ذَرْنِي لِأَفْنَى فِي هَوَاكَ فَأُخْلَقُ
وانْفَخْ بِرُوحِيَ مِنْ سَنَاكَ فَأُشْرِقُ
هَا طِيْنَتِي مِطْوَاعَةٌ فَاعْجُنْ بِِهَا
مِنْ فَاضِلِ الطّينِ الّذِي يَتَأَلّقُ
وارْوِي بِمَاءِ الحُبّ قَفْرَ جَوَانِحِي
ودَعِ الحَيَاةَ بِخَافِقِي تَتَدَفّقُ
مَا كُنْتُ إلّا جُثّةً تَمْشِي عَلَى
قَدَمَيْنِ والأَهْوَاءُ حَوْلِيَ تَنْعَقُ
مُسْتَغْرِقٌ فِي ذَاتِيَ العَمْيَاء
يَحْصُرُنِي بِفَكّيْهِ السّوَادُ المُطْبَقُ
كُلّ الجِهَاتِ تَعُقّنِي وأَنَا بِهَا
أَكْبُو عَلَى تِيهِي وَحِيْنًا أَزْلِقُُ
مُتَوَرّطٌ بِتَخَبّطِي وهَواجِسي
حَيْرَى بِقَبْضَتِها سُؤَالٌ يَطْرُقُ
أَيْنَ السّبِيلُ ؟؟ وإِذْ بِمِصْباح الهُدَى
يَحْنُو عَلَى قَلْبِي الغَوَيّ ويُشْفِقُُ
ومَدَدتَ لِي حَبْلاً مِنَ الضّوءِ ادّلَى
مِنْ كَرْبَلا فَوَجَدْتُنِي أَتَسَلّقُ
أَطْوِي مَرَاقِي الْغَيْبِ مَدّ بَصِيْرَتِي
والمَاوَرَاءُ سِتَارَةٌ تَتَمَزّقُ
لِأَرَى ومَابَرِحَ الذّهُولُ يَهُزّنِي
كُلّي عُيُونٌ فِي الطّفُوفِ تُحَدّقُ
كَيْفَ افْتَرَعْتَ المَدّ طُوفَانًا أَتَى
جَسَدَ المِيَاهِ وفي القَوادِمِ زَوْرَقُ
فَاسْتَيْقَظَ المَوْجُ الكَسُولُ لِثَوْرَةٍ
عذْرَاءَ أَشْعَلَهَا الجُمُوحُ الأَزْرَقُ
حِيْنَ اسْتَمَدّ مِنَ الدّمَاءِ حَرَارَةً
حَمْرَاءَ تَزْفُرُ فِي المُحِيطِ وَتَشْهقُ
لِيَضُخَ فِي صُلْبِ التّرَابِ سُلَالَةً
ثَوْرِيّةً مِنْ كَرْبَلا تَتَخَلّقُ
فَتَمُورُ فِي رَحِمِ الوُجُودِ وثَأْرُهَا
مِنْ سَاعَةِ الطّلْقِ المُقَدّسِ يُطْلَقُُ
“لَبّيْكَ” بَارُودُ الحَنَاجِرِ تَلْتَظِي
غَضْبَى يُفَجّرُهَا الوَلاءُ المُطْلَقُ
زَحْفٌ مَعَ الطّوفَانِ تَتْبَعُ وَحْيَهَا
خَلَفَ اليَقِينِ إلى الكَمَالِ تُحَلّقُ
وهُنَاكَ تَجْرِفُنِي رُؤَاكَ بِمَدّهَا
أَطْفُو عَلى لُجَجِ الدّمُوعِ وأَغْرَقُ
حَيْثُ انْتَفَضْتَ عَلَى اليَبَابِ
فَشَطّ مِن لَاءاتِكَ الدّفْلَى وثَارَ الزّنْبَقُ
وكَأَنّمَا بِالتّضْحِيَاتِ تَبَرّجَتْ
مِنْ كُلّ ألْوَانِ البُطُولَةِ رَوْنََقُ
وتَوَرّدَ الحَقْلُ المُخَصّبُ بِالفِدَا
فَإذَا بِهِ فِي كُلّ نَحْرٍٍ يُورِقُ
قُطِفَتْ عَنَاقِيدُ الكَرَامَةِ والإبَا
فِي حَانَةِ المَوْتِ المُدَامِ تُعَتّقُ
فَإذَا القُطُوفُ كَوَاكِبٌ دُرّيَةٌ
فَوْقَ الرّمَاحِِ إلى السّمَاءِ تُعَلّقُ
والسّدْرَةُ الحَوْراء تَرْتِقُ صَبْرَهَا
مَهْمَا تَخِيطُ الجُرْحَ دَأْبًا يٌفْتَقُ
تُؤْوِي بَلابِلَهَا المَرُوعَة كُلّمَا
تَنْعَى بِتَغُرِيدِ الفَجِيعَةِ تُرْشَقُ
حَتّى الزّهُورْ تَرّشُ عِطْرَ نِضَالِهَا
والنّصْرُ مِنْ أَكْمَامِهَا يَتَفَتّقُ
مَا جَفّ نَهْرُ الجُودِ يَسْقِي الّلائِذِينَ
” وإنْ بِلا كَفّينِِ ” ..صَبًّا يُغْدِقُ
وتَعَرّشَ الزّيْتُونُ وِسْعَ جِهَاتِنَا
يَزْهُو بِأَثْمَارِ الفُتُوحِ ويَعْبَقُ
مَازَالَ يُوقِدُ فِي الضّمِيْرِ شَرَارَةً
تَجْتَاحُ مَرْعَى الظَالِمِينَ وتُحْرِقُ
مَازَالَ يَغْرُسُ فِي الصّحَارَى نَخْلَهَا
الحُرّ الّذِي رُغْمَ التّحَجُر يَبْسُقُ
مَازَالَ مِصْبَاحًا تَنَاسَلَ بِالهُدَى
كُلّ الرّؤَى حبْلَى بِهَدْيٍٍ يَبْرُقُ
مَازَالَ بَلْ مَازَالَ بَلْ مَازَالَ فِي
أَبَدِيّةِ الأَحْرَارِ حَيّا يُرْزَقُ
ذَرْنِي لِأَفْنَى فِي سَنَاكَ فَرَاشَةً
سَكْرَى تَخرّ مَعَ الوِصَالِِ وتُصْعَقُ
وأَعُودُ أٌخْلَقُ فِي هَوَاكَ كَأَنّنِي
مَا كُنْتُ ذَاتَ غِوَايَةٍ أَتَشَرْنَقُ
وأنْقُشْ عَلى فستان أَجْنِحَتِي
“أَنَا أَهْوَى حُسَيْنًا” حِينَهَا سَأُحَلّقُ
وأَرُفُّ عِنْدَ ضَرِيحِكَ /الفِرْدَوْس
والّلهَفَاتُ مِنْ فَرْطِ التّوَلّهِ تُهْرَقُ
“لَبّيْكَ” قَابَ فَنَاءِ رُوحِيَ أَجْتَلِي
وَهْجَ الخُلُودِ ومِنْ هُنَالِك أُشْرقُ