المركز التاسع: حيدر خشان الجابري (آخر الحواريين)

المركز التاسع:

آخِرُ الحَواريِّين

حيدر خشان الجابري (العراق)


 

أسيرةُ وَجْدٍ وهْوَ عاشقُها الصَّبُّ  ‍

  فأسْرى بهِ إذْ شفَّ خاطرَهُ الُحبُّ

تراءى لديهِ اللهُ في أرضِ كربلا  ‍

  “وأقربُ من حبلِ الوريدِ بهِ القُرْبُ”

فصالَ وكانتْ تتَّقي كبرياءهُ  ‍

وتسقيهِ مِنْ رمضائها السوحُ والحَرْبُ

توثَّبَ لا مُستكثراً كَثرةَ الثَّرى

  ولا مُستفَزّاً حينَ جَلَّ بهِ الخَطْبُ

أشارَ على هاماتِهم أنْ ترجّلي

  عَنِ الكِتـْفِ، وَلْيحصدْهمُ الصَّارمُ العَضْبُ

فخُيِّلَ أنْ جاءتْهمُ سَكْرَةُ الرَّدى  ‍

  وكلُّ الأماني في وساوسِهمْ نـَهْبُ

وشَيَّعَهُ رَكْبُ الإبا في نزولِهِ  ‍

  عنِ السَّرْجِ ، والأمْلاكُ مِنْ حولِهِ سِرْبُ

فنالَ بِها ما لمْ ينلْهُ ابنُ مريمٍ  ‍

  لِيَحْفِلَ في كِلْتيهِما الذَّبْحُ والصَّلْبُ

ووحْدَكَ لـمّا طِحْتَ لمْ تتّكئْ على

  عزيزٍ، فطاحوا قبلَكَ الأهْلُ والصَّحْبُ !

فأغْرَتْ دِماكَ الحُمْرُ  ريّانَ مائها

وهانَ على ساقِيهما الشُّحُّ والجَدْبُ

فَشابَ لـِمَعْناكَ الذي ما وراءهُ  ‍

  وشاخَ بِهِ مَنْ كان في دربهِ يحْبو

ولولاكَ لمْ تعرِفْ رُبــــًى ما يَسُرُّها  ‍

  ولولاكَ كادَتْ للذي هانَها تصْبو
‍ ‍
ولَمْ تَدْرِ ما الدَّمْعُ الذي يَسْتَفِزُّها  ‍

  مِنَ العينِ ، إلّا حينما دَمَعَ القَلْبُ

ولمْ نصْطَبرْ للفَقْدِ إلّا بفقْدِهِ

  لنُدرِكَ ما في كربلا ما هُو الكَرْبُ

فكانتْ لَهُ لـمّا سَقاها شَحِيحَةً

  وكان به لـمّا سقَتْهُ المنى شَخْبُ

فتـًى عَفْوُهُ عَفْوُ النَّبـيِّ وَحَزْمُهُ  ‍

  عَليٌّ ومِنْ بُقيا شمائلِهمْ ضَرْبُ

وجُرْحٌ بليغٌ ما أشارَ لِفِتْيةٍ  ‍

  على اللهِ إلّا مِنْ مضاجعِهمْ هَبُّوا

سيُلقي على ليلِ العراقِ قميصَهُ

ويَبـْرأُ مِمَّنْ زيَّفَ الجُبُّ والذِّئْبُ


ويَخْضَرُّ حقْلٌ أوحشَتْهُ مناجلُ الـ  ‍

  ـخياناتِ ، والأحقادُ من حولهِ تَرْبو

فإنَّ بلادَ الميِّتينَ يتيمةٌ  ‍

  وأقسى على قَلْبِ اليتيمِ بها النَّدْبُ

وما رُفِعَتْ إلّا وهـِيْ تستحقُّهُ  ‍

  وما نُصِبَتْ إلّا ولاقَ بها النَّصْبُ

لِذا أُمَّةٌ عَطْشى وأُخْرى رَويّةٌ  ‍

وأنتَ بِلا هذي وذي مَوْرِدٌ عَذْبُ

ويطلُعُ فجْرٌ بعْدَ حالِكِ ليلةٍ  ‍

وشرْقٌ عراقيُّ الضُّحى ما لَهُ غَرْبُ

فشتّانَ ، مَنْ يَعْلو بهِ نُبْلُهُ ومَنْ  ‍

يحاوِلُ أنْ يعلو  بهِ الشَّتمُ والسَّبُّ

فقالَ لهمْ للهِ ما جئتُ أبتغي

لكمْ في الهوى رَبٌّ وليْ في الهوى ربُّ

المركز التاسع: قاسم محمد الدرازي (ذاكرةٌ مُثخنةُ الجِراح)

ذاكرةٌ مُثخنةُ الجِراح

قاسم محمد الدرازي

(بوري – البحرين)


ما اختزلتهُ ذاكرة أحد جرحى واقعة الطف،،

الضوءُ جفَّ.. فجاءَ يبتكرُ السقا ،، لوناً.. بأوداجِ الخُلودِ.. ترقرقا

مُذ جاءَ ينزفُ باليقينِ ويرسمُ الوجهَ المُخبّأَ للطفوفِ ليُشرِقَا

مُذ كانَ يحملُهُ بُراقُ جِراحِهِ ، عَبرَ الغُيوبِ.. لكربلاءَ إلى اللقا

مُذ جاءَ يهمسُ للجبالِ تصدّعت، وتكاد أن تُطوى السماءُ وتُهرقا

هل كانَ يختلقُ الجهاتِ ، يُلوّنُ الأشياءَ ، يجترحُ الخيالَ المُطلقا؟!

مُذ نحرهُ القُدسيُّ يضحكُ هازئاً في وجهِ من ظنّوهُ : لن يتدفقّا

مازالَ نحرُ النُورِ يخترقُ الدروبَ..يشعُّ ، ينهمرُ ..الظلامُ تمزَّقا

تنمو سُلالاتُ الشمُوخِ بكفِّهِ.. هل كانَ جُرحُ الضوءِ ، جُرحاً مُورقا؟!

الغيبُ مسراهُ القصيُّ ، خُطاهُ تطوي الكونَ ، يفترعُ الوجودَ الضيَّقا

يغفو (الفُراتُ) بُمقلتيهِ بحُزنِهِ ، ظمآنَ مُنكسرَ الشُعورِ ومُحرَقا

ويحطُّ قُربَ خيامِهِ الغيمُ المطيرُ، النهرُ مشدوهاً يفرُّ ومُطرِقا

اللهُ بالنحرِ العظيمِ أتى لُينبأَ ،  أيّ نحرٍ للسماءِ تدفقا

في مسرحِ الحربِ احتشادٌ آخرٌ للضوءِ، يحتشدُ المسافةَ فيلقا

فبدتْ جهاتُ اللهِ جيشاً هادراً، والأفقُ إعصاراً ، وكُنتُ المُغرَقا

ينسلُّ من أعتى المواجعِ فارساً ،  مُتوشِّحاً بالعنُفوانِ مُحلِّقا

من وحي ذاكرَةِ الطُفوفِ أطلُّ ، أشهدُ مشهداً ، فمُكذبِّاً ومُصدِّقا

مُنذُ السهام تمزّقُ الذكرَ الحُكيمَ بصدرِهِ ، من يا تُراهُ تمزَّقا؟!

جسداً تخضّبَ بالدِماءِ بلِ الضياءِ ، وبالرمَالِ بلِ الكمالِ تعتّقا

الريحُ تهبطُ عندَ موضِعِ عرشِهِ ، هل كان (آصف) في الحُسينِ مُحدِّقا؟!

مدَّ الفراتَ على الفراتِ فأمطرت عيناهُ مُذ فاض انهماراً أزرقا

الجُرحُ أعظمُ من حديث روايةٍ ، الجُرحُ يبدو – بالتأمّلِ – أعمقا!

يأتي، فينطفئُ الخيالُ، ويقشعّرُ الحبرُ، يجهشُ بالمآسيَ مُصعقا

ما زلتُ في حرمِ الفجيعةِ فكرةً مسلوبةَ الفحوى وقلباً مُرهقا

مازالَ يعبرُ بالقصيدةِ كلّما وقفت، ويُطلِقُ بحرَها والزورقا

هو عازفُ اللحنِ الذي لم ينكسر، لحناً على صوتِ الإباءِ مُموسقا

ما زلتُ أذكرُ  وجهَهُ وبهاءَهُ الـ.. قدسيَّ يُضفي للشهادةِ رَونقا

سيفزُّ من وجعِ الترابِ مُضمّخاً ، فيشعُّ ، يرفعُ للكرامةِ بيرقا

المركز 9: قصيدة (صلاةٌ في محراب) / كريم صبري نعيم الناصري (العراق)

صلاةٌ في مِحراب

للشاعر / كريم صبري الناصري (العراق – الناصرية)

سَنيُّ المُنى جارٍ  وإن فاتَهُ الفتحُ  ‍
ولولا تَوَخِّي حَبَّةٍ عُتمةَ الثَّرى  ‍
وَكَم شامخٍ يُضني النَواظرَ ما لَهُ  ‍
أَجَلْ هذهِ الدُّنيا سَرابُ ذَوِي العَمى  ‍
تَعَلَّقها تيهاً خَناهُم وَأُشرِبُوا  ‍
ولكنَّ في الأفقِ المغيَّبِ أنْجُماً  ‍
وتُسقَى زُعافَ الهَمِّ حافِلةً بِهِ  ‍
وَيَلقَفُ أغراضَ القَداسَةِ طَرفُها  ‍
فلو رَمَقَتْ حِلمَ السَّماءِ بِغَضبَةٍ  ‍
فَتُرخِي أكُفَّاً مِثلَ أجنِحَةِ القَطا  ‍
فَيا لَهْفَ أحداقي على خَيرِ مَعشَرٍ  ‍
تطوِّقُني ذاتُ الطُّفوفِ ولم يَزَل  ‍
فَلَيسَ البُكا إلَّا سِهامٌ بمُقلتي  ‍
أَبيتُ بِهِم في حَسرةٍ تُحرِقُ اللَّظى  ‍

على أنَّني أُسْقَى اللياليَ قِبلةً  ‍
فأنَّى لجَفني رَقدةٌ وصَباحُهُم  ‍
رَأوْا مِن بقايا أمَّةٍ كَفَّ حَظُّها  ‍
على حَسَكِ الرَّمضاءِ باتَ مَحلُّهُم  ‍
عُطاشى بِلا ساقٍ وَهُم أنعُمُ السَّما  ‍
تعاوَرَتِ الأزمانُ أنَّةَ جُرحِهِم  ‍
فلا غَبَطَت صُمُّ الفلا غيرَ صَبرِهِم  ‍
ولا سِيَّما مُلقًى غَزَتهُ مَلائكٌ  ‍
وبي ما بِها أشدو هَواهُ مُصَرِّحاً  ‍
أيا كَوثرَ الباري وخامِسَ خَمسةٍ  ‍
ويا سَيِّدَ الجنَّاتِ إذْ بِكَ تُشتَهى  ‍
فأنتَ الصِّراطُ المُستقيمُ الذي بِهِ  ‍
وأنتَ لَنا الشَّمْسُ التي نستظلُّها  ‍
وأنتَ لنا الحُبُّ العُضالُ الذي سَرَى  ‍
مُنِعتَ مِنَ الدُّنيا مُنِحتَ بقاءَها  ‍
فَلَستَ كإسماعِيلَ صَبراً يَرى الرَّدى  ‍
وإن يَكُ مُوسى عُقدةُ البَوحِ هَمُّهُ  ‍
وما نارُ إبراهيمَ نارَكَ إذ بَغَت  ‍
ولا صَلبُ عِيسى قَبلَ مَنجاةِ رَبِّهِ  ‍
أراها عَلى الجُودِيِّ لَولاكَ ما استَوَت  ‍
أقدِّسُ بَرقاً  في جبينِكَ غائراً  ‍
وجَفناً يعضُّ الدَّمعَ قد عَقَرَ الدُّجى  ‍
غَدَوتَ بِآلٍ كالشُّموسِ وصحبةٍ  ‍
يُسِرُّونَ آناءَ الليالي قيامَهُم  ‍
سفينتُكَ المَنجى ويأباكَ عاثِرٌ  ‍
سيُنفَخُ في صورٍ لِينقلبَ الوَرَى  ‍
فما لِعُتُوِّ النَّافِرينَ سِوَى لَظًى  ‍
لقد زِدتَهُم في النُّصحِ مَنقَصَةً فلا  ‍
لَكَ السَّابحاتُ الغُرُّ داميةَ المَدى  ‍
فكم نَبَحَت سُودُ الخُطوبِ صَهيلَها  ‍
وهل نَقمَ القالونَ إلَّا لِعِلمِهِم  ‍
بِمدحِكَ حَمدٌ للإلهِ وقُربةٌ  ‍
ويا مُصْحَفاً أعيى نُهًى مُتَشابِهاً  ‍
فَما في ذِهابِ النَّفسِ إلَّا مَفازةٌ  ‍
أقولُ ِلِمَن لم يَتَّخِذكَ وجودَهُ  ‍
فَحُجَّ حُسَيناً صُمْ حُسَيناً وصَلِّهِ  ‍

  وما اللَّيلُ إلَّا جِنَّةٌ لُبُّها الصُّبحُ
لَمَا اصطَفَّ جَيشاً في سَنابِلِهِ القَمحُ
مَقاصِدُ إلَّا والجِراحُ لَها سَفحُ
وقد وَهَبُوها ما تَخُطُّ وما تَمحُو
هَوَى عِجلِها  كَأساً فَكَأساً فلمْ يَصْحُوا
ترشُّ أريجَ الضَّوءِ فَهْوَ لها نَفحُ
يُصافِحُ طَعناتِ الدُّجى نُورُها السَّمحُ
لِتَنمُوْ تلالُ الدَّمْعِ حَتَّى عَلا الصَّرْحُ
لَساخَت دُنًى لكِنَّ شِيمَتَها الصَّفحُ
لِتَسخُوْ عُيونٌ كُلَّما مَسَّها القَرْحُ
تَجارى فلا كُمٌّ يَرُدُّ ولا مَسْحُ
على مُلتَقى الذِّكرى يُزَلزِلُني الضَّبحُ
ومِن لَجَبِ التَّذكارِ في أضلعي رُمْحُ
خصيمَ الكَرى والنَّومِ ما طابَ لي صلْحُ
إذا ما دَنا مِحرابُها شَطرَها أنْحُو
سَحيمٌ كَجُبِّ اللَّيلِ ليسَ لهُ فَسْحُ
مثالِبَ لَو قُصَّت لَهُ ذَمَّها القُبحُ
فلِلرَّملِ ذَرٌّ والهَجيرُ لَهُ لَفْحُ
على النَّاسِ والدُّنيا نَدَى يَدِهِم سَحُّ
إذا ما شكا رَدْحٌ قَضى بِهِمُ رَدْحُ
ولا جالَ في ذِهْنِ الفَضائلِ ما ضَحُّوا
بِرَمضائهِ تتلو فَطالَ بِها السَّبْحُ
فما زادني راضٍ  ولا صَدَّ مَن يَلحُو
عَلَوا قبلَ أن يُعليْ السَّماءَ وأن يَدحو
وَكَيفَ يَحِلُّ الزَّادُ لَو حَرُمَ المِلحُ
نَفِرُّ خِفافاً والجحيمُ لها جَمحُ
فبَهجَتُها حِلٌّ ومأمَنُها نَزْحُ
فيا سَعدَنا مَرضى وَضَيعَةَ مَن صَحُّوا
فيا خيرَ مَن صَلَّى لَهُ المَنعُ والمَنحُ
ولكِنْ شَغوفٌ يُستَطابُ لَهُ الذَّبحُ
فألواحُكَ اللُّجُّ الذي ما لَهُ شُحُّ
إلى كُلِّ ثَوبٍ مِن ذَويكَ لها جَنحُ
كدامٍ ثلاثاً لا يَنامُ لَهُ جُرحُ
وَلا جازَ نُوحٌ والخِضَمُّ لَهُ طَفحُ

غَزيرَ حياءٍ فالدِّماءُ لَهُ نَضحُ
فليس أمامَ الشَّامتينَ لَهُ سَفحُ
خِيارَ السَّما كانوا وكانَ لها النَّقْحُ
وبالذكرِ أطرافَ النهارِ لهم صَدْحُ
ألمَّ بِهِ قَعْرٌ وأنْكَرَهُ سَطْحُ
إذا ما تَجَلَّى الجِدُّ وانحَسَرَ المَزحُ
إذا عزَّ في دنياهمُ اللَّجْمُ والكَبْحُ
أرى يَنفَعُ المَوتى الهِدايَةُ والنُّصحُ
على أبجَدِيَّاتِ الدُّهورِ لَها نَدْحُ
فكانَ لُهاثُ البؤسِ  ما كَسَبَ النَّبحُ
بأنَّ عَطاءاتِ الحُسَينِ بِهِم قَدحُ
أيا نِعمَةً فيها استَوَى الحَمدُ والمَدحُ
ويا مُحكَماً ما شَفَّ أفئِدَةً شَرْحُ
بِدَربِكَ نَمضي فالفناءُ بِه ِربحُ
كفاكَ غِياباً فالمُقامُ كَما اللَّمحُ
بِغَيرِ حُسَينٍ لَيسَ يَنفَعُكَ الكَدحُ


سيرة ذاتية للشاعر

 

–         مواليد الناصرية، العراق، عام 1968.

–         بكلوريوس لغة عربية.

–         له مجموعتان شعريّتان ( مسافرٌ في غياهب الظنون ) و ( قِطاف القوافي).

 

النص التاسع: أَنْبِيَاءُ الوَرْدِ

بَيْنَ الطُّفوفِ وَأَنْبِيَائِكَ سُلَّمُ
صَلَّى عَلَيهِ العَاشِقونَ وَسَلَّمُوا

هُوَ سُلَّمٌ مِعرَاجُهُ قَطْفٌ
تَبَارَكَ وَرْدُهُ .. ضَوْعٌ يُقَدِّسُهُ دَمُ

هُمْ أَنبِيَاءُ الوَردِ .. جَلَّ أَرِيجُهُم
بَينَ انْبِلَاجِ شَهَادَتينِ .. تَبَسَّمُوا

هُمْ مَنْ هُمُ ,
من أيِّ ضوءٍ , أيِّ فجرٍ ,
رَتَّلَتْهُمْ نجمةٌ تَتَرَنَّمُ

هُمْ ممرعونَ بعشقهم
فتجسَّدوا للطَّفِّ خَيرَ حكايةٍ
مُذْ هَوَّمُوا

مُذْ كَرْبَلُوا …
بينَ الضحى ووجوههم سِرٌّ جليلٌ
لا يبوحُ بِهِ فَمٌ

الليلُ .. يَلْهَثُ خَلْفَهُمْ جَمَلاً
فَمَا اتَّخَذُوهُ دُونَكَ حَائِلاً أَوْ أَحْجَمُوا

كَانَ اقتِرَاحُهُمُ الضُّحى
فَتَرَقرَقُوا عِشقاً نَبِياًّ .. مُذْ بِحُبِّكَ أَحْرَمُوا

تخضرُّ في كَلِمَاتِهِم مُدُنٌ
وَتَحتَ سِيوفِهِم ظُلمُ الدُّجى يَتَحَطَّمُ

فَوْقَ السُّؤالِ
تَفَتَّحُوا لِلطَّفِّ أَجْوِبَةً .. تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بَلسَمُ

وَعَلَى كُفوفِهُمُ المُضيئةِ .. أَنْـهُــرٌ ظَمأَى
وَلَكِنْ مِنْ شِفَاهِكَ تَلثُمُ

مُذْ أَخْجَلَ العَطَشُ العَنيدُ فُراتَهَ
واحمرَّ في خَدَّيْهِ رُمْحٌ أَسْحَمُ

وَأَبَتْ عيونُ النهرِ إلا دمعةً مغرورقاً فيها
جَفَافٌ مُعْدَمُ

جَاؤُوكَ حَيْثُ الجُرْحُ .. شَقَّ وَثَاقَهُ
وَعَـلَى رِمَــالِ الـنَّـازِفـِيـنَ .. تَبَرْعَـمُــــــوا

سَالُوا
عَلَى رَمْضَاءِ طَفِّكَ أَنْهُراً
فَحَكَى الفُرَاتُ .. بَأَنَّ صَبْرَكَ زَمْزَمُ

مسحوا .. على حجرِ الطفوفِ
فإذْ بِهِ مِنْ فورة الغضبِ الهَــمَـى يتكلَّمُ

شَرِبُوا .. هَوَاكَ عَقِيدَةً
وَرَأَوكَ فِي مَعنَى الخُلودِ .. حَقيقةً لا تُكْتَمُ

يمضونَ حيثُ اللهُ .. سَنَّ جِنَانَهُ
مُتَمَسِّكِينَ بِعُرْوَةٍ لا تُفصَمُ

عَلِمُوا .. بِأَنَّ نَجَاتَهُم
أَنْ يَصْحَبُوا تِلْكَ السَّمَاءَ وَدُونَهَا لَنْ يَنْعَمُوا

فَاسَّاقَطَوا .. فوقَ الرمالِ كواكباً
كَيْ يُعلنَ الحزنَ الفسيحَ مُحَرَّمُ

حِيْنٌ مِنَ النَّحْر

للشاعر: ناصر ملا زين (البحرين)

 

حِيْنٌ مِنَ النَّحْر

 

زَرَعْتُكَ وَحْيْاً .. واخْضِرَارَاً .. وَمَوْطِنا

لأَقْطفَ مِنْ عَيْنَيكَ فُلّاً وَسَوْسَنا

سَكَبْتُكَ فِيْ كُلِّ الجِهَاتِ حَقِيْقَةً

لِتَمْلأَ دَلْوَ المُسْتَحِيْلاتِ مُمْكِنَا

وَرُحَتَ مَعَ الأَقْمَارِ تَفْتحُ شُرْفَةً

فَأَمْسَتْ سِلالُ النَّحْرِ تَعْبقُ بِالسَّنَا

بِضَوْءٍ مَسَحتَ العَيْنَ، عَيْنَ قَصِيْدَتيْ

وَمِنْ مُقْلَتَيْهِ الأُفْقُ وَرْدَاً تَزَيَّنَا

وَجِئتُكَ حَيثُ النَّهرُ يَحْمَرُّ بَاكِيَاً

فَأَعْظِمْ بِكَفِّ اللهِ تَمْسَحُ أَعْيُنَا

كَأَنَّ رُمُوْشَ المَاءِ رِيْشَةُ مُبْدِعٍ

تجلّتْ إِلى الأَطْفَالِ حُلْمَاً مُلَوَّنَا

لِتَرْسمَ مِلءَ الحُلْمِ ضَحْكَتَهَا التيْ

تَفَنَّنَ فِيْهَا الحُزْنُ عُمْرَاً تَفَنُّنَا

وفِيْ لَحْظةٍ – كَالرّيحِ تَفْقدُ وَجْهَهَا-

تَجِيءُ إِلى كَفَّيْكَ تَسْألُ: مَنْ أَنَا؟!

خَطَوْتَ، فَفَاضَ الرَمْلُ شَمْسَاً وَمَنْحَرَاً

نَزَفْتَ، فَكَانَ الجُرْحُ بَيْتَاً وَمَأْمَنَا

بَنَيْتَ مِنَ الأَوْجَاعِ بَسْمَةَ خَيْمَةٍ

فَلَمْ تُهْدَمِ البَسْمَاتُ إِلّا لِتُبْتَنَى

سَأَلتَ سَحَابَ النَّهْرِ: هَلْ ثَمَّ طَعْنَةٌ؟!

وقُلْتَ لِطِفْلِ الوَرْدِ: ذَبْحُكَ قَدْ دَنَا

لِتَنْقُشَ فِيْ الآفَاقِ لَوْحَةَ مَصْرَعٍ

وَتَصْبَغَ كُلَّ الأَرْضِ والدَّهْرِ وَالدُّنَا

فَأذَّنَ شِلوُ المَاءِ.. وانْثَالَ سَجْدَةً

كَأنَّ (بِلالَ الغَيْبِ) للهِ أَذَّنَا

هُنَا حَجَّتِ الأَشْجَارُ، وازْدَلَفَ المَدَى

وكَانتْ (خِيَامُ الطَّفِّ) تَنْسَابُ مِنْ (مِنَى)

أَتْيْتُكَ والأَنْهَارُ تَتْبَعُ خُطْوَتِيْ

ولا شَيءَ غَيْرَ الدَّمِّ يَقْتَلِعُ الفَنَا

مَعِيْ شَهْقَةُ الخَيْمَاتِ، مِنْدِيلُ هَوْدَجٍ

وَقَلْبُ رَضِيْعٍ .. بِالسَّكَاكِيْنِ أُثْخِنَا

يُغَنِّيْ، وكَالعُصْفُوْرِ يُذْبَحُ غُصْنُهُ

ومَا زَالَ غُصْنُ النًّحْرِ غَضَّاً وَلَيِّنَا

وَمِنْ قِرْبَةِ العَبَّاسِ أَبْصَرتُ جَنَّةً

تَرَاءَتْ – بِلا كَفَّيْنِ – تَحْتَضِنُ المُنَى

فَأَدْرَكْتُ أَنَّ السَّهْمَ أَيْقَظَ غُرْبَةً

فَكَانَتْ عُيُوْنُ البَدْرِ مَأْوَىً ومَسْكَنَا

رَأَيْتُ عَلى الأَنْهَارِ قَلْبَ مُحَمَّدٍ

يَخِيْطُ لَكَ الآَيَاتِ حَتَّى تُكَفَّنَا

وَيَنْسُجُ فِيْ الأَزْمَانِ مَجْدَاً وَ(تَلَّةً)

وَيَخْلُقُ لِلنَّخْلاتِ عَيْنَاً وَأَلْسُنا

لِتُبْصِرَ فَوْقَ التَّلِّ أَغْصْانَ ثَوْرَةٍ

وَرَأسَ حُسَينٍ يُنْهِكُ الرُمْحَ والقَنَا

حَمَلْتُكَ غُصْنَاً لا يُصَافِحُ مِنْجَلاً

وَجَدْتُكَ كَنْزَاً فِيْ الشَّرَايِينِ يُقْتَنَى

تَلَوْتُكَ شَعْبَاً مَكَّنَ اللهُ نَحْرَهُ

بِجُنْدٍ مِنَ القُرْآنِ حَتَّى تَمَكَّنَا

غَرَفْتُكَ فِيْ كُلِّ المَسَافَاتِ خُطْوَةً

تَمُرُّ عَلى الأَوْطَانِ فَجْرَاً تَأَنْسَنَا

فَتَغْرُسُ فِيْ الإِنْسَانِ نَخْلَ هُوِيَّةٍ

وَجِذْعَاً– بِرُغمِ الرِيحِ والمَوْتِ – مَا انْحَنى

لِتَبْقَى رَبِيْعَ اللهِ فِيْ كُلِّ بُقْعَةٍ

“فَأَقْطفَ مِنْ عَيْنَيكَ وَحْيَاً وَسَوْسَنا”

وَتَشْمخَ فَوْقَ الرُمْحِ، تَزْرعُ سُوْرَةً

فَتَزهوْ بِكَ الآيَاتُ والغَرْسُ والجَنَى

وحَيْثُ (هُنَاكَ) الرَّأسُ يَنْزْفُ كَعْبَةً

تَعُوْدُ مَعَ الأَجْيَالِ تَبْدَأُ مِنْ (هُنَا)

أسئلةٌ معلقةٌ في سماءِ الحسين

 

 

أسائلُ الموتَ : هلْ في الموتِ مُرتَجعُ

إلى الحـياةِ، وهـل في الجرحِ مُتسَّعُ

هل في البداياتِ أسـرارٌ بلا زمـنٍ

هل في النهاياتِ مجدٌ لـيسَ يـنقطعُ

وأسألُ الحزنَ في عينيكَ مُــشتعلاً

كأنهُ مِنْ خيوطِ الـغيبِ يــلتمعُ

أيـُـشرقُ اللهُ في نحرٍ يـفيضُ دماً

أبهجةٌ في نـزولِ الـدمعِ تــرتفعُ

أغُربةٌ أنْ تـكونَ الروحُ في وطـنٍ

مِنَ السماءِ التي في العشقِ تــنتجعُ

أيصنعُ الجرحُ نوراً لا حــدودَ لهُ

كـلؤلؤٍ نـبويٍّ لـيسَ يُـصطنعُ

أيبدعُ الثائرونَ النــزفَ أغـنيةً

مـتى التلاحينُ في المأساةِ  تُـبتدعُ

أيظهرُ الـوجعُ السامي غديرَ رُؤىً

أيملأُ الأرضَ  ورداً  ذلـكَ الوجعُ

أحزنُكَ المأتمُ الكونيُّ، هلْ لــغةٌ

في نسجها الـنعيُ والأعراسُ تجتمعُ

 

وأسألُ الماءَ: هلْ يرويكَ مِنْ عطشٍ

أمْ أنـتَ تـرويهِ ماءً مِــلؤهُ ولعُ

وهل تـشيخُ حكاياتٌ مـرفرفةٌ

مِـنْ غـيمةِ الملكوتِ الحرِّ ترتـضعُ

وهل تجيءُ مِنَ الأشواقِ، مِنْ وَلَهِ

الـعُشَّاقِ، مِنْ وَجَعِ الأوراقِ تندفعُ

أَيبدأُ الشعرُ مِنْ كَفّيكَ،مِنْ دَمِكَ

المسفوكِ،يا لدمٍ بالشعرِ مُــنطبعُ!

ياكمْ تسيلُ على الأشياءِ مُجترحاً

وحيَ الحقيقةِ، لا زيـفٌ ولا خُدَعُ

أتستغيثُ وتدعو، لا ترى أحـداً

إلا بــنيكَ وأصـحاباً بهم ورعُ

 

أقـولُ:هذا يقيني فيكَ مـشتبكٌ

في حضرةِ الشكِّ يستقصي ويخترعُ

آمنتُ بالدمعِ في عينيكَ مـنتصراً

آمنتُ بالحزنِ حتى قيلَ : مُـبتدِعُ

ألم تكنْ رحلةً للموتِ فارتحلتْ

للهِ  أعـمدةَ الـطغيانِ تـقتلـعُ

 

 

وأسألُ الرأسَ: يا للرأسِ كَمْ جسدٍ

حُــرٍّ ستلبسُ،كَمْ عُمْرٍ ستـتسعُ

أكنتَ مستعصياً كالموجِ كنتَ فماً

في كـلِّ شبرٍ لهُ صوتٌ ومـستمعُ

أأنتَ أجيالُ رَفْضٍ، نارُ مـلحمةٍ

لاءاتُها لم تـزلْ تسمو وتـندلعُ

وكيفَ تنظرُ أبـناءً مُــذبَّحةً

فلا تخافُ، ولا يـدنو لكَ الجزَعُ

وهمْ يخافونَ منكَ الظلَّ،كيفَ تُرى

هلْ كانَ يُقذفُ في أرواحـهمْ فَزَعُ

وتلكَ أسئلةٌ تُـلقي حـكايـتها

إلى الذين حشاهمْ فـيكَ مُـفتجعُ

إلى هناكَ ..إلى الآتينَ مِنْ غـدهمْ

إلى هـوىً، لا زمـانٌ فيهِ  أو رُقَعُ

 

شعلة من سنابل كربلاء

أشعلتني سَنابلُ الطفّ وجْدا =غيرَ ذيْ راحِ منْ رَفيفِ إكْتواءِ

واسْلمتني لرشْفةِ المّوتِ أقفو= رَعشةَ الحُزن بيْن نَارٍ ومَاءِ

وأنا المُبتلّ بالجِّراحاتِ أمْضي =وتُرابٌ منْ الطفوفِ إزَائي

يتلظّى ورَشفة الدمْع كونٌ = هَدهدَته فوّارة منْ بَلاء

هيَ عاشوراء والدماءُ تدّلتْ= كالفنَارات كالرَؤى كالضَياء

وهيَ “هيهاتُ” نبضُ قلبٍ أبي= يرفضُ الذلّ بين ضَيمٍ وَ..لاءِ

وبنَهرينِ منْ ضِفافِ قِوَانا= عَتّقتنا مَرافئُ الشّهداء

ورَسَمنا منْ دفقةِ النحْرِ نَهراً = في دمانا يسْمو على الأقذاء

يا بطولاتِ كَربلا- يا عُروجا= من دماءِ السّماء والأتقياء

نتفيا تغلغلَ الجرحِ طِيناً =قد تسَامى على مدى الإنزوَاء

كم نشَرنا منْ الوّفاء شمُوسا =منْ كفوفٍ تلزّ نبعَ الوّفاء

آثر الماءُ أن نراكَ ظميّا =في تفانٍ يشدّ قلبَ الإخاءِ

وهو عرشٌ من القداسات يُعلي =راية النصْر في هدَى النبلاء

فتقاطرْنَ كالضّحايا نجُوما =تتهادى بثورةِ النّجباء

ترْدفُ الحقّ في فداء حسين= بشَبابٍ من خِيرةِ الأتقياء

آثروا المّوت عزةً رغم ذلٍّ= مُذْ تبنّوا طريقة الأنبياء

فتفانوا بمَدرجِ الصبر ذاتاً =في سباقٍ منمْنمٍ باصْطفاء

هي ذكراكِ تحمل الفجرَ وحياً= بين دمْع ومحنةٍ وفِداء

فانتفضنا لرزءِها تضحياتٍ = تتمنى للدّينِ رفعَ لِواءِ

وأنا فضّةٌ من الحُزنِ تماهتْ= في خلايايَ حيرةُ الأجْزاء

أنثرُ الوقتَ جَمرةً تتلّظى =وعلى وجْهِ المسَاء مَدُّ بُكائي

يتحَدّى تصَحّرا الليلِ لونَا= والمواقيت قدْ استبَحنَ غِنائي

ودمايَا مذبوحةٌ في شجوني= وشجُوني مَوائدٌ مِنْ شَقاءِ

وأنا ابنُ هذهِ التباتيلِ =أقتاتُ من وعْيِ احتمالَ عَنائي

وأنا بعضُ سُورة الحزنِ= تنثالُ ضلعاً على كرْبلاء

وهْيَ رحمٌ إلى البطولاتِ غنّى= جَاوزتنا لقمةِ الجَوزاء

وهي رزءٌ مُفَصّلٌ للغيَارى= وصِراطٌ بمَهْمهِ الغرَباء

وأنا خفقُ ومضةِ من حنينٍ= للطّفوفِ تلمّ دمعَ السّماء

أجرعُ الحزنَ في ضفافِ يقيني= نهنهاتٍ بنورسِ الأصْغاء

فتواريني صَرخة المّوتِ خفقا =ودمائي مَبتورةً في دمَائي

أوقظُ الآهَ رنةً في سُؤالي= هلْ أنا من يذوبُ في الأرزاء

حين حنَيت بالمَداراتِ قلبي =وأدرْتً على المدَى حِنائي

أم أنا الآنَ – كربلاءُ جراحٍ =قد تشَظتْ على صَدى الأحبَاء

من أنا مَن أكونَ يا نبضاَ= توسّط القلبَ كاشتعالِ إناء

جزتُ روحي وجزتُ طوفانَ بوحي =حين نقّبت في خطى أضوائي

لأراكَ تبثني الدّربَ حرّا= وتدلني نذورَ عَاشوراء

أحملُ الضوءَ في غيوم ارتحالٍ= لملمتهُ حَرارة الرّمضَاء

شرفة للهدى للحقّ تسمو =كيفَ تهوي على لظى البّوغاء

لتناديني بقيةً من يقينٍ =من ترابٍ خبأته لاكتواء

هاهنا يتنسكُ الترب قرباناً= يُصلي مقدّسَ الأشلاء

يتسلّى وشفرةُ السّيفِ ظمْأى =وندَى المَاء ضفّة من حَيَاء

تعْتريني وغربةُ النّحر ترقى= بالشّعاعات حَبيسة الأعْضاء

كلّما مزّقتْ مِن خلايايَ بوحا= أسْكنتني بدمعةٍ حَمراءِ

نهنَهتني بوابلٍ من ضَناهَا =في دمُوع الأيتامِ والأبناء

ونساءٍ مرمّلاتٍ ببؤسٍ= ليسَ كالرزءِ غربةٌ بنسَاءِ

تندبُ الفجرَ الذي تعطفَ بالحبّ= مذ أبصرتْ تدفقَ الأضْواء

لم تكنْ كربلاء إلا وَريدا= جرّبته محاجرُ الآلاء

زرّرتهُ بقلبهَا البّكرِ تنَاهِيداً = تسْتقِيها صَبابةُ الإغرَاء

أيّ بردٍ سيطفأ النارَ فينَا= بعدَ أنْ سجرّت نارَ دماءِ

تنقشُ الآنَ قصّة الجرْح طِفلا= مزّقتهُ قسَاوَةُ البغضاء

ما سَقوهُ غيرَ الرّدَى كأسَ سَهم= بعداءٍ يَشدّ قوسَ العِّداء

وحسينٌ تَضمّهُ نَهْنهَاتٌ= أرْهَقتها مَصَارع الشّهداء

ووَحِيداً مُغرورقاً أفرَدُوهُ= وبَنوهَ مَسكوبَة الأشْذاء

وعلى صَدرهِ الشمرُ تعلّى = يفصلُ الشمسَ عن مُحيّ السّماء

أروَى للسّيف منحراً من حَكايا= قصةِ المّوتِ في انتِصارِ دماءِ

وطأتهُ برجْلِها عَادياتٌ =فاغتدَى الضّلعُ منبعاً للضّياء

ولهُ زَينَبٌ تمدّ بكاءً =أشعلَ الكّونَ بالشّجى والبّكاء

فتقبلْ يا رَبّ إنْ كانَ يُرضِي= منْ دِمانا واْعظمْ بهِ من رضَاءِ

وعَليهَا من الأسَى ذارياتٌ= ما تزالُ حَليفةَ الآلاءِ

قدْ غسَلنا قلوبَنا بأسَاها =كالفَوانيسِ لاشتِهاءِ سَناءِ

وانتدَبنَا عُيوننا بجرَاحٍ =سَامقاتٍ تفيضُ بالأندَاء

هي رفضٌ لجولةِ الظلمِ تطفو= وهي فيضٌ بمنبرِ الخُلصَاء

ودُروبٌ مزملاتٌ بدمْعٍ= أحمَديٍّ على خُطى الزّهراء

خذْ قلوباً ممزقاتٍ عليْها= منْ دمَانا مُجرداتِ الدّماء

خذْ نحيباً تقاسَمته البَرايا= بينَ قانٍ ووَاترٍ منْ مَضَاء

جئنَ يفديكَ يا ملاذَ يقينٍ =هوَ للهِ في ذرَى الكِبريَاء

يا حسَينا وصَرخة الحقّ تَعلو =هاكهَا الآنَ مَوعدا من فِداء

تنمُو صبحاً حَقيقةُ الماءِ فيْها= يَرفضُ الليلَ مَرتعَ البّيداءِ

يا أبا الطفّ والمَرايا قلوبٌ= مُنهكاتٌ تَزمّ وقتَ البّقاء

فعلى رزْءِكَ النبويّ ينتابُنَا= الوَجَعُ المَضْنِيْ بمشَهدِ الأوليَاءِ

إيهِ يا واعِيةَ للطفّ تنمُو = والجّراحَاتُ شظيةُ الأنْحاءِ

سوفَ تبقَى زجَاجةَ الحزنِ مَلئى= بالمَواجيدِ والهُدىْ الوضّاء

وستبقىَ مَحاجرُ الدّهر دمعاً= ويواسِي لخّاتَمِ الأنبَياءِ

وستبقىْ لحَيدرٍ فيْ بَنِيهِ= وفؤاداً لفاطِمِ الزّهرَاءِ

قلبي البراق

 

يا  حافيًا  شدّ  لابنِ  المرتضى   iiالرحْلا      هَلاّ أخذتَ فؤادي  في  السُرى  iiنعْلا؟!
خذهُ  إذا  تعبتْ   رجلاكَ   من   iiسفرٍ      فَهْوَ  الذي  من  مسيرِ  الحبِّ  ما  iiكَلاَّ
و  خطوُهُ  النبضُ  إذ  يزدادُ  مِنْ  iiتعبٍ      فيسرعُ  القلبُ  في   خَطْواتِهِ   iiالعجلى
مِنْ   نبضِه   هدهدٌ   يُنبيكَ   عن    iiنبأٍ      هناكَ   عرشٌ   حواليهِ   الهدى    صلّى
مِنْ    نبضِه    آصفٌ    يرنو    iiليجلبَهُ      قد   رامَ   يحملُه   لم   يستطع    حِمْلا
قلبي  البراقُ   إذا   ما   شِئتَ   iiفامتطِهِ      فَهْوَ  الذي  في  ربوعِ  الطفِّ  قد  iiحَلاَّ
إسراؤُه   في   ليالي   الشوقِ،   iiمقصدُه      مِنْ مسجدِ الصدرِ حتى المشهدِ  iiالأحلى
هناكَ   في   كربلا   قطَّعتُ    iiأجنحتي      سأهجرُ  الكونَ  لو  أحظى  بها  iiوصلا
طقوسُ  مثلي  بأرضِ   الطفِّ   مدهشةٌ      أقلُّ   شيءٍ   بها    أنْ    ألثمَ    iiالرملا
قصَّرتُ  خطوةَ  شوقي  كلما   iiاقتربتْ      بطَّأتُها     بحياءٍ     أرجفَ      iiالرجلا
أحجُّ  زحفًا  و  حَبْلُ  السبطِ   يسحبُني      ما  حيلتي  غيرُ  أني  أسحبُ   iiالحبلا؟!
في  قدسِ  واديه  عندَ   البابِ   iiمرتعشٌ      و   مُلزَمٌ   حينها   أنْ    أخلعَ    النعلا
أرهقتُ    فيه    لساني    في    iiتلعثُمِهِ      و  مفرداتي  غَدَتْ  مِنْ  كُنْهِهِ   خَجْلى
هَلاَّ    أذنتَ    لرحّالٍ    بلا     iiوطنٍ      عافَ  الحياةَ  و  يبغي  عندَكَ   النُزْلا؟!
فأدخلُ    الحائرَ     المشحونَ     iiأسئلةً      و  ألفَ   لغزٍ   به   لا   يعرفُ   iiالحَلاَّ
دخلتُ فاخضوضرتْ في  الروحِ  iiأوديةٌ      كم عاشتِ الروحُ من طولِ النوى ذبلى
فلترصفوني    رخامًا    وسطَ    iiحائِرِهِ      يستعذبُ  الوطءَ  لو  ألقَوْا   به   iiالثِقلا
أو   طيِّروني   حمامًا    حولَ    iiمَشْهَدِهِ      بنيتُ    عشًا    على    باحاتِهِ     iiطَلاَّ
أنا     هديلُ     أذانٍ     مِنْ     منارتِه      في  أفقِ   كلِّ   سماواتِ   الهوى   iiيُتْلى
أنا     أنينُ     رجاءٍ     تحتَ      iiقُبتِه      من  شجوِ  طفلٍ  أتى  مستجديًا  iiسُؤْلا
و   زفرةُ   العاشقِ   الملهوفِ    تشبهُني      إذا    تشبَّثَ    في    شباكِهِ    iiالأغلى
طيني      مكامنُه      تُرْبٌ       iiبمدفنِهِ      و   الماءُ   دمعٌ    على    أرزائِهِ    iiهَلاَّ
سُكِبْتُ _  مِنْ  بَعْدِ  تذويبي  _  iiبقالبِهِ      فقالبُ  السبطِ  مَنْ   أعطانيَ   iiالشَكْلا
مولايَ   أنسخُ   مِنْ   أصداكَ    iiتَربِيَّتي      حتى  تكاثرَ  بي  صوتُ   الهدى   iiنَسْلا
وجدتُني      قِربةَ      العباسِ      iiنابعةً      لأرويَ   الناسَ    من    أنهارِها    نَهْلا
وجدتُني    سبحةَ    السجادِ    iiخاشعةً      إن   شدَّها    تارةً    أو    تارةً    أدلى
حسينُ   يا   توأمَ   القرآنِ    يا    كُتُبًا      أهوى     قراءَتها      عنوانُها      iiكَلاَّ
أمطرتَ لي (بعضَ) مزنِ العطفِ iiتغرقني      و ما  نجاتي  سوى  أنْ  تُمْطِرَ)  iiالكُلاَّ(

 

إناأنزلناه في ليلةالطف

حدثيني وأشعلي القلب نارا

واسكبي اللحن خاشعا موّارا

حدثيني فكل نبضة عشقٍ

في كياني تغازل الإنتظارا

وابعثي الليل موسماً غزليا

فعلى مقلتيك صلى السكارى

حدثيني عن كل شيء فإني

مغرم فيك لست أهوى اختصارا

كل همس يا سجدة الروح منكم

هو وحي يلهو بثغر العذارى

راقصي فيَّ نغمة الروح شوقاً

فبقلبي ثار الهوى واستطارا

لك للحب للهوى للأماني

للجمال القدسي رمت ادِّكارا

فأطلي حرفاً يعانق حرفاً

وشموساً تغازل الأقمارا

حدثيني فقد سئمت اغترابا

وبخطوي ماتت دروب الصحارى

عدت في موعد المواسم شعراً

لحنه داعب الهوى مزمارا

حدثيني قالت فحسبك فخرا

أن تناجي أئمة أطهارا

فتغافى على فم الدهر لحن

يبدع العشق في قلوب الحيارى

فأضأت الشموع ميلاد فجر

لحسين شف الهوى واستنارا

رَقَّصته يد البتول حناناً

وبطهر الوصي حاز الفخارا

هدهدته الأملاك في حجب

الغيب فلبت وأنشدت قيثارا

هو أنشودة الجمال عليها

وإليها تهفو قلوب الحيارى

هبطت باسمه الجلالة سكرى

ولمحرابه الكمال استدارا

وعذارى اللحون بَرَّحها الشوق

فأهدت باسم الحسين الشعارا

لكَ من نفحة البتولُ دلالٌ

ومنارٌ بل أنت خيرٌ منارا

ومن المرتضى تعلمت عزماً

للبطولاتِ صغتهن انتصارا

ومن المصطفى وحسبُكَ عزاً

واصطفاءً أن تُشبه المختارا

أنت من حجر فاطم وعلي

قد سكنت الخلد الإلهيَّ دارا

ومرجت البحرين درا وسحرا

قبساً يُشعل المدى إكبارا

عانقتك الأحلام في ألقِ الفجرِ

فكانت بشوقها أقدارا

والتراتيل مصحف علوي

للمعاني إذ صغتها أبكارا

يا إماماً من زاره زاره الله

فحقاً لطفِّه أن يزارا

يا وليدَ البيتِ المقدسِ قِدْماً

هو للحشرِ ذكره لن يوارى

وله في سما المعارج ذات

أيقظت من غرامها أسحارا

فمحاريبه التقى وصلاة العزم

فيه قد أبدعت أحرارا

يا غناء الأملاك ِ رتل علينا

من تسابيح وحيه أذكارا

وأدرْ كأسه المعتقَ فينا

فبخمرِ الولا أتينا سكارى

همسه همس أحمد وهواه

فاطميٌّ قد عانق الكرارا

قد تجلت يدُ اللطافة فيه

فتعالى فشاء لطفاً فصارا

(في علي أباً وفاطمَ أُماً

وأبيها جداً وجبريل) جارا

فحسين قد لون الطف مجداً

وعلى الأفق قد تراءى احمرارا

يا فماً راقص الخلود وغنى

للبطولات مصحفاً ومنارا

وتمشى مع الزمان هديراً

صاخباً يملأ الدُّنى إعصارا

وصهيل الخيولِ في كربلاه

كِسَفُ تمطرُ الجبان جمارا

وصداه موالُ آلهةِ الحبِّ

يصلي على الشفاه جهارا

وإباء الطفوف نبضٌ بقلبِ

الدهر ما انفك يبدع الأعمارا

فالحسين الدم المخبأ فينا

إن فيه بكل قلب مزارا