المركز 2: قصيدة (نشوة الجرح) / حسن مجتبى بزي (لبنان)

نشوةُ الجُرح

للشاعر / حسن مجتبى بزي (لبنان – الجنوب)

أضمِر نحيبَكَ يا زمانُ لأسمعَه

إنَّ الحقائق في الضمائر مُودَعة

إن لم تُطِق حبسَ النحيب فإنني

بيتُ المواجعِ والنّوافذُ مُشرَعة

يا حزنُ إنْ شِئتَ ادِّثاري فلتكُنْ

وِتراً بقلبي  جَلّ مِن  أن أشفعَهْ

خذني من الجسد الرديء وعَرِّني

أبرادَ  فكرٍ   بالخَيالِ   مُرَقّعة

ما زلتُ تأسِرُني الجِهاتُ بزهوها

وأخافُ ضِيقاً ، كُن جهاتي الأربعة

كُن حيث لا زمنٌ يحولُ بأن أرى

 وجهَ الحسين وأن يُراقَ دمي معهْ

كُن بين أسوار الظلام مطيّةً

لبصيرتي  تجتازُ زُورَ الأقنعة

حيث الحروف ولا حروف وإنما

قلبٌ  أسالَ على  القوافي مدمعَه

حيثُ الدموعُ مُراقُ ما عثَرَتْ به

الأحداقُ مِن غُصَصِ الطفوف المُوجِعة

حيث السُّهادُ جَليلَةٌ ضمّتْ بِلَيلِ

 الضارعِين   شقيقَها   لتُودّعهْ

حيث الزفيرُ لهيبُ جمرةِ هاربٍ

بين  الخدور مخافةً  أن  تلذعَهْ

كَفٌّ أذاق الوجدُ لطمتَها الضلُوعَ

على الذي في الطفِّ داسُوا أضلُعَه

وحياءُ أخرى أن تُعافَ وكفُّ من

خطَّ الخلود بهِ استباحوا إصبَعَه

طيرٌ ذبيحٌ جاء من زمن الفداءِ

مُعَفِّراً خدّاً وضرّجَ مَوضِعَه

سهمٌ من الحقد العتيق وطعنةٌ

في  جانحَيه  وزفرةٌ  مُتقطِّعة

وكأنما في نحره صوتُ الظُّبى

متأسِّفاً  ودَجَ  الحسين  فقطّعه

وكأنما لا شيءَ يحتجزُ الصدى

 ” هل من مُغيثٍ ” مَن سيُرسلُ مسمعه ؟

في كربلاءِ النفس يصرَعُ نفسَهُ

من قبلِ أن يلقى حسينٌ مصرعَه

تلك الصلاةُ عُروجُها محرابُ ذاكَ

النّحر تُرفَعُ إن تَعدّت مَطلَعَه

ذاك الوريدُ المستفيضُ سفينةٌ

للهاربين  إلى شُعاعِ  الأشرِعة

ما الفوزُ إلا نشوةُ الجُرح الذي

بدلَ الأنينِ يكادُ يلثمُ مِبضَعَه

ما الحزنُ إلا هجرةٌ في النزْفِ مِن

ظمإٍ  إلى  كأسِ  الإباءِ  المُترَعة

يا حزنُ خذني حيثُ ينضَحُ فاتحٌ

 بمهابةٍ في نزفِهِ، ما أنصعَه !

يستشرفُ الملكوتَ طَوداً والظُّبى

تفري له جسداً أبى أن تُخضِعَه

ووجدتُني الأحزانَ أظمأُ كُلّما

أُترِعْتُ من سرّ الجِراح المُشبَعة

 


سيرة ذاتية للشاعر

 

 

 

·    مواليد جنوب لبنان ، ١٩٨٩.

·    طالب وأستاذ علوم دينية في الحوزة العلمية – مرحلة البحث الخارج .

·    إجازة في الأدب العربي في الجامعة اللبنانية.

·    شهادة الماجستير في الدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية في بيروت.


ملخص تعليق لجنة التحكيم 

المعقّب : الدكتور علي عبدالنبي فرحان

يكتسب النّصّ الشعريّ فرادته من تماسكه وترابط أجزائه، ونمو فكرته، وبجمال إيقاعه، وثراء معجمه، وجمال بنائه.

” نشوة الجرح ” قصيدة تحملك نحو ثنائية ضديّة تستبطن اتّحادًا يضخّ معاني النّصّ، ولا يقف عند ساحل عنوانه.

  • ينطلق هذا النّصّ في حوارٍ داخليٍّ بين الذّات الشّاعرة والمعنى المؤجّل الّذي ينبني شيئًا فشيئًا؛ لتتحوّل المعاناة والجرح والألم والحزن والمواجع ” وترًا بقلبي ( قلب الشاعر ) جلّ من أنْ أشفعه ” بشيء سواه. تتحوّلَ بوصلةً تتجه بالذّات الشاعرة إلى جهة واحدة حيثُ تتوحّد الجهات ( بُعدُ المكان ) وبعدُ الزمان ( لا زمنَ يحولُ ) … ( وأنْ يراق دمي معه ) نعم الاتحاد مع المفدّى ، الاتجاه نحو جهة واحدة هي الحسين (ع)

  • وببصيرة الشّاعر الّذي يندغمُ مع معركة الفداء روحًا وفنًّا ووجدانًا ملبّيًا استغاثة الحسين عليه السلام ليفصح عن قمة الالتحاق بركب المحبوب عليه السلام ( في كربلاءَ النفسُ يصرعُ نفسهُ من قبل أنْ يلقى حسينٌ مصرعه )؛ وفي ذلك معنى الصلاة والعروج، ومن أراد أنْ يسمو فعروجه ( ذاك الوريدُ المستفيضُ )، فحقيقة الفوز إحساس الشهيدِ بنشوة الجرح؛ وبذلك: ( يستشرف الملكوتَ طودًا والظبى   تفري له جسدًا أبى أنْ تُخضِعَه ) السيوفُ.

  • نجح الشّاعر في مشروعه الفنّي وأقنع غاية الإقناع.

  • لغة الشاعر سهلة ممتنعةٌ؛ راوح فيها الشاعر بين الإنشاء والإخبار، ولعب بممكنات اللغة الّتي أهلته ليعبّر عمّا يريد في سهولة ودون تكلّف.

  • كثيرًا ما تقلقنا التكرارات في النّصّ الشعري؛ لكنّما الشّاعر هنا وظّفها توظيفًا ذكيًّا، جعل منها آلةً تضخُّ كلّ مرةٍ معنى يفيض دهشةً وعمقًا.

  • الإيقاع غنائي يسوّل للقارئ أنْ يلتذّ بالنصّ ويعيش أجواءه بل نشوته بدءًا بالتصريع، وإيقاع بحر الكامل، وجمال رويّ القصيدة الّذي ألحق به الهاء خاتمةً لذيذةً تنفث آهات زفير صدر المكروب المنفوث حزنًا.