نَـافُورةُ الأحـرَارِ

جَرَسْ:
لأنَّكَ الماءُ والحبُّ والثورة ..

ثَاوٍ وَنَافُورَةُ الأَيْتَامِ تَرْتَفِعُ
وَيَجْلِسُ النَّهْرُ فِي مِحْرابِ أضْلُعِه
يَسْتَغْفِرُ النَّحْرَ .. تَبْكِي ضِفَّةٌ ألَمَاً
وَالرَّيحُ تَمشِي عَلَى عُكَّازِ حَسْرَتِها
نَحْوَ السَّلِيبِ كَأَنَّ الحُزْنَ رافَقَها
مُمَزَّقَاً كانَ .. تَطْفُو فَوْقَ مَنْحَرِهِ
أَنَا الذَّي أَثَّثَتْ طَعْنَاتُهُمْ جَسَدِي
أَنَا الذَّي قَطَّعُونِي في الهَوَى قِطَعَاً

فِي كَرْبَلاءَ أَضَاءَ المَجْدُ شَمْعَتَهُ ال
كَغَيْمَةٍ حَبُلَتْ بالضَّوءِ فَاجأَها
أَنْهَيْتَ للحَقِّ فِي الدُّنيَا مَجَاعَتَهُ
يَدَاكَ تُبْحُرُ فِي الأَرْواحِ بَاحِثَةًَ
فَتَغْسِلُ الخَوْفَ عَنْ أَجْفانِها وَإِذا
يَا كَاتِبَ الحُبِّ فِي قُرآنِهِ وَطَنَاً
لَكَ الدُّموعُ تَحُثُّ الخَطْوَ .. إنَّ بِها
زَحْفاً إِليْكَ عَلَى الأَحْلامِ تَقْصِدُكَ الـ
هُمُ الخُلُودُ.. عَلَى رِجْلَيِْنِ مِنْ شَغَفٍ

كَأَنَّنِي بِكَ يَا مَوْلايَ فِي أَلَمٍ
تَقُولُ: لا تُسْتُرُونِي إنَّ لِي كَفَنَاً
ولا تَرُشُّوا بِمَاءٍ وَجْهَ أَتْرِبَتِي
ظَامٍ عَلَى أَذْرُعِيْ أَقْبَلْتُ أَحْمِلُهُ
حَتَّى أَتَى السَّهمُ مَجْنُونَاً فَقُلْتُ لَهُ:
لا تَغْسِلُوا جَسَدِي إنِّيْ أَرَى شَمِراً
لا تَحْمِلُونِي عَلَى نَعْشٍ وَبِنْتُ أَبِي
وعينُهَا كُلَّمَا حَنَّتْ إلَى جَسَدِي

يَا سَّيدِيْ لَمْ يَعُدْ فِي الأرْضِ مِنْ وَطَنٍ
تَجْتَاحُنِي غُرْبَةٌ رَعْنَاءُ .. بِيْ زَمَنٌ
ظِلِّيْ بَقِيَّةُ أَوْطانِيْ سَكَنْتُ بِهِ
جِرَاحُنَا يَا أَبَيَّ الضَّيْمِ لاجِئَةٌ
لَأنتَ بِئْرُ إِبَاءٍ فَاضَ فِي أَلَقٍ
فَتِلْكَ تُونُسُ بَالأَحْرَارِ قَدْ عُتقَتْ
وَمِصْرُ تَخِْرُجُ مِنْ جُبٍّ يُحَاصِرُها
يَا أَيُّهَا المَدُّ والطُّوفانُ تَحْمِلُهُ
مُضَرَّجٌ بِدِماءِ الرَّفْضِ عَالَمُنَا
وَحِيْنَ يَقْضُونَ دُونَ الحَقِّ نَحْبَهُمُ
مِنْ قَلْبِهِ حَيْثُ سَهْمُ المَاءِ مُنْزَرِعُ
كَالرَّاهِبِ الكَهْلِ إِذْ ينتَابُهُ الوَجَعُ
وَضِفَّةٌ مِنْ دِمَاءِ النَّحْرِ تَمْتَقِعُ
مَحْنِيَّةَ الرُّوحِ.. مَسْعورٌ بِهَا الجَزَعُ
لِيَلْتَقِي مَنْ بِهِ الأَوْطانُ تَجْتَمِعُ
شَوَاطِئُ البَوْحِ والأزْمانُ تَسْتَمِعُ:
وَغَادَرُوني عَلَى الرَّمضاءِ أَضْطَجِعُ
إلا امتِدَادِيَ نَحْوَ اللهِ ما قَطَعُوا

أُولَى فَظَلَّتْ عَلَى التَّارِيخِ تَلْتَمِعُ
طَلْقُ الحَضَارَاتِ.. كَانَتْ تِلْكُمُ البُقَعُ
وأنتَ آخِرُ مَنْ يُعْنَى بِهِ الشَّبَعُ
عَنْ فِكْرَةٍ ضَمَّها فِي صَدْرِهِ الهَلَعُ
مرَّتْ بِضِيقٍ فَذَا مَعْناكَ يتَّسِعُ
مِنْ قَلْبِه أَنْهُرُ التَّرْتِيلِ تُقتلَعُ
مُلُوحَةُ الشَّوقِ أَصْلٌ مَا بِه بِدَعُ
عُشَّاقُ والمَوْتُ يَا مَوْلايَ مُصْطَنَعُ
يَعْدُو إِذَا فِي هَوَى “طْوِيْرِيْجِ” قَدْ هُرِعُوا

عَلَى الهَجِيرِ وِمِنْكَ القَلْبُ مُنْصَدِعُ
مِنْ دَمْعِ أُمِّيْ عَلَى الأعْضَاءِ يَنْخَلِعُ
فَلَسْتُ أَنْسَى رَضِيعِيْ وَهْوَ يَنْصَرِعُ
وَقَلْبُهُ فِيْ انْتِظَارِ المَاءِ مُنْدَلِعُ
لا تَقْتُلِ الطِّفْلَ.. إنَّ الحُزْنَ لا يَسَعُ!
بِسَوْطِهِ جَاءَ أَطْفَالِيْ إذا جَزَعُوا
فَوْقَ النَِّيَاقِ عَلَى الأَحْبَابِ تَفْتَجِعُ
أَكْمَامُ نَظْرَاتِها بِالزَّجْرِ تُنْتَزَعُ

فَالوَقْتُ ذِئْبٌ مُخِيفٌ وَالمَدَى سَبُعُ
رَصَاصُ خَيْبَاتِهِ فِيْ القَلْبِ يَنْدَفِعُ
فَطَارَدَتْنِيْ عَلَىْ أَبْوَابِهِ الخِدَعُ
لَدَيْكَ مِمَّنْ بِذَبْحِ الفَجْرِ قَدْ شَرَعُوا
ودَلْوُهُ فِي قُلُوْبِ النَّاسِ يَرْتَفِعُ
مِنْ سَطْوَةِ الظُّلْمِ ذَاكَ الأحْدَبُ البَشِعُ
لِتَرْتَقِي حَيْثُ سَفْكُ الحُلْمِ يَمْتَنِعُ
يَدُ الغُيُوبِ عَظِيمَاً لَيْسَ يَرْتَدِعُ
والثَّائِرُونَ ثِيَابَ البُؤْسِ قَدْ نَزَعُوا
تَرَاهُمُ فِيْ غَرَامِ المَجْدِ قَدْ وَقَعُوا

تَغْرِيْبَةُ العِشق

أغرى جَنوبٌ أو أَغارَ شَمـالُ؟ فلكربلاءَ تحمحـمُ الأوصـالُ
قُمْ وانظر الشّوق الذي بِدَواخِلـي أرأيتَ كَيفَ يُباغِتُ الزِّلْـزَالُ ؟
فلطَالَمـا أشْعَلتُهـا تَهْويمَــةً وكأنّ كُـلَّ طُقوسِهـا استِهْـلالُ
فإذا نَطَقْتُ تَذوبُ رُوحِي فِي فَمي وعَلى شِفاهي تَرْتمـي أَنْصَـالُ

سَنَةً على سَنَةٍ أُنـوْرِسُ لَهْفتـي وأنا الشَّرانقُ مَوْطِنـي أغْـلالُ
حَوْلاً عَلى حَوْلٍ أُتّرْجمُ صـبوتي فَتَضيقُ بي الأَوْصَافُ والأَحْوالُ
غَازَلتُ أُمْنيةً فَرَمَّضَهـا الأَسَـى وغَدا يذَعذعُ ريحَها الوِلْـوالُ

وتَعودُ لي في الأَرْبِعيـنَ قِيامَـةٌ مـن كُـلِّ فـجٍّ شائقٍ تَنْـثـالُ
جبريلُ أقبـلَ في البُـروجِ يزفّها وبَنَـاتُ نَعْـشٍ ساقَهـا مِيكـالُ
والشَّمْسُ هَرْولَتِ السَّماءُ بإثرِهـا لتَضيعَ مِـنْ حُسْبانِهـا الأَميَـالُ
وإرادَةُ الأرْضِ استَمالَت للجَـوَى إنَّ الجَـوَى فـي طبْعِـهِ ميّـالُ
للجَنةِ الحُبلَـى وسِـدْرةِ مُنْتَهـى فشعابُ طُوبَى حَبْـوةٌ وظِـلالُ

والعَاشِقونَ على الخُلودِ تَزَاحَـمُوا الصّلْـتُ والمَشَّـاءُ والخَـيَّـالُ
تَتَعَصْفرُ الضَّحِكاتُ وسْطَ نَشيجِهِمْ أَرَأَيتَ كيفَ يُكَرْكِـرُ الأطفـالُ؟
اللهُ طافَ عَلَى السُّهـوبِ أَمَامَهُم والأنْبِـــياءُ تَحـفُّهُـمْ والآلُ
والمُصْطَفى في المشْعرين صَلاتُه حتّى يؤذِّنَ للنَّـفير بِــلالُ :
“اللهُ أكبرُ” ،والعُطورُ تَراكَضَـتْ ومِن الضَّريـحِ تدفّـقَ الشَّـلاّلُ

وبِهيدَبِ الدَّمْعِ استرَاحتْ غَيْمَـةٌ ،العُشْـقُ مِـن سَلسَالِهـا سَيـَّالُ
نَكَفتْ بمنديلِ الوِصَالِ شجونَهـا وسطَ الفَراديـسِ التـي تَخْـتـالُ
والمُسْتحيـلُ تفتُّـهُ دَعَواتُـهـا لا يَستقيمُ مَـعَ الحُسيـنِ مُحَـالُ

الصَّابئون عَـلى شَريعةِ غَـفْلتي دَرجوا على حُكْمِ الرَّدى أو مَالوا
والرَّاحلون هوى الحسـينِ أجنَّهُم وأنا كَحَظِّـي صَخْـرةٌ مِعْطـالُ
كانُوا هُناكَ وكُنْتُ أَحْصِدُ شَقْوتي والشـعرُ أكثر خُبْـزِه أطلالُ

فإذا العُذوبَـةُ أنَهَـرَتْ شطآنهـا و السَّاحلون بقُربِهـا لا زَالـوا
وغَدَوتُ أهتفُ يا نَبيَّ صَبابتـي حتّامَ يكبـرُ للجَفَـافِ مِطَـالُ ؟
لم يبقَ في التَّقْويمِ رقـمٌ حَائِـرٌ إلا عَليْـه بَكى ورَقَّ الحَــالُ

تغريبةٌ للوَجْـدِ بيـنَ حرائقـي والشَّاهِـدان الفجْـرُ والآصَـالُ
مـا نقطـةٌ بمساحتـي قارَبْتُها إلا يجوسُ بصَدرِهـا الترْحَـالُ
فمتى ببُشراكَ القميصُ يعيدُ لـي بَصَري فأنتَ اليوسُفُ المِفْضالُ؟
ومتى قِطافُ الاصْطبارِ يَلوحُ لي فأنـا وكُـلُّ المُتعَبيـنَ سِـلالُ
عدني إذا مَلَكوتُ عُشْقك ضَمَّنـي ونَمَا على أَعْتابِـكَ الصِّلصـالُ
وأَتيْتُ يَخْتمرُ الأوارُ برَهْبـةِ (ﻤ) اللُّقيـا ورنّـحَ عُـودَه التِّمثـالُ
ولَبَسْتُ درعَ الصَّمتِ في تَغْريبتي (والصَّمْتُ في حَرمِ الجَمالِ جَمالُ )
عدْني أُسافرُ في هَواكَ مُحَـرَّرا عدْنـي بِـأنْ تتفتّـحَ الأَقْـفـالُ
وإذا انسكبتُ على يديك قـصيدةً عدنـي بــأنْ يتعنّبَ المــوّال!

عشقتك في الآفاق

عَشقتُكَ فِي الآفاقِ قُطباً ومِحورا
وصُغتكَ مِن دَمعِ المُحبينَ مَأتَماً
وعشتكُ آلاماً إذا ما نكأتُها
تَأوَّهَ قلبِي عند ذِكراكَ لَوعةً
ومدّتْ له الدنيا كفوفاً تبعثرتْ
مصائبُ يَسبِي أعينَ الدهرِ هَولُها
تسيلُ على خَدِّ الحياةِ مراجِلاً
أتيناكَ أفواجاً نَحجُّ لِمشعَرٍ
وطفنا بأشلاءِ الضحايا تَقودُهمْ
وجئناكَ من خلفِ الغيوبِ جحافلاً
ولكننا فِي رحلةِ الشوقِ خاننا الـ
نسجنا على ذكراكَ ألفَ حكايةٍ
حصرناكَ في دمعٍ تدفقَ سيلُه
رآك بِمحرابِ الدموع جنازةً
يُبالغُ فِي رسمِ التصاويرِ ظِنةً
ويَفتكُ بالتأريخِ فَتكَ مُزوِّرٍ
ولكننا في مشهدِ الطف عاصفاً
وجدناكَ نِبراساً يُزِيحُ ضياؤهُ
وجدناكَ فِي ليلِ الخُنوعِ مَشاعلاً
***
أيا أملَ الأحرارِ : تَمتدُّ أعصرٌ
ويا مُوقِظَ الجيلِ الجديدِ قذائفاً
ويا لُغةَ الثوارِ حِينَ تَخونُها
فتلقاكَ أستاذاً يَخطُّ يَراعُهُ
وتَبنِي على هامِ الزمانِ شَوامخاً
***
تَحدّثْ أبا الأحرارِ كيفَ بغابةٍ
وكيفَ تراءى الموت ما بين عينهِ
رأى صحبَهُ صَفاً يَسيرونَ للوغى
فثارَتْ بهِ من هاشمٍ عَبقَريةٌ
وخيبرُ تبدو من طيوفٍ بعيدةٍ
تكالبتْ الأعدا عليكَ فَهالَها
فأنتَ وصمصَامُ المنيةِ تَوأَمٌ
إلى أنْ أصَابَتكَ المنونُ بسهمِها الـ
لكَ اللهُ مَذبوحاً يَئِنُ منَ الظما
تَجولُ عليهِ الخيلُ عَدوَاً ، فَصَدرُهُ
سَلامٌ على جِسمٍ عَفِيرٍ بِقَتلِهِ
سلامٌ على رأسِ الحُسينِ على القنا
فو اللهِ لَو يبكيكَ بَحرُ دموعِنا

فأوقدْ لِي الأيامَ بالحزنِ مِجمرا
رقيتُ بهِ فوقَ المجرة مِنبرا
أتيتُ المنايا هازئا مُتبخترا
فكادَ من الآهاتِ أنْ يتفطرا
عَلى رَاحةِ التاريخِ وُسطى وخُنصرا
فترجو بأنَهارِ الدُّموعِ التَحرُرا
فتحفر فِي وادي المحاجر أنْهرا
أقمتَ به قلبَ الموالينَ مَشعَرا
إلى المجد والعلياءِ نصراً مُؤزرا
نَمدُّ لك الأشواقَ جِسراً ومَعبرا
ـمسيرُ المُدمَّى فامتطيناهُ قَهقَرى
وخِطنا بِها حولَ الأساطيرِ مِئزرا
بثغرِ خَطيبٍ ينفُثُ الدمعَ أحمرا
على نَهرِها المَكلومِ صلى وكبرا
بأنْ نَتلقى السبطَ رَسماً مُصوَّرا
فلا نُبصرُ التأريخَ إلا مُزوَّرا
وجدناكَ من كُلِّ الأحاديثِ أكبرا
ظلامَ عقولٍ لمَ يزلْ مُتجذرا
تُمدُّ لتَهدِي تائهاً مُتحيّرا
***
وثورتُكَ الحَمراءُ تَمتَدُّ أعصُرَا
إذا في ظلامِ البَغي حَاصرها الكرى
معاجِمُها فِي حَومَةِ الثأرِ مَصدَرا
لها الدربَ لَحْباً إنْ تكفأَ فِي السُرى
هي النورُ والعَلياءُ والمجدُ للورى
***
بِها الليثُ غَضباناً على الأُسدِ زَمجَرا
زُؤاماً ، وللموتِ المحُاصرِ شَمَّرا
عُجالَى ، وداعي الموت فِي الأُفقِ كَبَّرا
أعادَتْ إلى الأذهانِ فِي الحَربِ حَيدَرا
وحيدرةٌ يَدحو بِها بَابَ خَيبرا
ثباتُكَ فِكرَاً واضِحَ النهجِ نَيِّرا
تَحَدَّرَ مَبهُورَاً وَحلّقتَ مُبهِرَا
ـمُثلَّثِ لَمْ يُخطِىءْ لقَلبكَ مَعبَرا
وفِي قلبِهِ نَهرٌ منَ الدمِ فُجّرا
وقد – كانَ مِحرابَ النبوةِ – كُسّرا
فؤادُ علي لوعةً قد تَعفّرا
سلامٌ على جِسمِ الحُسينِ على الثرى
لَمَا كانَ وَفَّاكَ النَّجِيعَ الذي جَرى

كربلاء .. سدرة العز

تَمرُّ بيَ الذكرى فأستلهمُ الذكرى

صلاةً تعيدُ الفجرَ في أفقهِ فجْرَا

وآتيكَ من أقصى ابتهالاتـيَ التي

أهالتْ عليكَ الشوقَ هائمةً سَكْرَى

وأدخلُ محرابَ الفجيعةِ علّني

أقوّمُها وزناً وأجبرُها كَسْرَا

تضوّي سماءَ الجرحِ روحي فأنحني

لأشبعَهُ لثماً وأسبرَهُ غَوْرَا

وتضْوي ليالـي ( الأربعينَ ) مواجعي

وترجعُ ، لم تطفئْ ( لياليّكَ العشْرَا )

وألقاكَ حيثُ القلبُ عانقَ ( سهمَهُ )

فأورَقَتِ الأحلامُ من نزفهِ زهْرَا

كقلبكَ ( يومَ الطفِّ ) قدّمتُ خافقي

إلى مذبحِ الآلامِ يوسعُهُ نحْرَا

وما غيرُ قلبي صغتُ محبرةً ومَا

سوى نبضهِ المحزونِ أنزفُه حِبْرَا

هُوَ الحزنُ لـمْ أنظمْهُ إلاّ مشعّباً

بثلثينِ من قلبي ولم ينتظمْ شعْرَا

{ { {
فخُذني ( أبا السجَّادِ ) خُذني حمامةً

تلهّتْ بِها ريحٌ فلاقتْ بكَ الوكْرَا

وأشرعْ أمامي نهرَ عزٍّ فلم تزلْ

مجردةً ، روحي لكي تعبُرَ النهْرَا

ـ 2 ـ

وهاكَ استلمني بينَ كفيكَ طينةً

منَ الحمأ المسنونِ ، كي أغتدي درّا

وهَبني منَ المصباحِ لمحَ فتيلةٍ

يرافقُني درباً ويرشدُني مسْرَى

و (هيهاتَ منّا الذلَّ ) أطلقتَها فما

سقتْ فـي دمي نبضاً ولـم ينطلقْ حُرَّا

وحسبي إذَا ما متُّ في الحبِّ أنّني

أضيفُ إلى عمري ـ كما أشتهي ـ عُمْرَا

وأذكرُ أنّي حينَ أوقفَني أبي

على جرحكَ استوطنتُ محرقتي الكُبْرَى

وقفتُ ولكنْ أوهَنَ الحزنُ كاهلي

فمرّتْ بـيَ الأيامُ محدودباً ظهْرَا

قد استوطنتْ روحي أعاصيرُ وحشةٍ

ورجفةُ ريحٍ تنفثُّ الهمّ والقهْرَا

وكانتْ خيوطُ الوعيِ تفلتُ من يدي

فليسَ سوى قلبي وأسئلةٍ حيْرَى

تُرى هل ستكفيكَ السواعدُ ضمةً

وقد جئتَ لا رأسا حملتَ ولا صدْرَا ؟!!

فيا مُـجريَ الوجدانِ فـي روحِ أمةٍ

بِها انسدَّ مجرَى الضوءِ فاستُنـزفَ المجْرَى

أمطْ عنْ مُحيّا ( كربلاءٍ ) لثامَهُ

ودعْ صورةَ الأمجادِ مكشوفةً سِتْرَا

هيَ سِدرةُ العزِّ التي انغرستْ فلَمْ

يسَعها الردى يوماً ولـم يرتفعْ قدَْرَا

فقدّمْ ـ كما تهوى ـ روائعَكَ التي

تآختْ معَ الدُّنيا وصادَقتِ الدّهْرَا

وعلّقْ مصابيحَ الكرامةِ ، علّها

إذَا ذلّتِ الأجيالُ أن تفهمَ السرّا

ـ 3 ـ

ويحيا بِها ( العبّاسُ ) إذْ حلّقَتْ به

سجاياهُ ، لا يُمنىً ترفُّ ولا يُسرَى

و( زينبُ ) إذ أهوتْ على نبتِ حاقدٍ

تفتُّ بهِ عضْداً وتهوي بهِ قَبْرَا

روائعُ منذُ ( الطفِّ ) شقّتْ قماطها

إلى الآنَ لـمْ تبرحْ محامدُها تتْرَى

هيَ اللوحةُ الأسْمَى التي صاغَهَا دمٌ

فأوحتْ إلى الأذهانِ من نبضِهَا فكْرَا

وها إنّني من ألفِ نارٍ تسومُني

حنيناً ، إلى لقياكَ أستبطنُ الجمْرَا

تَمزّقتِ الأكفانُ عنّي وها أنَا

نَهَضْتُ إلى ذكراكَ منقلِباً حشْرَا

وجئتُكَ فـي مليونِ سطرٍ ، مولَّعاً

أخطُّ هنَا سطراً وأمحو هُنا سَطْرَا

إلى أنْ نسيتُ فوقَ زنديكَ خافقي

ليقضي على زنديكَ من لهفتي وطْرَا

وينمُو على مرّ المدَى ياسمينةً

تهرّبُ للأجيالِ من نفحِها عطْرَا

وتروي حكاياتِ الإباءِ زكيّةً

تخلّدُ معنَى الحبِّ في خاطري ذِكْرَا

وحُلْمي : تكفُّ الريحُ عن كلّ صرخةٍ

على شرفةِ الأيتامِ ، تملؤهُمْ ذُعْرَا

وترجعُ للأعشاشِ أطيارُهَا التي

تناءَى بِها الترحالُ فاستوحشَتْ هَجْرَا

{ { {

موجةٌ من سُلالة(لا)

حسبي من الكلماتِ الحُمْرِ مقتطفُ

أدغمْتُ عَبْرَهُمَا روحي مُصاهَرَة

وقلتُ : يا نارُ كوني الآن قنطرَةً

قد ترتمي أحرفُ الدُّنيا مُعَوَّقَةً

يا شذرةً من قواميسِ النِّضالِ زَهَتْ

هِيَ اشتعالُ زفيرٍ , وامتدادُ رؤى

سحابةٌ تحملُ التاريخَ في دَمِهَا

من الأذانِ أطلَّتْ من قداستِها

تلاحَمْتْ صُورٌ شتَّى لهيبتِهَا

كانتْ على شكلِ فأسٍ حينما انهمرتْ

والفلسفاتُ أحاطتْهَا بأعينِها

وعندما احتضنتْ ثغرَ الحسينِ غَدَتْ

ما قالها فيضَ أهواءٍ مبعثرةٍ

الرفضُ أحفورةٌ في بطنِ أزمنةٍ

والرفضُ زلزلةٌ محَشْوةٌ فزعًا

ما اخترتُ إلاكَ يامولايَ مُنْعَرَجًا

مَزَّقْتُ أوراقَ تقويمِ الخريفِ لكي

لا أقبلُ الوَقْتَ ساعاتٍ محنطةً

يحلو المسيرُ إليكَ , القلبُ بوصلتي

وأنتَ ذاتي .. مسافاتي مُعَبَّاةٌ

يا أيُّها الوَتَرُ المرُْخَى على هُدُبي

جسمي وثوريّةُ الإيقاعِ مُتَّحِدٌ

خلقتُ أبيضَ , والنسرينُ مُعْتَقَدِي

والطفُّ مائيَّةُ الأسرارِ , يا عجبًا

يا مَنْ تزيَّا بأقداسٍ مُطَرَّزَةٍ

هذي النخيلُ التي في جوفنا انغرستْ

والبحرُ ينحازُ للثٌّوارِ مُنتفضًا

ما يومُك الملتظي يومًا نكابدُهُ

بل نقطةُ البدءِ تكوينًا وبسملةً

ننمو مع الطفِّ أعراقًا مُشَجَّرَةً

ميلادُنا حيثما تنهلُّ صاعقةٌ

حتى إذا ما احتوانا حضنُ مَدْرَسَةٍ
حرفانِ في كربـ (لا)ءَ : اللامُ والأَلِفُ

حتَّى تماهى بذاتِ الجمرةِ التَلَفُ

إلى السماءِ التي يفتضُّها الشَّرفُ

لكنَّ (لا) بشموخٍ واثقٍ تَقِفُ

وخيرَ ما أجَّجَتْهَا الألسنُ / الصُّحُفُ

مازالَ منها صدى الأحرارِ يغترفُ

طافتْ بأسرارِ من ضَحُّوا وَمَنْ نَزَفُوا

شهادةً برؤى التوحيدِ تعترفُ

أيقونةٌ عن طيوفِ الكونِ تختلفُ

أيدي النَّبيينَ , والأوثانُ تنكسِفُ

كأنَّها لؤلؤٌ قدْ ضمَّهُ صَدَفُ

حقيقةً في مُصَلَّى الفِكْرِ تعتكفُ

بل خطَّهَا فكرةً تسمو بها الغُرَفُ

من ذا يرى بُعْدَهَا النائي ويكتشفُ ..؟

فالصَّولجانُ معَ التيجانِ يرتجف

حتَّى تبسَّمَ لي في أفقِهِ الهَدَفُ

أراكَ خلفَ المدى .. تزهو وتزدَلِفُ

ولنْ أراكَ إذا لم تخْشَعِ السُّقُفُ

وملءُ زوَّادَتي الأشواقُ والشَّغَفُ

بالمستحيلِ , وبالآلامِ تنرصِفُ

لحنْتُ رؤياكَ حيثُ النُّورُ ينعزفُ

وجهي بسيماءِ طينِ النَّارِ يتَّصِفُ

لكنَّ بي غيمةٌ سوداءُ تلتحِفُ

سيَّان أظمأ في الذِّكرى وأرتشفُ

سِحْرًا توحَّدَ فيكَ الطَرْفُ والطَّرَفُ

تسمو إليكَ , وها جنحانها / السَّعَفُ

مدًا إلى جهةِ الأحداثِ ينعطفُ

ريحًا تهبُّ علينا ثمَّ ننجرفُ

كأنَّنا الآنَ في تاريخنا نُطَفُ

مَهْمَا اختلفنا فبالأشجان ِنأتلفُ

وأينما ترتمي الأهوالُ والكِسَفُ

ننسى الحروفَ , وتبقى اللامُ والألفُ

على ضفةِ الجرح

 

أرق فـطببني وهبنـــي بلســــمكْ

ضوءا من الحب الذي آخى دمكْ

 

وافتح على مدن الجــــراح نوافذا

لنرى على مسرى القداسة معلمكْ

 

هبني فكــم حلم تشرد في الهوى

من سرب أشواق يطارح مأتمكْ

 

ويجيء يبتكرُ البكـــاء إلى الجفا

قلباً وعى سُقيا الخلود..فأعظمك ْ

 

تـــربو على ذكــــراكَ آيُ مدامع

هطلت لتوحي للعطاشى زمزمكْ

 

وجرار نهر لم تزل تشكو الظما

فمـــــلأتها .. ذاتَ الوفاء تكلمكْ

 

وفتحت من قـُـرَبِ الفداء عوالماً

يخضــــرُ فيها كل جرحٍ أُلهِمكْ

 

في كــل جرح قربة مملؤة بالله

يـــورق مـــــن نداها ما انهمكْ

 

وأراك نهر البذل تفترش السما

حلمــــا و ليل المتعبين توسمكْ

 

فحشدت ماء الضوء تملء غيمة

أمطـــرت منها للحيارى أنجمكْ

 

 

وسكـــنت مخضلا بكــــل تدفقٍ

في مهجة الإرواء تبعث بلسمكْ

 

من يا تراك .. نبي ماءٍ خالدٍ

ظامٍ ويرتشفُ الزمانُ تبسمكْ؟

 

***

تسلو ويفترع الفــرات ضفـافه

مــــن كــــل فجِ للسقاية يممكْ

 

وأدار بوصلـــة الـدلاء لـقِبلةٍ

أثثتها عـــزا يحـــيطُ مخيمكْ

 

نبعا سمــاويا .. ملامح طفلة

فيه .. يرشف للوجود تألمكْ

 

من فرط ما حنت إليك سكينة

دققت في نقش الربيع محرمكْ

 

ورسمت وعدا في الأثير مخرقا

بسهامِ عـــذرٍ قــــد أثرن تكتمكْ

 

آنست صمتا يا انسكاب الحلم يا

وجع الحسين اللايبارح موسمكْ

 

مذ قال ” هل من ناصر” لم يستفق

صوت إليك .. وطن الخجالة لملمكْ

 

….

 

مذ كنت طفلا كنت تسرج موتك الـ

مــوعــود تمـــلأ للحسين تقـــدمــكْ

 

وكبـــرتَ فــي عمــر المعالي قامة

عبر الخلود بهـــا وللعـليا سَـــمَكْ

 

قد كنت تحرث في الضمير شهادة

أشهـــى من العشق الذي قد تيمكْ

 

فـ كمال عشـــق الـوالهين فناؤهم

ولكـــم تفانى العشق فيك وتوأمَكْ

 

تتقاسم الجرح المسمى بالحســيـ

ـــن وكنت تمنح للشهادة عندمكْ

 

الطف لا ماء سواك به ارتوت

كبد المروءة .. والوفاء تعلمـكْ

 

كان الزمان يعيش زيفاً حالكاً

والله من نور القداسة أضرمكْ

 

فصنعت للبؤساء معبر فجرهم

أوقدت شمسا ذات صبح تمتمكْ

 

وغرست فينا نور عزمك إرثنا

متجذراً .. عجز الفنا أن يختمكْ

 

عباس شيء لا كـــشيء زائــل

أنَى لصلصال الفنا أن يفهمـــكْ

 

لــم يفهم الطــف الــذي ظن البقا

جسداً .. وقــد تاه الـذي قد جسّمَك

 

تجليات ورؤى

   

إسكان سلماباد

 

أَتَى مِنْ أقاصي الغُيوبِ يُدَلّلُ في كَفّهِ الأُمْنياتْ

أَطَلَّ ربيعاً
يسافِرُ في زَحَمَةِ الذّكْرياتِ
و تَقْفو خُطاهُ الهَواجِسُ تَبْحَثُ عَنْ ما تَبَقَّى مِنَ الأُغْنِياتْ
يُطَيّرُ سِرْبَ الحَمامِ الأخيرْ
و يَعْزِفُ لحَناً عَلى جُرِحِهِ .. و يَفْتَحُ لِلِشَّمْسِ أَبْوابَهُ
و يَغْرُسُ في غَيْمَتينِ العَبيرْ ..!
يُهاجِرُ مِنْ وَحْشَةِ الصَّمْتِ / غُرْبَةِ مَوْتٍ
إلى أُخْرَياتِ الكَلامْ
و يَتْرِكُ أَسْماءَهُ في المَهَبّ
مُأَرْجَحَةً تَسْتَفِزُّ الظَّلامْ ..!
و يَرْحَلُ يَرْحَلُ و البِدْءُ آخِرَةُ الخاتِماتْ ..!

هُنالِكَ
حَيْثُ السُّؤالاتُ تَطْفو و تَغْرَقُ
عِنْدَ انبلاجِ الرُّؤى
نَأى عَنْ عُيونِ المَسافاتِ ، خَيَّمَ خَلْفَ شِتاءِ اللَّيالي
و عَنْهُ التِماسُ الشَّذى ما نأى

رَبيعِيَّةٌ تِلْكَ أَحْلامُهُ
مُبَلَّلةً بِخَفِيّاتِهِ المُلْهِماتْ ..!

يُفَتّشُ حَتَّى المَرايا لَعلَّ الوجوهَ تُخَبّئُها الأقْنِعَهْ
و تُخفي السَّوادَ فتِلْكَ بِها طالَما قَدْ
تَشابَهَتِ الصُّورُ الباهِتاتْ

و صُورَتُهُ خلَّدتْها السُّنونْ
و قَدْ باركَتْها السَّماءْ
فما كانَ مِنْهُ فلا لَنْ يَكونْ
يُرَتّبُ أَقْدارَهُ كَيْفَ شاءْ ..!
و يَسْبِقُ ريحَ الظُّنونْ
يُعيرُ المسافاتِ مِنْ روحِهِ ما يُجَدّدُ رَسْمَ لِقاءٍ مَضى
و ما فاتَ يُدْرِكُهُ مِثْلَما يُدْرِكَ اللَّوْحُ نَزْفَ الدَّواةْ

لَديْهِ مِنَ الصَّبْرِ ما يَزِنُ الكَوْنَ ..
قَلْبٌ مساحاتُهُ باتّساعِ الهوى
و فيهِ انْطَوى ما انْطوى
يُضيءُ الشُّكوكَ إذا اظْلَمَّ في أُفْقِهِ المُسْتَحيلُ و خابَتْ بِهِ المُمْكِناتْ
يُصَلّي و يَنْفَرِشُ الشَّفَقُ المُسْتهامُ عَلى نارِ شَوْقِ انْتظارْ
و مِنْ حَوْلِهِ لِلْمنايا عُيونٌ ..
تُحَدّقُ فيهِ كَما يَسْرِقُ اللَّيْلُ وَجْهَ النَّهارْ
يَؤمُّ ” الحُسَيْنُ ” بُدوراً سَتُخْسَفُ ..
يُثْقِلُهُ الوَجْدُ و الدَّمْعُ لَيْسَ انْكِسارْ
فبَعْضُ الدُّموعِ انْتِصارْ ..!

أقامَ على ضِفْتيْ عِزَّةٍ و ماءُ الحَقيقَةِ نَهْرٌ / فُراتْ
و قَطْراتُهُ اسْتَسْقَتِ الصّدْقَ مِنْ كَفّ ذاكَ المُضَّرْجِ بالكِبْرياءْ
بِرُغْمِ الجِراحْ ..!
تَنَهَّدَ ” عَبَّاسُ ” ما ذاقَ عَذْباً و إيثارُهُ فاقَ حَدَّ اليَقينْ
و أَفْكارُهُ انْشَغَلَتْ ” بالحُسين ”
على ما بِهِ مِنْ ظَما
سَما يَقْرَأُ المَوْتَ ما هَمَّهُ المَوْتُ لَمَّا سَما
تَسيلُ دِماهُ
على الرَّمْلِ يَغْسُلُهُ مِنْ عَذابِ الذُّنوبِ
و مِنْ ما سَيُوْلَدُ مِنْ لَعَناتْ

حَوَتْهُ القُلوبُ ، حَوَتْهُ العُيونُ ، حَوَتْهُ الجِراحاتُ دونَ السُّيوفْ
و أَدْرَكَهُ أَجلُهْ
و لَكنَّهُ خالِدٌ ما احْتَوَتْهُ الحُتوفْ
دِماؤهُ ، روحُهُ ، نَحْرُهُ .. صارَتَ لَهُ رُسُلُهْ ..!
و ظَلَّ و ما ضَلَّ مِثلَ الَّذي حاربوهُ ” بعاشِرِ ” يَوْمِ الطُّفوفْ
يَدُكُّ الرّماحَ و تَنْفَلُّ في غِمْدِ صَدْرٍ و ما فَلَّ عَزَمَ الحَديدِ
سِواهُ الحَديدْ
إذا ” بسمهِ اللهُ ” ثَبَّتَ أَقْدامَهُ و اسْتوى في عُرى الرَّاسِيات

عَلى صَهْوَةِ النَّصْرِ غارَ و راياتُهُ ثَوْرَةٌ وَحْيُها مِنْ بَياضِ السَّلامْ
و إيمانُهُ في يَدَيْهِ إذا ضَربَتْ
تَشَكَّل إيمانُهُ و اليَقينُ بِحَدّ الحُسامْ
فَمَدَّهُ رَبُّهُ كَشْفَ الغُيوبِ و ما هُوَ آتْ
يَشِقُّ الطَّريقَ و ما عاقَهُ أَنَّ مَدَّ الصَّحارى سَرابْ
و ما اشْتَدَّ فيهِ العَذابُ لِفُرْطِ العَذابْ
فَكَمْ كانَ في حَلَكِ الإحْتِضارِ
و يشْمَخُ يَشْمخُ مُسْتَرْسِلاً في ابْتِعاثِ الأملْ
و للْأُمْنِياتِ بَريقٌ و للعِطْرِ مِنْهُ انْسِكابْ
عَلَيْهِ الصَّلاةْ

 

تَجَلّياتٌ و رؤى

وقفةٌ مع الحسين

 

 

 

خبّـأ َ الليل ُ في ثناياه ُ صَدحكْ

فَتـَنَفَّسْتَ – ساعةَ الموتِ – صُبحَكْ

 

حملتْكَ السَّماءُ ديمةَ خير ٍ

لعيون ٍ -إنْ جٌعْنَ – يـَقطفْنَ لَمحَكْ

 

لفنّـا الجدبُ فالمسافاتُ شوك ٌ

– مــرَّ ما مـرَّ – وهي تندبُ قَمحَكْ

 

مـرَّ ليلٌ من العويل ِ طويلٌ

باتَ وسنانَ وهو يرقبُ فَتحَكْ

 

جبَلٌ أنتَ كـلَّـلَــتْكَ سمانا

بانحناآتها ولم ْ تـَعْـدُ سَفحكْ

 

قِمــَّة ٌ أنتَ والجميع ُ حضيض ٌ

ولهذا حفرتَ بالرأسِ رُمحَكْ

 

جئتُ منّي اليكَ أحمل ُ قلبا ً

بُلبلاً تائِهاً وأبصرَ دَوْحَكْ

 

أتلـوَّى ماء ًلتشربَ منّي

عَلــّها أنْ تمّسَ روحيَ روحكْ

 

عَطشٌ أنتَ كلُ جِسمِكَ مِلح ٌ

وأنا الآن َ جئت أحصدُ مِلحَكْ

 

لا تبُحْ بالظما لأنــّكَ ماءٌ

أنا أخشى ان تُسمِعَ الكون َ بوحَكْ

 

وَحدكَ الآن َ لا صديقٌ مُعينٌ

لا عدوٌّ ناجٍ فيطلب ُ صُلحَكْ

 

وحدكَ الآنَ أنتَ للكون ِ قُطبٌ

دارَ –ويحاً – وأنت قد قلتَ “ويحَكْ”

 

جئتُ وحدي – أيضاً -ولكنَّ أوجاعي

ذنوبٌ وتلك َ تنطرُ صَفحَكْ

 

جئتُ أبكي ولا تَلُمْ ضِحْكَ وجهي

إنّني لإحتشادِ حُزني أضحَكْ

 

جئتُ أبكي وغادرت ْ عُشبَ روحي

لُغتي إنّها ستحصِدُ فَرحَكْ

 

قبلَ أنْ يبتدي الكلامُ انتهينا

قَرحُها الناسُ ليس َ يشبهُ قرحكْ

 

شفتايَ المحمرّتانِ … حُسينٌ

وإنتحابي-يا أنتَ -يعشقُ نوحَكْ

 

يا رسولَ البقاءِ علــِّمْ جِراحي

تتهجّى .. علّي أُصافِحُ رُمحَكْ

 

ها وإنْ جاعَ جُرحُكَ المتدلي

ما الذي يا –أنا – ستُطعِمُ جُرحَكْ

 

هلْ سمعتَ الأنينَ يمتدّ ُ في الأُفقِِ

دِماءً حتى يوشِّـحَ صَرحَكَ

 

ألإنَ العراقَ دَمعُكَ يجري

قرّروا للنضوبِ – يا سِبطُ – مَنحَكْ

 

ألإنَّ العراقَ صارَ رِماحاً

لكَ راموا بغير كُنهِكَ فضحَكْ

 

خِسئوا..أنت َ بإمتدادِكَ سيفٌ

تتحدّى رُغمَ المريدينَ قَدحَكْ

 

أحرُفي كُلُّها أمامك َ خَجلى

فهي جوفاءُ ليسَ تبلغُ شَرحَكْ

 

كانَ مدحي إنّــي ذكرتُكَ حيّاً

إنما أنتَ كانَ موتُكَ مَدحكْ

 

 

 

صبواتٌ في مدرسة العشق !

 

لا تقولي هـذه اللجّـةُ مـاءْ

كلّنا في لغـةِ الوصـلِ دِمـاءْ

شرَّب الوجـدُ خلايـاهُ بنـا

فتدلَّينـا مـجـرّات ضـيـاءْ

وطفقْنا نخصـفُ العمـر منى

قاب جرحين و أهداب فــداء

و بـدت أيقونـةٌ تصهـرُنـا

وعلى الجمـرِ تَنَاثَرْنـا حُـداء

واشرأبَّـت نحوهـا أكبادُنـا

أيُّ جدبٍ ليس تروي كربلاء ؟

منذ أن سافرتُ في أحضانِهـا

أوثقتنـي فنسيـتُ الخلصـاء

وتكـوّرتُ علـى أعتابِـهـا

جرَسَا يلهجُ صبحـا ومسـاء

وانحنى البرعمُ في صدري على

حبّةِ الضوء يغنِّي مـا يشـاءْ

و شذى الأفواف من ريحانهـا

بَلْوَرَ الدمعـةَ زهـراً و لحـاء

و ثراهـا بفراديــس النهى

عَلَق العـزّة يهـوي للسمـاء

كلُّ شعرٍ مـا عداهـا مالـحٌ

كل رجعٍ دونها محـضُ زقـاء

و أنا بين يـديها فــضّة

ذرفتني من أديم الكبريـــاء

ورضعتُ الصبرَ مـن باحتِهـا

و تناسلْـتُ عناقيـد إبــاءْ

و رضابُ المسك من قدّاسهـا

عمّدتنـي بسلافـات الـولاء

بنجيع السبـطِ يمّمـتُ دمـي

وتوضّـأتُ بعطـر الشهـداء

وإذا فـاض نُهيـري خجـلا

و بدا يقطر من جوف الحيـاء

فجنيـنُ النظـم فـي بذرتـه

نهْنَهَ العشـقَ بليـل البرحـاء

و حسينٌ قال :”هل من ناصرٍ؟”

فتزمّلــتُ بدرع الشعـراء

ودلقتُ الحبـر مـن صهبائـها

واللّمى تجهلُ صهبـاءَ الغـواء

عتّقتهـا لـثغـةٌ فاضـحـةٌ

تسكب اللهفةَ من حاء و بـاء

فإذا الكـونُ بيـاضٌ فـادحٌ

وإذا اللحظـةُ إزميـلُ صفـاء

سـرُّ طـوفـانٍ بكينونـتـه

جذبَ النّهْدةَ من قلب الـرواء

و أنـا بوصلـةٌ مـشـدودةٌ

بين دمـعٍ و عنـاقٍ و رجـاء

شمسُ عبـاسٍ علـى أَرْوِقَتـي

مَا أُحَيْلاني بذاك الاصطـلاء !

أصطلي فيها وشوقي ينطفي

أوَ ليسَ القلبُ من نارٍ وماء ؟!

كلّمـا تجذبُـنـي تجفلـنـي

بصهيل السُّكر بعد الانتشـاء

عانقَتنـي عانقـت أوردتــي

وانثنى الشوقُ ميازيـبَ بُكـاء

 

تهجَّيتُ أسماء الحسين

فلتبحثوا عنه في المخبوء من ذاتي
كل المعاني وماجت أبجدياتي
سيفا ورمحا على توقيت مأساتي
فكان ملء دلائي فيض دمعاتي
بقدر ماانتفضت روح الرسالات
لا تنتهي حرب أقلامي وممحاتي
من أين أبدأ في سرد العذابات؟؟
تألم الكونُ من تيارها العاتي
إلا تأثر كرسي السماوات
شق الزمان فأضحى نهر آهات
أشعة النور عن جسم الثريات
رأس الوجود به يطوي المسافات
نجما تغرب عن ذات المجرات
بسجدة الذكر في محراب إنصاتي
طف الإباء حنانا ياخيالاتي
لكن دهري سهم شق نبضاتي
من ذا يراه ولم يخنق بزفرات
قرآن ربي على قدر الملمات
دمع الكتابين : إنجيل وتوراة
جاؤوا من الخلد من خلف الغيوبات
يا وحدة الكون في طيف المواساة
روحا شفافية بين الزجاجات
حتى تربيت في أتون ثورات
صدر البيوتات في أسمى الشعارات
وقفته كل أيامي وأوقاتي
تدل قلبي إلى كون القداسات
في وجه طاغية ضد الغوايات
من الحسين تعلمت اعتراضاتي
وصورة تتراءى وسط مرآتي
ونسمة الفجر في مغنى مناجاتي
إلا وتنبئ بالمستقبل الآتي
وعلمها يتسامى بالنبؤات
إن الحسين سيأتي في المساءات
ولتقبسوا من سناه نور مشكاة
متى نثور على ريح الضلالات
ما لم يقله لنا ثغر الروايات

10/1/1430هـ

ضيعتُ مطلعً شعري بين أناتي
ماذا أحبِّرُ؟ لاأدري .. قد التطمت
فساعة الطف قد درات عقاربها
وقفت مستسقيا من بئر ذاكرتي
حزنا نبيلا على من روحة انتفضت
مازلت أكتب/أمحو باضطراب دمي
وكان وجه سؤالي غائما قلقا
وكل صاعقة في الطف نازلة
فماارتمي الحجرالطاغوت منتهكا
والسهم حين طغى في كفره نزقا
والسيف حين انتشى في غيه انفصلت
وانظر إلى الرمح في ترحاله سترى
لهفي على الخنصر المبتور حين بدا
قد خر سمعي لهذي الحادثات أسى
ولو أتيح لقلبي أن يناضل في
لكان قربة ماء للظماة ندى
يامشهدا بعظيم الوجد مكتنزا
قد جاءت الصحف الأولى معزية
وفاض من منتهى حزنيهما نهرا
والأنبياء بصف الأولياء معا
يبكون أفضل من ثارت له حمم
هنا الحسين تجلى في مخيلتي
وقد سقتني حليب الطف والدتي
وكم تهجيت أسماء الحسين على
حتى إذا اختبرتني مغريات دمي
بايعته العشق مذ شاهدت بوصلتي
يمناي ترفع (لا) حرفين من لهب
حسبي بـ(هيهات) من عينيّ اطلقها
أحسه وهجا في روح مدفأتي
هوالشكاية في صحراء مصطرخي
ما إن تطل علينا كربلا شفقا
فعندها من بنات الغيب سرب رؤى
قالت لنا ذات نار في ظهيرتنا :
فلتفتحوا لهواه ألف نافذة
يأتي يوزع تقويم الجهاد لنا
فالطف لم تختتم .. مازال في دمها