المركز الثالث: علي المؤلف (سادِنٌ في حَضرةِ الغيب)

سادِنٌ في حَضرةِ الغيب

علي حسن المؤلف

(جدحفص – البحرين)


واقفٌ بين يديْ الحسينِ بن عليٍّ عليهما السلام، وقفةً بينَ يديْ اللهِ سبحانه وتعالى، واقفٌ في حضرتِهِ كاتبَ غيبٍ كما كتبةُ الوحيِ فيقولُ عليه السلام: “أكون أول من تنشق الأرض عنه، فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المؤمنين وقيام قائمنا، ثم لينزلن عليَّ وفد من السماء من عند الله، لم ينزلوا إلى الأرض قط ولينزلن إليَّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، وجنود من الملائكة”.

وقوفٌ إلَهيٌّ وَبَعثٌ مُزامِنُ

وثمَّ وجودٌ في المَشيئَةِ كامِنُ

تَداخَلَت الأَبعادُ بَعضًا بِبعضِها

طِباقًا طِباقًا

ما هُناكَ تَبايُنُ

وَحلَّت يدُ التَّوقيتِ أَزرارَ ثوبِها

كأنَّ تعرِّي الوقتِ في الوقتِ آمِنُ ..!

كَثيفٌ مَدى الرَّائينَ

مُشتَبِكُ الرُّؤى

وأَمَّا نسيجُ الضَّوءِ رثٌّ وواهِنُ

مَلائِكةٌ سدُّوا فَمَ الشَّمسِ وانبَروا

فُأُطفِئَ مُبْيَضٌّ وأُلهِبَ داكِنُ

أكادُ أَرى قَوسَ الصُّعودِ

ومَوعِدَ التَّجرُّدِ

لَكنَّ السَّرابَ مُداهِنُ

يُرينيَ فألًا لَستُ أَقرأُ بَختَهُ

فما أناْ عرَّافٌ وما أَناْ كاهِنُ

وما أناْ إلا شاعِرٌ

متنبِّئٌ

على فِكرَةِ الخلقِ الجديدِ أُراهِنُ

تخلَّقتُ في نصِّ القصيدَةِ رجعَةً

على مَتنها مِن مَتنها تَتهاتَنُ

هنا حيثُ مِعراجُ المُثولِ

وَمبلَغُ التَّراقي

استعادَ الرُّوحَ من بِكَ آمَنوا

تَجلَّوا وجوديِّينَ مِنْ عَدميَّةٍ

لِتشخَصَ أَجسادٌ

                 وتَعفى مدافِنُ

تَشقَّقُ عَنكَ الأرضُ أَوَّلَ شَقِّها

ووجهُكَ – يا وجهَ الأُلوهَةِ – فاتِنُ (١)

هِيَ النَّشأةُ الأُخرى

لَويتَ زِمامَها

يَدٌ تُمسكُ الدُّنيا وَأُخرى تُعايِنُ

كَأنَّكَ للِأسماءِ ماحٍ ومثبتٌ

وما لمْ يكُنْ طوعًا لأمرِكَ

                              كَائِنُ

وقوفًا سماويًّا وقفتَ مُبشِّرًا

تَلي النَّاسَ منْ همُّوا

                   ولَم يَتهاونوا (٢)

هُناكَ اصطفافٌ للمُريدينَ لائِحٌ

بِهِ لوَّحتْ لِلمحسنينَ المحاسِنُ

تَراءيْتَ محضَ المحضِ

مَرأىً مقدَّسًا

كأنَّكَ ظِلُّ العرشِ في النُّورِ طاعِنُ

لِطِينَتِكَ النُّوريَّةِ انقدتُ عاشِقًا

وَمن قَدمي انْسلَّتْ قرىً وَمدائِنُ

فَأُوجدتُ مَعلولًا

وأُوجدْتَ عِلةً

وَكُنهُكَ مخفيٌّ وَكُنهُيَ بائِنُ

كلانا حوارٌ لا شَفاهٌ تنثُّهُ

إذا قلتُ : ما اسمُ اليومِ ..؟

قلتَ : التَّغابُنُ ..!

هَلْ السَّاعةُ الآنَ : القيامَةُ ..؟

كَمْ إذنْ ..!

سُؤالي رمادِيُّ الملامِحِ آسِنُ

أغصُّ بِهِ كالرِّيحِ غصَّتْ بِأنِّها

فَلا هِيَ تَحدُوهُ ولا هُوَ ظاعِنُ

أناْ الهاجِسُ المشَّاءُ

خلفَ توجُّسي

إذا التَبستْ بالممكناتِ الكوامِنُ

خُطايَ غريباتٌ تَبعثرنَ في السُّرى

لَهنَّ منافٍ ما لَهُنَّ مَواطنُ ..!

عبرتُ صِراطَ الحقِّ

باسمِكَ مُمْسكًا

وما يُيْسِرُ الهُلاَّكُ إلاَّ أُيامنُ

أناْ الهاجِسُ المشَّاءُ

عَينُ تيقُّني

إذا انهمرَتْ لا تستريبُ الأَماكِنُ

أُقدِّسُ دَمعاتي بِحقِّكَ إنْ جَرتْ

فما هُنَّ دمعاتٌ ولَكِن سفائنُ

تمخَّضَ عُمري عَنكَ

مخضَ عَقيدَةٍ

وِإنْ هادنَ العُشَّاقُ ليستْ تُهادِنُ

فمعدنُ ذاتي لا يَلينُ صَلُودُهُ

إذا اختُبرتْ بالمغرياتِ المعادِنُ

مرايًا مِنَ الرِّيحِ المُسوَّمَةِ انتضتْ

سكاكينَها طعنًا

       وأنتَ المُطاعَنُ

ولولاكَ مَطعونَ الشَّهادَةِ والهُدى

بِجنحيْ أَذانٍ

لم تَرفَّ المآذِنُ

ظماكَ الَّذي نهرُ الفُراتَ مَدينُهُ

سيذكُرُهُ الظَّامونَ ما دانَ دائِنُ

إذا أدركتْ معناكَ

آفاقُ جُملةٍ

لِما أثبتَ الإدراكُ تُنكرُ لَكِنُ

أَنا خارِجٌ منِّي وإنَّكَ داخِلٌ

وَكلِّيَ مرهونٌ وَكلُّكَ راهِنُ

عَليكَ أُصلَّي عارفًا بِكَ

وافدًا على اللهِ

يُغريني الوجودُ المقارَنُ

لأَنَّكَ في الأَعلى إمامُ كَرامَةٍ

أيا لَيتني في حَضرةِ الغيبِ سادِنُ

———————————————————————————–

١- ذكر الإمام الحسين بن عليٍّ عليهما السلام مخبرًا عن نفسه: أكون أول من تنشق الأرض عنه.

     بحار الأنوار للعلامة المجلسي

٢- عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الذي يلي حساب الناس قبل يوم القيامة الحسين بنُ عليٍّ عليهما السلام.

   مختصر بصائر الدرجات للحسن الحلي