولم تزلْ ( هيهات ) تعبثُ بالظلامِ
وتفتحُ التأويلَ
في قلقِ الممرْ

الآنَ يعبرُ ( سيدُ الشهداءِ ) للوجعِ الخفيِّ
وفي يديهِ حكايةُ الغرباءِ
ترسمُ للخلاص ِ
على امتدادِ العمرِ
سنبلةً تراقصُ ثورةً في الطفِّ
من ألمِ الصورْ

لا زالَ رأسٌ للحسينِ
يطوفُ أروقةَ الحنينِ
كأنهُ جسدُ القمرْ

الضوءُ فوقَ الرمحِ عانقهُ السهرْ
والماءُ في قلقٍ يفتشُ عن أثرْ

جسدٌ هناكَ ، وألفُ صوتٍ ها هنا
والريحُ صامتةٌ … وأتعبها السفرْ

صوتٌ سماويٌ يبوحُ بطهرهِ
وملامحٌ خضراءَ يلثمها الشجرْ

للرأسِ ثورتهُ التي نهضتْ بنا
وكأنه قد صاغَ أرواحَ البشرْ

 

 

امتدادات الظل الكاشفة

أُكثِّفُ حُبِّيْ فتبدأُ فيَّ العواصفُ

ها تلكَ أشرعةُ العابرينَ

تجرُّ السفينةَ نحوَ الهيامْ

لماذا تسيرُ القوافلُ عكسَ الشموسِ

وتختبئُ الأمنياتُ بجَيْبِ الظلالِ

وتسقطُ كلُّ الطفولاتِ مِنْ حَبْلِ أرجوحةٍ في الحديقةِ

لمَّا تفتَّحَ نحْرُ الرضيعِ

بريحِ السهامْ

***

رموشُ الحقيقةِ

أطولُ مِنْ خصلاتِ الفراتِ

وثمةَ موتٌ خفيٌّ يناجي اليتامى

وقرعُ الحياةِ تضاءلَ

لكنْ تنزَّلَ للطفلِ وحيٌ يُشابهُ صوتَ البتولِ

ويزجي السلامْ

***

تنامُ الطفوفُ على راحتَيْ زينبٍ

حيثُ مدَّتْ عباءَتَهَا للصغارِ فِراشًا

وطارَ الفَراشُ بنصفِ جناحٍ

ليقصدَ جسمَ الحسينِ

هُوَ الليلُ يحتضنُ الأمنياتِ العصياتِ

رغمَ اضطرابِ النجومِ

انطفاءِ الكواكبِ

بَعثرةِ الضوءِ فوقَ الترابِ

احتضارِ البدورِ

بِجوف الظلامْ

هُوَ الليلُ

آخرُ حاملُ سيفٍ بِجيشِ الحسينِ

وآخرُ مَنْ ترتجيهِ النساءُ

هُوَ الملفعُ الأسودُ المرتخيْ فوقَ أوجاعِ تلكَ الخيامْ

***

أُكثِّفُ حُبِّيَ

كي أبدأَ الهجرةَ الموسميةَ نحوَ الطفوفِ

أنا السربُ وحدي

توزعتُ طيرًا فطيرًا

فأجمعُ نفسي.. أُشتِّتُ نفسي

“وأزحفُ.. أركضُ.. أرجفُ.. أمشي.. أصيحُ.. أنوحُ.. أبوحُ..”

لأني أسيرُ وركبُ السبايا يسيرُ بصحراءِ وَجْدي

سأشطبُ أطرافَ صحرايَ

حتى تصيرَ المسافةُ أقصرَ للتائهينَ المجدِّينَ في السيرِ

نحوَ الختامْ

***

هنالكَ خيطٌ

يُلَمْلِمُ حباتِ عِقْدِ الفجيعةِ

يمتدُّ مِنْ دمعِ زينبَ بعدَ الطفوفِ

إلى قَتْلِ هابيلَ ذاتَ ضياعٍ

إلى قَتْلِ حيدرَ ذاتَ سجودٍ

إلى صَلْبِ عيسى

يدورُ

يدورُ

إليَّ

إليَّ

إذا ما انتظمتُ بِعِقْدِ الفجيعةِ

ينقطعُ الخيطُ

تنتثرُ اللؤلؤاتُ على صدمةٍ مِنْ رخامْ

***

وعنديَ ظِلٌّ وَفِيٌّ

يرافقني حيثُ تهربُ روحي

فأمشي ويمشي

وأركضُ.. يركضُ.. لكنْ

وقفتُ ويمضي

وظِلِّي يراوغُ نارَ الحياةِ

ويمتدُّ نهرًا بوسْطِ الهجيرِ

ويقصرُ حدَّ انغماسِ الجذورِ

ويمتدُّ حدَّ اندلاعِ النخيلِ

يغادرُني للسماءِ

ويعلو

ويهبطُ

يحضنُ جسمَ الحسينِ

وذلكَ طبعُ الغمامْ

***

رذاذُ القداسةِ يهطلُ مِنْ سدرةِ المنتهى

فوقَ تلكَ التلاعِ التي مازجَتْهَا دماءُ الكتابِ

مِنَ الحوضِ جبريلُ يغرفُ غيثًا

وينزلُ للأرضِ يروي الظمايا

وفي عينهِ حمرةٌ مِنْ دماءِ الكفيلِ

ندىً أحمرُ اللونِ يزهو على اللوحِ

قدْ بَلْوَرَتْهُ دماءُ الرضيعِ

رموشُ الحقيقةِ

أطولُ مِنْ خصَلاتِ الفراتِ

ستخضرُّ كلُّ الأماني

وتنمو البراعمُ

تنمو

على شفَراتِ الحسامْ

***

ورافقتُ أُفْقَ الحسينِ

لأمتدَّ بحرًا

أُزخرفُ كلَّ المآسي عَلَيَّ كموجٍ

أُشجِّرُ أفكاريَ البائساتِ غيومًا

وأرفعها

بعد أنْ جفَّ منها الكلامْ

سيبحرُ فوقي هوى الأغنياءِ

وحلْمُ الفقارى

وآمالُ كلِّ المساكينِ والفاقداتِ

أُكثِّفُ حبِّي فتبدأُ فِيَّ العواصفُ.. لا شيءَ لا شيءَ

يبقى سوى..

ذكرياتِ الحطامْ

***

كما يرشحُ الماءُ

مِنْ ثَغَرَاتِ الكفوفِ التي مدَّها اللهُ للنشأتينِ

هناكَ على الرملِ يرشحُ

فيضُ الحسينِ

ومُذْ بعثروهُ على الرملِ

شلوًا

فشلوًا

تبعثرت الآيُ

إذ كانَ كُنْهُ الحسينِ يُنَسِّقُ وَحْيَ الإلهِ

فَمَنْ بَعْدَهُ يجمعُ الذكرَ فِي الدفتينِ؟

سينهضُ رغمَ المماتِ حسينٌ

ويبني السماواتِ

فوقَ الركامْ

قبلات على عتبة الحسين

الْبَدْرُ آخِرُ قِصَّةٍ

فِي عَيْنِ تَائِهْ

تَحْكِي الْحُسَيْنَ: يَقُودُ جَيْشًا مِنْ ضِيَائِهْ

وَالليْلُ يُمْعِنُ فِي غَيَابَةِ جُبِّهِ

وَيَصُبُّ -مِنْ جَفْنِ الْحُسَيْنِ- نَزِيفَ مَائِهْ

وَعِدَادَ مَا فِي جِسْمِهِ مِنْ طَعْنَةٍ

أَدْلَى الْحُسَيْنُ بَنِيهِ…

مَاتُوا فِي دِلائِهْ

لِلْجُرْحِ أَيْضًا أَنْبِيَاءُ…

وَلَيْسَ غَيْرُكَ -يَا ذَبِيحِ الحَقِّ- آخِرَ أَنْبِيَائِهْ

***

عَاشُوا (نَعَمْ) نَعَمًا

وَسِيقَ رِضَاهُمُ

وَتَعَثَّرَتْ قَدَمُ الْحُسَيْنِ بِكَرْبِ – (لائـِ)ـهْ

شَالُوا  -عَلَى الأَكْتَافِ- كَرْبَ وَلائِهِمْ لِلَّيْلِ..

وَهْوَ دَمٌ بِعَيْنَيْ (كَرْبَلَائِهْ)

فِي رُكْنِ ذَاكِرَةِ الظَّلَامِ رُمُوا…

وَفِي شَرْقِ الْقُلُوبِ:

الشَّمْسُ بَعْضٌ مِنْ بَهَائِهْ

زُوَّارُهُ احْتَفَلُوا بِعُرْسِ شهيدِهمْ

مُتَخَضَّب الكفَّيْنِ مِنْ حِنَّا دِمَائِهْ

***

أَعْطَى سُيُوفَ عِدَاهُ دَرْسًا

حِينَ مَاتَ بِهَا

وَأَبْقَى النَّصْرَ حَيًا فِي رِدَائِهْ

وَسُيُوفُهُمْ ما ذُقْنَ مِنْ دَمِهِ سِوَى سُمِّ الفَنَا..

وَحَقَنَّهُ بِدَوَا بَقَائِهْ

بَقِيَ الْحُسَيْنُ

وَشَيَّعَ الأُمَوِيُّ نَعْشَ سُيُوفِهِ الْخَمْسِينَ نَحْوَ لَظَى انْطِفَائِهْ

وَالْيَوْمَ..

فِي جَيْشِ الْحُسَيْنِ انْضَمَّتِ الأَقْلَامُ فِي وَرَقِي

تُحَارِبُ مِنْ وَرَائِهْ

***

قَدَمَاهُ فِي شَطِّ الْفُرَاتِ…

وَرَأْسُهُ فِي كِتْفِ نِيلٍ صَارَ عَيْنًا فِي رِثَائِهْ

كَخَرِيطَةٍ لِلنَّصْرِ فُصِّلَ جِسْمُهُ

خَطَّتْهُ (جُغْرَافْيَا) الْجِرَاحِ بِكِبْرِيَائِهْ

أَسْمَاءُ أُسْرَتِهِ عَوَاصِمُ دَمْعِنَا…

وَمُسَطَّحَاتُ دَمٍ  مَلامِحُ أَقْرِبَائِهْ

بَيْنَ الْعِرَاقِ وَمِصْرَ بُوصَلَةُ الْمُسَافِرِ حُبُّ آلِ الْبَيْتِ..

مَنْ يَفْقِدْهُ…

– …؟!

– … تَائِهْ

***

حُكَمَاءُ صِهْيَونٍ جَرَوُا دَرَسُوا خَرِيطَةَ جِسْمِهِ (أَلِفَ الْفُرَاتِ لِنِيلِ يَائِهْ)

قُولُوا لَهُمْ:

أَضْحَى تُرَابُ الأَرْضِ لَحْمًا لِلْحُسَيْنِ

وَلا سَبِيلَ إِلَى اجْتِزَائِهْ

بِيَدِ (الشَّهِيدِ) يَصِيرُ طُوبُ الأَرْضِ سَيْفًا

لَنْ يُطِيقَ عَدُوُّهُ ثِقَلَ اتِّقَائِهْ

إِلا الْحُسَيْن

فَإِنَّهُ الْوَطَنُ الْكَبِيرُ….

الرِّيحُ:

نَسْبِقُهَا عَلَى سِكَكِ افْتِدَائِهْ

***

رَيْحَانَةٌ سِبْطٌ زَكِيٌّ سَيِّدُ الشُّهَدَا أَبُو الأَحْرَارِ… جَدٌّ فِي إِبَائِهْ

وَأَبُو الأَئِمَّةِ فِي الْبَيَاضِ، غَرِيبُهُمْ

وَالطَّيِّبُ الْمَظْلُومُ…

وِتْرٌ فِي عَنَائِهْ

وَأَسِيرُ كُرْبَتِهِ الْمُبَارَكُ

وَالْمُجَاهِدُ

جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْقُرَى شَرْقَ اهْتِدَائِهْ

الْوَحْيُ سَمَّى..

كَانَ الِاسْم عَلَى مُسَمَّى..

سَادَ.. أَمَّ.. وَضَمَّهُ جَدُّ الْمَحَبَّةِ فِي كِسَائِهْ

***

بِقَمِيصِهِ الْمُحْمَرِّ يَفْتِنُ جَدَّهُ

كَالْوَرْدِ: قَلْبُ الْمُصْطَفَى طِفْلُ اشْتِهَائِهْ

أوْ.. كَانَ قَلْبُ رَسُولِ رَبِّكَ وَرْدَةً

وَحُسَيْنُ قَاطِفُ نَبْضِهَا بِيَدَيْ نَقَائِهْ

فَالْجَدٌّ عَقْلٌ فَوْقَ كِتْفَيْ مِنْبَرٍ

تَفْكِيرُهُ طِفْلَانِ مِنْ صُلْبِ احْتِفَائِهْ

لَبِسَ الْحُسَيْنُ الطِّفْلُ ثَوْبًا أَحْمَرًا

وَاحْمَرَّ

بَعْدَ الطَّعْنِ أَكْثَرَ

مِنْ دِمَائِهْ

***

(شَعْبَانُ) أَمْ شَعْبَانِ…

شَعْبٌ عَاشِقٌ لابْنِ الرَّسُولِ

وَضِدَّهُمْ مَرْضَى عَدَائِهْ

غَلَطًا رَأَوْهُ وَلِيدَ يَوْمِ( ثَلاثَةٍ..)

وَالصَّحُّ:  أَنَّ الْيَوْمَ يُولَدُ مِنْ سَنَائِهْ

هُوَ عِيدُ مِيلادٍ لِيَوْمِ وِلادِهِ…

وَشَهَادَةٌ بِوَفَاةِ عَبْدِ (يَزِيد) شَائِهْ

يَعْوِي بِحَضْرَة آلِ بَيْتِ الْمُصْطَفَى

وَلِغَيْرِهِمْ

يُلْقِي قَصَائِدَ مِنْ مُوَائِهْ

***

كَرِهُوهُ  أَمْ كَرِهُوا النَّبِيَّ!

وَحُبُّهُ مِنْ حُبِّهِ مِنْ حُبِّ رَبِّي فِي سَمَائِهْ

وَهَلْ ابْنُ مَنْ يُوحَى إِلَيْهِ.. كَابْنِ مَنْ يُمْلَى عَلَيْهِ..؟!

الْبَدْرُ كَالْحَجَرِ الْمُبَالَغِ فِي طِلائِهْ؟!

يُوصِي عَلَى رَيْحَانَتَيْهِ …

فَيَسْحَقُ الأَعْمَى جَمَالَ الْوَرْدِ تَحْتَ عَمَى حِذَائِهْ

اسْحَقْ فجِسْمُ الْوَرْدِ جِسْمٌ لَيْسَ إِلَّا….

لَسْتَ تُفْنِي رُوحِ عِطْرٍ فِي فنَائِهْ

***

مِنْ مِصْرَ.. مِنْ بَغْدَادَ..  مِنْ لُبْنَانَ..

سُورِيَّا.. الإِمَارَاتِ.. الْجَزَائِرِ.. أَوْ سِوَائِهْ

خُطُّوا قُرَاكُمْ فِي (الْبِطَاقَةِ)…

وَاسْرُدُوا تَارِيخَ جَدٍّ شَادَ صُبْحًا مِنْ مَسَائِهْ

وَتَجَمَّدُوا فَخْرًا كَثَلْجِ الْقُطْبِ…

فِيمَا الْعِشْقُ مَدَّ بِنَبْضَتِي خَطَّ اسْتِوَائِهْ

مَا فَخْرُكُمْ؛ وَ..

مْحَلُّ مِيلادِي الْحُسَيْنُ

وَوَجْهُهُ

تَارِيخُ مَوْلِدِ أَوْلِيَائِهْ؟!

***

مَاضٍ على دين النبيِّ ..

يعولُ

-من دمه-

عيال أب عَلا فرسَ ابْتِلائِهْ

كتفاهُ سَفْحَا حُمرَةٍ..

طعناتهم جبلانِ لم يصلا إلى قمم اشتكائِهْ

وسهامهمُ ريحٌ عقيمٌ أنجبَتْ

موتًا لقيط المجد من صلب اعتدائهْ

موتٌ:

تَبَنَّاهُ الْحُسَيْنُ… فَسُمِّيَ (استشهاد)ه … لا (ميمَ) تطرُدُ وجْهَ (تائهْ)

***

الموتُ:

أعطاه الحسينُ من الخلودِ رغيفهُ

وَوَرِيدَ (طَهَ) لاحتسائهْ

هل كانت الأقلام تذكر مثلَ هذا الموت في صحن الحسينِ بلا عطائِهْ؟!

لهفي:

غموس رغيفه جُبْنُ الذين كفوفهم غدْرٌ تعضَّ يديْ وفائهْ

والكوفةُ الحمراءُ

تعجن خطو عسكرها بماء عروقه

وبُكَا لوائهْ

***

قتلتْ

-بسيف ليس في يدها-

الحسينَ..

وفي جنازتهِ مشتْ مع أصدقائهْ

ومضى لمغربهِ بقلب الشمسِ…

يحمل صبحه كفَنًا تزين بارتدائه

وغروبه معناه أن الشمس ترحل من هنا لهناك

لا معنى انطفائه

وغدا الحصى من خلفه أقمار ذكرى

فالحسينُ الشمسُ حتى في اختفائهْ

***

لَـحْنٌ يُسَمَّى الـمَشْرَعَة

 في صَمْتِ لَيْلٍ مَدَّ ظِلًّا أَذْرُعَهْ
كَسَرَ المرَايَا كَانَ يَنْثرُ في دَمي
يحدوهُ وَجْدٌ وانكِسَارُ يَتيمَةٍ
يَتَرنمُ الحُزْنَ القديمَ يشدُّهُ ..
في اللامَدَى والعَلقَميُّ يَقينُهُ
أَوْحَى لذاكرةِ الفُراتِ : قصيدةً
، دمعًا  بحجمِ الذكرياتِ. خُلاصةُ الـــكلماتِ
مُتناثرًا أخطو لألمسَ لحظةً
لا أين تعتقلُ المكانَ ولا مَتَى
فَقَبَضتُ مِنْ دمعِ الحسينِ مَشَاعرًا
قَمَرٌ بقرب النهرِ !؟ ، والأطفالُ تشــــــكو
قلبي يُحَاولُ سَهْمَهُ .. ما اسطعتُ مِنْ
مَنْ أوقظَ الرَمَقَ  الأخيرَ ؟ ،  وكَرْبَلا
لحنٌ من الصمتِ الحزينِ ، مُـمَـزَّقٌ ..
هذا اللقاءُ .. هُنَا الحياةُ تَوَقَّفَت
كَانَتْ مَسَافَات الزمانِ قصيرةً
وتسرَّبَ الليلُ المؤجلُ من ( شقو
لَيلٌ بإيقاعِ الشَتَاتِ مُحاصِرٌ
مَنْ حرّض الناياتَ أن تبكي؟، ورجــــــــعُ

عَبَّاسُ موسيقى الغِيَابِ بِلاصَدَى
علِّم مَحَاجريَ المدامعَ واستعرْ
مازلتُ أسألُ عَنْكَ نهرًا ظامئًا
مازلتُ أسألُ عنكَ سِرَّ أُخوَّةٍ
فاعجنْ  بدِفءِ رؤاك طينَ مشاعري
واقرأ لِرَوعي كَرْبَلَا .. علِّمنيَ الأسماءَ
سأزاولُ الأحزانَ .. مهْنَةَ باذِلٍ
يا فارسًا شَغَلَ الشَجَاعةَ ( هل أتى )
في كَفِّكَ اكتَشَفَ الفُراتُ جَمَالَهُ
خُذني صَدَى شَوقٍ ودمعةَ عاشقٍ

وَأَعَارَ للوَجَعِ الـمُعَتَّقِ أَدْمُعَهْ
لَحْنَ الظَمَى وَيَعودُ حَتَّى يَجْمَعَه
يَمْضي.. يَجيءُ ، احتَارَتِ الدُنيَا مَعَه
سفرًا بعيدًا .. فالمسَافَةُ مَشْرَعَة
يَدنو بشَكِّ الماءِ حَتَّى يَقْطَعَه
أُخرى بإيقاعِ الوفاء مُصَرَّعة
كَانت / من وفاءٍ / مَصرَعَه
فيها استراحَ هوىً وترجمَ أروعه
تهبُ الزمانَ مَدَىً لأرسمَ مَوقِعَه
أستقرئُ الأثرَ الأخيرَ لِأَتبَعَه
قسوةَ الظمأِ / الظلامِ مُرَوعة
وَهَجِ الدماءِ / بجرحِهِ /  أنْ أنزعَه
تغفو على صدرِ النشيجِ مُوزَّعة
وَصَداهُ في صَدْري يُمَارسُ أوجعَه
:( دعني .. سيأتي لي أخي لأُودّعه)
ما احتجتُ أَنْ أدنو إليه لأسمَعَه
قِ البابِ )  نارَ مُخيَّماتٍ مُوْجَعَة
يأسَ الصِغارِ .. هُناكَ يَعزفُ مَدْمعه
تَكَسُّرِ الضِلْعَينِ ، مَاذَا أرجَعَه ؟

نَهْنِه صَليلَ النحرِ كَيْ أَتَوَجَّعَه
حُزْنًا مِنَ الخَيماتِ . وامزجني مَعَه
و خُطى يَتَامى في المسيرِ مُضَيَّعة
طرَّزتهُ ، ويقينُ طُهْرِكَ أبدَعه
أنا عاشِقٌ بِهواكَ شَكِّلْ أَضلُعَه
والإنسَانَ فيَّ لأصنعه
يمشي بِقَلبِكَ والجراحُ الأمتعة
نَصْرٌ و فَجْرُكَ لم يُهَدْهِدْ مَطْلَعَه ؟
في صَدرِكَ التَقَطَ الحنينُ تَفَجُّعَه
مازالَ يُشعِل من وفائِكَ أَشْـمُعَه

فَأَرَانَا الآيَةَ الكُبْرَى

يَشْقَىْ عَلَىْ نَزْفِ السَنَابِلِ قَمْحُهُ   مِقْدَارَ مَاخَطَّ المَصَائِرَ جُرْحُهُ
لِتَرَاهُ يَعْبُرُ بِالإِبَاءِ مُجَنَّحًا   بِالكِبْرِيَاءِ وَمَا تَنَفَّسَ صُبْحُهُ
رَجُلٌ تَوَكَّأَ بِاليَقِيْنِ، يَهُشُّ أَوْ   رَاقَ الخَرِيْفِ وَقَدْ تَقَادَمَ لَفْحُهُ
مِنْ تَاجِ أَخْيِلَةٍ تَوَقَّدَ عَنْ مَجَازِ    نُبُوَّةٍ سَنَّ الكَرَامَةَ لَوْحُهُ
وَعَصًا تَشُقُّ الغَيْبَ مِنْ صَفْصَافَةٍ   عَلَوِيَّةٍ، وَالمَاءُ صُوْدِرَ سَحُّهُ
وَكَأَنَّ فَلَّاحَ الرُؤى فِيْ شِعْرِ عَاشُوْرَاءَ    يَبْتَكِرُ الزَنَابِقَ قَرْحُهُ
شَكْوَى انْهِمَارِ أَسَاهُ لَمْ تَتْرُكْ فَمًا   مَا صَافَحَ النِسْرِيْنَ فِيْ الدَمِ صَفْحُهُ
حَتَّى إِذَا غَضَّ البَصِيْرَةَ صَائِدُ الــأَحْلَامِ    عَادَ وَفِيْ الخَوَاطِرِ لَمْحُهُ
بَابٌ مِنَ الأَحْزَانِ طَوَّقَ كَرْبَلَاءَ    اللهُ فِيْ يَدِهِ العَظِيْمَةِ فَتْحُهُ
وَأَنَا وَرَجْعُ صَدَايَ، دَمْعَةُ أُمِّيَ التَّــعْبَى    وَشَيْبٌ مَا تَأَخَّرَ بَرْحُهُ
نَتَسَلَّقُ الأَفْكَارَ فِيْ مَلَكُوْتِ أَحْــلَامِ    الصِغَارِ وَفِيْ الجَوَارِحِ نَفْحُهُ
ظِلَّانِ مِنْ قَلَقٍ وَرَائِيَ يُشْبِهَانِ    الوَقْتَ وَالتَوْقِيْتُ مُزِّقَ جُنْحُهُ
وَالكَوْنُ يَنْظُرُ مِنْ أَرِيْكَةِ قَلْبِيَ الــمَوْجُوْعِ    فَارَ عَلَى الأَضَالِعِ قَيْحُهُ
شَيْءٌ غُبَارِيُّ المَلَامِحِ، خَيْمَةٌ   /عَيْنٌ وَتَلٌّ كَمْ تَوَقَّدَ سَفْحُهُ
شَطٌ يُرَاقِبُ كَفَّ رَبِّ النَهْرِ يَبْــتَكِرُ    الخَرِيْرَ عَلَى الضَمَائِرِ رَشْحُهُ
عُرْسٌ تَكَفَّلَهُ اخْضِرَارُ الشَمْعِ يا   لِلشَمْعِ وَهْجٌ لَيْسَ يُدْرَكُ شَرْحُهُ
حَتَّى إِذَا اكْتَمَلَتْ بِعَيْنِيَ لَوْحَةٌ   بَيْضَاءُ أَتْقَنَهَا مِنَ الدَمِ كَدْحُهُ
تَتَسَوَّرُ الأَحْلَامَ أَذْرُعُ نَهْضَةٍ   كَمْ شَدَّهَا بِيَدِ الكَرَامَةِ صَرْحُهُ
الخُلْدُ طِفْلَتُهُ البَرِيْئَةُ كَانَ دَلَّــلَهَا    عَلَى كَتِفٍ تَهَرَّأَ مَنْحُهُ
وَقْتَ انْبِلَاجِ العِزِّ بَعْدَ مَسَافَةِ الــوَحْي    المُعَبَّأِ بِالمَعَاجِزِ مَتْحُهُ
بِعِنَاقِ رَمْلٍ ذَاتَ قُبْلَةِ مِحْبَسٍ   فِيْ خُنْصُرٍ لِلَّهِ شَاوَرَ وَضْحُهُ
شَاءَتْ سَمَاءُ اللهِ أَنْ تَهْوِي طَوَاعِيَةً    فَأَمْسَكَهَا هُنَالِكَ رُمْحُهُ
أَصْغَى لِوَشْوَشَةِ الأَسِنَّةِ رَأْسُهُ الــعَلَوِيُّ    يَا لِفَمٍ تَرَقْرَقَ صَدْحُهُ
وَعَلَى جَبِيْنِ الشَمْسِ سِيْمَاءُ الصِغَارِ    بِنَقْشِ مَاءٍ قَدْ تَأَخَّرَ نَضْحُهُ
أَرْخَى عِنَانَ الوَقْتِ حِيْنَ تَصَاعَدَتْ   فِيْهِ الجِهَاتُ وَلَيْسَ يُبْلَغُ سَطْحُهُ
مِرْآتُهُ اخْتَزَلَتْ وُجُوْدًا آخَرًا   مَا عَاشَ إِلَّا وَالمَشَاعِرُ بَوْحُهُ
كَمْ خَاصَمَ الرَمْلُ الرِيَاحَ وَلَمْ يَزَلْ   فِيْ ظُهْرِ عَاشُوْرَاءَ يُلْمَحُ صُلْحُهُ
يَا لِلدُخَانِ وَلَيْسَ ثَمَّةَ مِنْ يَدٍ   تَصْطَادُهُ يَعْدُو وَيَكْبُرُ قُبْحُهُ
وَالفَارِسُ العَلَوِيُّ لَوْ يَخْفَى عَلَيْــكَ    النَقْعُ يَظْهَرُ فِيْ النَّسَائِمِ ضَبْحُهُ
كَمْ كَانَ يَحْتَضِنُ الفُرَاتَ إِذَا بَكَى   وَالمَاءُ يُكْسَرُ حِيْنَ يُسْمَعُ نَوْحُهُ
لِتَآمُرِ الأَمَوِيِّ لَثْغَةُ عَقْرَبٍ   بِالشَتْمِ لَا بِالسُمِّ يَظْهَرُ قَدْحُهُ
لَكِنَّهُ الوَطَنُ الذِيْ انْشَقَّ العُقُوْقُ    عَلَى يَدَيْهِ وَقَدْ تَفَرَّعُ دَوْحُهُ
فِيْ شَهْقَةٍ أُخْرَى انْبَعَثْتُ بِكَفِّهِ الــبَيْضَاء    خَلَّقَنِي بِدَمْعِيَ مِلْحُهُ
وَأَنَا وَصِبْيَةُ كَهْفِ أَحْلَامِي انْتَبَهْــنَا    لِلْمَدَى المُمْتَدِّ فِيْ الدَمِ رَوْحُهُ
إِذْ كَانَ يَرْمُقُ دِيْنَهُ يَحْيَا عَلَىْ  الرَمَقِ    الأَخِيْرِ وَقَدْ تَعَاظَمَ شُحُّهُ
فَأتَى بِرُوْحِ اللهِ خَلْفَ فُؤادِهِ   النَــبَوِيِّ فِيْ نَحْرٍ تَحَتَّمَ ذَبْحُهُ

جِراحٌ تُرَوِّضُ المَوت

الإهداء: لِسَيِّدَةٍ ما تَزالُ تُقاوِمُ عُنْفَ الحَياةِ بِبَسْمَتِها المُتْعَبَة، وتَجْمَعُ كُلَّ الصِّغارِ إلى خَيمَةٍ في الحَنايا لِتَمْسَحَ عَنْهُمْ مَزِيجاً مِن الحُزْنِ والأترِبَة. لها كُلَّما أسدَلَ اللَّيلُ أستارَهُ نَجْمَةٌ طَيِّبَة.

يَمُرُّونَ إنْ مَرَّ الصَّدَى، أيُّهَا الأصْلُ
لَهُمْ عُنْفُوانُ الضَّوْءِ / حُريَّةُ النَّدَى
ولا يَقْبَلُونَ العَيْشَ مِنْ دُونِ فِكْرَةٍ
يَسِيرُونَ بِاسْمِ اللهِ والطَّفُّ بَحرُهُمْ
نَظَرتَ لَهُمْ، ما فارَقُوكَ، تَشَكَّلُوالأنَّكَ قاوَمْتَ الجَفافَ، ولَمْ تَزَلْ
نَعِيكَ انْشِراحاً يَمْنَحُ النَّفْسَ هَدْأَةً
أمامَكَ آلافُ الرِّماحِ تَكَسَّرَتْ
ومُنْذُ انْتَزَعتَ الذُّلَّ مِنْ كُلِّ صُورةٍ
رُؤَاكَ التي بِالحَقِّ تَصْدَحُ عالِياً

هُنا أنتَ (وَالعَبَّاسُ) رُوحَانِ ظَلَّتَا
عَن الأُخْتِ قَد خَفَّفْتُما كُلَّ مِحنَةٍ
تَقاسَمْتُم الأرزاءَ، وَالنَّهْرُ شَاهِدٌ
وَصُغْتَ مِن الآلامِ آمالَ فِتْيَةٍ
فَسُبْحانَ قَلْبٍ رَوَّضَ المَوتَ جُرحُهُ

بِمَعناكَ شِريانُ القَصِيدَةِ نابِضٌ
طُمَأْنِينَةً تَبْقَى بِكُلِّ مُصِيبَةٍ
لَنا مِنْكَ رُوحٌ مِثْلَمَا الأُمِّ عَذْبَةٌ
ذِرَاعَاكَ مِيناءُ الضَّحايا وَأَهْلِهِمْ
فَكَمْ خَيْمَةٍ أَنْقَذْتَهَا مِنْ تَحَطُّمٍ

سَلاماً أَبا الأَحرارِ، أَسْعِفْ جِراحَنا
وَجَرِّدْ أَكُفَّ النَّفْسِ مِنْ سَيفِ ظُلْمِهَا
أيا مُلْهِمَ الإِبداعِ مِنْ وَحْيِ جُرحِهِ
بِمِقْدارِ أَوجاعِ الشُّعُوبِ مَنَحْتَنَا
أَبِالمَاءِ تَسْقِي الأرضَ أَمْ بِمَحَبَّةٍ

مَشَيْتُ عَلَى قَلْبِي إِلَيْكَ كَغَيْمَةٍ
لَعَلِّي أَرَى ذاتِيْ تُعِيدُ هُطُولَهَا
وألقاكَ فِي مِيقَاتِ رَبِّكَ ماكِثاً
هِيَ الطَّفُّ طُورُ الأنبياءِ / هِدايَةٌ
سَمَاوِيَّةُ الأَبعادِ فِي كُلِّ مَوقِفٍ

مُقَطَّعَةٌ أَوْصالُ جِسْمِكَ سَيِّدِي
لِعَيْنَيْكَ تَنْقَادُ الجِهَاتُ جَمِيعُهَا
سَكَبْتَ عَلَى هذِي البَسِيطَةِ أَنْهُراً
وَطَهَّرْتَ جِسْمَ الأَرضِ مِنْ سُمِّهِ الذِي
شَواطِئُكَ الأَمْنُ الذي نَنْتَهِي لَهُ
شَمَمْتُ هُنَا عِطْرَ الكَرَاماتِ كُلِّها
وَيَحْدُثُ أَنْ لا تَشْرَبَ الماءَ تارَةً
وتُبْصِرُ أَطفالاً تُلَوِّحُ كُلَّما
بِأَيِّ ذِراعٍ سَوفَ تَسْتَقْبِلُ الذي
وكَيفَ سَيَأْتِي الصُّبْحُ يا سِرَّ ضَوْئِهِ

أبَا الفَضْلِ، مَا الأيَّامُ إلا فَجائِعٌ
هُوَ الدَّهْرُ عِنْدَ الفَقْدِ كَالدَّمْعِ مَالِحٌ
لِحُرِّيَّةٍ تُفْضِي سَبِيلُكَ هذِهِ
وَصَايَاكَ أَنْ لا يَخْلَعَ المَرْءُ جِلْدَهُ
وَقَولُكَ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ مُرسَلٌ
نَعَمْ، غَيْرَ أنَّ النَّقْضَ بِالعَهْدِ قَد سَرَى

أنا فِي سَدِيمِ العُمْرِ جَفْنٌ مُسَهَّدٌ
حَمَلْتُ مَعِي جُرْحِي القَدِيمَ وَغُربَتِي
مُنَايَ بِأَنْ أَبْقَى مُحِباً مُغايِراً
وَثَمَّةَ قِدِّيسُونَ إِنْ مَرَّرُوا يَداً

كَصُبْحٍ عَنِيدٍ، ما اسْتَكانُوا ومَا ذَلُّوا
يَهُزُّونَ مَهْدَ العُشْبِ، والعُشْبُ يَبْتَلُّ
مُطَرَّزَةٍ بِالوَردِ، يَزْكُو بِها الفُلُّ
وَهُمْ حِينَ يَعْلُو المَوجُ أشْرِعَةٌ تَعْلُو
سَماءً بِها للهِ لَمْ يَنْقَطِعْ حَبْلُتَبُثُّ فُنُونَ الحُبِّ إنْ خاتَلَ الغِلُّ
وَقَوْلاً مَدَى الأزمانِ مِرآتُهُ الفِعْلُ
وأنصارُكَ السَّبْعُونَ زادُوا وما قَلُّوا
وغَذَّيْتَها بِالعِزِّ، دَانَ لَكَ الفَضْلُ
نِضالٌ عَمِيقٌ والمَدَى دُونَهُ ضَحْلُ

هَواءً وَماءً طالَما احتاجَهُ الكُلُّ
(فَزَيْنَبُ) لَمْ تَجْزَعْ، وَلَمْ يَيْأَسْ الأَهْلُ
وَآلَيْتَ أَنْ لا يُبْخَسَ الحَقُّ والعَدلُ
يَخِيطُونَ بِالإيثارِ ثَوباً لَهُمْ يَحلُو
وأَمْعَنَ فِي التَّغْيِيرِ مُذْ أَمْعَنَ النَّصْلُ

وَنَزْفُكَ كَالأَبْياتِ مُمْتَنِعٌ سَهْلُ!
وَلَولاكَ كَيْفَ النَّفْسُ عَنْ هَمِّهَا تَسْلُو؟!
وَمِنْ حَوْلِها بِالحُبِّ يَجْتَمِعُ الشَّمْلُ
وَلَوْ غِبْتَ غَابَ الضَّوْءُ، واسْتَوْحَشَ الظِّلُّ

وَمِنْ نارِ حِقْدٍ فَرَّ مِنْ بَطْشِها طِفْلُ

وَأَنْضِجْ ثِمَارَ الوَعْيِ إِنْ أَطْبَقَ الجَهْلُ
فَإِنَّ نِظامَ العَدلِ دُونَكَ يَخْتَلُّ
سَنَابِلُكَ الخَضراءُ يَحتاجُها الحَقْلُ
شِفاءً، وَحَلّاً كُلَّما اسْتُصْعِبَ الحَلُّ
لِيَنْبُتَ فِيها الصَّفْحُ، وَالبِرُّ، وَالنُّبْلُ؟!

وكانَتْ سَماءُ الشَّوْقِ بِالدَّمْعِ تَخْضَلُّ
لِتُكْمِلُ فَصلاً حَيثُ لَمْ يَكْتَمِلْ فَصلُ
تُناجِيهِ، وَالأَلواحُ تُصغِي لِمَا تَتْلُو
وَرُشْدٌ إذا ما القَوْمُ أَغْوَاهُم العِجْلُ
وَقَفْتَ بِهِ كَيْ يَسْمُوَ القَلْبُ والعَقْلُ

ولكِنْ مَدَى الأزمانِ ما خانَكَ الوَصْلُ
وَيَهْفُو لَكَ الرَّيْحانُ، والماءُ، وَالنَّخْلُ
مِن الدِّفْءِ والإِحساسِ يَحتاجُهَا الرَّمْلُ
يُخالِطُهُ التَّدْلِيسُ، والرُّعْبُ، وَالقَتْلُ
أَيَا خَيْرَ مَقْصُودٍ يُشَدُّ لَهُ رَحْلُ
وَعَايَنْتُ كَفّاً طَبْعُها الجُودُ والبَذْلُ
وأنتَ تَرَى الأَحبابَ فِي ظَمَأٍ ظَلُّوا
هَزَزْتَ بِجِسْمِ النَّهْرِ، فَارتَعَشَ السَّيْلُ
أَتَى مُسْرِعاً مُذْ عادَ مِنْ دُونِكَ الخَيْلُ؟!
إذا ما غَفَوتَ الآنَ، واسْتَيْقَظَ اللَّيْلُ؟!

وَعَيْنٌ لَها مِنْ دَمْعِهَا يُوْضَعُ الكُحْلُ
فَهَيِّءْ زُلالاً مِنْ سَمَا الصَّبْرِ يَنْهَلُّ
تُرَتِّبُ إيقاعَ الحَيَاةِ لِمَنْ ضَلُّوا
وَأَنْ لا يَخُونَ الأرضَ إِنْ عاثَ مُحتَلُّ
يُذَكِّرُهُمْ بِاللهِ، هَلْ سُمِعَ القَوْلُ؟!
بِهِمْ، فَاعْتَرَاهُمْ عَنْ مَواثِيقِهِمْ مَيْلُ

فَقِفْ بِإِزائِي حِينَ يُنْهِكُنِي الحِمْلُ
وَجِئْتُكَ عاماً بَعدَ عامٍ، وَلِيْ سُؤْلِ
فَثَمَّةَ مَنْ فِي الحُبِّ لَيْسَ لَهُ مِثْلُ
تَعافَتْ جِراحاتٌ، وَشُوفِيَ مُعْتَلُّ

 

تجليات رياحية

تقمّصــتُ أنفـــاسَ الصــباحِ إذا تُتـلى وأمسكتُ ظلَّ الشمسِ في لحـظةٍ حُبلى
خرجتُ من التابوتِ حينَ انبـرت يــدٌ تحــــرِّكُ من أعتـــى مغالِقِـــه قُفـــــلا
وغــادرتُ أيوبي الذي طــالَ ضُـــرُّهُ أُهرولُ منزوعــاً إلى عينِــــه غُسْــــلا
يُجَعجِعُ بي صوتٌ سحيـــقٌ ولم يَـزلْ يبشـــرّني حتــى وُلــــدتُ لــه كهــــلا
أراقبـــــــه منــــذُ استقـــــلَّ سِنِيـَّـــــهُ وأقبـــلَ من مهــــوى مدينتِــــه جَفْـــلا
يُقِــــلُّ عليـــها الضِّـــدَ والشِّبْــهَ توأمًا ومِن كلِّ زوجٍ من معاني الإبـــا أهــلا
يُسهِّلُ صـــعبَ المدرَكــات برمْقَـــــةٍ وأنّى يشــأْ من أمرِها صــعّبَ السَّــهْلا
فيفقَــأُ عـــينَ المستحيـــــلِ مُصــــيِّراً حبــــائلَــهُ صَيــــداً وألغــــازَهُ حَـــــلّا
فلـم أرَ -يـا للهــول- أســـرعَ ثـــابـتٍ على الحـقِّ ترتدُ الطريقُ لــه عَجـــلى
فيدنــــو لأعـــــذاقِ الرجـــالِ يَهُشُّــها فلــم يرَ جَنْيـــًا يُستــطابُ ولا نخـــــلا
فهــزّ بجـــذعِ العـرشِ حتى تسـاقطت على مَتْنِـــهِ الأنصـارُ تَقـرؤهُ “قُلْ لا”(1)
كأنّ خُــــطا نَعليــــهِ ريـــشُ حقيقــــةٍ تقصّيتُـــها كي أدركَ الفــوتَ والرَّحْـلا
فـألفيتُــــهُ ريحـــــاً أقلّــــت سحــــابَها إلى بلــــدٍ مَيْـــــتٍ ليُعشِبَــــــهُ حَقْــــلا
ولمّا وجدتُ الركبَ كالحـــبل صاعداً وكنتُ بقعـــرِ الجُــبِّ، أمسكتـهُ حبـــلا
فأبصــرتُ من أجلى الحقائقِ وجــهَها ومن بينها وجــهُ الحســينِ بدا الأجـلى
يُقــسّمُ قلــبَ الخُلْـــد نبضـــاً وكعكـــةً ليُفردَ لـــي ممّـــا يجــــودُ بــه كِفْـــــلا
فمرَّ بنــا في ومضـــةٍ مـا رأت لهــــا بصــائرُنا في الخلــقِ رِدفًـــا ولا مِثْـلا
فقطّعتُ أوصـــالي اشتغـــالاً بما أرى كمــا قطّـــعَ الكفّـــين سقّــــاؤهُ شُغْـــلا
وحيثُ هوى جســمي أفقتُ لكي أرى دَمَاً غطَّ فيـــه الرمـلُ لكنْ بلا قتـــــلى
فجــاءتـه تكتــالُ السمـــــاءُ نصيبَـــها فأمطـــرهــا من سُحْـبِ آفاقِــــه كَيْـــلا
يُصعِّــــدُ فيضَ الطفلِ قيـــدَ حمــــامةٍ ليجمعَ ما بين الثرى والســما شَمْـــــلا
وأسفرَ من أقصى المخــــيّم مُشــــرقاً وقــــوراً يُقفّــي خَــطوَهُ المــلأُ الأعلى
يباشــــرُ لاهوتيّـــةَ العِشـــقِ مُخبِتــــاً يُقيـــمُ طقــوسَ القُربِ من دَمِــهِ حَفْـلا
يجــاوِزُ حــدَّ الــريِّ في اللهِ ظامئـــــاً فينســـابُ ريُّ الذكــرِ من ثغــره نَهْـلا
فألقـى هُــواةُ السحــرِ كُــلَّ حبــــالِـهم ومحـــضَ عِصِيٍّ يَمّمت شـطرَهُ نَبْـــلا
فأبصـرتُ قلبـــاً بيــن جنبيـــه كُلَّمـــا توخّـــاهُ ســهمٌ كــان يَلقَفُـــــه حَبْــــــلا
وحين انبرى يســتدرجُ المــوتَ نحوَه تنـاهى إليـــه النصــرُ يقصـــدُه قَبْــــلا
فيسفـــعُ -ذاتَ الذبــحِ- ناصيـةَ الردى ويسحـــلُــه سَحْـــلَ العــزيــــزِ إذا ذَلّا
تظنون أنْ فاضت إلى العرش روحُـهُ فكيفَ لها، والعرشُ في صدره حَــــلّا
فلم أرَ أحلى منـــه من قبـلِ ذبحـــــــهِ ولكنْ بَدَت بالفيـــضِ سحنتُـــهُ أحـــلى
تَفتَّــــحَ حـــتى خِلتـُــــه ياسـمـيـنــــــةً تُبَوصِل أســــرارَ الجمـــال لها نَحْـــلا
وزيتونــــةً حُبــــلى لكلِ مواســــمِ الـ حيـــاةِ، فتُــؤتي كــلَّ حــــــينٍ لها أُكْلا
كأنْ لم يَجــدْ حُلْــمُ الســــماءِ مُئــــوِّلاً يُأنسِــــنُهُ، حــتى ارتـــأى أنّــه الأوْلى
أراهُ حكـــايـــــاتٍ كــــأنّ فصـــــولُها تُنسِّـــــلُ من أقصى نهاياتها نَسْـــــــلا
فيَرجـــعُ في فصــلٍ يُلملِـــمُ بعضَــــهُ لينثــرَه فصــــــلاً ويجمعَـــه فَصـــــلا
يُشجِّــــــرُ بـالآلام آفـــــاقَ مُلْكــــــــهِ ليَجنيَ من أغصـانـِها اللـذةَ المُثـــــــلى
أراقبُــــــهُ منــــذُ استقـــــلّ حقيقةَ الـــ عُروجِ فمرّت فــوقَ أضلُعِـــهِ خَيْـــــلا
فأدركتُ أنّي (العبدُ) حـــــينَ تَصَنّمتْ عبــوديةُ المعــــنى لأعبدَها عِجـــــــلا
فحــررني معنى الحســـينِ وعِشقُــــه لأُدرِكَ أنَّ (الحـــرَّ) مَن أدركَ المَــوْلى

 

  • “قل لا”: “قل لا اسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى”

إليه إليه ؟؟!!

إليهِ الفضاء

خريطةُ شوقٍ

تسافرُ من نبضِ نبضِ الهيام

ثنيّات ضوءٍ تقودُ عصافيرَها للسماءْ ..

لبوّابةِ العرشِ في كربلاءْ ..

يهجّنها الحزنُ يختزلُ الظلَّ فيها

ويبكي الأديمُ على أن تحثَّ شراراتِه

يتوترُ قلبُ الزمانِ ، يؤوب كأقصى العناق

ويرتبكُ الدّهرُ ، ينزف رعشته ، فوق جنح الذهول

ويسحقُ أبخرةَ الصمتِ صوتُ الدماءْ ..

على ذروة في مواقدِ شعرٍ تناسل منها كأحفاد هابيل

حين تقودُ القوافي إليهِا

بمنذورةٍ من بيانْ

وكلُّ القصائد خرساء بكماء وهي اللسان

فخذ خطوة وانتبذ جهة اللامكانْ

فما حُمّ كان.

ليقطف شهدَ الحناجرِ

نصل المذابحِ

ريحا غضوبا هصورا

و ثورة بركنة تتمخّضُ حرفين في حيّز الروح : دالَ الدموعِ و ياءَ النداءْ..

ويحكي إذا ما ترقرق من وجعٍ للقصيدةِ كالغمغمات

تنهنهُ وخز المدى والندى

وحمحمة الموتِ للنوق للنخل للعنفوان

لحزنٍ بتولٍ

يرتب فجرا أنيقا

ولكنَّ مفعولَه كالتماوج حين ينثّ الضياء

بحالةِ عشقٍ

يواربُ فيها الصباحين

صبحَ الشهادة حين تفضُّ ملامحها للإباء

وصبحاً تخلّق من كبرياءْ.

وتصرخ في مُطرة الحسنيين : إليه إليه!

حسينٌ على برزخٍ من جُمانٍ يسوّي لمنسأةِ المجدِ شارةَ عزٍّ

ويصبغ بالعندمِ المشرئبِّ خدودَ الزّمانِ

و يخرجُ كفَّيه بيضاءَ للناظرين

فكيف و”لا ناصرٍ” ؟!

والزقاق تقاذفها العشقُ توقاً إليه

وما الفرق بين دلالةِ قلبٍ تراقصَ في العتبات جنونا ،

وبين الذي ضاع منه الدّليل؟

كلانا أيا صاحبي نتحرّك ضدّ سياق الجمودِ

وبعض الضفاف تهدهدُ ميقات أمنية المتعبين

وبعضُ المآتم خصبٌ وماءْ.

بألويةٍ تتوشح تلتفُّ بين الدهاليز

نهتف :”هيهات هيهات

لا يخفض العزُّ أجنحةً للحمائم لو ضاع منها الهديل

ولو نال منها جنون الأخاديد

لا تنتهي نحو سوقِ النخاسة  حيثُ السلام الذليل.”

وذاكرة الصخر تقصص رؤيا الجراح وتفضي إلى أنّ ذِكْرَ  الحسين على السرمديّة فوق المدارات كالبوصلة

وإن دبّ فيها النّواح لتلطمَ أفياؤها معولة.

فدوما لها نهضة تتفتّق منها الجهات و يكتبها الممكن المستحيل.

ومنها الأساطير لا تتهيأ للقحط ، ظاهرة الضوء أشمل من منطق كالسراب ، وأغزر من شوكة في الهباء .

فدعني بنصف المسافة ، مابين غمزة  وصلٍ ، وبعثرةٍ ترسم اللانهاية ، دعني بلثغة نبضي أشكّل حزنا جميلا يكون بمقياس عشقي ويلهمني معطيات الكلام

ويشربني كالمواويل تأتأة تتنفس من رئة الطف

دفء الكنايات ،

زهر البيان و مسك الختامْ.

ليأخذ من تربة الطف ما يتشهَّب

يصعد مثل الفسائل حين يجرّدها النخل من جاذبيتها في الهواء.

رويدك !

أنشودةٌ لا تجوبُ قلاعَ الحسين

تظلُّ على قارعاتِ الفراغِ كأرصفةٍ للعراءْ .

فدوّن بأنَّ الأساريرَ تُطبع في دفترٍ للبدايات أنشودة من ظماء.

وأنّ اختلالَ التوازنِ في لغةِ الأرضِ يشهقُ للعطرِ من كربلاء.

وتعجبُ لو أمْطَرَتْ بالدماءْ ؟

أليس الحسينُ هنالك لَملَم سبحتَه

مازج التربة المتدلاّة

عمّدها بالخلودِ؟

فللّه درُّ الترابْ !

يسافر في ملكوت الغيابْ.

ألستَ  تراهُ على شرفة الخلدِ

بوّابة الله للعابرين ؟

كمفترقٍ للضبابِ

يشير فيمطر وعدُ السماوات للأنبياء.ْ

فكيف أكوثرُ تفعيلة الجرحِ

والشعرأعمى؟

وللشعر تهويمة من ضياع

تقول بأنّ الشموس غيابٌ

أقول بأن الشموس إياب.

فسافر بقلبكَ

هل ثمّ شمسٌ تزاور عنك بذات اليمين وذات الشمال ؟

وهل ثمّ قافلة من خيالْ ؟

ألا فامتطِ الرّوحَ للغادريّة للازورد

فهذي السنابك ريحٌ تضجُّ وتجرشُ

توقنُ

أنّ الشباب هناك يخطُّ الحياة بمعصم نورٍ

ويحملُ للأبديةِ  مُلكاً يقوّضُ تاجَ الذئاب

وأنّ الصحاري تغني بثغر الصحاب الحُداءْ.

وأنتَ تعانق كلَّ الخيالاتِ ينهمرُ اللونُ في صَهلةٍ للسؤال :

لماذا إليه؟

لماذا المجرّاتُ عند النوايا

تصبُّ حكاياتها كاللُّجين

وترفع سقفَ الوجودِ امتدادا ليتّسع الكون

لم يبقَ متّسعٌ للعلوِّ

فينجذب الشكّ نحو اليقين

قليلا قليلا

فيجهش منا بكاءُ البكاءْ.

ويغتسلُ الحرفُ

و الأبجديّة تمرقُ من بين بُعدَيه غيما

وتسألني  نبضةٌ بعد حينٍ :

لماذا إليه؟

فأسمع

وهو يدندن صمتي خجولا

ليصفعني النصلُ بعد المسافات من قبل أن يستريحْ

فأغفو على صدر قبّرةٍ تتهجّى الضريحْ

وتخصف للعتبات الحنين

فترفضّ منّي نياط السنين

وأهتف :

“إني كفرتُ بيومٍ يغافل  تمتمتي  عن هواه

أصيخ جوابا لمن قال في ردهات الشعور:

لماذا إليه؟

لماذا هو الحيّ فينا

وكل المفاهيم من حولنا مومياء؟

وأسطورة والحكايا البليدة منقوعة في الهراءْ.

وقد كان فينا الكثير الكثير، وكل المماليك من خلفه فقراء؟

وما كان فينا الحسين غريبا ،ولكننا الغرباءْ

وهمس الجموع نشازٌ مريعٌ وصوت الحسين نسيمٌ رُخاء.

نلوذ به حينما يعصف القحط واليأس والذلّ والانطفاء.

وحيث تعجُّ خواطرنا بالغثاءْ

فيهوي رذاذا يبلّل وقع الهموم ويرفو المدى

ويخصب زرعا وقمحا وسنبلة من أباة

وينفح دنيا المتاهات بالمعجزاتْ

و نملأ منه جرار الأماني

كما رُقْيَة العاشقين

“لماذا إليه؟”

وحدهُ اللهُ يعلمُ كيف نرتِّبه في خلايا الضلوع

وحده الله يعلمُ أن الحسين صلاة تنازعنا بالخشوع

وحده الله يعلم أنَّ الحسين وفيض الدماء بقاءُ البقاء

 

 

 

اركض بعمرك

أنفقتَ عمركَ؛ لم تروِ الدِما نهمَكْ

فكيف عضك ذاك الجرحُ والتهمَكْ

وكيف معولُكَ المأزوم حين سعى

في هدم أول أسوار المدى هدمك

ما أفصح الجرح؛ مذ فاضت مشاعره

على مسامع آفاق الدنا لجمك

شتمت دهرا؛ ولكن حينما نطقتْ

بعضُ الجراح لَماماً؛ ما وَجدتَ فمك

اركض بعمركَ فاض الجرح لا جبلٌ

تأوي إليه ولا سدٌ به عَصَمَك

الآن يبرؤ شمرٌ من علاقته

حتى إذا طفتَ في أحلامه شتَمك

يا راضع القطرات الحمر هل شَرَقت

بالطفِّ روحك؛ ليت الظلم قد فطمك

الطفُّ تحتك أرضٌ غير خاملةٍ

فلِمْ وضعت على زلزالها قدمك؟

ولِمْ تخيَّرتَ نجماً كابن فاطمةٍ

حتى تصب (إلى) علياءه نِقمك

ولِمْ تأملت أن تلقاهُ منهزما

في حين؛ خُنصرُه المبتور قد هزمك

*****

الشمس وجنتُه البيضاء ما ارتفعت

إلا لتكشفَ من فوق القنا ظُلَمَك

وما حطمت على البيداء أضلعهُ

لكنَّهُ بين سِنْدان الإبا حطمك

وعاد إيقونة حمراء واندثرت

كل الحوافر لما جاورت رِممك

وعاد فينا وُجودا ليس نعدمه

وبتَّ أنت تُربي في المدى عدمك

وعادَ أجملَ تمثالٍ، فجِدْ أحداً

حتى يُرمِّمَ في أوحاله صنمك

******

هنا رسمتُ حسيناً عاد ممتطياً
مُهر الفداءِ فماذا ظنَّ من رسمَكْ

لا زالَ ألفُ شقيٍّ حاقدٍ نتنٍ
يعود يرفعُ في أنحائنا عَلمكْ

ما هزَّ أخيلتي ريبٌ فأنت هنا
في عرق كل دنيءٍ قد حقنتَ دمَكْ

لستَ البريء فلا تشجُبْ لتخدعَنا
لازلتَ أظْهرَ مِنْ أن نفتري تُهمَكْ

إن كنتَ تجهلُ فتواك التي سلفتْ
فألف ألفُ (ابنِ سعْدٍ) بيننا فهمكْ

****

الطف يا صاحب المرعى الوبيئ على

رأس الطغاة عصاً فاهشُشْ بها غنمك

موشومةٌ في رؤى الأحرار من ألقٍ

وأنت أي ظلام بائسٍ وشمك

لا زال طيفُ حسينٍ في بسالته

كالرعب يعبر في أصحابه حُلُمك

مزمَّلون من الأنوار؛ قد لزموا

هذا السنا، وانتهى للليل من لزمك

يمشون في لهوات الموت ما عبئوا

أنى نصبت إلى أجسادهم لُغُمَكْ

هم عذبوك من الإشراق؛ حين هووا

حتى تخفف في إطفائهم ألمك

وغاب عنك بأن القتل يشعلهم

نورا إذا شعَّ في مرماك ما رحمك

****

آبوا إلى (كوثر) العطشان واغترفوا

من الكفوف التي قد ضيَّقتْ نَسَمك

الرافضون؛ من العباس شيمتهم

في الأرض يعلو صدى لاءاتهم نعمك

هم الحماة، حسينيون؛ لو نطقوا

سمعتَ هيهاتَهم قد فجرت صممك

لو وُزعوا في لظى الإسفلت ما وهنوا

ولو صببت على أرواحهم حممك

فخرَّ من خرَّ منهم موقدا يدُهُ

في الدرب؛ تفضح في إشراقها عَتَمك

فاركض فثمة جرحٌ فاتحٌ فمُهُ

لازالَ؛ إن عض في أذيالك التهمك

 

الصائحة

هجرتُ التصابي والـخـردَ
ومشي الهوينى تثنى علينا
وحـمـر الليالي ونظمُ التسالي
وغنجٌ ودلٌّ وبالطرف نجلٌ
وخِلٌّ أنيس وخصر لميس
يطوف والبابنا حولَه
تنازع احداقَنا جيدُه
ترينا الليالي في خصلها
بطرفٍ تـحور من فطرةٍ
وثغرٍ تبسم فيه الاقاح
نصوعا سطوعا فلو أطفأوا
تعض عليه لُـمـا احمرا
إذا ضحكت اخذتنا الظنون
سوى أنـها تستبيح الوصال
فما الصبُّ من سكرات الهوى
ولو بُعثت عندها الانبياء
وكان النديم إماما لنا
وكان الزمان ينيل الأمانَ
رثاء أبي الفضل

وكأسا إذا ما امتلى ازبدَ
بقد كما نشتهي قُددَ
فريدا من الدر قد نُضِّدَ
يلاحق عيني مستقصدا
تأزر لكنه ما ارتدى
إذا لاح مسْتَطرَفا أغيدا
بعقدٍ تلألأ فوق الثِّدا
وصبحُ المحيا يرينا الغدَ
طبيعته هكذا أثـمدا
يكاد من الريق أن يُوردَ
سراجا بجانبه اتقدَ
يقارب في لونه الأسودَ
الى الحور لا طيف بل مشهدا
وتلك تحب بأن تُـفْـرَدَ
يفيق إذا باللظى هُدِّدَ
لتزجر عاشقها ما اهتدى
ودكةُ صهبائه مسجدا
وكنا نـمدُّ إليه يدا
العباس (عليه السلام )

إلى أن سمعنا بناعي الحسين
يرددُ يا كربلا كالسهام
وينشدُ شعرا فجيع الرثاء
فقمنا إليه بدمعٍ سخين
وقلنا أيا خامرا بالهوى
وكان يـمرُّ على شاطئٍ
كأنه جاء إلى العلقمي
وفيه بقايا من العنفوان
ولا ندري قبل اقتحام الورود
وكان مهيبا برغم الجراح
وما حجب الدمُ عنه الجمال
يقول بأنه أبكى النخيل
وكاد الفراتُ يقوم إليه
تـحـسر كيف رمى ماءه
بغير كفوف فكفٌ هنا
ويبدو بأنه كان يدور
ومـخـه كان يسيل دما
ولـم يبقَ سيفٌ نقيعُ الذحول
وسرُّ انتشار السهام عليه
ويبدو بأنه لـما هوى
ألا تنظرون خياما هناك
فهذا المسجى عمادٌ لها
ولـما اُصيبَ بـحـدِّ العمود
وفيها عطاشا قد انتدبوه
وواعدهم بالرِّوى أو يموت
فكانت ولادتُه من هنا
وسورةُ والعصرِ اسم أخيه
ولكنه مذ رآه صريع
هوى ركنُه وانـحـنى ظهرُه
وصيحتُه من حشا اخته
أوا كافلاه أوا ضيعتاه

رثاء علي

وطافتْ بنا راحلاتُ القريض
على جسدٍ لا يليقُ الثرى
من الكفر محضا إذا ما تراه
أهذا نبيٌّ أهذا وصي
أيوسف هذا من البئر جاء
ولكن هذا يفوقُ لذاك
فليس له غيره من شبيه
توحد في صومعات الجلال
فدعْ للعيان سراحَ الخيال
وكان بنا عجبٌ حائرٌ
أما كان أولى بهذا الفتى
فما له ملتَفِعا بالتراب
أليس لهذا الغلام أبٌ
فقالوا بلى إليه أبٌ
ولـمـا رآه شتيت الوصال
وما فيه عضوٌ بغير انفصام
كأن العدى صادفته جريح
فطاعنها شدَّ غِلَّ السنان
وخرَّ كنجم على الفجر لاح
تعفر فوق الجراح أبوه
ولـمَّـه في بردة وطواه
بنيَّ عليٍّ وعيشي بلاك
فلا تـحـسـبـنِّـي من الغابرين
يتمتم يا أبتِ للخيام
فقتلي أهون من أنْ آراك
لأمك إن عدتُ ماذا أقول
وزينب يا ولدي قد تـموت
فلما أتى به نحو الخيام
فعدتُ إليه فقال اعفني
وقال أخاف هنا أن أقول
أقول بأن صغير الشِّبال
أقول بأن الحسين الوقور
وكان التجلد من طبعه
رمى نفسه قبل رمي النساء
وليلى تـمر براحاتـها
وسكنا تقول هنا يا أبي
وصيحةُ زينب وا ولداه
رثـــاء

تجافى وقم يا خليل الشجا
فزاد وقال لهم معرسٌ
وكان زفافا قصير المدى
وفيه النساءُ تـجـرُّ الصغار
وخدُّ العريس به دمعةٌ
عليه ثيابٌ من المجتبى
ولفَّ العمامةَ من اخضرٍ
وسيفا تقلدَه مرهفا
وأُلبس من حلقات الدروع
ومسكٌ ندودٌ ووردٌ وعودٌ
ورملى وزينبُ من حوله
وتتلو الصلاةَ مع المعوذات
فلما تـجـلى أمام الحسين
يقول دعوني إلى عوذتي
ولما مشى مشية الراحلين
أسرَّ فؤادَ الثرى خطوُهُ
وفي سرجه خلتَ بدرَ التمام
ويرجز من رائعات البيان
أنا ابنُ الوصيِّ وسبط النبي
فإن تنكروني فسيفي يقيني
أنا ابنُ الصدور ولاةِ الأمور
وأوغل حيث لفيف الذئاب
وغنى الحمامُ هديلَ الغرام
فهاجت به عزةُ الخيلاء
ومال إلى نعله مصلحا
فكان غنيمةَ ابنِ النفيل
وأبدل منه ثياب الزفاف
فـخر به مجدُ آبائه
فهب الحسين وذا دأبه
بقلبٍ فطير وظهرٍ كسير
ونادى بني يعز علي
بنيَّ أما زلت تشكو الظما
وحاكا بـحـمله قوس النبال
يـحدقُ في حسنه فيرى
لذلك مال قوامُ الحسين
رأوه حديبا على ذي الجناح
رثاء عبد الله
كفاك كفاك بلغت مناك
فقال ذروني فعندي رضيع
بعينه كلُّ اختصار الجمال
به انفلق الصبحُ بعد الغسوق
فلا حظ فيه لعين الحسود
وعينا رأى القومُ فيه النبي
فقام عليهم عيانُ الشهود
لأن الصغيرَ بليغُ البيان
وأجلى بروزا لغل الحقود
تراه وَقِيِدَ الحشا بالظما
سـمومُ اللسان ووهجُ المكان
كأن السماء رمته على
طلوعُ هلال على ساعدين
وخاطبهم إن أكن عاديا
ألا تطفئوا منه حر الغليل
أليس بكم راجحٌ يستقيل
ألستم بني قيلةٍ في الأصول
فإن كنتُ في حقكم مذنبا
تغشوا ثيابـهُمُ مثلما
فكان الجواب فظيعا ألـيـم
تصدى له حرملٌ راميا
فصار يرف بصدر أبيه
وأغرق كفيه من دمه
فكانت لعين الثرى دمعةً
تسامت إلى شرفة المستجار
فلا الوعد وفَّى إليه السقاء
فلما تقصدا صوبَ الخيام
وكان يسودُ على أمره
يقلبُه في يديه صريع
وثرن النساءُ كسرب القطا
سراعا إليه بقدر الأسى
وأقصدها في البلوغ الرباب
وصارت تشد إلى حجرها
وأعظم ما فجع الثاكلات
  رثاء الشهيد

حنانيكَ قلنا كفى لا تزد
فقال الذي قد تجلى يسير
بقى السبطُ منفردا بالخيام
وكان الزمانُ اليه يدٌ
وبابُ التوسل مَنْ حاده
ففيه الرسولُ وفيه البتولُ
وفيه الخليلُ وموسى الكليمُ
ويأبى بغير ولا يته
فـمن وحَّـد اللهَ من دونـهـا
ألا من نصير ألا من معين
أخي فَضْخُ هامك ضيعني
وسهمٌ بعينك خلفني
وكلُّ جروحك جرحٌ لدي
عليٌّ بني الا قم إلي
وحلمُ الدلال وحلوُ الخصال
وسِلْوةُ أُنسي وقرةُ نفسي
وجدتك روحي التي تَـحْـيني
أيبقى بـهذي الحياة أبوك
عريسُ المنايا جميلُ المزايا
وغصنُ الآراك ومشي الملاك
فجيعُ الخضاب بـحـر التراب
حبيبي حبيب زهير برير
تنامون ملىء الجفون ردىً
فـمارتْ على الارض تنوي القيام
فشار لـهـا التزمي بالممات
وإن لحوقي بكِ في الجنان
ونادى الا مَنْ يشد الجواد
فقامت على قلبها زينب
وجاءته تسحب اذيالها
تلوم قساوتها بالـحِـما
وراح طليقا على ذي الجناح
فلم يُر في حصده للرقاب
والله اكبر باسم الإله
ولـما تشابك محتربا
وجالدها ساعدا ساعدا
أحست ببأسه فانتبذت
تُـرجِّعُ منه ثغاءَ القطيع
وأوغل في أجمٍ من سيوف
يشفُّ من الطعن سِـتْـرَ الدِّلاص
ووترا إذا طوقته الكماة
كأن السماء على أرضها
فصار النـهارُ بلا مطلعٍ
ولازال يشفي غليلَ الحقود
لديه جناحٌ على ذي الجناح
وأملاك بدرٍ تطوف عليه
وشيخٌ من الجن صاح به
فأعرض عن ذا وذاك إبا
ينادي إذا كان دينُ الإله
فأطلق كفَّ القضا كـفُّـهُ
رماه بفهرٍ دعيُّ الحتوف
فحاولها رافعا ثوبَــه
فجاء المثلثُ في قلبه
فجاد يُسبح وهو يطوف
يخضبُ شيبته بالدماء
فـما اغتنمت منه إلا السيوف
واضحى على سرجه غرضا
وكُــثْــرُ الجراح وسَعْرُ الظما
فمال إلى ربوة في البطاح
وظل الجوادُ يـحـوم عليه
فجاء سنانٌ له بالسنان
فـهـجَّ الحصانُ لأهل الخيام
فيا عُظمَ ما قد طوى صهـلُهُ
وعند العقيلة ذاك الشموس
والقى برأسه في حجرها
فصاحت به كيف خلفتَهُ
ألـم تدر أنه روحُ البتول
فقامت ويا لقيام لـها
وهامت بنسوتها راكضات
بغير شعور نشرن الشعور
فما جـئـنَ إلا وشمر الخنا
بـموضع تقبيل طـه الرسول
فلما رآه الحسين دعاه
إذا له وجه كوجه الكلاب
وشؤمُ الخنازير في خلقه
فصلَّى الحسينُ على جده
فشاط الدعيُّ على المصطفى
فصار العلا وجهُه للثرى
يصيح وجدي أنا ظامئٌ
وراح يهبر اوداجَهُ
وأدفق منحره ميزبا
يكبر والرأسُ في كفه
واعلاه مفتخرا فبدا
فهبت رياحٌ كريح ثـمود
وسحُبُ السماء دما امطرت
وقلبُ العليل على نطعه
وصاح بعمته هيئي
وهتك الستور وحرق الخدور
ونزعِ القراط ولسع السياط
ووكزِ الرماح وسيلِ الجراح
وسلبِ الحجاب وكشف النقاب
فلا تصرخي يا كفيل العدا
عليه اللواءُ وجودُ السقاء
فلولا العمود وقطع الزنود
فلا ترفع الصوت يا بن أبي
فإن الحسين بلا رأسه
أيأخذ رأسه من رمحه
توسد من نحره ظامئا
فمدِّ اليدين لأغلالهم
فإن الزمان اطاح بكم
ولفَّ الحبال على عنقي
وألوى على ستركم يده
وقيدكم بالسباء وما
وأهوى بتاج معزتكم
فلا سكن الجرحُ من كربلا
وصرختكم يا لثار الحسين
إلى أن يقومَ عظيمُ المقام
ويصبح كلُّ الزمان لكم
وتبسط جودَه راحاتُكُم
تـمت القصيدة

يرجِّعُ ما يفطر الأكبدَ
يُصيب برائشها الأفئدَ
يفتُّ الـحشا كلما أنشدَ
كأن البلاء له أوقدَ
أراك جزعتَ فماذا بدا
تُـحيـط الصخورُ به جسدا
مصرا بأن يـملأ الـمِـزودَ
تدل على أنه اجتهدَ
أُبيد أم انه قد وردَ
يُظنُ أبوه فتىً سيدا
بدا قمرا قطعته الـمُدى
بقربته ظامئا موسَدا
ليمسح هامتَه مكمدا
وفارقه لـم يبل الصدى
وكفٌ هناك نأى مُبْعَدا
بسهم عماه فجال سُدى
كأنه من عمدٍ عُمِّدَ
تـجـرد إلا به أُغـمـدَ
إذا صوبته يـمدُّ اليدَ
على وجهه استقبل الـجـلمدَ
وأوتادها بقيتْ ما عدا
وكان الاظلةَ والأعمدَ
تجرأ مَنْ شاء أن يُوقِدَ
فجاء الفراتَ لهم مُنْجِدا
فمات على الوعد مستَشَهدا
حريـمـا من الكفِّ قد وُلدَ
أتـم التواصي من أحـمـدَ
أقامت عليه القنا مـحـشدا
وناداه يا شملُ قد بُدِّدَ
فمنه النداء ومنها الصدى
أخي بعد جودك مَنْ للندى

الأكــبر ( عليه السلام )
تـجـذُّ بأسطرها وُخَّدا
بـمثواه ما لـم يكن عسجدا
وتأبى لحسنه أن تسجدَ
أم انـهمـا فيه قد وُحِّدَ
إلى كربلاء لكي يشهدَ
ويسمو بطلعته مُـصْـعِدا
بنفي الشبيه قد اتـحدَ
فريد الجمال لكي يُعبدَ
فما الحقُّ إلا بأن تشهدَ
يريد اليقين لكي يُفْنَدَ
لعرش السماء بأن يصعدَ
ومعتنقا بالثرى الصيهدَ
أما مات من فقده كمدا
يدورُ بعينيه نزعُ الردى
توزعَ من طعنه أَفْــرُدا
كوُثْقى العُرى انفصمت بالهدى
وكانت على جده الأحقدَ
وطائشُها بالحشا سددَ
يُصَدعُ في برجه الفرقدَ
جزوعا تعذر أن يَـجْـلُدَ
فما حال قلبٍ طوى ولدا
عليَّ استوى جدثا موصَدا
عفا العمر من بعدك وغدا
اعدني بصدرك ملتحِدا
تـجـول بطرفك منفردا
أألقيك في حجرها مُـخْـمَـدا
وأنت كذا قطعا جسدا
هوى قلمُ الشعر مرتعدا
وأرعش انـملتي واليدَ
مقالا جريئا ولن يُـحـمـدَ
بوسط النساء رمى الأسدَ
إلى الخدر محتضرا وفـدَ
بعظم الرزايا فما جَـلُـدَ
على ابنه والِـها مُكْمَدا
على جرح رأسه كي يبردَ
أرى عاتقا خَلِعا مُفْصَدا
وما سُـمعَت بعد هذا الندا
القاسم ( عليه السلام )       
فلا يسعُ القلبُ أن يكمدَ
أقاموا له بالهنا مـحشدا
ولكنه قد بقى سرمدا
وكان السوادُ الذي يُرتدى
فصار كوردٍ سقاه الندى
قميص ومنطقة وردا
تدلت بأفخر ما يُــعْـقَدَ
تـهيب حمائله مغمدا
سبوغا على صدره أزردا
إذا فاح من طيبه زُوِّدَ
تصلي على المصطفى أحـمـدَ
من الـحُسْنِ تخشى بأن يُـحـسدَ
تـجلى به الـحَـسَـنُ المفتدى
أوفي فعمي انتخى مفردا
وأسلمَ للأجل الـمِقْـودَ
وأضحك من لطفه الفدفدَ
تخيل رغم الضحى الفرقدَ
أنا ابنُ عليٍّ سِـمـامِ العدا
ورحي لروح الحسين فدا
ورمحي أشكُّ به الـمُـجْـحِدَ
بنا ختمة الأمر والمبتدى
ليزأر في الحرب مستأسدا
وطير المنية قد غردَ
من المرتضى فاستخف العدى
جريئا يرى الـمـلتقى معهدا
فأهوى على هامه الأجردَ
بأخرى لـها الدم قد جَدَّدَ
مُؤَثَّــلُـه يندب الـمُـتْـلَدَ
يُغيث اخا له أو ولدا
فقامته تشكتي العمدَ
بأن تستغيث ولا أُنـجدَ
أما ذقتَ من جرحك الـموردَ
ثقيلا على صغره مـجهدا
به الحسنُ السبطُ قد جُـسِّدَ
وما قام معتدلا ابدا
إلى أن تعفر واستشهدَ
الرضيع ( عليه السلام )

فقد فات ما فات وانـمـردَ
سأنعاه وجْـزا ولن أسردَ
إذا شبحت رامقات المدى
كأن الدجى منه قد بُـدِّدَ
ولا نفث الصدرُ وانعقدَ
صغيرا بلفته مـلبدا
وحسبُ الجحودُ بأن يشهدَ
إذا ما تصوب واسـتُـشهدَ
إذا ما تعود أن يـحـقدَ
ووجنته بالسنا موقدا
سـمـومان في قلبه اتحدا
ذراع أبيه وما وُلِدَ
إذا زاح عنه أبوه الرِّدا
فهل ذا بظلم عليكم عدا
لعين النبي صراط الهدى
ترديكم هوة الـمرتدى
أما بلغت واعظا مرشدا
فهل من صغيري ذنب بدا
تغشت لنوح النبي العدى
يفتُّ الصفا جلمدا جلمدا
بسهمٍ وفي نحره سَدَّدَ
كطير ذبيح بـحد الـمُدى
وبادر في رميها مصعِدا
وكانت لعين السما مرصدا
فـمـدَّ لـهـا جبرئيل اليدَ
ولا السهمُ أخطأه موعدا
تناهى البلاءُ بـما قصدَ
فصار المصابُ له سيدا
عساه يرى رمقا مُسْعِدَ
إذا ما تسابق أو طُوردَ
تُـقَـفِّي وجائدها الأوجَدَ
وتعرفُ لـمْ كانت الأقصدَ
ضناها وتبعثه مـخـمدا
دمُ النحر بالسهم قد جَـمَدَ
الحسين ( عليه السلام )

وإياك إياك أن تزدَ
قبالَ الكثير الذي ما بدا
كما كان بالفضل منفردا
ومِنْ راحتيه الوجودُ جَدا
فقد جاء بابَ السما موصَدا
وحيدرُ والمجتبى عُدِّدَ
ومن زاد عيسى فقد سُدِّدَ
إلهُ الخلائق أن يُعبدَ
أتى للجزاء كمن ألْـحَـدَ
على الظاعنين يُعيد الــنِّــدا
وجذُّ يـمينك جذَّ اليدَ
أجَدِّ دروب البلا أرمدا
فقد كنت لي النفس والعضدَ
ألست الفتى الباسل الأصيدَ
وفيك أرى الـجـدَّ والولدَ
فصرتُ بـها الزاهدَ الأزهدَ
فـما يُـجْـدني بعدُ أن أجدَ
وفَقْدُك قد نزع الكبدَ
وطير الجنان إذا غردَ
عليه الـحـسـامُ إذا قُـلِّدَ
تجلل من رأسه السؤددَ
يصيح فيرجع منه الصدى
وابقى اناشدكم مُسْهَدا
وكلٌّ من النخوة اضطردَ
قضى الله في مصرعي مفردا
قريبُ المنال ولن يَـبْعُـدَ
فلا ارى من فتيتي احدا
وصاحت أيا قلبُ كن جـلـمدا
تقود إليه جوادَ الردى
تجودُ به لسيوف العدى
أبيا وحرا كما عُـوِّدَ
شجاعٌ تعهد أن يـحـصـدَ
إذا كبرت هبلا رددَ
وصكتْ عليه العدا الانـجُـدَ
ولاحمها عضدا عضدا
مكانا قصى بسراب الـمدى
ويزأر في رعيـهـا أسدا
تظلل فيه القنا الـمُـقْصَدَ
ويهدم من ضربه الـخُّـودَ
تفرُّ وقد صدها واحدا
ونـجـمُ المنايا هوى أسودا
وليلُ الزمان بلا مغتدى
برمحٍ يصيبُ به الـمـحْـقَـدَ
إذا شاء للخلد أن يصعدَ
تـمنـتْـهُ لو يطلب الـمددَ
ألا أمر حسينٌ نبيدُ العدى
ليلقى المنيةَ مُستَفْـردا
يقوم بقتلي فيا مسعدا
وارخص كفا عليه اعتدى
بغرته ودما المسجدَ
ليمسح عنه الدم الـموردَ
وبالدم من ظهره نفدَ
طوافَ الوداع بسهم الردى
ليلقى الإله خضيبا غدا
فصار لـمـهوى الظبا معبدا
لـمـن يتشفى ومن سَـدَّدَ
ونزفُ الدماء له أجـهـدَ
وخر على حرها موسَـدا
ويُدلي على كفه الـمِقْـوَدَ
وفي خصره رمـحُـهُ اغـمـدَ
جـموحا يقادح ما أزندَ
ويا ثقلَ ما به قد أبْــرَدَ
ثنى ركبتيه وألوى اليدَ
وحمحم مفتجِعا مُــزْبِــدا
يـجـود بنفسه بين عِدَا
وللخلد تدري به السيدَ
أقام الزمانَ وما أقعدَ
لتصبح دون حِـماها فدا
وما لـها إلا النحيبُ حِـدا
بصدره منتعلا صعدَ
وسرِّ القضا آخذا مقعدا
أمط عن لثامك كي أشهدَ
بدا أبقعا أبرصا أجعدا
تربع مستقبَحا نكِدا
وناداه ما قــلــتَـه قد بدا
وقام برفس إمام الهدى
يلفِّظُ من فمه الـمِـرْبدَ
ونفسي قد اشتعلت مَوْقِدا
وعن جسمه رأسه أبعدَ
من الدم ألبسه مَـجْـسِـدا
من النصب فيما يظن اهتدى
على ذروة الرمح متقِدا
وصار المدى احمرا اسودا
وبارقُها صعِقا ارعدا
تفطر بالخدر وانـمـردَ
حَصانَ النساء لسبي العدى
وصدِّ الـمـغير إذا ما اعتدى
بكف الحقود إذا جـلدَ
بـخدٍّ من اللطمة استوقَدَ
وتعويضه بالجموع يدا
اغارت فإن الكفيل غدا
بوعدِهِ والغيرةِ مُـدِّدَ
لجاء يوفي بـما وعدَ
بخدري شمرُ الخنا عربدَ
فكيف يقوم لك جسدا
ويأتيك يا زينب مُنْجِدا
ولا يُـحصى من جرحه عددا
إذا قربوا النوق والأصفُدَ
وَهَدَّ البناءَ الذي شُيدَ
وحزَّ الـمـعاصم والأعضدَ
وجاذبكم مئزراً ورِدَا
أذل الأسيرَ إذا قُيدَ
وطوقكم ذله مَقْلَـدا
ولا طرفكم بالسُرى هوَّدَ
ستعلوا بحرقتها أبدا
بقرع السيوف يردُّ الصدى
ومن يدكم ملكه يُـجـتدى
فلو قبضت عزَّ أن يرفِدَ
بعون الله وفضله

بتاريخ 15/11/2015م