فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ حَشْدُ المَوْتِ يَجْتَمِعُ

اليُتْمُ والظَمَأُ المَهْدُورُ وَالوَجَعُ

 

 

وَغُرْبَةٌ كَمَرَايَا قُرْبَةٍ هُجِرَتْ

فِيْ شَفِّهَا صَارَ وِرْدُ المَاءِ يُرْتَجَعُ

 

 

السَّيْفُ وَالكَفُّ وَالعَيْنَانِ بِئْرُهُمَا

وَالثَّغْرُ وَالنَّحْرُ دَلْوٌ حَبْلَهُ قَطَعُوا

 

 

وَالسَّهْمُ وَالصُّمُّ وَالطِّفْلُ الرَّضِيْعُ إِذَا

شَكَا .. لَهُ صَمَمٌ فِيْ السَّهْمِ يَسْتَمِعُ

 

 

فَالمَاءُ وَالنَّسْلُ صِنْوَانٌ لِمَنْحِرِهِ

إِذْ فِيْهِ نَسْلُ رَسُولُ الله يَلْتَمِعُ

 

 

بَلْ فِيْهِ كَوْثَرُهُ المُنْسَابُ مِنْ ظَمَأٍ

مَا أَبْتَرٌ كَانَ لَكِنَّ العِدَا خُدِعُوا

 

 

ظَنُّوا بِقَتْلِ رَضِيْعٍ دَفْقُ كَوْثَرِهِ

هَدْرٌ وَنَسْلُ رَسُولِ الله يَنْقَطِعُ

 

 

فَصَوَّبُوا النَّحْرَ عَيْنُ الكَوْثَرِ انْفَجَرَتْ

لَمْ يَجْرِ فِيْ الأَرْضِ هَدْراً فَهْوَ يَرْتَفِعُ

 

 

وَمِرْضِعٌ وَحِلِيْبٌ دَرَّ مِنْ وَلَهٍ

فِيْ غِيْرِ مَوْعِدِهِ بَالمَاءِ تَمْتَقِعُ

 

يَا رَضْعَةَ العَطَشِ المَحْمُومِ زِدْتِ لَهُ

جُرْحاً فَكَيْفَ بِحُضْنِ السِّبْطِ يَرْتَضِعُ

 

 

ذا مَنْحَرٌ ضَمَّ سَهْماً فِيْ مُعَانَقَةٍ

لَوَالِدٍ دُوْنَ نَحْرٍ مَا الرَّضَاعَ وَعُوْا

 

 

والخَيْلُ والصَّدْرُ لَمَّا ضَجَّ مِنْ عَطَشٍ

بِوَطْئِهِ ضَـجَّةٌ لِلْمَاءِ تُقْتَلَعُ

 

وَالقَلْبُ وَالسَّهْمُ مَثْلُوثُ الفُؤَادِ بِهِ

لِيُهْرَقَ القَلْبُ حِيْنَ المَاءُ يَمْتَنِعُ

 

 

وَالوَعْدُ وَالفَقْدُ فِيْ أَفْيَاءِ قُرْبَتِهِ

يَا حِيْرَةَ المَاءِ لَمَّا وَعْدُهُ يَقَعُ

 

 

فَدُوْنَهُ يَتَهَاوَىْ فِيْ الثَّرَىْ قَمَرٌ

وَجَزْرُهُ لفُرَاتِ الثَّكْلِ يَبْتَلِعُ

 

المَاءُ صِيْغَةُ حَرْبِ الطَّفِّ وَاجِفَةٌ

لَهَا القُلُوْبُ وَبِالتَّعْطِيْشِ يَفْتَرِعُ

 

كَأَنَّهُ الحَرْثُ مِنْ غَيْظِ القُلُوبِ نَمَا

إِذَا تَعَهَّدَهُ الإِغْوَاءُ وَالطَّمَعُ

 

 

قُلْ مَا تَشَاءُ مَعَانِيْ المَاءِ مُهْدَرَةٌ

فِيْ ذَاتِهَا لِسَواهَا فِهْيَ تَتَّسِعُ

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ كَانَ الرَّيُّ آخِرَهُمْ

قَدْ يُنْزَعُ السَّهْمُ لَكِنْ لَيْسَ يُنْتَزَعُ

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ كَانَ الرَّيُّ مُسْتَتِراً

وَمَنْ تَبَجَّحَ نَقْعُ الدَّمِ إِذْ نَقَعُوا

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ خُذْ مَا تَشْتَهِيْ ذَهَباً

بِكُلْفَةِ المَاءِ لِمَّا شُرْبَهُ مَنَعُوا

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ إِقْصَاءُ الغَدِيْرِ عَلَىْ

إِرْوَائِهِ .. لِجُحُودٍ رَايَةً رَفَعُوا

 

 

وَكَوْثَرٌ لِعَلِيٍّ غَارَ مُنْتَكِساً

فِيْ رَدْمِهِ الدَّمُّ مَوْبُوْءٌ وَيَنْتَقِعُ

 

 

هَذِيْ بَقَايَاهُ قُرْبَىْ قُرْبَةٍ حُصِرَتْ

بِكَفِّ عَبَّاسِهَا وَالكَفُّ تُقْتَطَعُ

 

لا شَيْءَ يُشْبِهُ طَبْعَ المَاءِ إِذْ ظَمَؤُوا

فِيْ عَاشِرٍ وَفُراتُ القَوْمِ مُنْطَبِعُ

 

 

الطَّفُّ قَطْرَةُ مَاءٍ بُخِّرَتْ عَنَتاً

فَجَادَ بِالدَّمِّ رَياًّ كُلُّ مَنْ صُرِعُوا

 

 

لابُدَّ لِلطَّفِّ مِنْ رَيٍّ يُشَرِّبُهَا

رُوْحَ السَّكِيْنَةِ لَمَّا يَشْرَقُ الهَلَعُ

 

إِنْ لَمْ تُرَوَّىْ قُلُوبُ الآلِ عَاطِشَةً

فَتُرْبَةُ الطَّفِّ ظَمْأَىْ.. مَنْ تُرَى تَسَعُ؟!

 

لِذَاكَ يَرْوِيْ حُسَيْناً تُرْبَ ضَجْعَتِهِ

بِنَجْعِهِ لا بِرَيِّ المَاءِ يَضْطَجِعُ

 

كُلُّ الفُراتِ الذِيْ يَجْرِيْ بِمَشْهَدِهِ

مُجْتَثُّ أَصْلٍ وَمَا فِيْ حُكْمِهِ تَبَعُ

 

مَنْ يَتْبَعُ السِّبْطَ نَهْرٌ مِنْ مَصَارِعِهِ

بِذَاكَ حُدَّتْ رِيَاضُ الطَّفِّ فَانْتَجِعُوا

 

إِنِّيْ رَأَيْتُ حُسَيْناً زَمَّ صُوْرَتَنَا

بِلَقْطَةِ الحَيْرَةِ الأُوْلَىْ .. بِهَا هَزَعُ

 

فِيْ دَهْشَةِ المَاءِ مَقْطُوعٌ تَسَرُّبُنَا

كَجَدْوَلٍ لِحُسَيْنٍ ظَلَّ يَتَّبِعُ

 

أَلَمْ نَكُنْ بَعْضَ مَحْصُورِيْنَ فِيْ زَمَنٍ

مِنْ فَرْطِ شَقْوَتِهِ بِالحَصْرِ نَدَّرِعُ

 

أَلَمْ نَكَنْ ظِلَّ مَقْمُوْعِيْنَ قَدْ جَفَلُوا

وَظِلُّنَا حِيْنَ حَرَّكْنَاهُ مُبْتَدَعُ

 

 

كُنَّا سَرَايَا وَلَكِنْ مِنْ سَرَابِ خُطَىْ

كَصُوْرَةِ المَاءِ فِيْ العَيْنَيْنِ نَخْتَرِعُ

 

 

أَشَدُّ إِيْمَانِنَا وَهْمٌ نُخَزِّنَهُ

فَإِنْ تَلَجْلَجَ قُلْنَا فَهْوَ يَنْدَلِعُ

 

 

فِيْ القَلْبِ تَكْمُنُ مَكْبُوتَاتُ حَيْرَتِنَا

كَغَيْمَةٍ عَنْ سَمَانَا لَيْسَ تَنْقَشِعُ

 

 

وَلَيْسَ تُمْطِرُ حَتَّىْ فِيْ تَهَدُّجِنَا

وَضَرْعُهَا يَبَسُ الأَحْزَانِ إِنْ ضَرَعُوا

 

 

لَنَا شِفَاهُ حُسَيْنٍ فِيْ تَعَطُّشِهَا

لَكِنْ بِلا كَوْثَرٍ فِيْ الغَيْبِ يَنْدَفِعُ

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ إِنَّا مُتْرَفُوْنَ عَلَىْ

حَشْدِ المَعَانِيْ وَلَكِنْ عِذْقُهَا دَقِعُ

 

لابُدَّ لِلدَّمِّ أَنْ يُجْرِيْ تَفَجُّرَهُ

بَيْنَ العُرُوْقِ بِشُحِّ النَّفْسِ يَقْتَرِعُ

 

لِكَيْ يَفُوْزَ بِنَرْدِ النَّصْرِ كَوْثَرُهُ

أَنَّى رَمَىْ فَحَشَا غَيْمَاتِهَا دَمِعُ

 

 

وَالمَاءُ يَرْجِعُ مَاءً لَوْنُهُ عَدَمٌ

لا حَفْلَةً فِيْ ظِلالِ المَوْتِ يَصْطَنِعُ

 

 

رَياًّ جَوَاداً كَرِيْمَ الطَّبْعِ مُنْبَلِجاً

قَلْبُ الحُسَيْنِ بِهِ الأَوْلَىْ ولا طَمَعُ

 

 

لِنَهْتَدِيْهِ عَلَىْ ثَغْرٍ بِلا حَرَجٍ

لا نَبْتَ صَبَّارِهِمْ فِيْ الحَلْقِ قَدْ زَرَعُوا

 

 

يَا حَشْرَجَاتِ حُسَيْنٍ فِيْ تَمَنُّعِنَا

عِنْ مَائِهِمْ إِنَّنَا بِالثَّأْرِ نَمْتِجَعُ

 

مَا بِيَنْ مَضْمَضَةٍ نُلْقِيْ رَوَاسِبَهَا

وَبَيْنَ رَيٍّ كَوِزْرٍ حَمْلَهُ نَضَعُ

 

لا يُصْبِحُ المَاءُ مَاءً مِنْ مَشَارِبِنَا

حَتَّى يَغَادِرَ عَنْ وَاحَاتِنَا الضَّبُعُ

وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَىْ الرُّمْحِ

ظَنَّ الفراتُ عَلى الحسينِ ظنونَهُ

فأفاضَ وردُ الضِّفتينِ يقينَهُ

رَمَقُ الصَّبايا و انكِسَارُ الدلْوِ لِلـ

مَاءِ الجَرِيحِ أثارَ فيهِ حَنِينَهُ

و لذاكَ فَزَّ مِنَ التُّرابِ يَرُشُّ خَيـ

ـمتَهُ و يَغْسِلُ بالدُّمُوعِ وتِينَهُ

يسْتَحْضِرُ الوَجَعَ القدِيمَ فتَرْفُلُ الـ

ذَّكْرَى و يُغْمِضُ في الصِّغَارِ جُفُونَهُ

هِيَ لَحظةُ انطفأ الزَّمَانُ وقد بقى

في النَّهرِ نهرٌ شَاهِرَا ً نِسْرِينَهُ

فإلى وَدَاعٍ سَارِحٍ فِي الأَمْنِيَاتِ

أطَالَ ” نَهْرُ العَلقمِيِّ” سِنِينَهُ

مُترَجِّلاً كي يُوقِظَ العَمَّ القتيلَ

يُعيدُ في جَسَدِ الغِيابِ يَمِينَهُ

و يَبُوحُ للحُلُمِ الذي مَا زال يَرْ

كُضُ فِي العَرَاءِ و قَدْ غَرَفْتَ مَعِينَهُ

يا آخِرَ الألوَانِ صَدْرُكَ لَوْحَةٌ

فَهَلِ السِّهَامُ تَعَمَّدَتْ تلوِينَهُ

هَلْ كُنتَ تبْتكِرُ السِّلالَ و تَحْرُثُ

الأيَّامَ حتَّى يَسْرِقُوا مَخْزُونَهُ

مَا كُنْتَ إلا نَوْرسَاً يسْتَرْجِعُ الـ

غُربانَ لِلسِّربِ المُعَانِقِ طِينَهُ

يَبكِيْ لِيَرْسُمَ ضَحْكَةَ الأعْدَاءِ ، ثــ

ـمَّ تَصُولُ تَخْسِفُ بِالنِّبَالِ عُيُونَهُ

يَا شُرْفَةَ الأَحْلامِ يا جَرَسَ الكنَا

ئِسِ يَا مُحمَّدُ جاءَ يشرحُ دَينَهُ

لا رَمْلَ يَحْتكِرُ الحُسينَ فكلُّ بسـ

ـتانٍ تشَّرَّبَ في النَّدى زيتُونَهُ

عُصْفُورة ُالأحزانِ حطَّتْ فوقَ خَيـ

ـمتِهِ تُؤانِسُ في المَسَاءِ بَنينَهُ

هُمْ كلُّهمْ رَحَلوا لغيبٍ آخَرٍ

عَبَرُوا الجِرَاحَ و شاهدوا تَكْوِينَهُ

كُلُّ الجِهاتِ مَدَائِنٌ مَرْقُوعَةٌ

و غُبَارُ ثوبٍ مَزّقوا مَضْمُونَهُ

صَمَتَ الجَمِيعُ و ظَلَّ مُفْردَهُ يعَا

لجُ في رِمَالِ المُسْتَحِيلِ شُجُونَهُ

وَ هُناكَ لا هَمْسٌ و لا ظِلٌّ و لا

رِيحٌ و لا مَاءٌ يَبُلُّ أنينَهُ

ملقىً يُدثّرُهُ الإِبَاءُ و أعينٌ

تَخشَى على حرِّ التُّرابِ سُكُونَهُ

هَوَ هكذا صَوتٌ يُموسِقُ ثورةً

و أنا أمارِسُ في الصَّدى تلحِينَهُ

هو لحظةٌ لا تنتمي للوقتِ ، يَذ

رَعُ في امتدادِ السَّرمَدِيَّةِ حِينَهُ

مُذْ كُنتُ طِفلَ الماءِ قرَّبني إليـ

ـهِ فكانَ لي وطناً و كُنتُ سَفِينَهُ

ليْ فيهِ وجهٌ آخرٌ هُوَ كالمَرَا

يا و انعِكاسُ الضَّوءِ يُصْلبُ دُونَهُ

يا ما تشَجَّرَ فِيَّ حتَّى صِرتُ جِذ

عاً ثائراً دلّى عليَّ غُصُونَهُ

فَـتّـشْتُ لم أَجِد المَسَاءَ وجدتُ رُمـ

ـحاً دسَّ في رأسِ الهُدى إِسْفِينَهُ

قَمَرٌ هناكَ يذوبُ فوقَ العرشِ يحـ

ـملُ سرَّهُ لم يُدْرِكُوا مَكنونَهُ

ذابتْ ملامحُهُ تجَرَّدَ للسَّما

وجْهٌ بلا وجْهٍ يدُكُّ مَنُونَه ُ

وَهَبَ الفراغَ طلاوةَ الإيجادِ لمْ

يَكُن الوجودُ مُقدَّراً ليكونَهُ

عقلي خُيوطٌ مِن زُجاجٍ حائرٌ

كسرَ التأمُّلُ في الحُسيَنِ جُنُونَهُ

أنا كنتُ في الخيماتِ أعصرُ غيمةً

عَطشَى و امسحُ دمْعَ مَنْ يبكُونَهُ

نَايٌ حزينٌ عازفونَ و طفلةٌ

و أنا هناكَ يبثُّ فيَّ لُحُونَهُ

عَنْ أيِّ شيئٍ يسترُ الوَجَعَ النَّبـ

ـيَّ و هؤلاءِ القومُ يسْتلبونَهُ

يَا رَعْشةَ السِّكينِ في كفِّ اللئيـ

ـمِ يَغُزُّ في جَسَدِ التُّـقَىْ سِكِّينَهُ

هُم قطَّعوهُ فظَلَّ مُلتهباً يحرِّ

ضُ فِي بُطُونِ الأمَّهاتِ جَنِينَهُ

و يَعُودُ يزْرَعُ في التُّرابِ قصائِدَ الث،

ـوارِ يبعثُ في القوافي نُونَهُ

مَا عادَ للموتِ العنيدِ نِهايةٌ

إلّا إذا نَكَسَ الحُسَينُ جَبينَهُ

فالموتُ شيّعَ نفسَهُ في كَرْبَلا

و أقامَ في وَجَعِ الثّرى تأبِينَهُ

 

موسيقار الشهادة

لِجُرحِ قلبِكَ موسيقاهُ إنْ نَطَقا
يبوصلُ المجدَ إمَّا ضَيَّعَ الأفُقَا

نَضْحُ الدِّماءِ وضوءُ العِشْقِ ، ما اكتملتْ
صلاتُكَ البِكْرُ إلا مُذْ نَزَفْتَ تُقى

فَتَحْتَ عَيْنَيْكَ حينَ استحكَمَتْ لُغَةٌ
خَرْساءُ ، حينَ الحيارى ضيَّعوا الطُّرُقا

ورُحْتَ تُمْطِرُ فينا الضَّوْءَ ،
كانَ عرانا اليأسُ
لم نَدَّخِرْ مِنْ عَزْمِنا رَمَقا

علَّمْتنا نَسَقاً للحُبِّ ، فارتَعَشَتْ
كوامِنُ الشِّعْرِ لمَّا أدرَكَ النَّسَقا

أتيتَ تَقْدَحُ في أنفاسِنا أملاً
كُنَّا عَهِدْناهُ محبوساً ، وها عُتِقا

وحينَ أرَّقنا ليلٌ وشَتَّتنا
مَسَحْتَ عنّا شتيت الليلِ والأرقا

صِرنا نُمَوْسِقُ أحلاماً ،
ونَزرَعُها عِندَ الحُسينِ
إذن تَرْدادُها عَبَقا

كُلٌّ يعوذُ بِرَبِّ الحُبِّ مِنْ أرَقٍ
ما أسْكَرَ العَيْنَ إما طَرْفُها عَشِقا

يا مُبْدِعَ الغُنَّةِ الأولى انسيابُكَ في
أضالِع الكونِ أغرى الدَّمعَ فانْدَلَقا

أغرى الوجودَ بأنْ ينحازَ ، لا لِشَجٍ
لثائِرٍ عبْقَرِيِّ الفِكْرِ ، ما انزلقا

فِكْرٌ حُسَيْنٌ ، فُراتِيُّ الوضوحِ لهُ
رهافةُ السَّيْفِ ، لا يستعذِبُ القلقا

وِكِبْرياءٌ تُرابِيٌّ ،
أما انبَثَقَ العَزْمُ المُكَرْبَلُ مِنْ طه؟ أما انبثقا؟

وسُنْبُلاتٌ منَ الإيثارِ يَرْفِدُها
ماءُ الفِداءِ الذي مِنْ أمِّهِ اندفقا

ونَظْرَةٌ مِنْ عَلِيٍّ ..
بينَ رَحْمتِهِ وسَيْفِهِ أنْ يسيرَ الناسُ سَيْرَ شقا

ما افْتَنَّ بالماءِ حينَ الماءُ راوَدَهُ
في الطَّفِّ ، فانْداحَ ماءُ النَّهْرِ مُخْتَنِقا

وراح يركضُ للعبَّاسِ ، فارْتَعَدَتْ
فرائصُ الماءِ ، ما للماءِ قد صُعِقا؟

أيَشْرَبُ الماءَ عبَّاسٌ ، وزَيْنَبُهُ
فؤادُها بجِمارِ الوَجْدِ قَدْ غَرِقا!!

الصَّبْرُ بُرْدَةُ قِدِّيسينَ ، ما التَفَتوا
لغيرِ خالِقِمْ ، ما طأطأوا عُنُقا

والجودُ فِطْرَةُ مَنْ ذاقوا حلاوةَ أنْ
يُقَدِّموا النَّفْسَ قُرْباناً لِمَنْ خلقا

والطَّفُّ كَوْنٌ مِنَ الإبداعِ .. حينَ ترى
أباً ، وإبناً غريبَ البَسْمَةِ ، اعتنقا

أبي .. شِفاهِيَ يكويها لظى ظمإٍ
بُنَيَّ هاكَ فمي ذبلانَ مُحْتَرِقا

إذنْ بُنَيَّ إلى حَرْبٍ مُقَدَّسَةٍ
نروي بمهجتنا مَنْ كابدَ الحُرَقا

الطَّفُ قَلْبٌ بليغُ الجُرْحِ إنْ خَفَقا
والرأسُ أصْدَقُ إنْ فوقَ القَنا نَطَقا

فَكَيْفَ تَفْنى تراتيلٌ مُخَضَّبَةٌ
بماءِ وَحْيٍ ، ونَحْرٍ يَنْتشي عَبِقا

لا يَنْضَبُ الفِكرُ
عاشوراءُ قُرْبَةُ مَنْ رامَ الكرامةَ يلْقى ماءها غَدِقا

“حسينُ” نَبَّهَنا أنَّ المماتَ يَدٌ للحقِّ
تَفْضَحُ مَنْ بالحُكْمِ قَدْ شَرقا

حمى الزَّمانَ بهيهاتٍ ، فما سُرِقَتْ
روحُ الإباءِ وتاجُ المَجْدِ ما سُرقا