المركز السادس: ناصر زين (عروج بجناح فطرس)

المركز السادس:

عروج بجناح فطرس

ناصر زين (البحرين)


ها هُوَ (عَتِيقُ الحُسينِ) يُحلَّقُ بجَناحٍ سَماويٍ نحوَ لَوحةِ المَلَكُوت، حاملاً لَونيَ الأرضي، حيثُ السّبطُ يُولدُ مِنْ جَديدٍ قُرآنًا مَذبُوحًا بطُفوفِ العُرُوج

____________

يَمْنحُ الرِّيحَ وَجْهَها ..

لِيَطِيرا

يَحملُ الرَّأسَ (جَنَّةً وحَرِيرا)

يَحضنُ النَّزفَ لَوْحةً،

وخِيَامٌ لَوَّنَتْ بالشُّمُوخِ هَذا المَصِيْرا

لائذًا لائذًا بوَردٍ رَسُولٍ  ..

وخُيْولُ الرَّدى تَدُوسُ العُطُورا

أَنْبأَ الخَيْلَ  .. :

« أَنَّ وَحيًا سَيَأتِيْ بجُسُومٍ سَتَسْتَحِيلُ غَدِيرا »

يَقرأُ الرَّمْلَ بَسْمَلاتٍ،

ورَبٌّ يُنزِلُ النَّحرَ أَنْبيَاءً

ونُوْرا

هَيَّأَ (الطَّفَّ) جِبْرَئيلٌ لِيومٍ

يُولَدُ السِّبطُ مُصْحَفًا

و(زَبُوْرا)

والتِّلاوَاتُ (فُطْرُسٌ) ..

وبُكاءٌ

بخُطَى (زَينَبٍ) يَجدُّ المَسِيْرا

حَيثُ رَكبُ الحُسينِ يَمْشِيْ

فَتَمْشِيْ خَلْفهُ الأَرضُ

أَنْهُرًا..

وبُحُورا

(مَكَّةٌ) غَيْمَةٌ

سَتَخْطُو بدَمْعِ اللَّهِ

فِيْ خَطْوِهِ تَرُشُّ الهَجِيْرا

المَنايا تَسِيرُ خَلْفَ المَرَايا  ..

والمَرَايا تَفِيضُ ضَوءًا أَسِيرا

لمْ يَكنْ في القِفَارِ إِلا حَكايَا المَاءِ

تِروِيْ بهِ الِكتَابَ العَفِيرا :

 -أينَ أينَ الحُسَينُ؟!

 *بَعثٌ جَدِيدٌ !!

 -والجِراحَاتُ؟!

 *سَوفَ تُبديْ النُّشُورا

في يَدِ الغَيْبِ (أحمدٌ) قد تَجلَّى لحُسينٍ

جَنائنًا وقُصُوْرا

قَبَّلَ العَرشُ نَحرَهُ مَلكُوْتًا ..

حَيثُ ضَمَّ الإِلَهُ (طِفلاً صَغِيْرا)

« سَوفُ آتِيهِ في جَناحِ المَنَافيْ   «

قَالَ للرِّيْحِ ..

ثُمَّ شَقَّ الدُّهُورا

 – فُطْرُسٌ:

كربلاءُ .. أينَ الهَدَايا؟!

 * الحُسينُ:

دَمٌ يَفتُّ الصُّخُورا   !!

 – فُطْرُسٌ:

ثَمَّ شَمْعَةٌ واحتِراقٌ

 * الحُسينُ:

استَدِرْ، لِتَلْقَى الحَبُورا

فَاسْتَدَارَ الزَّمَانُ

والنَّحرُ وَردٌ ..

والمَدى خِنْجرٌ يَجزُّ الجُذُورا

والسُّؤالُ العَبُوسُ: هَلْ حَانَ يَومٌ .. ؟!!

قِيلَ: هَذا ..

ولَمْ يَزلْ قَمْطَرِيرا !!

يَظمأُ النَّهرُ

والحُسَينُ انْهِمَارٌ ..

فَيُحِيْلُ الظَّما شَرابًا طَهُورا

لَمْ يَكنْ في البَيَاضِ إِلّا نَبيًّا

يُجبرُ الكسْرَ  ..

والزَّمانَ الكسِيْرا

يَنفخُ الطِّينَ  ..

يَخلُقُ الجُرحَ طَيرًا

فَتَلُمُّ السَّماءُ مِنْهُ الطُّيُورا

فالحُسَينُ (المَسِيحُ) يُحييْ زَمانًا

مَيِّتًا

سَحَّ عَتمَةً وقُبُوْرا !!!

عَطَّرَ المَوتَ  ..

أَنَّقَ الذَّبحَ حَقلاً

فَانْبَرى الحَقلُ يَستَعِيْدُ الزُّهُورا

و(عَتِيقُ الحُسينِ) ظِلٌ بَصِيرٌ

يَحرثُ الضَّوءَ والفُراتَ الضَّرِيرا

بكُفُوفٍ

مَقطُوعةٍ

بفُراتٍ

يَبذرُ العِشقَ ..

ثُمُّ يَجْني النُّحُورا

فَنُحُورٌ سَنابِلٌ،

وإِلهٌ قالَ فِيها: « تِجارةٌ لنْ تَبُوْرا »

هَا أنا

والصَّدَى

ومَسْرى دُمُوعٍ

نَحوَ رَمْلِ الهُدَى نَمدُّ الجُسُوْرا

جِئتُ للنَّهرِ قِربَةً

عنَّدما سَالتْ جِراحُ السَّمَا

بُذورًا بُذورًا

فاغْتَرَفْتُ الحَياةَ ثَغْرًا

و(عَينًا)

فَجَّرُوْهَا – بأَسْهُمٍ – تَفجِيرا !!

يَعبرُ السَّهمُ

حَيثُ رَبٌّ بِصَدرٍ ..

يَجْعَلُ القَلبَ (بَيْتَهُ المَعمُورا)

يَعبرُ السَّهمُ

نَحوَ ظَهْرِ السَّمَاواتِ انتِشَاءً  ..

فَمَنْ يَصُدُّ العُبُورا؟!

خَيمَةُ اللَّهِ في انتِظارٍ لمُهْرٍ

يَحملُ الشَّمسَ

والنَّهارَ الجَسُوْرا

ها هوَ المُهرُ

أُمَّةٌ مِنْ صَهِيلٍ

حِينَ عَزَّ النَّصِيْرُ

كانَ النَّصِيرا

والحُسينُ السَّلامُ

تَوْقِيتُ حَشْرٍ

يَمْنعُ الأَرضَ – بالدِّما – أَنْ تَمُوْرا

قَلَّبَ الوَقتَ أَضْلُعًا وإِبَاءً

كُلَّمَا تَنهَشُ الرِّمَاحُ الصُّدُوْرا

رَأسُهُ حِينَ فَصْلهِ كَانَ حَرفًا

أَرَّخَ الكوْنَ كُلَّهُ

والعُصُوْرا

حَرَّضَ (المَاءَ) سُوْرةً

فَتَشظّى الصَّمْتُ صَوتًا ..

وفَوَّرَ (التَّنْورا) !!

مُسْتَحِيلاً ..

مَرَافئًا   ..

شُهَداءً ..

هَكذا حَشَّدَ الظَّمَا و(الخُدُوْرا)

يا لرَأسِ الحُسَينِ

طَافَ الصَّحَارَى

ثَائرًا – يُشعِلُ الدُّنا – وأَمِيرَا

نَازِفًا  ..

يَكتُبُ التُّرَابَ انْتِفَاضًا

وحُرُوفًا تَمَرَّدَتْ ..

وسُطُورا

مَوطِنًا مِوطِنًا

كِتَابًا كِتَابًا ..

لَقَّنَ المَوْتَ نَهْضَةً

لَيَثُوْرا

فَيُسَمِّيْهِ: مَوْلِدًا واشْتِعالاً

ويُلَقِّيْهِ نَضْرَةً وسُرُوْرا  !!!

المركز السادس: عادل الصويري (زَواجِلُ كفِّ العباس)

زَواجِلُ كفِّ العباس

عادل الصويري

(كربلاء – العراق)


بالقِربةِ العَطْشى أُضِيءَ الغَيْهَبُ ،

               وعلى ضفافِ الصَمْتِ شُيِّدَ كوكبُ

ضَوْءٌ على عطشٍ مُسَجّىً بالوفا

                 والكَوْنُ من أحداقِ جُرْحٍ يشربُ

شَرِبَ الغيابُ الوقتَ ظِلّاً راجفاً

               والأُفْقُ من كأسِ الظهيرةِ يُسْكبُ

وَنَوارِسُ النَبْضِ النَبِيِّ تَناثَرَتْ

                     بالنارِ تعدو والمدى مُتَعَجِّبُ

هي كربلا، والفَجْرُ فيها يرتدي

                     لَوْنَ الرمالِ الدامياتِ ويندبُ

في رَمْلِها، كتبَ الغيابُ ملامِحَ الـ…

                 معنى سُطوعاً والنخيلُ مُخَضَّبُ

عَزَفَتْ بأوتارِ الحقيقةِ جمرةً

                   يقتاتُها الجودُ الذي يَتَلَهَّبُ

وَ(سُكَيْنَةُ) المنفى سَراباً تلتظي

                 بلظى الخيامِ وحَدَّثَتْها زينبُ :

قَدْ خَبَّأَ العبّاسُ وَعْداً ظامئاً

                 وَفُراتُ قِرْبَتِهِ مسيحٌ يُصْلَبُ

كَفّاهُ في ثَغْرِ العُصورِ قصيدةٌ

           تُتْلى على وهجِ الشموسِ فَيُحْجَبُ

كَفّاهُ زاجِلُ من بُكاءِ فُراتِهِ

               يحكي وذاهلةُ الملامحِ يَثْرِبُ

صَدَحَتْ أراجيزُ السيوفِ كأنَّما

              في كربلاءَ عُكاظُ خُلْدٍ يَلْهَبُ

شَقَّ الجموعَ حَداثَويّاً صائلاً

                 بِفصاحةِ الفَقّارِ ضَرْباً يَخْطِبُ

طافَ الرقابَ على ارتجالِ المُسْتحيلِ

                   وَهُمْ بِعَوْرَةِ شانئيهِ تَنَقَّبوا

رَكَضَتْ أَصابِعُهُ تُلَمْلِمُ ماءَهُ

               في حيرةٍ وأبى الزمانُ المُجْدِبُ

(أُمُّ البَنينِ) تَسَلَّقَتْ أنفاسُها

                   خَجَلاً إلى زهرائها تَتَصَبَّبُ

حَدَّ التِماعِ السَهْمِ كانَ بُكاؤهُ

                     لِخيامِ وَجْدٍ طَيْفُها يَتَسَرَّبُ

من عَيْنِهِ رَفَعَ السِهامَ تحيةً

               خَجْلى إلى قَلْبِ العقيلةِ تُسْحَبُ

تنمو على النَوْمِ البعيدِ صَلاتُهُ

                   حُبْلى وَقُرآناً شَهيداً تَنْجبُ

لُغَةُ المرايا تُرْجِمَتْ مِنْ فَيْضِهِ

                 بِبَلاغَةٍ مِنْ نَزْفِ جودٍ تُعْرَبُ

بِنَزيفِهِ خاطَ الربيعُ قَميصَهُ

             لِجهاتِهِ يهفو الضياءُ الألحبُ

أشجارُ قِرْبَتِهِ الشهيدةِ أَوْرَقَتْ

               وَعْداً غَدا في كُلِّ فَجْرٍ يُطْلَبُ

رَكَعَتْ فؤوسُ الزاحفينَ لِطولِها

                 لِتَظَلَّ راقِيَةً على مَنْ حَطَّبوا

المركز 6: قصيدة (سِفْرُ العطشِ العظيم) / زهراء أحمد المتغوي (البحرين)

سفْرُ العطشِ العظيم!

للشاعرة / زهراء أحمد المتغوي (الدراز – البحرين)

يا لاحتراقِ العطر

مذ ركضَ اليباسُ على فروعِ السوسناتْ

والأرضُ حُبلى بالصلاة

وحكايةٌ عطشى تفجّرها أخاديدُ الظما..

ويكادُ ينتحرُ المدى

ما بين ليت وربّما..

فعلى صريرِ البوحِ صمتٌ بالحقيقة همهما.

بالقيظِ تشتعلُ الدّماء

وبلحظة التدوين يحتدم البكاء

وتشققات الروح بحّ بها النداء

يا للعطش!

من ألف جرفٍ والقصيدة كربلاء

من ألف جرحٍ والنبوءة كربلاء

والشمس تحرق كل شيء

حتى الطفولة والملامح والشفاه..

في لوحة زيتية صفراء يعروها الشحوب

قسماتها السمراء في صمت تذوب

حممٌ كما التيهور تنذر بالحريق

حممٌ تفور

والعين توشكُ أن تغور

ويمرُّ فيها الوقتُ مخذولا ويعصفُ بالخيال

والحزنُ يعبثُ بالجمالْ

والمشهدُ القاسي كلامٌ لا يقالْ..

يا للعطش!

جفّت عروقُ القلبِ

والأوجاعُ تصرخُ في المكانْ

والوردُ يصفعه الدُّخانْ

والزنبقُ الذاوي بإثر البيلسان

تتهدّجُ الآهاتُ حشرجةً فتربكها احتمالاتُ السرابْ

وبخيمةِ الأطفالِ أفقٌ لا يرتّقهُ السّحابْ

بمسافةٍ مذبوحةٍ ما بين زينب والرباب..

طافت فؤوسُ القحطِ فوق غصونها والحلمُ ذاب..

والمهدُ أجدبَ

لم يعدْ يهدي الهلولو في خريفِ الانتحاب..

ولوردةٍ مثل الدّهانْ

من أرشد الصّبار يقطفها فينفرط الجمان ؟

ولمنفذ الضوء انبرى السهمُ الأثيم

وتكسّر الحلمُ النقيّ من الوريد إلى الوريد

واغتال ملحُ الشوكِ عطرَ الجلّنار

سال الدَّمُ القاني لتنقشه السماء

بخريطة السّفر القديم

فليستح الماء العقيم!

فليستح الماء العقيم!


سيرة ذاتية للشاعرة

·         شاعرة بحرينية و أم لأربعة أبناء ومحررة للقسم الأدبي لمجلة زلفى.

·         لديها بكالوريوس تربوي وتعمل كمعلمة أولى لمادة الرياضيات في المرحلة الثانوية.

·         لها ثلاثة دواوين (سيمياء الحلم، وبأي ذنب قتلت، وأهداب الريحان).

·         تأهلت في كثير من مسابقات الشعر، وشاركت في أمسيات أدبية في البحرين، والقطيف، والكويت، والعراق، وإيران.

·         نالت لقب “شاعرة الحسين” في الموسم الثامن للمسابقة (1437/2015م).

·        مدربة للتنمية الشخصية والتفكير الإيجابي واستراتيجيات التدريس ورعاية الموهوبين.

 

النص السادس: طفلةٌ تعانقُ الفجر

إلى أين تذهب يا أيها الفجرُ عن شرفاتِ المدينةْ ؟
إلى جهةِ الخلدِ يا قمري
ههنا كعبةٌ سيّجتها البغاةُ بأشواكِها العبثيَّةِ
لا تدركُ النورَ من أين جاءَ وأنى يسيرُ
سوى أنها تستلذُّ بعَتمةِ ليلٍ طويلٍ
لتسكبَ في دربِنا هلعاً مستداماً
ولا أفْقَ منفتحاً كي أطيرَ إلى أيِّ شيءٍ
ولكنْ “سأحملُ قلبي على راحتي” وأسيرْ

سأحملُ أشياءَ جديَ / رأسَ أبي / ضلعَ أميَ /كبدَ أخي
والضعونَ التي فوق هذي السماءِ
إلى سكنٍ أبديِّ الوجودِ
إلى موطنٍ مثخنٍ بالدماءِ
سأفرغُ قلبي على ضفةِ الماءِ دون ارتواءٍ
ويغتسلُ الجسمُ بالدَّمِ بعد توزُّعِهِ قطعةً قطعةً دونَ أيِّ رداءٍ
وتلفحُهُ الشمسُ فوق الفلاة
فهل كان هذا الدَّمُ المستباحُ دماً للنبيِّ ؟
سلوا أمماً لا تريدُ الإجابةَ واسْتفهموا أيحقُّ لهم أن يسيروا
وأن يعبروا الوقتَ من كوَّةِ الجرحِ نحو السلامِ
أيخرجُ هذا السلامُ بحرقِ الخيامِ؟ وأن نحتسي كأسَ هذا المصيرْ ؟

أسيرُ برَغمِ اتساعِ الحصارِ
أسيرُ على هدأةِ الليلِ
شمساً تشقُّ الطريقَ البعيدةَ فوق غرابِ الأسى
كلما ضلَّلَتهُ الجهاتُ اهتدى للحقيقةِ
والشمسُ لا تتبدّدُ عند ارتفاعِ الظلامِ
أما كانت الشمسُ حاضرةً في الغديرْ ؟!

توجسَ من فكرةِ الغيب
يخرجُ ممتطياً صهوةَ الصبرِ
متكئاً بعصاهُ كموسى يهشُّ بها لوعةِ الانكسارِ بأروقةِ القلبِ
مَنْ ذا يهادنُ خوفَ الحصانِ على موجةِ الحربِ
حين تدقُّ نواقيسَها ضد عرشِ الإلهِ
ومَن يُخمد اللهبَ المستطالَ إذا قذفوا كعبةَ اللهِ بالمِنجنيقِ
ومَن يكسرُ الصنمَ الجاثمَ المستبدَّ..
أنحتاجُ ألفَ نبيِّ لكي يولدوا من جديد؟

فتنتحبُ الطفلةُ الآنَ
راحَ يودعُها قُبلةً قُبلةً
وسبعُ سنابلَ تسقطُ من عينِها
أبتاهُ .. أنا طفلةٌ تتأهبُ للفقدِ
هلَّا أخذتَ برحلِك دمعيْ/ بكائيَ /عينيَ /قلبيَ /ذاكرتيْ
فالوداع هو الموتُ .. أكبر من جملةِ الموتِ
والموتُ عند التسكعِ لا يستريحُ من الخطفِ
وقتَ التسولِ فالموتُ فينا فقير فقيرْ !

ويا أيها الفجرُ : كيف تسللَ نجمٌ ..تحررَ من غسقٍ
سألوهُ : أكنتَ اختصرتَ عبادةَ سبعينَ عاماً بثانيةٍ في التأملِ
هل ثمَّ ذنبٌ كهذا يدنسُ أيامَنا ثُمَّ نرتكبُ الحبَّ ثُمَّ نتوبُ
لندخلَ في كربلاء نقاتلَ أوجاعَنَا ؟
أيها الفجرُ خذني لأصرخَ بين يديكَ :
اغمرونيَ سبعين موتاً لكي أتجرعَ طعمَ الفداءِ وألبسَ دورَ الضحيةِ
لستُ أقلَّ من الصحبةِ الأوفياءِ بعصرِ الظهورِ

لَـحْنٌ يُسَمَّى الـمَشْرَعَة

 في صَمْتِ لَيْلٍ مَدَّ ظِلًّا أَذْرُعَهْ
كَسَرَ المرَايَا كَانَ يَنْثرُ في دَمي
يحدوهُ وَجْدٌ وانكِسَارُ يَتيمَةٍ
يَتَرنمُ الحُزْنَ القديمَ يشدُّهُ ..
في اللامَدَى والعَلقَميُّ يَقينُهُ
أَوْحَى لذاكرةِ الفُراتِ : قصيدةً
، دمعًا  بحجمِ الذكرياتِ. خُلاصةُ الـــكلماتِ
مُتناثرًا أخطو لألمسَ لحظةً
لا أين تعتقلُ المكانَ ولا مَتَى
فَقَبَضتُ مِنْ دمعِ الحسينِ مَشَاعرًا
قَمَرٌ بقرب النهرِ !؟ ، والأطفالُ تشــــــكو
قلبي يُحَاولُ سَهْمَهُ .. ما اسطعتُ مِنْ
مَنْ أوقظَ الرَمَقَ  الأخيرَ ؟ ،  وكَرْبَلا
لحنٌ من الصمتِ الحزينِ ، مُـمَـزَّقٌ ..
هذا اللقاءُ .. هُنَا الحياةُ تَوَقَّفَت
كَانَتْ مَسَافَات الزمانِ قصيرةً
وتسرَّبَ الليلُ المؤجلُ من ( شقو
لَيلٌ بإيقاعِ الشَتَاتِ مُحاصِرٌ
مَنْ حرّض الناياتَ أن تبكي؟، ورجــــــــعُ

عَبَّاسُ موسيقى الغِيَابِ بِلاصَدَى
علِّم مَحَاجريَ المدامعَ واستعرْ
مازلتُ أسألُ عَنْكَ نهرًا ظامئًا
مازلتُ أسألُ عنكَ سِرَّ أُخوَّةٍ
فاعجنْ  بدِفءِ رؤاك طينَ مشاعري
واقرأ لِرَوعي كَرْبَلَا .. علِّمنيَ الأسماءَ
سأزاولُ الأحزانَ .. مهْنَةَ باذِلٍ
يا فارسًا شَغَلَ الشَجَاعةَ ( هل أتى )
في كَفِّكَ اكتَشَفَ الفُراتُ جَمَالَهُ
خُذني صَدَى شَوقٍ ودمعةَ عاشقٍ

وَأَعَارَ للوَجَعِ الـمُعَتَّقِ أَدْمُعَهْ
لَحْنَ الظَمَى وَيَعودُ حَتَّى يَجْمَعَه
يَمْضي.. يَجيءُ ، احتَارَتِ الدُنيَا مَعَه
سفرًا بعيدًا .. فالمسَافَةُ مَشْرَعَة
يَدنو بشَكِّ الماءِ حَتَّى يَقْطَعَه
أُخرى بإيقاعِ الوفاء مُصَرَّعة
كَانت / من وفاءٍ / مَصرَعَه
فيها استراحَ هوىً وترجمَ أروعه
تهبُ الزمانَ مَدَىً لأرسمَ مَوقِعَه
أستقرئُ الأثرَ الأخيرَ لِأَتبَعَه
قسوةَ الظمأِ / الظلامِ مُرَوعة
وَهَجِ الدماءِ / بجرحِهِ /  أنْ أنزعَه
تغفو على صدرِ النشيجِ مُوزَّعة
وَصَداهُ في صَدْري يُمَارسُ أوجعَه
:( دعني .. سيأتي لي أخي لأُودّعه)
ما احتجتُ أَنْ أدنو إليه لأسمَعَه
قِ البابِ )  نارَ مُخيَّماتٍ مُوْجَعَة
يأسَ الصِغارِ .. هُناكَ يَعزفُ مَدْمعه
تَكَسُّرِ الضِلْعَينِ ، مَاذَا أرجَعَه ؟

نَهْنِه صَليلَ النحرِ كَيْ أَتَوَجَّعَه
حُزْنًا مِنَ الخَيماتِ . وامزجني مَعَه
و خُطى يَتَامى في المسيرِ مُضَيَّعة
طرَّزتهُ ، ويقينُ طُهْرِكَ أبدَعه
أنا عاشِقٌ بِهواكَ شَكِّلْ أَضلُعَه
والإنسَانَ فيَّ لأصنعه
يمشي بِقَلبِكَ والجراحُ الأمتعة
نَصْرٌ و فَجْرُكَ لم يُهَدْهِدْ مَطْلَعَه ؟
في صَدرِكَ التَقَطَ الحنينُ تَفَجُّعَه
مازالَ يُشعِل من وفائِكَ أَشْـمُعَه

بكاءٌ خارجَ الحُزْنِ

الحسين (ع) هو المعادل الموضوعي للحياة والحرية والإباء ، وما الخلود إلا من ثماره اليانعة..

 

ألا ليتَ مِرآةً تُطارِحُني النَّجْوَى

وظلاً حميميَّا يُشاطرني الشَّجْوَا

 

أ يُوجدُ شيءٌ من جَوَى الحُزْنِ لايُرى

وراءَ الدَّياجي , كانَ بالصَّمْتِ مَكْسُوّا ؟

 

وهلْ غادرَ الدَّمْعُ السَّخِينُ مَحَلَّهُ

من المُقلةِ الدُّنيا إلى النَّجْمةِ القُصْوَى ؟

 

تُرَجْرِجُ (عاشوراءُ) مائي وطينتي

وتمنحني من قلبِها (المنَّ والسَّلْوَى)

 

لَبِسْتُ شِراعي ؛ حيثُ أبحرتُ مُوقنًا

وخضتُ عُبابَ الرِّيحِ , أفترعُ الجَدْوَى

 

ولا يَهْدَأُ البَحَّارُ في عُمْقِ نَفْسِهِ

وإنْ صارَ ماءُ البحرِ في هَدْأةٍ رَهْوَا

 

تراءتْ لروحي (كربلاءُ ) بقُدْسِها

حقيقيَّةَ المعنى , مجازيَّةَ المَهْوَى!!

 

قَطَعْتُ لها الوُجْدَانَ في شَهْقَةِ النَّوَى

مسافةَ ما أهفو إلى مَطْمَحِي عَدْوَا

 

فلمْ أَلْقَ فيها غيرَ ذاتٍ تجاوَزَتْ

حدودَ المعاني , ماوَجَدْتُ لها صُنْوَا!!

 

تَمُوجُ هُوِيَّاتٌ , وأسألُ من أنا ؟

وتمتزجُ الذَّاتُ امتزاجًا بمنْ تَهْوَى

 

أنا : العقلُ والقلبُ اللذانِ تَسَاقَيَا

وصارا معًا روحًا بأيقونةٍ نَشْوَى

 

تَشَرَّبْتُ ألوانَ السَّمَاءِ بخاطِري

وآنستُ إيقاعَ العُلا : الغيمَ والصَّحْوَا

 

حملتُ اعتقادِي بينَ جنبيَّ شامخًا

كما حَمَلَ التاريخُ في صَدْرِهِ (رَضْوَى)

 

ولي وطنٌ باسمِ ( الحسينِ ) سَكَنْتُهُ

تمدَّدَ فوقَ الدَّهْرِ , واخترقَ الجَوَّا

 

لَقَدْ بَصَمَتْ عينايَ فيهِ مَوَدَّةً

بألا أَرَى في غيرِهِ بالهوى مَثْوَى

 

هو الوطنُ المخبوءُ بينَ جوانِحِي

أعيشُ به عزًّا , وأفنى به زَهْوَا

 

توزَّعَ في كلِّ الأماكنِ , لَمْ يَكُنْ

تُقَيِّدُهُ أرضٌ , فَمَا أرفعَ الشَأْوَا !!

 

وليسَ تُرَابًا , ليسَ أطلالَ بُقْعَةٍ

ولكنَّهُ حُرِّيَّةُ المَنْهَلِ الأَرْوَى

 

هُوَ الوَطَنُ / الإنسانُ – دامَ بهاؤه-

وأطيافُ كلِّ العالمينَ بهِ تُطْوَى

 

تَخَيَّرْتُهُ مِنْ بينِ ألفِ هُوِيَّةٍ

أسامرُهُ عِشْقًا وأغرقُهُ شَدْوَا

 

سلامٌ على الرُزْءِ الذي يكتبُ السَّنَا

وطُوبى إلى مَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ مَحْوَا

 

هنالكَ كانَ اللهُ في (الطفِّ) , والهُدَى

وثَمَّةَ إبليسٌ , وغاشِيَةُ الطَّغْوَى

 

مُعَادَلَةُ (الفَتْحِ المُبينِ) تَكَوَّنَتْ

بحُرِّيَّةِ المَسْرَى , وبَوصَلةِ التَّقْوَى

 

تَشَظَّى سَلِيلُ الأنبياءِ زُجَاجَةً

إلهيَّةَ الأضواءِ , كونيَّةَ الفَحْوَى

 

وفي كُلِّ جُزْءٍ في الشَّظَايَا رِسالةٌ

إلى العَالَمِ المصنوعِ مِنْ آلةِ البَلْوَى

 

إذا ما تخيَّلْتُ المآسِي دقيقةً

تهاوى خَيالي , وارتمى رَسْمُهُ شِلْوَا

 

إذا لمْ يَعِشْ فينا (الحسينُ) , فمالنا

سوى الذِّلِ , يجترُّ المسافَةَ و الخَطْوَا

 

وهلْ مِنْ فَراغِ الوَهْمِ نُثْرِي سِلالَنَا

وإن عُطِّلَتْ بِئْرٌ , فهلْ نَسْحَبُ الدَّلْوَا؟؟

 

وما (الطفُّ) إلا أَبْجَدِيَّةُ ثَوْرَةٍ

تَعَلَّمْتُ مِنْ أسرارِها الثَّرََِّةِ النَّحْوَا

 

تَجِدُّ مع النُّور / الشهيدِ علاقتي

وعَنْ بُعْدِهِ لا أستطيعُ .. ولا أَقْوَى

 

وأبكيهِ حتَّى خارجَ الحُزْنِ فَجْأَةً !!

وأسمى دموعِ النَّاسِ ما انْسَكَبَتْ عَفْوَا

 

سأمتحنُ الدُّنْيَا برُمْحِ تَصَبُّرِي

وأجتازُ آلامي , وعاصفةَ الشَّكْوَى

 

وأفتحُ شُبَّاكًا يُطِلُّ على المَدَى

وأمْتَشِقُ الإشراقَ , والدِّفْءَ, والصَّفْوَا

 

وأصحُو على صَوتِ الضميرِ مُدَوِيًّا

وأجمعُ أحلامي التي سَقَطَتْ سَهْوَا

 

تضاريسُ أيَّامِي تُشَكِّلُها الرُّؤَى

ويمتدُّ لا زيفًا غَرَامي ولا لَغْوَا

 

وما عُدْتُ أنعى الأمسَ سيلَ مواجعٍ

ولكنَّمَا أبني بشِعْرِي الغَدَ الحُلْوَا

 

وحسبُ الهَوَى بابنِ السَّمَاءِ يَضَمُّنِي

يُهَيِّئُ لي في (سِدْرةِ المُنْتَهَى) مَأْوَى

 

عناقٌٌ في مطافِ الملائكة

(ارتباكٌ لسنبلةِ البكاءْ)

ذوَتِ الحُروفُ على الشِّفاهِ
وما ذَوَى لِلْحُزْنِ عهدُ

ستَدورُ ساقيةُ الأسى
ما دارَ شوقٌ مُستَبِدُّ

لِنُهدْهِدَ الذِّكرَى فَيورقَ
فِي الضَّميرِ هوىً ووَجدُ

ويفورُ في دَمِنا البُكاءُ
يديرُهُ قلقٌ وسهدٌ

بحِكايةٍ لَمْ يستَطِعْها
فِي فَمِ الأيَّام ِ سَرْدُ

النورُ محتدِمٌ وقَلبُ السّــ
ـبطِ للآمالِ يحدو

ويُعيدُ ترتيبَ الحَيــــــ
ــــــــاةِ بِتضْحِياتٍ لَاتُعدُّ

فيبُلّ روح المُتْعَبينَ
مِنَّ الظَّمَا لِيطِيبَ وِرْدُ

حجٌّ وترويةٌ بِها
في مَشْعَرِ الآجال قَصْدُ

مِنْ خَطْوِهِ انْبَجَسَ الهُدَى
وامْتدّ للتّوحِيدِ مَهدُ

وحَمائمُ الأشْواقِ إثــــ
ــــرَ رحيلهِ بالحزْنِ تشدُو

والكَعْبَةُ الحَوراءُ حَجَّ
لِخِدرِهَا شَرَفٌ ومَجْدُ

حتّى إِذا فرْضُ البُكــ
ـــاءِ أَتمّه ولَهٌ وبُعدُ

راحَت تسائِلُ قلبَها
أيُّ الجراحِ هو الأشدُّ

فَعلَى الفراتِ من الهُدى
عينٌ قد انْطفأتْ وزندُ

والجُودُ في كَتِفِ الِإباءِ
أَصَابَهُ بالسّهمِ حِقْدُ

كلّ الشفاهِ سنابلٌ
كانتْ لقُبْلتِه تُعَدّ

ظَمئِتْ فَسَمّرهَا على
طلَلِ السّقَا ألمٌ ووعدُ

لله نهرُ عذوبةٍ
ما نالهُ في الشوقِ بَردُ

….

أَحرمْتُ في لُجَجِ الأَسَى
جزْرٌ يُسافِرُ بي ومَدُّ

وَمعَ المثلث كم رحلتُ
لصمتِ ذاكرتي أقدّ

جُرحاً فَجُرحاً تخصفُ الـ
آلام بي فَيَضِيعُ رشدُ

ونَشَرْتُ أجْنِحةَ الوِصَالِ
إلى رَبيعِ الطَّفِّ أغدو

حيثُ الحسينُ لنبْضِهِ
لبّتْ ملائكةٌ وجُنْدُ

عَرَفوهُ مَحْضَ عذوبةٍ
فَإذا بِطَعمِ الموتِ شَهْدُ

كانوا يُمَاهونَ النّدى
بِإِبائِهمْ لِيُطِلّ وَرْدُ

سُرعانَ ما انْتَثَروا ومن
جِيدِ البطولةِ خرّ عِقدُ

( لبيكَ ) مِئْذَنةُ الجَمالِ
ونهرُ عِطرٍ لا يُحدُّ

رَحَلوا بأَعبَقِ فكرةٍ
منْها المَفَاخِرُ تُستَمدُّ

لا لمْ يموتوا كَيف يطــــ
ـــــوي الموتُ من يرجوهُ خُلْدُ

دروب الهوى

طرقت دروب الهوى حيث شدا أصارع في النفس شوقاً ووجدا
وأنشد في الروح معنـى الغـرام فمـازلـت فــي فهـمـه مسـتـجـدا
فـمـذ تـركـونـي لـتـلـك الـقـفـار بقلبي وصبوا على الرمس بُعدا
وزادوا على البعد صرماً وبات سفينـي يخـالـج فــي الـهـم نــدا
وطـالـت ليـالـي الـبـعـاد ولـمّــا يبادرْ صدى الفجر للبحر عودا
طفقـت أسـافـر فــي الظاعنـيـن والـروح تضـرم جــزراً ومــدا
أنـقّــب فـــي بـائــدات الــبــلاد أمـخـر غــوراً وأحـفـر صـلــدا
حنانيـك عـد يـا سفـيـن النـجـاة وزيــن الأزاهــر أمـــاً وجـــدا
أراك تـحـلـق بـيــن المـشـاعـر تـنـثـر حـُبــاً وتـنـشــر ســعــدا
وحتـى أراك بحضـن الـرسـول يـداعـب مـنـك شـفـاهـاً وخـــدا
وتحـبـو فتكـبـو فتحـنـو البـتـول فـــداك بـنــي سـلامــاً وبــــردا
ويـجـثـو عـلــيٌّ ومـــن كـعـلـيّ إذا امتلأت ساحة الحرب أسـدا
إذا أدّ مــــــــدّ وإن نـــــــــدّ ردّ وإن جـــدّ هـــدّ وإن شـــدّ قـــدّا
رأيـتُ حسيـنـاً وحــول الغـمـام نــور وحـــور تجلـبـبـن رنـــدا
وكــانــوا بـسـيـدهـم يـرفـلــون وكنـت علـى لـحـن ذلــك أهــدا
يسيـر ومـن خلفـه المحصـنـات وقدّامـه الـمـوت يـعـزف كــودا
وفي ظـل عـرش الإلـه الأميـنُ يهـز لـه فــي الجناحـيـن مـهـدا
فمـالـك تـمـضـي لأرضٍ فـــلاة ومـنـك الجـنـان تـزيّــنّ رفـــدا
بنفـح نسيـمـك جـبـت السـواقـيَ أقـطـف عـزمـاً وعطـفـاً وقـنـدا
وتحـت جناحـك بـيـن الحمـائـم أرفـــع رأســـاً تـوســد جــهــدا
أسـافـر والطـيـرِ فـيـك ونـشـدو ونجـنـي بــدفء فــؤادك خـلـدا
فـيــا فـلـكـاً دار فـيــه الحـبـيـب وحار اللبيـب ومـا حـاز قصـدا
كــأنــك إذ تـسـتـقـلُّ الـطـريــق ترسـمُ للـحـق صـرحـاً ومـجـدا
شهـابٌ يـذوب عـلـى النـافـلات ليجعـل فـي لاحـب الليـل عهـدا
ويرفـع عـنـا غـشـاء الضـلالـة كيـمـا نـتــوق إلـــى الله رشـــدا
غــــدوتُ بــآلائـــه والـمـحـيــا أطوف على لوحـة النـور عبـدا
أكـبّــر أمــنــاً وأقــــرأ زهــــدا وأركـع شـكـراً وأسـجـد حـمـدا
فمالك تمضـي وتأبـى الرجـوع جعلـتَ علـيـك الأمـاقـيَّ رُمــدا
كـأنـك تــدري بــأن الـوحـوش ستنزو على العهد نصـلاً وحـدا
أكبّـوا الـدهـاق وأبــدوا النـفـاق وردّوا عـهـود النبيـيـن جـحــدا
فصبـرَك إنـي أطلـت الـوقـوف بربعـك فالطـف بطفـلـك يـنـدى
كــأنــي أراك وقــــد ألـجـمَــتْ ثـغـور البسيـطـة خبـثـاً وجـنـدا
كـبـدرٍ أضــاء عـلـى الخافقـيـن وصــاح ببـيـداءَ لـهـبـاءَ فـــردا
رضيعي سيشعـل لـون السمـاء ويُبـقـي نـزيـف المحبّـيـن وِردا
حنانيـك هــلا تـركـت الـتـراب فقـد خلـت خـدك للـرمـل ضــدا
فشـتـان بـيـن صـفـاء الـزهـور وإن كـان رمــلاً تـحـوّل جـلـدا
وشتـان بيـن مـحـول الخـريـف وبــيــن ربــيـــعٍ تـفــتّــح وردا
إلـهـي خلـقـت الحسـيـن كـمـالاً وكـنـت قديـمـاً كريـمـاً جـــواداً
جمـالاً وعطفـاً وجـوداً ومـجـداً وعـزمـاً وحـزمـاً وفـنــاً وقـــدّا
فـإذ لـم ألاقيـه والعمـر يمـضـي فـأرجــو الأمـانــة أن تـسـتـردا
فـلا الـروح تسلـو بهـذا الفـراق ولا القلب يسطيع صبرا وصـدا
فـهــلا أفـضــت عـلــيّ سـبـيـلاً لأمضـي إلـى حيـث ألـقـاه مُــدّا
تلحّف بالصمـت تحـت الهجيـر وفي ظله الصحب شيباً ومُـردا
أطوف على أنجـم فـي الصعيـد أقـبّـل ضـلـعـاً وأجـمــع شـهــدا
تبـرأتُ فـي حبـهـم مــن أنــاس يـصـدّون آيــاً ويـدنــون قـــردا
ومـن عصبـة ينصبـون الدمـار للـحـق بالـغـدر قـتــلاً وطـــردا
وحيّـيـت حـزبــاً أذاق الـطـغـاة مــن فـتـح خيـبـر ذلاً ورعـــدا
فشـتـت جمـعـاً وفـــرج كـربــاً وحـقـق نـصـراً وأنـجـز وعــدا
وعــاد ينـاجـي إمــام الـزمــان ليطلـق خيـل الفتوحـات جــردا
وبـات يصـلـي وتـلـك الـصـلاة تــرفــع ضــــراً وتــنـــزل ودا
صــلاة عـلـى آل بـيـت الـنـبـي خـيــرٌ ثـوابــاً وخـيــرٌ مــــردّا
فصلـوا عليهـم لتـرضـوا الإلــه وتـأتــوه يـــوم القـيـامـة وفـــدا

وضوءٌ على شرفِ الحسين…..

وضأتُ روحي من هديرِ جراحي
وعبرتُ جرحَك مالئاً أقداحي

وفتحتُ حبَّكَ قلعةً لفرادسٍ
أسمو بها لعوالمِ الأرواح

علِّي أترجمُ أبجديَّةَ قصَّةٍ
رفعت عنِ التاريخِ كلَّ وشاحِ

وأرى السنين المسرجاتِ دروبها
تجلو الشقاءَ على مدى أتراحي

هذي حياتكَ والخلودُ يصوغها
أنشودةً للمشرقٍ الوضَّاح

ويطلُّ فجركَ من ضفافِ جراحهِ
حتَّى يباركَ موكبَ الإصباح

جرحي وجرحكَ ها هما يا سيِّدي
متعانقانِ بشقوتي ومراحي

وأرى لديكَ الكونَ يرفُلُ عزَّةً
لا تنحني أبداً إلى سفَّاح

عشَّاقكَ الأحرار باغتَ دربهم
نحوَ الضيا حُجُبُ الظلامِ الماحي

لبيكَ يامولايَ كانَ لوائهم
في كلِّ مرفدِ عزَّةٍ وكفاح

أجمل بهم من عاشقينَ توحَّدوا
ومضوا إلى دربِ الهيامِ أضاحي

شربوا من النخبِ الذي ثملت بهِ
هذي الحياةُ وأثملت ألواحي

وتدفقت ذكراكَ في أعماقنا
حمراءَ ذاتَ توهُّجٍ وجمـــاح

بوركتَ من جرح يفيضُ نميره
عذبا على مرأى اللظى الصدَّاح

ياراسماً دربَ الخلودِ خريطةً
أزليَّةً من ريشةِ الأطماح

ذا ليلُ عاشوراء رحتَ تحيله
صبحاً تسلِّطهُ على الأشباح

هيهاتَ منَّا الذلَّ دوَّى جمرها
تصطكُّ سمعاً تستفزُّ نواحي

هيهاتَ منَّا الذلَّ تقتحمُ المدى
حتى يفيقَ بأنهرٍ وبطاح

وهديرُ نبعَك لم يزل بهديره
يمتدُّ أفقاً للسنا الممراح

نَـافُورةُ الأحـرَارِ

جَرَسْ:
لأنَّكَ الماءُ والحبُّ والثورة ..

ثَاوٍ وَنَافُورَةُ الأَيْتَامِ تَرْتَفِعُ
وَيَجْلِسُ النَّهْرُ فِي مِحْرابِ أضْلُعِه
يَسْتَغْفِرُ النَّحْرَ .. تَبْكِي ضِفَّةٌ ألَمَاً
وَالرَّيحُ تَمشِي عَلَى عُكَّازِ حَسْرَتِها
نَحْوَ السَّلِيبِ كَأَنَّ الحُزْنَ رافَقَها
مُمَزَّقَاً كانَ .. تَطْفُو فَوْقَ مَنْحَرِهِ
أَنَا الذَّي أَثَّثَتْ طَعْنَاتُهُمْ جَسَدِي
أَنَا الذَّي قَطَّعُونِي في الهَوَى قِطَعَاً

فِي كَرْبَلاءَ أَضَاءَ المَجْدُ شَمْعَتَهُ ال
كَغَيْمَةٍ حَبُلَتْ بالضَّوءِ فَاجأَها
أَنْهَيْتَ للحَقِّ فِي الدُّنيَا مَجَاعَتَهُ
يَدَاكَ تُبْحُرُ فِي الأَرْواحِ بَاحِثَةًَ
فَتَغْسِلُ الخَوْفَ عَنْ أَجْفانِها وَإِذا
يَا كَاتِبَ الحُبِّ فِي قُرآنِهِ وَطَنَاً
لَكَ الدُّموعُ تَحُثُّ الخَطْوَ .. إنَّ بِها
زَحْفاً إِليْكَ عَلَى الأَحْلامِ تَقْصِدُكَ الـ
هُمُ الخُلُودُ.. عَلَى رِجْلَيِْنِ مِنْ شَغَفٍ

كَأَنَّنِي بِكَ يَا مَوْلايَ فِي أَلَمٍ
تَقُولُ: لا تُسْتُرُونِي إنَّ لِي كَفَنَاً
ولا تَرُشُّوا بِمَاءٍ وَجْهَ أَتْرِبَتِي
ظَامٍ عَلَى أَذْرُعِيْ أَقْبَلْتُ أَحْمِلُهُ
حَتَّى أَتَى السَّهمُ مَجْنُونَاً فَقُلْتُ لَهُ:
لا تَغْسِلُوا جَسَدِي إنِّيْ أَرَى شَمِراً
لا تَحْمِلُونِي عَلَى نَعْشٍ وَبِنْتُ أَبِي
وعينُهَا كُلَّمَا حَنَّتْ إلَى جَسَدِي

يَا سَّيدِيْ لَمْ يَعُدْ فِي الأرْضِ مِنْ وَطَنٍ
تَجْتَاحُنِي غُرْبَةٌ رَعْنَاءُ .. بِيْ زَمَنٌ
ظِلِّيْ بَقِيَّةُ أَوْطانِيْ سَكَنْتُ بِهِ
جِرَاحُنَا يَا أَبَيَّ الضَّيْمِ لاجِئَةٌ
لَأنتَ بِئْرُ إِبَاءٍ فَاضَ فِي أَلَقٍ
فَتِلْكَ تُونُسُ بَالأَحْرَارِ قَدْ عُتقَتْ
وَمِصْرُ تَخِْرُجُ مِنْ جُبٍّ يُحَاصِرُها
يَا أَيُّهَا المَدُّ والطُّوفانُ تَحْمِلُهُ
مُضَرَّجٌ بِدِماءِ الرَّفْضِ عَالَمُنَا
وَحِيْنَ يَقْضُونَ دُونَ الحَقِّ نَحْبَهُمُ
مِنْ قَلْبِهِ حَيْثُ سَهْمُ المَاءِ مُنْزَرِعُ
كَالرَّاهِبِ الكَهْلِ إِذْ ينتَابُهُ الوَجَعُ
وَضِفَّةٌ مِنْ دِمَاءِ النَّحْرِ تَمْتَقِعُ
مَحْنِيَّةَ الرُّوحِ.. مَسْعورٌ بِهَا الجَزَعُ
لِيَلْتَقِي مَنْ بِهِ الأَوْطانُ تَجْتَمِعُ
شَوَاطِئُ البَوْحِ والأزْمانُ تَسْتَمِعُ:
وَغَادَرُوني عَلَى الرَّمضاءِ أَضْطَجِعُ
إلا امتِدَادِيَ نَحْوَ اللهِ ما قَطَعُوا

أُولَى فَظَلَّتْ عَلَى التَّارِيخِ تَلْتَمِعُ
طَلْقُ الحَضَارَاتِ.. كَانَتْ تِلْكُمُ البُقَعُ
وأنتَ آخِرُ مَنْ يُعْنَى بِهِ الشَّبَعُ
عَنْ فِكْرَةٍ ضَمَّها فِي صَدْرِهِ الهَلَعُ
مرَّتْ بِضِيقٍ فَذَا مَعْناكَ يتَّسِعُ
مِنْ قَلْبِه أَنْهُرُ التَّرْتِيلِ تُقتلَعُ
مُلُوحَةُ الشَّوقِ أَصْلٌ مَا بِه بِدَعُ
عُشَّاقُ والمَوْتُ يَا مَوْلايَ مُصْطَنَعُ
يَعْدُو إِذَا فِي هَوَى “طْوِيْرِيْجِ” قَدْ هُرِعُوا

عَلَى الهَجِيرِ وِمِنْكَ القَلْبُ مُنْصَدِعُ
مِنْ دَمْعِ أُمِّيْ عَلَى الأعْضَاءِ يَنْخَلِعُ
فَلَسْتُ أَنْسَى رَضِيعِيْ وَهْوَ يَنْصَرِعُ
وَقَلْبُهُ فِيْ انْتِظَارِ المَاءِ مُنْدَلِعُ
لا تَقْتُلِ الطِّفْلَ.. إنَّ الحُزْنَ لا يَسَعُ!
بِسَوْطِهِ جَاءَ أَطْفَالِيْ إذا جَزَعُوا
فَوْقَ النَِّيَاقِ عَلَى الأَحْبَابِ تَفْتَجِعُ
أَكْمَامُ نَظْرَاتِها بِالزَّجْرِ تُنْتَزَعُ

فَالوَقْتُ ذِئْبٌ مُخِيفٌ وَالمَدَى سَبُعُ
رَصَاصُ خَيْبَاتِهِ فِيْ القَلْبِ يَنْدَفِعُ
فَطَارَدَتْنِيْ عَلَىْ أَبْوَابِهِ الخِدَعُ
لَدَيْكَ مِمَّنْ بِذَبْحِ الفَجْرِ قَدْ شَرَعُوا
ودَلْوُهُ فِي قُلُوْبِ النَّاسِ يَرْتَفِعُ
مِنْ سَطْوَةِ الظُّلْمِ ذَاكَ الأحْدَبُ البَشِعُ
لِتَرْتَقِي حَيْثُ سَفْكُ الحُلْمِ يَمْتَنِعُ
يَدُ الغُيُوبِ عَظِيمَاً لَيْسَ يَرْتَدِعُ
والثَّائِرُونَ ثِيَابَ البُؤْسِ قَدْ نَزَعُوا
تَرَاهُمُ فِيْ غَرَامِ المَجْدِ قَدْ وَقَعُوا