كربلاء .. سدرة العز

تَمرُّ بيَ الذكرى فأستلهمُ الذكرى

صلاةً تعيدُ الفجرَ في أفقهِ فجْرَا

وآتيكَ من أقصى ابتهالاتـيَ التي

أهالتْ عليكَ الشوقَ هائمةً سَكْرَى

وأدخلُ محرابَ الفجيعةِ علّني

أقوّمُها وزناً وأجبرُها كَسْرَا

تضوّي سماءَ الجرحِ روحي فأنحني

لأشبعَهُ لثماً وأسبرَهُ غَوْرَا

وتضْوي ليالـي ( الأربعينَ ) مواجعي

وترجعُ ، لم تطفئْ ( لياليّكَ العشْرَا )

وألقاكَ حيثُ القلبُ عانقَ ( سهمَهُ )

فأورَقَتِ الأحلامُ من نزفهِ زهْرَا

كقلبكَ ( يومَ الطفِّ ) قدّمتُ خافقي

إلى مذبحِ الآلامِ يوسعُهُ نحْرَا

وما غيرُ قلبي صغتُ محبرةً ومَا

سوى نبضهِ المحزونِ أنزفُه حِبْرَا

هُوَ الحزنُ لـمْ أنظمْهُ إلاّ مشعّباً

بثلثينِ من قلبي ولم ينتظمْ شعْرَا

{ { {
فخُذني ( أبا السجَّادِ ) خُذني حمامةً

تلهّتْ بِها ريحٌ فلاقتْ بكَ الوكْرَا

وأشرعْ أمامي نهرَ عزٍّ فلم تزلْ

مجردةً ، روحي لكي تعبُرَ النهْرَا

ـ 2 ـ

وهاكَ استلمني بينَ كفيكَ طينةً

منَ الحمأ المسنونِ ، كي أغتدي درّا

وهَبني منَ المصباحِ لمحَ فتيلةٍ

يرافقُني درباً ويرشدُني مسْرَى

و (هيهاتَ منّا الذلَّ ) أطلقتَها فما

سقتْ فـي دمي نبضاً ولـم ينطلقْ حُرَّا

وحسبي إذَا ما متُّ في الحبِّ أنّني

أضيفُ إلى عمري ـ كما أشتهي ـ عُمْرَا

وأذكرُ أنّي حينَ أوقفَني أبي

على جرحكَ استوطنتُ محرقتي الكُبْرَى

وقفتُ ولكنْ أوهَنَ الحزنُ كاهلي

فمرّتْ بـيَ الأيامُ محدودباً ظهْرَا

قد استوطنتْ روحي أعاصيرُ وحشةٍ

ورجفةُ ريحٍ تنفثُّ الهمّ والقهْرَا

وكانتْ خيوطُ الوعيِ تفلتُ من يدي

فليسَ سوى قلبي وأسئلةٍ حيْرَى

تُرى هل ستكفيكَ السواعدُ ضمةً

وقد جئتَ لا رأسا حملتَ ولا صدْرَا ؟!!

فيا مُـجريَ الوجدانِ فـي روحِ أمةٍ

بِها انسدَّ مجرَى الضوءِ فاستُنـزفَ المجْرَى

أمطْ عنْ مُحيّا ( كربلاءٍ ) لثامَهُ

ودعْ صورةَ الأمجادِ مكشوفةً سِتْرَا

هيَ سِدرةُ العزِّ التي انغرستْ فلَمْ

يسَعها الردى يوماً ولـم يرتفعْ قدَْرَا

فقدّمْ ـ كما تهوى ـ روائعَكَ التي

تآختْ معَ الدُّنيا وصادَقتِ الدّهْرَا

وعلّقْ مصابيحَ الكرامةِ ، علّها

إذَا ذلّتِ الأجيالُ أن تفهمَ السرّا

ـ 3 ـ

ويحيا بِها ( العبّاسُ ) إذْ حلّقَتْ به

سجاياهُ ، لا يُمنىً ترفُّ ولا يُسرَى

و( زينبُ ) إذ أهوتْ على نبتِ حاقدٍ

تفتُّ بهِ عضْداً وتهوي بهِ قَبْرَا

روائعُ منذُ ( الطفِّ ) شقّتْ قماطها

إلى الآنَ لـمْ تبرحْ محامدُها تتْرَى

هيَ اللوحةُ الأسْمَى التي صاغَهَا دمٌ

فأوحتْ إلى الأذهانِ من نبضِهَا فكْرَا

وها إنّني من ألفِ نارٍ تسومُني

حنيناً ، إلى لقياكَ أستبطنُ الجمْرَا

تَمزّقتِ الأكفانُ عنّي وها أنَا

نَهَضْتُ إلى ذكراكَ منقلِباً حشْرَا

وجئتُكَ فـي مليونِ سطرٍ ، مولَّعاً

أخطُّ هنَا سطراً وأمحو هُنا سَطْرَا

إلى أنْ نسيتُ فوقَ زنديكَ خافقي

ليقضي على زنديكَ من لهفتي وطْرَا

وينمُو على مرّ المدَى ياسمينةً

تهرّبُ للأجيالِ من نفحِها عطْرَا

وتروي حكاياتِ الإباءِ زكيّةً

تخلّدُ معنَى الحبِّ في خاطري ذِكْرَا

وحُلْمي : تكفُّ الريحُ عن كلّ صرخةٍ

على شرفةِ الأيتامِ ، تملؤهُمْ ذُعْرَا

وترجعُ للأعشاشِ أطيارُهَا التي

تناءَى بِها الترحالُ فاستوحشَتْ هَجْرَا

{ { {

موجةٌ من سُلالة(لا)

حسبي من الكلماتِ الحُمْرِ مقتطفُ

أدغمْتُ عَبْرَهُمَا روحي مُصاهَرَة

وقلتُ : يا نارُ كوني الآن قنطرَةً

قد ترتمي أحرفُ الدُّنيا مُعَوَّقَةً

يا شذرةً من قواميسِ النِّضالِ زَهَتْ

هِيَ اشتعالُ زفيرٍ , وامتدادُ رؤى

سحابةٌ تحملُ التاريخَ في دَمِهَا

من الأذانِ أطلَّتْ من قداستِها

تلاحَمْتْ صُورٌ شتَّى لهيبتِهَا

كانتْ على شكلِ فأسٍ حينما انهمرتْ

والفلسفاتُ أحاطتْهَا بأعينِها

وعندما احتضنتْ ثغرَ الحسينِ غَدَتْ

ما قالها فيضَ أهواءٍ مبعثرةٍ

الرفضُ أحفورةٌ في بطنِ أزمنةٍ

والرفضُ زلزلةٌ محَشْوةٌ فزعًا

ما اخترتُ إلاكَ يامولايَ مُنْعَرَجًا

مَزَّقْتُ أوراقَ تقويمِ الخريفِ لكي

لا أقبلُ الوَقْتَ ساعاتٍ محنطةً

يحلو المسيرُ إليكَ , القلبُ بوصلتي

وأنتَ ذاتي .. مسافاتي مُعَبَّاةٌ

يا أيُّها الوَتَرُ المرُْخَى على هُدُبي

جسمي وثوريّةُ الإيقاعِ مُتَّحِدٌ

خلقتُ أبيضَ , والنسرينُ مُعْتَقَدِي

والطفُّ مائيَّةُ الأسرارِ , يا عجبًا

يا مَنْ تزيَّا بأقداسٍ مُطَرَّزَةٍ

هذي النخيلُ التي في جوفنا انغرستْ

والبحرُ ينحازُ للثٌّوارِ مُنتفضًا

ما يومُك الملتظي يومًا نكابدُهُ

بل نقطةُ البدءِ تكوينًا وبسملةً

ننمو مع الطفِّ أعراقًا مُشَجَّرَةً

ميلادُنا حيثما تنهلُّ صاعقةٌ

حتى إذا ما احتوانا حضنُ مَدْرَسَةٍ
حرفانِ في كربـ (لا)ءَ : اللامُ والأَلِفُ

حتَّى تماهى بذاتِ الجمرةِ التَلَفُ

إلى السماءِ التي يفتضُّها الشَّرفُ

لكنَّ (لا) بشموخٍ واثقٍ تَقِفُ

وخيرَ ما أجَّجَتْهَا الألسنُ / الصُّحُفُ

مازالَ منها صدى الأحرارِ يغترفُ

طافتْ بأسرارِ من ضَحُّوا وَمَنْ نَزَفُوا

شهادةً برؤى التوحيدِ تعترفُ

أيقونةٌ عن طيوفِ الكونِ تختلفُ

أيدي النَّبيينَ , والأوثانُ تنكسِفُ

كأنَّها لؤلؤٌ قدْ ضمَّهُ صَدَفُ

حقيقةً في مُصَلَّى الفِكْرِ تعتكفُ

بل خطَّهَا فكرةً تسمو بها الغُرَفُ

من ذا يرى بُعْدَهَا النائي ويكتشفُ ..؟

فالصَّولجانُ معَ التيجانِ يرتجف

حتَّى تبسَّمَ لي في أفقِهِ الهَدَفُ

أراكَ خلفَ المدى .. تزهو وتزدَلِفُ

ولنْ أراكَ إذا لم تخْشَعِ السُّقُفُ

وملءُ زوَّادَتي الأشواقُ والشَّغَفُ

بالمستحيلِ , وبالآلامِ تنرصِفُ

لحنْتُ رؤياكَ حيثُ النُّورُ ينعزفُ

وجهي بسيماءِ طينِ النَّارِ يتَّصِفُ

لكنَّ بي غيمةٌ سوداءُ تلتحِفُ

سيَّان أظمأ في الذِّكرى وأرتشفُ

سِحْرًا توحَّدَ فيكَ الطَرْفُ والطَّرَفُ

تسمو إليكَ , وها جنحانها / السَّعَفُ

مدًا إلى جهةِ الأحداثِ ينعطفُ

ريحًا تهبُّ علينا ثمَّ ننجرفُ

كأنَّنا الآنَ في تاريخنا نُطَفُ

مَهْمَا اختلفنا فبالأشجان ِنأتلفُ

وأينما ترتمي الأهوالُ والكِسَفُ

ننسى الحروفَ , وتبقى اللامُ والألفُ