معزوفةٌ فوقَ الرمح

رأسُ الحسينِ يطوفُ بوصلةَ الجهاتِ
محلّقاً نحوَ السماءِ
كغيمةٍ قدسيّةٍ
نطقتْ بأسرارِ المطرْ

للرمحِ وجهتهُ
وللخدِّ التريبِ حكايةٌ أخرى
تترجمُ أبجدياتِ القدرْ

للدّمِ سنبلةٌ تحررُ كلَّ شيءٍ عابرٍ
نزفٌ على رئةِ الخلودِ ..
مسافةٌ للدمعِ …
أروقةٌ مشاغبةٌ …
ضجيجُ الخيلِ …
قهقهةُ السيوفِ …
نحيبُ أطفالٍ …
ورأسٌ واحدٌ يجتازُ قاموسَ الخطرْ

يحنو على كلِّ الجراحِ برأسهِ
وعلى فمِ التاريخِ ثورة حدسهِ

قد صاغَ من غدهِ المسافرِ غيمةُ
تنمو وتنمو في تمرّدِ أمسهِ

وكأنهُ وحي الوجودِ وآية
رسمتْ تفاصيلَ الجهاتِ بقدسهِ

الشمسُ أتعبها الغيابُ ولم يزلْ
للضوءِ محرابٌ يطوفُ بشمسهِ

الجرحُ يقترفُ الخطيئةَ
حينما ضجَّ النزيفُ
وكربلاء تسابقُ الزمنَ السوادَ
وذي طبولُ الحربِ مُـشرَعةٌ
وفوقَ الرمحِ صوتٌ
يستمدُّ من السماءِ
طهارةَ القرآنِ .. نبضَ تلاوةٍ
تسمو بأرواحِ الصغيراتِ التي شَهَـقتْ
وبلّـلها الضجرْ

وجهُ الحسينِ على مسافةِ اصبعٍ
والسهمُ يعبثُ
في نبوءةِ صدرهِ
واللحظةُ اشتعلتْ
ومزّقها الحجرْ

لا شمرَ عادَ
ولا السيوف تمرّدتْ
لا شيءَ من قلقِ الجهاتِ
ولا هدير الماءِ في جسدِ الفراتِ
ولا امتداد النارِ
كانَ لصوتهِ سحراً لــ ( بسمِ اللهِ ) في كلِّ السوّرْ

يأتي بوشمِ المعجزاتِ
ولم تزلْ ( هيهات ) تعبثُ بالظلامِ
وتفتحُ التأويلَ
في قلقِ الممرْ

الآنَ يعبرُ ( سيدُ الشهداءِ ) للوجعِ الخفيِّ
وفي يديهِ حكايةُ الغرباءِ
ترسمُ للخلاص ِ
على امتدادِ العمرِ
سنبلةً تراقصُ ثورةً في الطفِّ
من ألمِ الصورْ

لا زالَ رأسٌ للحسينِ
يطوفُ أروقةَ الحنينِ
كأنهُ جسدُ القمرْ

الضوءُ فوقَ الرمحِ عانقهُ السهرْ
والماءُ في قلقٍ يفتشُ عن أثرْ

جسدٌ هناكَ ، وألفُ صوتٍ ها هنا
والريحُ صامتةٌ … وأتعبها السفرْ

صوتٌ سماويٌ يبوحُ بطهرهِ
وملامحٌ خضراءَ يلثمها الشجرْ

للرأسِ ثورتهُ التي نهضتْ بنا
وكأنه قد صاغَ أرواحَ البشرْ

 

 

امتدادات الظل الكاشفة

أُكثِّفُ حُبِّيْ فتبدأُ فيَّ العواصفُ

ها تلكَ أشرعةُ العابرينَ

تجرُّ السفينةَ نحوَ الهيامْ

لماذا تسيرُ القوافلُ عكسَ الشموسِ

وتختبئُ الأمنياتُ بجَيْبِ الظلالِ

وتسقطُ كلُّ الطفولاتِ مِنْ حَبْلِ أرجوحةٍ في الحديقةِ

لمَّا تفتَّحَ نحْرُ الرضيعِ

بريحِ السهامْ

***

رموشُ الحقيقةِ

أطولُ مِنْ خصلاتِ الفراتِ

وثمةَ موتٌ خفيٌّ يناجي اليتامى

وقرعُ الحياةِ تضاءلَ

لكنْ تنزَّلَ للطفلِ وحيٌ يُشابهُ صوتَ البتولِ

ويزجي السلامْ

***

تنامُ الطفوفُ على راحتَيْ زينبٍ

حيثُ مدَّتْ عباءَتَهَا للصغارِ فِراشًا

وطارَ الفَراشُ بنصفِ جناحٍ

ليقصدَ جسمَ الحسينِ

هُوَ الليلُ يحتضنُ الأمنياتِ العصياتِ

رغمَ اضطرابِ النجومِ

انطفاءِ الكواكبِ

بَعثرةِ الضوءِ فوقَ الترابِ

احتضارِ البدورِ

بِجوف الظلامْ

هُوَ الليلُ

آخرُ حاملُ سيفٍ بِجيشِ الحسينِ

وآخرُ مَنْ ترتجيهِ النساءُ

هُوَ الملفعُ الأسودُ المرتخيْ فوقَ أوجاعِ تلكَ الخيامْ

***

أُكثِّفُ حُبِّيَ

كي أبدأَ الهجرةَ الموسميةَ نحوَ الطفوفِ

أنا السربُ وحدي

توزعتُ طيرًا فطيرًا

فأجمعُ نفسي.. أُشتِّتُ نفسي

“وأزحفُ.. أركضُ.. أرجفُ.. أمشي.. أصيحُ.. أنوحُ.. أبوحُ..”

لأني أسيرُ وركبُ السبايا يسيرُ بصحراءِ وَجْدي

سأشطبُ أطرافَ صحرايَ

حتى تصيرَ المسافةُ أقصرَ للتائهينَ المجدِّينَ في السيرِ

نحوَ الختامْ

***

هنالكَ خيطٌ

يُلَمْلِمُ حباتِ عِقْدِ الفجيعةِ

يمتدُّ مِنْ دمعِ زينبَ بعدَ الطفوفِ

إلى قَتْلِ هابيلَ ذاتَ ضياعٍ

إلى قَتْلِ حيدرَ ذاتَ سجودٍ

إلى صَلْبِ عيسى

يدورُ

يدورُ

إليَّ

إليَّ

إذا ما انتظمتُ بِعِقْدِ الفجيعةِ

ينقطعُ الخيطُ

تنتثرُ اللؤلؤاتُ على صدمةٍ مِنْ رخامْ

***

وعنديَ ظِلٌّ وَفِيٌّ

يرافقني حيثُ تهربُ روحي

فأمشي ويمشي

وأركضُ.. يركضُ.. لكنْ

وقفتُ ويمضي

وظِلِّي يراوغُ نارَ الحياةِ

ويمتدُّ نهرًا بوسْطِ الهجيرِ

ويقصرُ حدَّ انغماسِ الجذورِ

ويمتدُّ حدَّ اندلاعِ النخيلِ

يغادرُني للسماءِ

ويعلو

ويهبطُ

يحضنُ جسمَ الحسينِ

وذلكَ طبعُ الغمامْ

***

رذاذُ القداسةِ يهطلُ مِنْ سدرةِ المنتهى

فوقَ تلكَ التلاعِ التي مازجَتْهَا دماءُ الكتابِ

مِنَ الحوضِ جبريلُ يغرفُ غيثًا

وينزلُ للأرضِ يروي الظمايا

وفي عينهِ حمرةٌ مِنْ دماءِ الكفيلِ

ندىً أحمرُ اللونِ يزهو على اللوحِ

قدْ بَلْوَرَتْهُ دماءُ الرضيعِ

رموشُ الحقيقةِ

أطولُ مِنْ خصَلاتِ الفراتِ

ستخضرُّ كلُّ الأماني

وتنمو البراعمُ

تنمو

على شفَراتِ الحسامْ

***

ورافقتُ أُفْقَ الحسينِ

لأمتدَّ بحرًا

أُزخرفُ كلَّ المآسي عَلَيَّ كموجٍ

أُشجِّرُ أفكاريَ البائساتِ غيومًا

وأرفعها

بعد أنْ جفَّ منها الكلامْ

سيبحرُ فوقي هوى الأغنياءِ

وحلْمُ الفقارى

وآمالُ كلِّ المساكينِ والفاقداتِ

أُكثِّفُ حبِّي فتبدأُ فِيَّ العواصفُ.. لا شيءَ لا شيءَ

يبقى سوى..

ذكرياتِ الحطامْ

***

كما يرشحُ الماءُ

مِنْ ثَغَرَاتِ الكفوفِ التي مدَّها اللهُ للنشأتينِ

هناكَ على الرملِ يرشحُ

فيضُ الحسينِ

ومُذْ بعثروهُ على الرملِ

شلوًا

فشلوًا

تبعثرت الآيُ

إذ كانَ كُنْهُ الحسينِ يُنَسِّقُ وَحْيَ الإلهِ

فَمَنْ بَعْدَهُ يجمعُ الذكرَ فِي الدفتينِ؟

سينهضُ رغمَ المماتِ حسينٌ

ويبني السماواتِ

فوقَ الركامْ

قبلات على عتبة الحسين

الْبَدْرُ آخِرُ قِصَّةٍ

فِي عَيْنِ تَائِهْ

تَحْكِي الْحُسَيْنَ: يَقُودُ جَيْشًا مِنْ ضِيَائِهْ

وَالليْلُ يُمْعِنُ فِي غَيَابَةِ جُبِّهِ

وَيَصُبُّ -مِنْ جَفْنِ الْحُسَيْنِ- نَزِيفَ مَائِهْ

وَعِدَادَ مَا فِي جِسْمِهِ مِنْ طَعْنَةٍ

أَدْلَى الْحُسَيْنُ بَنِيهِ…

مَاتُوا فِي دِلائِهْ

لِلْجُرْحِ أَيْضًا أَنْبِيَاءُ…

وَلَيْسَ غَيْرُكَ -يَا ذَبِيحِ الحَقِّ- آخِرَ أَنْبِيَائِهْ

***

عَاشُوا (نَعَمْ) نَعَمًا

وَسِيقَ رِضَاهُمُ

وَتَعَثَّرَتْ قَدَمُ الْحُسَيْنِ بِكَرْبِ – (لائـِ)ـهْ

شَالُوا  -عَلَى الأَكْتَافِ- كَرْبَ وَلائِهِمْ لِلَّيْلِ..

وَهْوَ دَمٌ بِعَيْنَيْ (كَرْبَلَائِهْ)

فِي رُكْنِ ذَاكِرَةِ الظَّلَامِ رُمُوا…

وَفِي شَرْقِ الْقُلُوبِ:

الشَّمْسُ بَعْضٌ مِنْ بَهَائِهْ

زُوَّارُهُ احْتَفَلُوا بِعُرْسِ شهيدِهمْ

مُتَخَضَّب الكفَّيْنِ مِنْ حِنَّا دِمَائِهْ

***

أَعْطَى سُيُوفَ عِدَاهُ دَرْسًا

حِينَ مَاتَ بِهَا

وَأَبْقَى النَّصْرَ حَيًا فِي رِدَائِهْ

وَسُيُوفُهُمْ ما ذُقْنَ مِنْ دَمِهِ سِوَى سُمِّ الفَنَا..

وَحَقَنَّهُ بِدَوَا بَقَائِهْ

بَقِيَ الْحُسَيْنُ

وَشَيَّعَ الأُمَوِيُّ نَعْشَ سُيُوفِهِ الْخَمْسِينَ نَحْوَ لَظَى انْطِفَائِهْ

وَالْيَوْمَ..

فِي جَيْشِ الْحُسَيْنِ انْضَمَّتِ الأَقْلَامُ فِي وَرَقِي

تُحَارِبُ مِنْ وَرَائِهْ

***

قَدَمَاهُ فِي شَطِّ الْفُرَاتِ…

وَرَأْسُهُ فِي كِتْفِ نِيلٍ صَارَ عَيْنًا فِي رِثَائِهْ

كَخَرِيطَةٍ لِلنَّصْرِ فُصِّلَ جِسْمُهُ

خَطَّتْهُ (جُغْرَافْيَا) الْجِرَاحِ بِكِبْرِيَائِهْ

أَسْمَاءُ أُسْرَتِهِ عَوَاصِمُ دَمْعِنَا…

وَمُسَطَّحَاتُ دَمٍ  مَلامِحُ أَقْرِبَائِهْ

بَيْنَ الْعِرَاقِ وَمِصْرَ بُوصَلَةُ الْمُسَافِرِ حُبُّ آلِ الْبَيْتِ..

مَنْ يَفْقِدْهُ…

– …؟!

– … تَائِهْ

***

حُكَمَاءُ صِهْيَونٍ جَرَوُا دَرَسُوا خَرِيطَةَ جِسْمِهِ (أَلِفَ الْفُرَاتِ لِنِيلِ يَائِهْ)

قُولُوا لَهُمْ:

أَضْحَى تُرَابُ الأَرْضِ لَحْمًا لِلْحُسَيْنِ

وَلا سَبِيلَ إِلَى اجْتِزَائِهْ

بِيَدِ (الشَّهِيدِ) يَصِيرُ طُوبُ الأَرْضِ سَيْفًا

لَنْ يُطِيقَ عَدُوُّهُ ثِقَلَ اتِّقَائِهْ

إِلا الْحُسَيْن

فَإِنَّهُ الْوَطَنُ الْكَبِيرُ….

الرِّيحُ:

نَسْبِقُهَا عَلَى سِكَكِ افْتِدَائِهْ

***

رَيْحَانَةٌ سِبْطٌ زَكِيٌّ سَيِّدُ الشُّهَدَا أَبُو الأَحْرَارِ… جَدٌّ فِي إِبَائِهْ

وَأَبُو الأَئِمَّةِ فِي الْبَيَاضِ، غَرِيبُهُمْ

وَالطَّيِّبُ الْمَظْلُومُ…

وِتْرٌ فِي عَنَائِهْ

وَأَسِيرُ كُرْبَتِهِ الْمُبَارَكُ

وَالْمُجَاهِدُ

جَاءَ مِنْ أَقْصَى الْقُرَى شَرْقَ اهْتِدَائِهْ

الْوَحْيُ سَمَّى..

كَانَ الِاسْم عَلَى مُسَمَّى..

سَادَ.. أَمَّ.. وَضَمَّهُ جَدُّ الْمَحَبَّةِ فِي كِسَائِهْ

***

بِقَمِيصِهِ الْمُحْمَرِّ يَفْتِنُ جَدَّهُ

كَالْوَرْدِ: قَلْبُ الْمُصْطَفَى طِفْلُ اشْتِهَائِهْ

أوْ.. كَانَ قَلْبُ رَسُولِ رَبِّكَ وَرْدَةً

وَحُسَيْنُ قَاطِفُ نَبْضِهَا بِيَدَيْ نَقَائِهْ

فَالْجَدٌّ عَقْلٌ فَوْقَ كِتْفَيْ مِنْبَرٍ

تَفْكِيرُهُ طِفْلَانِ مِنْ صُلْبِ احْتِفَائِهْ

لَبِسَ الْحُسَيْنُ الطِّفْلُ ثَوْبًا أَحْمَرًا

وَاحْمَرَّ

بَعْدَ الطَّعْنِ أَكْثَرَ

مِنْ دِمَائِهْ

***

(شَعْبَانُ) أَمْ شَعْبَانِ…

شَعْبٌ عَاشِقٌ لابْنِ الرَّسُولِ

وَضِدَّهُمْ مَرْضَى عَدَائِهْ

غَلَطًا رَأَوْهُ وَلِيدَ يَوْمِ( ثَلاثَةٍ..)

وَالصَّحُّ:  أَنَّ الْيَوْمَ يُولَدُ مِنْ سَنَائِهْ

هُوَ عِيدُ مِيلادٍ لِيَوْمِ وِلادِهِ…

وَشَهَادَةٌ بِوَفَاةِ عَبْدِ (يَزِيد) شَائِهْ

يَعْوِي بِحَضْرَة آلِ بَيْتِ الْمُصْطَفَى

وَلِغَيْرِهِمْ

يُلْقِي قَصَائِدَ مِنْ مُوَائِهْ

***

كَرِهُوهُ  أَمْ كَرِهُوا النَّبِيَّ!

وَحُبُّهُ مِنْ حُبِّهِ مِنْ حُبِّ رَبِّي فِي سَمَائِهْ

وَهَلْ ابْنُ مَنْ يُوحَى إِلَيْهِ.. كَابْنِ مَنْ يُمْلَى عَلَيْهِ..؟!

الْبَدْرُ كَالْحَجَرِ الْمُبَالَغِ فِي طِلائِهْ؟!

يُوصِي عَلَى رَيْحَانَتَيْهِ …

فَيَسْحَقُ الأَعْمَى جَمَالَ الْوَرْدِ تَحْتَ عَمَى حِذَائِهْ

اسْحَقْ فجِسْمُ الْوَرْدِ جِسْمٌ لَيْسَ إِلَّا….

لَسْتَ تُفْنِي رُوحِ عِطْرٍ فِي فنَائِهْ

***

مِنْ مِصْرَ.. مِنْ بَغْدَادَ..  مِنْ لُبْنَانَ..

سُورِيَّا.. الإِمَارَاتِ.. الْجَزَائِرِ.. أَوْ سِوَائِهْ

خُطُّوا قُرَاكُمْ فِي (الْبِطَاقَةِ)…

وَاسْرُدُوا تَارِيخَ جَدٍّ شَادَ صُبْحًا مِنْ مَسَائِهْ

وَتَجَمَّدُوا فَخْرًا كَثَلْجِ الْقُطْبِ…

فِيمَا الْعِشْقُ مَدَّ بِنَبْضَتِي خَطَّ اسْتِوَائِهْ

مَا فَخْرُكُمْ؛ وَ..

مْحَلُّ مِيلادِي الْحُسَيْنُ

وَوَجْهُهُ

تَارِيخُ مَوْلِدِ أَوْلِيَائِهْ؟!

***

مَاضٍ على دين النبيِّ ..

يعولُ

-من دمه-

عيال أب عَلا فرسَ ابْتِلائِهْ

كتفاهُ سَفْحَا حُمرَةٍ..

طعناتهم جبلانِ لم يصلا إلى قمم اشتكائِهْ

وسهامهمُ ريحٌ عقيمٌ أنجبَتْ

موتًا لقيط المجد من صلب اعتدائهْ

موتٌ:

تَبَنَّاهُ الْحُسَيْنُ… فَسُمِّيَ (استشهاد)ه … لا (ميمَ) تطرُدُ وجْهَ (تائهْ)

***

الموتُ:

أعطاه الحسينُ من الخلودِ رغيفهُ

وَوَرِيدَ (طَهَ) لاحتسائهْ

هل كانت الأقلام تذكر مثلَ هذا الموت في صحن الحسينِ بلا عطائِهْ؟!

لهفي:

غموس رغيفه جُبْنُ الذين كفوفهم غدْرٌ تعضَّ يديْ وفائهْ

والكوفةُ الحمراءُ

تعجن خطو عسكرها بماء عروقه

وبُكَا لوائهْ

***

قتلتْ

-بسيف ليس في يدها-

الحسينَ..

وفي جنازتهِ مشتْ مع أصدقائهْ

ومضى لمغربهِ بقلب الشمسِ…

يحمل صبحه كفَنًا تزين بارتدائه

وغروبه معناه أن الشمس ترحل من هنا لهناك

لا معنى انطفائه

وغدا الحصى من خلفه أقمار ذكرى

فالحسينُ الشمسُ حتى في اختفائهْ

***

جِراحٌ تُرَوِّضُ المَوت

الإهداء: لِسَيِّدَةٍ ما تَزالُ تُقاوِمُ عُنْفَ الحَياةِ بِبَسْمَتِها المُتْعَبَة، وتَجْمَعُ كُلَّ الصِّغارِ إلى خَيمَةٍ في الحَنايا لِتَمْسَحَ عَنْهُمْ مَزِيجاً مِن الحُزْنِ والأترِبَة. لها كُلَّما أسدَلَ اللَّيلُ أستارَهُ نَجْمَةٌ طَيِّبَة.

يَمُرُّونَ إنْ مَرَّ الصَّدَى، أيُّهَا الأصْلُ
لَهُمْ عُنْفُوانُ الضَّوْءِ / حُريَّةُ النَّدَى
ولا يَقْبَلُونَ العَيْشَ مِنْ دُونِ فِكْرَةٍ
يَسِيرُونَ بِاسْمِ اللهِ والطَّفُّ بَحرُهُمْ
نَظَرتَ لَهُمْ، ما فارَقُوكَ، تَشَكَّلُوالأنَّكَ قاوَمْتَ الجَفافَ، ولَمْ تَزَلْ
نَعِيكَ انْشِراحاً يَمْنَحُ النَّفْسَ هَدْأَةً
أمامَكَ آلافُ الرِّماحِ تَكَسَّرَتْ
ومُنْذُ انْتَزَعتَ الذُّلَّ مِنْ كُلِّ صُورةٍ
رُؤَاكَ التي بِالحَقِّ تَصْدَحُ عالِياً

هُنا أنتَ (وَالعَبَّاسُ) رُوحَانِ ظَلَّتَا
عَن الأُخْتِ قَد خَفَّفْتُما كُلَّ مِحنَةٍ
تَقاسَمْتُم الأرزاءَ، وَالنَّهْرُ شَاهِدٌ
وَصُغْتَ مِن الآلامِ آمالَ فِتْيَةٍ
فَسُبْحانَ قَلْبٍ رَوَّضَ المَوتَ جُرحُهُ

بِمَعناكَ شِريانُ القَصِيدَةِ نابِضٌ
طُمَأْنِينَةً تَبْقَى بِكُلِّ مُصِيبَةٍ
لَنا مِنْكَ رُوحٌ مِثْلَمَا الأُمِّ عَذْبَةٌ
ذِرَاعَاكَ مِيناءُ الضَّحايا وَأَهْلِهِمْ
فَكَمْ خَيْمَةٍ أَنْقَذْتَهَا مِنْ تَحَطُّمٍ

سَلاماً أَبا الأَحرارِ، أَسْعِفْ جِراحَنا
وَجَرِّدْ أَكُفَّ النَّفْسِ مِنْ سَيفِ ظُلْمِهَا
أيا مُلْهِمَ الإِبداعِ مِنْ وَحْيِ جُرحِهِ
بِمِقْدارِ أَوجاعِ الشُّعُوبِ مَنَحْتَنَا
أَبِالمَاءِ تَسْقِي الأرضَ أَمْ بِمَحَبَّةٍ

مَشَيْتُ عَلَى قَلْبِي إِلَيْكَ كَغَيْمَةٍ
لَعَلِّي أَرَى ذاتِيْ تُعِيدُ هُطُولَهَا
وألقاكَ فِي مِيقَاتِ رَبِّكَ ماكِثاً
هِيَ الطَّفُّ طُورُ الأنبياءِ / هِدايَةٌ
سَمَاوِيَّةُ الأَبعادِ فِي كُلِّ مَوقِفٍ

مُقَطَّعَةٌ أَوْصالُ جِسْمِكَ سَيِّدِي
لِعَيْنَيْكَ تَنْقَادُ الجِهَاتُ جَمِيعُهَا
سَكَبْتَ عَلَى هذِي البَسِيطَةِ أَنْهُراً
وَطَهَّرْتَ جِسْمَ الأَرضِ مِنْ سُمِّهِ الذِي
شَواطِئُكَ الأَمْنُ الذي نَنْتَهِي لَهُ
شَمَمْتُ هُنَا عِطْرَ الكَرَاماتِ كُلِّها
وَيَحْدُثُ أَنْ لا تَشْرَبَ الماءَ تارَةً
وتُبْصِرُ أَطفالاً تُلَوِّحُ كُلَّما
بِأَيِّ ذِراعٍ سَوفَ تَسْتَقْبِلُ الذي
وكَيفَ سَيَأْتِي الصُّبْحُ يا سِرَّ ضَوْئِهِ

أبَا الفَضْلِ، مَا الأيَّامُ إلا فَجائِعٌ
هُوَ الدَّهْرُ عِنْدَ الفَقْدِ كَالدَّمْعِ مَالِحٌ
لِحُرِّيَّةٍ تُفْضِي سَبِيلُكَ هذِهِ
وَصَايَاكَ أَنْ لا يَخْلَعَ المَرْءُ جِلْدَهُ
وَقَولُكَ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ مُرسَلٌ
نَعَمْ، غَيْرَ أنَّ النَّقْضَ بِالعَهْدِ قَد سَرَى

أنا فِي سَدِيمِ العُمْرِ جَفْنٌ مُسَهَّدٌ
حَمَلْتُ مَعِي جُرْحِي القَدِيمَ وَغُربَتِي
مُنَايَ بِأَنْ أَبْقَى مُحِباً مُغايِراً
وَثَمَّةَ قِدِّيسُونَ إِنْ مَرَّرُوا يَداً

كَصُبْحٍ عَنِيدٍ، ما اسْتَكانُوا ومَا ذَلُّوا
يَهُزُّونَ مَهْدَ العُشْبِ، والعُشْبُ يَبْتَلُّ
مُطَرَّزَةٍ بِالوَردِ، يَزْكُو بِها الفُلُّ
وَهُمْ حِينَ يَعْلُو المَوجُ أشْرِعَةٌ تَعْلُو
سَماءً بِها للهِ لَمْ يَنْقَطِعْ حَبْلُتَبُثُّ فُنُونَ الحُبِّ إنْ خاتَلَ الغِلُّ
وَقَوْلاً مَدَى الأزمانِ مِرآتُهُ الفِعْلُ
وأنصارُكَ السَّبْعُونَ زادُوا وما قَلُّوا
وغَذَّيْتَها بِالعِزِّ، دَانَ لَكَ الفَضْلُ
نِضالٌ عَمِيقٌ والمَدَى دُونَهُ ضَحْلُ

هَواءً وَماءً طالَما احتاجَهُ الكُلُّ
(فَزَيْنَبُ) لَمْ تَجْزَعْ، وَلَمْ يَيْأَسْ الأَهْلُ
وَآلَيْتَ أَنْ لا يُبْخَسَ الحَقُّ والعَدلُ
يَخِيطُونَ بِالإيثارِ ثَوباً لَهُمْ يَحلُو
وأَمْعَنَ فِي التَّغْيِيرِ مُذْ أَمْعَنَ النَّصْلُ

وَنَزْفُكَ كَالأَبْياتِ مُمْتَنِعٌ سَهْلُ!
وَلَولاكَ كَيْفَ النَّفْسُ عَنْ هَمِّهَا تَسْلُو؟!
وَمِنْ حَوْلِها بِالحُبِّ يَجْتَمِعُ الشَّمْلُ
وَلَوْ غِبْتَ غَابَ الضَّوْءُ، واسْتَوْحَشَ الظِّلُّ

وَمِنْ نارِ حِقْدٍ فَرَّ مِنْ بَطْشِها طِفْلُ

وَأَنْضِجْ ثِمَارَ الوَعْيِ إِنْ أَطْبَقَ الجَهْلُ
فَإِنَّ نِظامَ العَدلِ دُونَكَ يَخْتَلُّ
سَنَابِلُكَ الخَضراءُ يَحتاجُها الحَقْلُ
شِفاءً، وَحَلّاً كُلَّما اسْتُصْعِبَ الحَلُّ
لِيَنْبُتَ فِيها الصَّفْحُ، وَالبِرُّ، وَالنُّبْلُ؟!

وكانَتْ سَماءُ الشَّوْقِ بِالدَّمْعِ تَخْضَلُّ
لِتُكْمِلُ فَصلاً حَيثُ لَمْ يَكْتَمِلْ فَصلُ
تُناجِيهِ، وَالأَلواحُ تُصغِي لِمَا تَتْلُو
وَرُشْدٌ إذا ما القَوْمُ أَغْوَاهُم العِجْلُ
وَقَفْتَ بِهِ كَيْ يَسْمُوَ القَلْبُ والعَقْلُ

ولكِنْ مَدَى الأزمانِ ما خانَكَ الوَصْلُ
وَيَهْفُو لَكَ الرَّيْحانُ، والماءُ، وَالنَّخْلُ
مِن الدِّفْءِ والإِحساسِ يَحتاجُهَا الرَّمْلُ
يُخالِطُهُ التَّدْلِيسُ، والرُّعْبُ، وَالقَتْلُ
أَيَا خَيْرَ مَقْصُودٍ يُشَدُّ لَهُ رَحْلُ
وَعَايَنْتُ كَفّاً طَبْعُها الجُودُ والبَذْلُ
وأنتَ تَرَى الأَحبابَ فِي ظَمَأٍ ظَلُّوا
هَزَزْتَ بِجِسْمِ النَّهْرِ، فَارتَعَشَ السَّيْلُ
أَتَى مُسْرِعاً مُذْ عادَ مِنْ دُونِكَ الخَيْلُ؟!
إذا ما غَفَوتَ الآنَ، واسْتَيْقَظَ اللَّيْلُ؟!

وَعَيْنٌ لَها مِنْ دَمْعِهَا يُوْضَعُ الكُحْلُ
فَهَيِّءْ زُلالاً مِنْ سَمَا الصَّبْرِ يَنْهَلُّ
تُرَتِّبُ إيقاعَ الحَيَاةِ لِمَنْ ضَلُّوا
وَأَنْ لا يَخُونَ الأرضَ إِنْ عاثَ مُحتَلُّ
يُذَكِّرُهُمْ بِاللهِ، هَلْ سُمِعَ القَوْلُ؟!
بِهِمْ، فَاعْتَرَاهُمْ عَنْ مَواثِيقِهِمْ مَيْلُ

فَقِفْ بِإِزائِي حِينَ يُنْهِكُنِي الحِمْلُ
وَجِئْتُكَ عاماً بَعدَ عامٍ، وَلِيْ سُؤْلِ
فَثَمَّةَ مَنْ فِي الحُبِّ لَيْسَ لَهُ مِثْلُ
تَعافَتْ جِراحاتٌ، وَشُوفِيَ مُعْتَلُّ

 

اركض بعمرك

أنفقتَ عمركَ؛ لم تروِ الدِما نهمَكْ

فكيف عضك ذاك الجرحُ والتهمَكْ

وكيف معولُكَ المأزوم حين سعى

في هدم أول أسوار المدى هدمك

ما أفصح الجرح؛ مذ فاضت مشاعره

على مسامع آفاق الدنا لجمك

شتمت دهرا؛ ولكن حينما نطقتْ

بعضُ الجراح لَماماً؛ ما وَجدتَ فمك

اركض بعمركَ فاض الجرح لا جبلٌ

تأوي إليه ولا سدٌ به عَصَمَك

الآن يبرؤ شمرٌ من علاقته

حتى إذا طفتَ في أحلامه شتَمك

يا راضع القطرات الحمر هل شَرَقت

بالطفِّ روحك؛ ليت الظلم قد فطمك

الطفُّ تحتك أرضٌ غير خاملةٍ

فلِمْ وضعت على زلزالها قدمك؟

ولِمْ تخيَّرتَ نجماً كابن فاطمةٍ

حتى تصب (إلى) علياءه نِقمك

ولِمْ تأملت أن تلقاهُ منهزما

في حين؛ خُنصرُه المبتور قد هزمك

*****

الشمس وجنتُه البيضاء ما ارتفعت

إلا لتكشفَ من فوق القنا ظُلَمَك

وما حطمت على البيداء أضلعهُ

لكنَّهُ بين سِنْدان الإبا حطمك

وعاد إيقونة حمراء واندثرت

كل الحوافر لما جاورت رِممك

وعاد فينا وُجودا ليس نعدمه

وبتَّ أنت تُربي في المدى عدمك

وعادَ أجملَ تمثالٍ، فجِدْ أحداً

حتى يُرمِّمَ في أوحاله صنمك

******

هنا رسمتُ حسيناً عاد ممتطياً
مُهر الفداءِ فماذا ظنَّ من رسمَكْ

لا زالَ ألفُ شقيٍّ حاقدٍ نتنٍ
يعود يرفعُ في أنحائنا عَلمكْ

ما هزَّ أخيلتي ريبٌ فأنت هنا
في عرق كل دنيءٍ قد حقنتَ دمَكْ

لستَ البريء فلا تشجُبْ لتخدعَنا
لازلتَ أظْهرَ مِنْ أن نفتري تُهمَكْ

إن كنتَ تجهلُ فتواك التي سلفتْ
فألف ألفُ (ابنِ سعْدٍ) بيننا فهمكْ

****

الطف يا صاحب المرعى الوبيئ على

رأس الطغاة عصاً فاهشُشْ بها غنمك

موشومةٌ في رؤى الأحرار من ألقٍ

وأنت أي ظلام بائسٍ وشمك

لا زال طيفُ حسينٍ في بسالته

كالرعب يعبر في أصحابه حُلُمك

مزمَّلون من الأنوار؛ قد لزموا

هذا السنا، وانتهى للليل من لزمك

يمشون في لهوات الموت ما عبئوا

أنى نصبت إلى أجسادهم لُغُمَكْ

هم عذبوك من الإشراق؛ حين هووا

حتى تخفف في إطفائهم ألمك

وغاب عنك بأن القتل يشعلهم

نورا إذا شعَّ في مرماك ما رحمك

****

آبوا إلى (كوثر) العطشان واغترفوا

من الكفوف التي قد ضيَّقتْ نَسَمك

الرافضون؛ من العباس شيمتهم

في الأرض يعلو صدى لاءاتهم نعمك

هم الحماة، حسينيون؛ لو نطقوا

سمعتَ هيهاتَهم قد فجرت صممك

لو وُزعوا في لظى الإسفلت ما وهنوا

ولو صببت على أرواحهم حممك

فخرَّ من خرَّ منهم موقدا يدُهُ

في الدرب؛ تفضح في إشراقها عَتَمك

فاركض فثمة جرحٌ فاتحٌ فمُهُ

لازالَ؛ إن عض في أذيالك التهمك

 

حِيْنٌ مِنَ النَّحْر

للشاعر: ناصر ملا زين (البحرين)

 

حِيْنٌ مِنَ النَّحْر

 

زَرَعْتُكَ وَحْيْاً .. واخْضِرَارَاً .. وَمَوْطِنا

لأَقْطفَ مِنْ عَيْنَيكَ فُلّاً وَسَوْسَنا

سَكَبْتُكَ فِيْ كُلِّ الجِهَاتِ حَقِيْقَةً

لِتَمْلأَ دَلْوَ المُسْتَحِيْلاتِ مُمْكِنَا

وَرُحَتَ مَعَ الأَقْمَارِ تَفْتحُ شُرْفَةً

فَأَمْسَتْ سِلالُ النَّحْرِ تَعْبقُ بِالسَّنَا

بِضَوْءٍ مَسَحتَ العَيْنَ، عَيْنَ قَصِيْدَتيْ

وَمِنْ مُقْلَتَيْهِ الأُفْقُ وَرْدَاً تَزَيَّنَا

وَجِئتُكَ حَيثُ النَّهرُ يَحْمَرُّ بَاكِيَاً

فَأَعْظِمْ بِكَفِّ اللهِ تَمْسَحُ أَعْيُنَا

كَأَنَّ رُمُوْشَ المَاءِ رِيْشَةُ مُبْدِعٍ

تجلّتْ إِلى الأَطْفَالِ حُلْمَاً مُلَوَّنَا

لِتَرْسمَ مِلءَ الحُلْمِ ضَحْكَتَهَا التيْ

تَفَنَّنَ فِيْهَا الحُزْنُ عُمْرَاً تَفَنُّنَا

وفِيْ لَحْظةٍ – كَالرّيحِ تَفْقدُ وَجْهَهَا-

تَجِيءُ إِلى كَفَّيْكَ تَسْألُ: مَنْ أَنَا؟!

خَطَوْتَ، فَفَاضَ الرَمْلُ شَمْسَاً وَمَنْحَرَاً

نَزَفْتَ، فَكَانَ الجُرْحُ بَيْتَاً وَمَأْمَنَا

بَنَيْتَ مِنَ الأَوْجَاعِ بَسْمَةَ خَيْمَةٍ

فَلَمْ تُهْدَمِ البَسْمَاتُ إِلّا لِتُبْتَنَى

سَأَلتَ سَحَابَ النَّهْرِ: هَلْ ثَمَّ طَعْنَةٌ؟!

وقُلْتَ لِطِفْلِ الوَرْدِ: ذَبْحُكَ قَدْ دَنَا

لِتَنْقُشَ فِيْ الآفَاقِ لَوْحَةَ مَصْرَعٍ

وَتَصْبَغَ كُلَّ الأَرْضِ والدَّهْرِ وَالدُّنَا

فَأذَّنَ شِلوُ المَاءِ.. وانْثَالَ سَجْدَةً

كَأنَّ (بِلالَ الغَيْبِ) للهِ أَذَّنَا

هُنَا حَجَّتِ الأَشْجَارُ، وازْدَلَفَ المَدَى

وكَانتْ (خِيَامُ الطَّفِّ) تَنْسَابُ مِنْ (مِنَى)

أَتْيْتُكَ والأَنْهَارُ تَتْبَعُ خُطْوَتِيْ

ولا شَيءَ غَيْرَ الدَّمِّ يَقْتَلِعُ الفَنَا

مَعِيْ شَهْقَةُ الخَيْمَاتِ، مِنْدِيلُ هَوْدَجٍ

وَقَلْبُ رَضِيْعٍ .. بِالسَّكَاكِيْنِ أُثْخِنَا

يُغَنِّيْ، وكَالعُصْفُوْرِ يُذْبَحُ غُصْنُهُ

ومَا زَالَ غُصْنُ النًّحْرِ غَضَّاً وَلَيِّنَا

وَمِنْ قِرْبَةِ العَبَّاسِ أَبْصَرتُ جَنَّةً

تَرَاءَتْ – بِلا كَفَّيْنِ – تَحْتَضِنُ المُنَى

فَأَدْرَكْتُ أَنَّ السَّهْمَ أَيْقَظَ غُرْبَةً

فَكَانَتْ عُيُوْنُ البَدْرِ مَأْوَىً ومَسْكَنَا

رَأَيْتُ عَلى الأَنْهَارِ قَلْبَ مُحَمَّدٍ

يَخِيْطُ لَكَ الآَيَاتِ حَتَّى تُكَفَّنَا

وَيَنْسُجُ فِيْ الأَزْمَانِ مَجْدَاً وَ(تَلَّةً)

وَيَخْلُقُ لِلنَّخْلاتِ عَيْنَاً وَأَلْسُنا

لِتُبْصِرَ فَوْقَ التَّلِّ أَغْصْانَ ثَوْرَةٍ

وَرَأسَ حُسَينٍ يُنْهِكُ الرُمْحَ والقَنَا

حَمَلْتُكَ غُصْنَاً لا يُصَافِحُ مِنْجَلاً

وَجَدْتُكَ كَنْزَاً فِيْ الشَّرَايِينِ يُقْتَنَى

تَلَوْتُكَ شَعْبَاً مَكَّنَ اللهُ نَحْرَهُ

بِجُنْدٍ مِنَ القُرْآنِ حَتَّى تَمَكَّنَا

غَرَفْتُكَ فِيْ كُلِّ المَسَافَاتِ خُطْوَةً

تَمُرُّ عَلى الأَوْطَانِ فَجْرَاً تَأَنْسَنَا

فَتَغْرُسُ فِيْ الإِنْسَانِ نَخْلَ هُوِيَّةٍ

وَجِذْعَاً– بِرُغمِ الرِيحِ والمَوْتِ – مَا انْحَنى

لِتَبْقَى رَبِيْعَ اللهِ فِيْ كُلِّ بُقْعَةٍ

“فَأَقْطفَ مِنْ عَيْنَيكَ وَحْيَاً وَسَوْسَنا”

وَتَشْمخَ فَوْقَ الرُمْحِ، تَزْرعُ سُوْرَةً

فَتَزهوْ بِكَ الآيَاتُ والغَرْسُ والجَنَى

وحَيْثُ (هُنَاكَ) الرَّأسُ يَنْزْفُ كَعْبَةً

تَعُوْدُ مَعَ الأَجْيَالِ تَبْدَأُ مِنْ (هُنَا)

جُرْحٌ .. يَحْتَرِفُ الخُلُوْد

جرحٌ يُرتِّبُ مِلْحَهُ ومَحَارَهْ

سُفُنُ المدامِعِ ما لَوَتْ إصْرارَهْ

في ذِمَّةِ الإيثارِ أطلَقَ فَجْرَهُ

حيثُ الخَيارُ الصَعْبُ كانَ قَرارَهْ

مِنْ سورةِ الخيماتِ يغزِلُ شمسَهُ

وبوحيِّ ( زينبِهِ ) يَحوكُ نَهاره

ماضٍ ، وَإنْ نَبْضُ الفُرَاتٍ تَعَثُّرٌ

لابُدَّ مِنْ قلبٍ يُقيلُ عِثَارَهْ

الآنَ .. ” أجِّلْنَ الدموعَ ” فموسِمٌ

آتٍ لِيُوقِدَ أَدْمُعًا قيثارة

قلبي مَلامِحُ دَمعةٍ .. وقصيدتي

عَبَرَتْ على خدِ المَجَازِ عِبَارَة

بيدَيَّ ترتعِشُ الحروفُ وَقَارِبي

ما عَادَ يُتقِنُ كربلا ، إبحارَه

وحدي فإبراهيم شعري حائرٌ

في ليلٍ أسئِلةٍ ، يُكابِرُ نارَه

لا صَوت يُشبهُني فأرسمُ مَنْ أنا؟!

لا صمت يَملأُ مِنْ صَدايَ جِرارَه

بَعْضي نُبُوءةُ شاعِرٍ وبقيَّتي

لغةٌ مُبَعْثرةُ الصَدَى مُحتارة

هُمْ قِلَّةٌ ولِوَحدِهِ هُو كَثرةٌ

قلبٌ وعزمٌ ، رؤيةٌ وغَزارة

ويُبَاغِتُ الدُنيا هُنَاكَ بكربلا

ءاتٍ ، يُدشَّنَ بالجِراحِ مَسَارَه

” هيَّا خُذيهِمْ يا دِماءُ .. ” جَهَنَّمًا

فتُجيبُهُ ” هل مِنْ مَزيدٍ ؟ ” ، غارَة

يومًا سيكتشِفُ الزَمانُ بأنَّهُ

عَقَدَ الحَقيقةَ حينَ فكَّ حِصَارَه

يومًا ستعترِفُ السُيوفُ بأنَّها

في يومِها ما قدَّرَتْ إنذَارَه

وبِأنَّها كَفَرَتْ بوحيِّ دمائِهِ

، إذ أُنزِلَتْ ، فَتجاهَلَتْ مِقدارَه

**********

يا جُرحُ حينَ الموت أصبَحَ دولةً

أشرقتَ مِنْ وَهَجِ الإباءِ حَضَارَة

حينَ التحدِّي كانَ ليلَ مُخَيَّمٍ

أضرَمتَ صُبحَكَ واخترقتَ غِمَارَه

لَمْ يُدْرِكوكَ دَمًا يُصَدِّرُ نَصرَهُ

ويُكربِلُ الدُنيا .. يُعولِمُ ثارَه

لمْ يُدرِكوكَ اختَرتَ أيَّ مساحةٍ

كونيّةٍ ، فرَسمتَها مِضمَاره

لمْ يُدرِكوا كُلَّ الجِهاتِ فَتَحتَها

نارًا لتُطفئ ليلَهُم وشَنارَه

تستَلُّ جُرحَكَ في قِبالِ سيوفِهِم

فَتعودَ مُنتَصِرًا بِكُلِّ جَدَارة

يا مَنْ خَلَعتَ أَنَاكَ ، تبقى عاريًا ،

تكسو الزمانَ تَحرُّرًا وطَهارة

يا مَنْ شَربتَ ظَمَاكَ ، نبعَ شهادَةٍ

يروي الحياةَ عطاءَهُ .. إيثارَه

نبعٌ .. يُطَرِّزُ للحياةِ وِلادةً

أُخرى وينثُرُ في المدى أعماره

 

والرأسُ في رُمحٍ ، يشعُّ كرامَةً

قمرًا يُكوثِرُ في السُرى أنواره

لوشاء في دربِ السباءِ بأن يُديــ

ــرَ الكونَ من فوقِ القنا لأدارَه

**********

أحسينُ رُغم الذَبحِ لم تكُ مشهَدًا

للمَوتِ ، كَانَ صَدى الرِثَاءِ إطارَه
ما كُنتَ ذاكرةً تنوءُ بنزفِها

أوليلَ بُؤس يشتكي أكداره
عذرًا إذا عِشناكَ منبرَ دمعةٍ

وممارسات مواكِبٍ وزيارة
حتى احتكرنا كربلاءَ عواطِفًا

و( حسينَها ) لم نكتشِفْ أسراره
ذُكِرَ المُصابُ نُوَاحُهُ وبُكاؤهُ

نُسيَ ( الحُسينُ ) وَلَمْ نَعِشْ أفكاره
حُشِرَ اختناقُ الفِكرِ في رئةِ (الشعا

ئِرِ) ، في طُقُوسٍ مارسَتْ إنكارَه
نحيا ( الحسينَ ) كما نشاءُ وَلا كَما

شاء ( الحسينُ ) ونرتضي إهداره
هذا (الحسينُ)/ الفكرُ صدَّرَ نهضةً

لا كي نُحاصِرَ بالدموعِ مسارَهْ
ما كانَ مُنكَسِرًا .. بِكُلِّ إرادةٍ

كُلُّ الجراحِ اختارَ أنْ تختاره
ما كانَ عُطشانًا .. فَعَينُ خُلُوْدِهِ انـــ

ـــبَجَسَتْ ، تُحَرِّرُ مِنْ ظَمَىً أَنْهَارَه
مَا كانَ فردًا كان أعظَمَ أُمَّةٍ

أَذْكَتْ رؤاها ثَوْرَةً جَرَّارَة
دعنا نَعُدْ لإلى الحسينِ شهادةً

وإرادةً وقيادةً وإدارة
لِحُسينِ وعيٍ نقتفي أهدافَهُ

حتى نُعيدَ به أجلَّ صَدَارة
مولايَ .. غَرْقَى في بِحَارِ ضياعِنا

فامدُدْ لنا طوقَ النجاةِ مَنارة

 

 

حوارٌ مَعَ مَوْتٍ وَاهِم

… فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا…

 

 

حَتَّامَ يَا مَوْتُ – مَزْهُوّاً– تُجَسِّدُهُ ؟!

 

وَلَيسَ لِلخُلدِ مِنْ حَدٍّ يُحَدِّدُهُ!!

 

بهِ الخُلُودُ تَجَلَّى ذَاتَ مَذْبَحَةٍ

 

مِنْ السَّمَاءِ، وَعِندَ الذَّبحِ مَوْلِدُهُ

 

يُسَافرُ الوَحيُ فِيْ مَعنَاهُ أَشْرِعَةً

 

يُجَدِّدُ (الطَّفَ)، والِإنْسَانُ مَقْصَدُهُ

 

فِيْ طُوْرِ سِينَائهِ الأَنْهارُ مُذْ سَكَنتْ

 

مِيْقَاتَها، انْبَجَسَتْ فِيْ كَرْبَلا يَدُهُ

 

تُضَمّدُ النَّهْرَ جُرحَاً نَازِفَاً حُلُمَاً

 

وَنَحرُهُ النُّوْرُ قُلْ لِيْ مَنْ يُضَمِّدُهُ؟!

 

هُنا وَقفتُ بِبَابِ الصَّمْتِ ذَاتَ دمٍ

 

أُسَائلُ المَوْتَ عَنْ نَحْرٍ سَيَخْمدُهُ:

 

أَنَّى تَمُوتُ نُحُورٌ كَانَ قَبَّلَها

 

فَمُ الإلهِ، وَشَمْسُ النَّزْفِ تَعبُدُهُ؟!

 

فَللنحُوْرِ شِفَاهُ الغَيبِ، إن قُطِعَتْ

 

تُكَلِّم اللهَ تَكْلِيمَاً وَتَحمدُهُ

 

وللنحُورِ لُغَاتٌ كَانَ يَكْتُبهَا

 

دَمُ الحُسينِ وَفَجْرٌ حَانَ مَوعِدُهُ

 

ليُشعلَ الحَرفَ نَهْراً، قِرْبَةً وَيَدَاً

 

مَقْطُوْعَةً، إِذْ هَوى لِلأَرْضِ فَرقَدُهُ

 

وفِي الفُراتِ يُصليْ المَاءُ أَفْئِدةً

 

مِنَ الخُشُوعِ، وَذاكَ النَّهرُ مَعبَدُهُ

 

وفِي الخِيامِ رَضِيعٌ فِي ابْتِسَامَتِهِ

 

حُلْمُ العَصَافِيرِ لَحْنَاً رَاحَ يُنْشُدُهُ

أَليسَ يَا مَوتُ فِي رُؤيَاكَ فَلْسَفَةٌ

 

أُخْرَى، تُمِيْتُ بِها جُرْحَاً وَتُلحِدُهُ؟!

 

أَنا وأَنتَ وَقَفنا قُرْبَ مَذبَحَةٍ

 

يَفُوْحُ مِنها خُلُودٌ كُنتَ تَرصدُهُ

 

فَمَا وَجَدنَا سِوى نَحْرٍ يَشِعُّ هُدَىً

 

و(زينبٌ) لَمْ تَزلْ بالدَّمْعِ تُوْقدُهُ

 

والمُهْرُ يَنْحتُ فِي التَّارِيخِ أُغْنِيَةً

 

تَحْكِيْ (سُلَيمانَ) لَمَّا عَادَ هُدْهُدُهُ

 

لِيُخبرَ العَرشَ أنَّ المَوتَ مُخْتَنِقٌ

 

بِالنَّحْرِ، حَيْثُ ارْتَمَى رُعْبَاً مُهَنَّدُهُ

 

وَطَعنَةٌ سَجَدَتْ فيْ مَسْجِدٍ/ جَسَدٍ

 

لَمّا يَزلْ خَاشِعاً بالطَّعنِ مَسْجِدُهُ

 

يَا مَوتُ هَبْنِيْ جِرَاحاً، تَزْدَهِيْ عُمُرَاً

 

وَدَهَشْةً مِثلَ سَيفٍ فِيَّ تُغْمِدُهُ

 

لَعَلّنِيْ أَحْملُ الصَّحراءَ فَوقَ يَديْ

 

وَمَنْحَراً مِنْ (طُفُوفٍ) جِئتَ تَحْصدُهُ

 

لَعَلّنِيْ باحْمِرارِ الطِينِ أَبْحَثُ عَنْ

 

رُوحِ الحُسينِ ضِيَاءً لَستُ أَعهَدُهُ

 

هُوَ الحُسينُ ابْتِكارُ اللهِ مُذْ ظَمِئتْ

 

عُينُ الحَياةِ، أَسالَ الضَّوءَ مُوْرِدُهُ

 

مِيَلادُهُ لَحْظَةُ السَّيفِ التيْ فَصَلَتْ

 

رَأْسَاً، فَلمْ يَنْفَصلْ عَنْ أَمْسِهِ غُدُهُ

 

قَدْ كَانَ مَسْرَاهُ نَحوَ الذَّبحِ مُعْجِزةً

 

وَكانَ جِبريلُ فِي المَسْرَى يُهَدْهِدُهُ

 

فَوقَ (البُرَاقِ) عُرُوجاً كَانَ مُنْهَمِرَاً

 

وَهوَ انْبلاجُ سَلامٍ غَابَ مَشْهَدُهُ

 

يَا مَوتُ إِنَّ فَناءَ الرُّوحِ مُنْصَهِرٌ

 

بالمُسْتَحِيلِ، فَدَعْ سَهْمَاً تُسَدِّدُهُ

 

يَكْفِيْ الحُسين حَيَاةً أنَّهُ وَطَنٌ

 

يَشِعُ فِي جَبْهَةِ الدُّنيَا تَمَرُّدُهُ

 

يَكْفِيهِ أَنَّ عُيُونَ الشَّمسِ سَابِحَةٌ

 

عَلى الضَّرِيحِ، وَفَجرَاً فَاضَ مَرقَدُهُ

 

يَكْفِيهِ أَنَّ شُعُوبَ اللهِ تَقرَأهُ

 

رُوْحَاً، ولمَّا يَزلْ لُغْزَاً تَفَرُّدُهُ

 

والأَنْبِيَاءُ امْتِدادُ النَّحْرِ وَحْيُهُمُ

 

فَلَمْ يَمتْ بالهُدَى يوماً (مُحَمّدُهُ)

 

يَا أيها المَوتُ إِنَّ (الطَّفَ) سَاقِيَةٌ

 

تُبَلِّلُ النَّحْرَ قُرآنَاً .. تُخَلِّدُهُ

 

وَكُلُّ عَصرٍ– بِنَصرٍ– جَاءَ مُمُتَشِقاً

 

دَمَ الحُسينِ سِلاحَاً قَامَ سُؤدَدُهُ

 

حَتَّامَ .. حَتَّامَ؟!! قَدْ حَارَ السُؤالُ وَقَدْ

 

خَارتْ قِوَاهُ، وكَمْ قَرنٍ يُجَدِّدُهُ؟!

 

آمنتُ بِالنَّحرِ خُلْدَاً، جَنَّةً وهُدَىً

 

حَتَّامَ يَا مَوتُ – مَزهُوّاً- تُجَسّدُهُ؟!

 

خُيَلاءُ مَاء

اِسْقِ الفُرَاتَ الجُودَ مِنْ خُيَلائِكْ

أنتَ الحُسَينُ .. المَاءُ مِنْ أسْمَائِكْ

وأَدِرْ غَمامَك فالجِهاتُ ترقُّبٌ

حتَّى السّماء دَنَتْ لفيضِ سَمائِكْ !

مأْوَى الضُّيوفِ ، وأَنتَ أوَّلُ ريِّهمْ

أترى السِّهامَ على غديرِ دِمائِكْ ؟

إنْ كُنْتَ مِنْ عَطَشٍ شكَوتَ ، فإنّما

تشكُو احتِضارَ النَّهْرِ دُونَ لقائِكْ

وفمٌ تُبَلِّلُهُ حروفُكَ هل ذَوَى

ظمأً ؟ وفيه هَرقْتَ كأسَ إبائكْ ؟!

أنتَ الذيْ سكَنَ الخلودَ زُلالُهُ

فإذا الحياةُ تعُبُّ مِنْ أنْدائِكْ

يا أيُّها المذبُوحُ صوتُكَ لم يزَلْ

يُحْيِي الوُجودَ ، فما ادِّعاءُ فَنائِكْ؟!

الموتُ أُحجيَةٌ ، فرأسُكَ في القَنا

يحدو، ويمشي الكونُ خلفَ حُدائِكْ

حرقوا خِباءَكَ كيْ نَضِلَّ طريقَهُ

وبداخِلي قلبٌ كَلونِ خبائِكْ

وعلى ضُلوعِكَ لاحَ مشْعَرُ حافرٍ

يسعَى ؛ أقُلتَ الحَجَّ مِنْ أشلائِكْ ؟!

وبقِيتَ مِئذنةً وذِكْرُ مُحمَّدٍ

فيْهَا اعتَلَى ، يزهو بثوبِ عَرائِكْ!

بدمِ الرضيع خَضَبْتَ ناصيةَ السما

ءِ فلوَّنتْ منه جفونَ رثائِكْ

ومُجَدَّلٍ أحيا الصّلاةَ ، وخَلْفَهُ

تصطَفُّ حيَّ على الحُسينِ ملائِكْ

ولئنْ أباحَ الشّوكُ جسمَكَ ، إنّما

هوَ لائذٌ ، أرأيتَ مثلَ حرائكْ ؟

وعليكَ أسرابُ المنون تزاحمتْ

فخطبتَ فيها “الكهفَ” من عليائكْ

والموتُ مهما جالَ فوقك خيلُهُ

خلَّفْتَهُ كَلاًّ على أعدائكْ

هلْ أطفَأَ اسمَك ظنّ زحفُ رمادِهمْ؟

فخذلتَهُ .. والشمسُ تحت ردائكْ

ويظلُّ نحرُكَ في الزمانِ حكايةً

هيهاتُهُ للمُبصرِينَ أرائكْ

ورُؤاكَ جذوةُ مَن بليلِ مسيرِهِ

طلبَ الكرامةَ فَهْيَ من آلائكْ

ما كربلاؤكَ غيرُ وحي رسالةٍ

وبمهدِ طفلكَ كانَ بَدءُ ندائكْ

الفتحُ يتبعُني ورَحلِيَ جَنَّةٌ

ودمِي براقي حيثُ دَرْبيَ شائِكْ

ومَعِي سأحمِلُ شاهدَينِ : قِماطَهُ

ودمًا ، فخُذْ يا أُفْقُ نقْشَ كِسائِكْ

فتسابَقَتْ حتّى العبيْدِ بكربلا

تستمْطرُ الفِردوسَ مِنْ زهرائِكْ

ورضيعُكَ الْـ.يفدِيكَ أبيضُ نحْرِهِ

ووراءَهُ الدُّنْيا حبَتْ لفِدائِكْ
هل سُورَةُ التوحيدِ أنتَ، ولمْ يكنْ

كُفُؤًا لكُلِّ عُلا سوى أَجْزائِكْ
ما أنتَ بالعَطشَانِ ! إنْ هَمَتِ السَّمَا

لمْ تهْمِ إلاّ من سحابِ عطائِكْ

ولأنّكَ الماءُ الذي انْهمَرَ اسمُه

غادرْتَ ماءَ النّهرِ دونَ رُوائِكْ

يا ابنَ التي ماءُ الحقيقةِ مَهْرُها

أغْدِقْ على شِعْرِيْ بُحورَ وَلائِكْ
فإذا مضَى الشُّعراءُ يَتْبَعُهُمْ غِوَى

ما ضرَّنِي إنْ كُنتُ مِنْ شُعرَائكْ

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ حَشْدُ المَوْتِ يَجْتَمِعُ

اليُتْمُ والظَمَأُ المَهْدُورُ وَالوَجَعُ

 

 

وَغُرْبَةٌ كَمَرَايَا قُرْبَةٍ هُجِرَتْ

فِيْ شَفِّهَا صَارَ وِرْدُ المَاءِ يُرْتَجَعُ

 

 

السَّيْفُ وَالكَفُّ وَالعَيْنَانِ بِئْرُهُمَا

وَالثَّغْرُ وَالنَّحْرُ دَلْوٌ حَبْلَهُ قَطَعُوا

 

 

وَالسَّهْمُ وَالصُّمُّ وَالطِّفْلُ الرَّضِيْعُ إِذَا

شَكَا .. لَهُ صَمَمٌ فِيْ السَّهْمِ يَسْتَمِعُ

 

 

فَالمَاءُ وَالنَّسْلُ صِنْوَانٌ لِمَنْحِرِهِ

إِذْ فِيْهِ نَسْلُ رَسُولُ الله يَلْتَمِعُ

 

 

بَلْ فِيْهِ كَوْثَرُهُ المُنْسَابُ مِنْ ظَمَأٍ

مَا أَبْتَرٌ كَانَ لَكِنَّ العِدَا خُدِعُوا

 

 

ظَنُّوا بِقَتْلِ رَضِيْعٍ دَفْقُ كَوْثَرِهِ

هَدْرٌ وَنَسْلُ رَسُولِ الله يَنْقَطِعُ

 

 

فَصَوَّبُوا النَّحْرَ عَيْنُ الكَوْثَرِ انْفَجَرَتْ

لَمْ يَجْرِ فِيْ الأَرْضِ هَدْراً فَهْوَ يَرْتَفِعُ

 

 

وَمِرْضِعٌ وَحِلِيْبٌ دَرَّ مِنْ وَلَهٍ

فِيْ غِيْرِ مَوْعِدِهِ بَالمَاءِ تَمْتَقِعُ

 

يَا رَضْعَةَ العَطَشِ المَحْمُومِ زِدْتِ لَهُ

جُرْحاً فَكَيْفَ بِحُضْنِ السِّبْطِ يَرْتَضِعُ

 

 

ذا مَنْحَرٌ ضَمَّ سَهْماً فِيْ مُعَانَقَةٍ

لَوَالِدٍ دُوْنَ نَحْرٍ مَا الرَّضَاعَ وَعُوْا

 

 

والخَيْلُ والصَّدْرُ لَمَّا ضَجَّ مِنْ عَطَشٍ

بِوَطْئِهِ ضَـجَّةٌ لِلْمَاءِ تُقْتَلَعُ

 

وَالقَلْبُ وَالسَّهْمُ مَثْلُوثُ الفُؤَادِ بِهِ

لِيُهْرَقَ القَلْبُ حِيْنَ المَاءُ يَمْتَنِعُ

 

 

وَالوَعْدُ وَالفَقْدُ فِيْ أَفْيَاءِ قُرْبَتِهِ

يَا حِيْرَةَ المَاءِ لَمَّا وَعْدُهُ يَقَعُ

 

 

فَدُوْنَهُ يَتَهَاوَىْ فِيْ الثَّرَىْ قَمَرٌ

وَجَزْرُهُ لفُرَاتِ الثَّكْلِ يَبْتَلِعُ

 

المَاءُ صِيْغَةُ حَرْبِ الطَّفِّ وَاجِفَةٌ

لَهَا القُلُوْبُ وَبِالتَّعْطِيْشِ يَفْتَرِعُ

 

كَأَنَّهُ الحَرْثُ مِنْ غَيْظِ القُلُوبِ نَمَا

إِذَا تَعَهَّدَهُ الإِغْوَاءُ وَالطَّمَعُ

 

 

قُلْ مَا تَشَاءُ مَعَانِيْ المَاءِ مُهْدَرَةٌ

فِيْ ذَاتِهَا لِسَواهَا فِهْيَ تَتَّسِعُ

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ كَانَ الرَّيُّ آخِرَهُمْ

قَدْ يُنْزَعُ السَّهْمُ لَكِنْ لَيْسَ يُنْتَزَعُ

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ كَانَ الرَّيُّ مُسْتَتِراً

وَمَنْ تَبَجَّحَ نَقْعُ الدَّمِ إِذْ نَقَعُوا

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ خُذْ مَا تَشْتَهِيْ ذَهَباً

بِكُلْفَةِ المَاءِ لِمَّا شُرْبَهُ مَنَعُوا

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ إِقْصَاءُ الغَدِيْرِ عَلَىْ

إِرْوَائِهِ .. لِجُحُودٍ رَايَةً رَفَعُوا

 

 

وَكَوْثَرٌ لِعَلِيٍّ غَارَ مُنْتَكِساً

فِيْ رَدْمِهِ الدَّمُّ مَوْبُوْءٌ وَيَنْتَقِعُ

 

 

هَذِيْ بَقَايَاهُ قُرْبَىْ قُرْبَةٍ حُصِرَتْ

بِكَفِّ عَبَّاسِهَا وَالكَفُّ تُقْتَطَعُ

 

لا شَيْءَ يُشْبِهُ طَبْعَ المَاءِ إِذْ ظَمَؤُوا

فِيْ عَاشِرٍ وَفُراتُ القَوْمِ مُنْطَبِعُ

 

 

الطَّفُّ قَطْرَةُ مَاءٍ بُخِّرَتْ عَنَتاً

فَجَادَ بِالدَّمِّ رَياًّ كُلُّ مَنْ صُرِعُوا

 

 

لابُدَّ لِلطَّفِّ مِنْ رَيٍّ يُشَرِّبُهَا

رُوْحَ السَّكِيْنَةِ لَمَّا يَشْرَقُ الهَلَعُ

 

إِنْ لَمْ تُرَوَّىْ قُلُوبُ الآلِ عَاطِشَةً

فَتُرْبَةُ الطَّفِّ ظَمْأَىْ.. مَنْ تُرَى تَسَعُ؟!

 

لِذَاكَ يَرْوِيْ حُسَيْناً تُرْبَ ضَجْعَتِهِ

بِنَجْعِهِ لا بِرَيِّ المَاءِ يَضْطَجِعُ

 

كُلُّ الفُراتِ الذِيْ يَجْرِيْ بِمَشْهَدِهِ

مُجْتَثُّ أَصْلٍ وَمَا فِيْ حُكْمِهِ تَبَعُ

 

مَنْ يَتْبَعُ السِّبْطَ نَهْرٌ مِنْ مَصَارِعِهِ

بِذَاكَ حُدَّتْ رِيَاضُ الطَّفِّ فَانْتَجِعُوا

 

إِنِّيْ رَأَيْتُ حُسَيْناً زَمَّ صُوْرَتَنَا

بِلَقْطَةِ الحَيْرَةِ الأُوْلَىْ .. بِهَا هَزَعُ

 

فِيْ دَهْشَةِ المَاءِ مَقْطُوعٌ تَسَرُّبُنَا

كَجَدْوَلٍ لِحُسَيْنٍ ظَلَّ يَتَّبِعُ

 

أَلَمْ نَكُنْ بَعْضَ مَحْصُورِيْنَ فِيْ زَمَنٍ

مِنْ فَرْطِ شَقْوَتِهِ بِالحَصْرِ نَدَّرِعُ

 

أَلَمْ نَكَنْ ظِلَّ مَقْمُوْعِيْنَ قَدْ جَفَلُوا

وَظِلُّنَا حِيْنَ حَرَّكْنَاهُ مُبْتَدَعُ

 

 

كُنَّا سَرَايَا وَلَكِنْ مِنْ سَرَابِ خُطَىْ

كَصُوْرَةِ المَاءِ فِيْ العَيْنَيْنِ نَخْتَرِعُ

 

 

أَشَدُّ إِيْمَانِنَا وَهْمٌ نُخَزِّنَهُ

فَإِنْ تَلَجْلَجَ قُلْنَا فَهْوَ يَنْدَلِعُ

 

 

فِيْ القَلْبِ تَكْمُنُ مَكْبُوتَاتُ حَيْرَتِنَا

كَغَيْمَةٍ عَنْ سَمَانَا لَيْسَ تَنْقَشِعُ

 

 

وَلَيْسَ تُمْطِرُ حَتَّىْ فِيْ تَهَدُّجِنَا

وَضَرْعُهَا يَبَسُ الأَحْزَانِ إِنْ ضَرَعُوا

 

 

لَنَا شِفَاهُ حُسَيْنٍ فِيْ تَعَطُّشِهَا

لَكِنْ بِلا كَوْثَرٍ فِيْ الغَيْبِ يَنْدَفِعُ

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ إِنَّا مُتْرَفُوْنَ عَلَىْ

حَشْدِ المَعَانِيْ وَلَكِنْ عِذْقُهَا دَقِعُ

 

لابُدَّ لِلدَّمِّ أَنْ يُجْرِيْ تَفَجُّرَهُ

بَيْنَ العُرُوْقِ بِشُحِّ النَّفْسِ يَقْتَرِعُ

 

لِكَيْ يَفُوْزَ بِنَرْدِ النَّصْرِ كَوْثَرُهُ

أَنَّى رَمَىْ فَحَشَا غَيْمَاتِهَا دَمِعُ

 

 

وَالمَاءُ يَرْجِعُ مَاءً لَوْنُهُ عَدَمٌ

لا حَفْلَةً فِيْ ظِلالِ المَوْتِ يَصْطَنِعُ

 

 

رَياًّ جَوَاداً كَرِيْمَ الطَّبْعِ مُنْبَلِجاً

قَلْبُ الحُسَيْنِ بِهِ الأَوْلَىْ ولا طَمَعُ

 

 

لِنَهْتَدِيْهِ عَلَىْ ثَغْرٍ بِلا حَرَجٍ

لا نَبْتَ صَبَّارِهِمْ فِيْ الحَلْقِ قَدْ زَرَعُوا

 

 

يَا حَشْرَجَاتِ حُسَيْنٍ فِيْ تَمَنُّعِنَا

عِنْ مَائِهِمْ إِنَّنَا بِالثَّأْرِ نَمْتِجَعُ

 

مَا بِيَنْ مَضْمَضَةٍ نُلْقِيْ رَوَاسِبَهَا

وَبَيْنَ رَيٍّ كَوِزْرٍ حَمْلَهُ نَضَعُ

 

لا يُصْبِحُ المَاءُ مَاءً مِنْ مَشَارِبِنَا

حَتَّى يَغَادِرَ عَنْ وَاحَاتِنَا الضَّبُعُ