تجليات الطف في جسد منهك حبيب

يا شاطئ الوجدِ خان القلبَ iiزورقُهُ
لي دمعةٌ كلما فارت على iiجهةٍ
لمَّا تفتَّح بابُ (العاشر)iiاندلقت
بي مثلُ جيشٍ بأرض الطف روعها
وفي فؤادي خدرٌ لا يزال iiلظى
وبين جفنيَ ماءٌ لم أكن iiأبدا
أنا مخاض دموعٍ أُجهضت iiعَنَتا
في كل ناحيةٍ مني نما iiغصُنٌ
تصوغني (الطفُّ) حتى لم أعد iiأحدا
هنا (الطفوف) تجلت في ثرىiiجسدي
هنا أصيب (عليُّ بنُ الحسين) iiوقد
تموجتْ كربلا وجداً على جسدي
كل الكواكب قد خرت هنا iiوهنا
لمّا هوى دونما كفًّ قذفتُ iiله

هنا الحسين وحيدا ظل في iiرئتي
ما الْتمَّ جيشٌ على العطشان في iiجسدي
لم ينعقد كبدي إلا iiليحرسه
لو لا (المثلث) لم يقتصَّ من iiكبدي
هنا توزع سبط المصطفى وعوت
ما زارني أحدٌ لما غفا iiبدمي
هنا دفنتُ حسيناً بعدما iiعجزت

يا واصلا في الفدا أقصى العطاء ومن
لم يكذبِ االموتُ إلا حينما اعترضت
قد كنتَ وحدك لما سلَّ أسيُفَه
هم وزعوك ولكن في القلوب iiفما
أشرقت في كل قلب كالصباح وما
ما كان يجري على وجه الحياة دمٌ
هناك أنت على جذب الحياة iiيدٌ
ما كان أكرم من جرحٍ عرجتَ iiبه
أعطى الوجود يديه وانثنى iiأسِفا

ما أبدع الجسد المجروح في iiنغمٍ
قد كان أصدق راوٍي وهو iiمنجرحٌ
إن الحديث الذي يصغي الزمان iiله
ما كان أصدق من جرح أبان به
إن الجراحات إن قالت فقد iiصدقت

تعوي الرياح ولا صوت هناك iiسوى
مدت هناك لك العشاق iiأيديها
لما انفتحت على جرحٍ فتحت لها
يا أيها العبقُ المبذور في دمنا
هذا أنا العاشق المفتون iiيتعبه
بيني وبينك آلاف الغيوم إذا
تقودني نحوك الأرزاق أطلبها

ولم يعد غيرُه للحزن iiأُطلقُهُ
يرسو بها زورقي المكسور تُغرقُه
وقد أقامت سنينَ العمر iiتطرقه
جيشٌ على الخد جرارٌ iiأُرقرقه
من أشعل النار في الخيمات يحرقه
لو لم تُصَب قربة (العباس) iiأهرقه
قد كانت الطفُّ بالأرزاء تَطلَقُه
لمّا يزل دمع (عاشوراء) iiيُورقه
غيرَ الذي هذه الأرزاءُ iiتخلقه
في كل عضو شهيدٌ ظل يُقلقهُ
كان الحسينُ على جفنيَّ iiيرمقه
لما مضى السبط من خديه iiيلصقه
يؤمها القمر المفضوخ iiمفرقه
روحي إلى هذه الرمضاء iiتسبقه

إذا تصعّد فيَّ الحزنُ iiأشهقه
إلا سعت كل أعضائي iiتُفرِّقه
يذود عنه زماناً راح iiيرشقه
لَمَا انتهى لحشا المولى iiيمزّقه
فيّ الرياح على جسمٍ iiتطوقه
إلا الذي مر بي في الليل iiيسرقه
أن تمنعَ الخيلَ روحي يوم iiتسحقه

مُدت إلى مطمح العشاق iiأعدقه
منك الجراحات .. خان الموتَ iiمنطقه
ولم يكن غير هذا النزف iiتمشقه
ضر البغاة أبا الأحرار لو iiفقهوا
مر الردى في فؤادٍ أنت تُشرقه
لو لم تُروَّ بما أعطيت iiأعرقه
أنى يمد الفدا كفيه iiتغدقه
ولا جراح أخيك الفاض iiمفرقه
مذ جف من كفه ما كان iiينفقه

عن الفداء على الدنيا iiيموسقه
لم يفتأ الملأُ الأعلى iiيوثِّقُه
هو الحديث الذي لا زلال iiيدفقه
وأصدقُ القول في مبناه iiأعمقه
يا رُب أخرس بذَّ الكون منطقه

صوت الحقيقة من أشلاك iiتُطلقه
في محشرٍ تاه في الأزمان iiرونقه
الباب الذي ليس يقوى الظلم iiيغلقه
لا بد كي تفرُعَ الأرواح تنشقه
طول السرى والحنين الغمر يرهقه
ما أرعد الشوقُ روحي رحت iiأبرقه
وأنت أكبر ما في الدهر iiأُرزقُه

حبيبٌ لا أغادره

الحمد لله حمداً لا أغادرهُ
والشكر لله لا منّاً أجاهرهُ

ربي تبارك من رب له كرم على البرية ما انفكت مواطره
سيلاً تحدّر بالإحسان منهمراً بالبشر والسعد لا تحصى مصادره
له من الفضل والإنعام سابقة ومن تجاوزه الأوزار وافره
فظلَّ فيه يرجّي الخيرَ كافره وزاد في الخير والعلياء شاكره
وكنت في بيته أرنو إلى شرف فلم يدع ليَ من خيرٍ أناظره فضمني في صفوف المجد عامره
ولم يدع ليَ من شرٍ أحاذره
فاسئل فؤاديَ ما ينجيه من غضبٍ واسئل جبينيَ عن نورٍ يلاحقني يومَ الحساب إذا تبلى سرائره
يتيه عشقاً به كالصّبِّ ناظره
واسئل معاتبتي والوصلُ منقطعٌ تقول مالك قد أنكرت صحبتنا والدمع مرتجَعٌ تذكو مشاعره
وليس يصلح للمعروف ناكره
وقد تركت ربوعَ الود معتزلاً قد كنت أبرع بحّارٍ يسامرني عن الجميع وقد جُنت جآذره
وكنت أمرع بستانٍ أجاوره
سلوتُ عن وصلها أسمو إلى شرفٍ وذبتُ فيمن أحارتني مآثره
ظلٍّ تبلور فوق الماء واتسقت تجري على مهَلٍ نشوى وقد نسجت به النجومُ وزانتها أزاهره
من سحر طلعته دفئاً تعاقره
تنام في كفه إن لاح مبتسماً تبيت مشدودة إما يحاورها وتستنير متى ما شاء ساهره
وفي التلألئ والمسرى تحاوره
كأنني إذ أجوز الكون مرتحلاً أمشى على هدي ما خطت رواحله في وصله وهو مسحورٌ وساحره
ما ضل من سار في درب يسايره
كأنه البحر ممدودٌ ومتصلٌ نذوق في فيضه سر الحياة ولا في السطح مائره والقاع زاخره
نهون يوماً وقد شُدّت أواصره
يبقى على العز من يأتيه مؤتمناً هو السفينة للغرقى وقد صمدت فالعمر وارده والدهر صادره
مهما تعالى من الطوفان طامره
وهو الملاذ إذا حل الظلام على وهو الحبيب الذي أرنو لرؤيته قلب المخوف متى دارت دوائره مهما فقدت بها شلواً تطايره
ما كلَّ زائره ما مل ناظره هو النشيد الذي في لحنه رقصت ما ذل ناصره ما ضل شاعره
أرواح شيعته عشقاً تشاطره
توافدت ترتمي في حصنه فبه به تروِّي زماناً جف وابله تلقى الحياة وتلقي ما تخامره
لكي يفوح من الآمال شاغره
تسبح الله في كهف به سكنت لو قطعوا فيه أوصالي وما حملت هل تطمئن قلوبٌ لا تذاكره
وكشر الحقد خافيه وظاهره
واستأجروا مفتياً يرمي قنابله واستأزروا عابد الطاغوت منسجراً على الطيور لترديها كواسره
وجاء إبليس بالفتوى وآمره
وحوّلوا قبة الأنوار عن فلك لما لقوا بين ذراتي وأعظمها بها يدور وفيها قر سابره
إلا الحسين حبيباً لا أغادره
تشع بالخير والنعمى محاسنه وتنزل الليل والسكنى ضفائره
إن تلتقِ الأنسَ نفسي فهو مؤنسها به سموت على الدنيا وما وسعت أو دق ناقوسُ قلبي فهو ناقره
وطفت من حيث ما طافت بشائره
الباسط الكفّ من تحت الكساء إلى والمسكر الناس من حلمٍ ومن أدبٍ كفِّ المحبين والسلوى تذافره
والناشر الجود لا تخفى جواهره
والطاوي الكشح للمسكين معتكفاً والكاظم الغيظ عن قوم إذا جاهلوا والمطعم العبد إما ضن آسره
والمنزل الموت إما ثار ثائره
والفارس الأوحد الصنديد ، ما صمدت هو الكميُّ الذي مازال منتفضاً له الأسود إذا شدّت أظافره
ومن عرين بني الكرار خادره
مازال في جنة الرضوان سيدَها هو الحسين ومن مثل الحسين حماً وفي الدنا ترتقي دوماً مفاخره
عند الوطيس إذا حلّت فواقره
الضارب الصفح إلا في الضراب فلا النازع الحق من أنياب غاصبه يطيل في عمر قتّال يناوره
والمرتدي في اللظى قلباً وشاهره
يصيح هيهات منا أن نذل ولم فقارع الجبت والطاغوت محتسباً نذق من الصبر ما الرحمن عاذره
وقلَّ إلا من العباس ناصره
فبات في الحل والتأريخ فارسها
** وظل في غضب الجبار واتره

يشيد بالبطل العباس شاعرهُ كما يغرد في البستان طائرهُ
ما أنجبت حرة شمساً ولا قمراً كأنما فالق الإصباح أوقده كناصر السبط ما أحلى غدائره
في الأرض فهو ضياها وهو ساتره
إن قابل الناسَ جاء النور يسبقه طوبى لروحك يا أم البنين ويا وإن مضى فسكون الليل دابره
رمز الحنين ويا درساً نثابره
لقد رفعتِ من الأقمار أربعة لكن قومك يا أم البنين أتوا ومن وليدك هذا جلّ ناشره
من الوليد عجاباً لا أخاتره
فها هو الوالد الكرار أولهه يقبل العينَ والكفينِ مرتجعاً من جسمه الغضِ باديه وضامره
ويحمد الله ما شعّت مناحره
وهاهو المجتبي والمجتبى علمٌ يرنو إلى الطفل حتى خلت أنهما جلت مآثره قلت نظائره
بين الرياحين مفتون وآسره
وهاهو السيد السبط الشهيد به يحنو على ما بدا من حسن طلعته كالمستهام يناغيه يسارره
ويرشف الراح مما فاح ثامره
ما أجمل الطفلُ في كفِّ الحسين وفي يدير عينيه في عين الحسين وفي حجرِ الحسين زماناً لا يغادره
نحر الحسين فما تعني مناظره
ما بالُ طفلك يا أم البنين فقد بالله ردي أمن عيب بخلقته أبكى الزهور وما رفت محاجره
فكيف والفرقد العالي يجاوره
وكيف والشمس خرّت يكي يباركها والمكرمات تنامى عن شمائله والكائناتُ له تترا تسامره
كالطود لا يرتقيه من يكابره
الرابط الجأش في حزم على صغرٍ ما عسَّ في قارع الكفار منسدلاً ماذا سيُحدث إما اشتد كاسره
إلا تهاوت على البيدا مغافره
مازار جيشاً تعاديه بواتره في كفّه سجّر الجبار هاويةً إلا تولى تؤاخيه مقابره
وراكمت بأسها فيه عشائره
وزينبٌ شدها من بين إخوتها ولم تزل زينبُ الحوراءُ تطلبه له من الود ما تخفى بصائره
إلى الوفاء فلا تكبو مشاعره
حتى أتى الشاطئ الغربيَّ مرتجزاً والعلقميُّ به الحياتُ فارعةٌ أروي الحسينَ ولا تظمى حرائره
وفي بطون مناياها فواغره
والسلسبيل به يجري وقد ولغت والأرض لاهبة والنخل كالحة فيه الكلاب وأقصى الريح ناجره
وفي الجوار من الجاريِّ فاتره
والمارقون أتوا والناكثون جثوا والشرك أطلق في الميدان قارعَه والقاسطون قضوا مالله حاضره
واستنفرت كالثرى عدّاً عساكره
جيشاً له من شرار الجن رادفة فاستحصلَ القمر العالي إجازته وللسهى من أياديه حناجره
وانسلَّ للأرض تحذوه زماجره
وأقحم المهرَ كالزلزال بينهمُ وخيّم الموتُ والآجالُ شاخصة حتى بدت في نواصيهم حوافره
وجال في ركَب الشجعان ذاعره
وأظلم الأفقُ من وقع الضراب وهم ولم يزل فيهمُ يجني الرؤوسَ ولم تحت الحراب وثكلاهم تهاتره
يزل يمنّيه ربي ما يخامره
فأبدل البارئُ الكفّينِ أجنحةً ولم تزل رايةُ العباس خافقةً واسترجع المحجرَ المكسورَ جابره
صفراء في موجها عزّت محاوره
ساءت وجوهَ بني صهيون وانتصبت وقد سقاها أبو هادي مفاجأة على الجنوب فأعيتهم منابره
ذلّت لها من حصون الشرك ساعره
وأرسلوا رابع الأجيال فانتشرت لاغرو من سيّدٍ يغذو بسالته على القرى حيثما حلّوا مقابره
من الحسين وفي العباس غابره
فكفّه من يد العباس ركبها هو المفاجأة الكبرى وقد قربت والسبط قائده والله ناصره
بها تَغيّرُ في الوادي مصائره
وجالت الراية العظمى مراقبة يؤمها القائمُ المهديُّ منتصراً ما بعد بعد ، وقد هبّت بوادره
وتكتسي باللقا كحلاً نواظره

نَـافُورةُ الأحـرَارِ

جَرَسْ:
لأنَّكَ الماءُ والحبُّ والثورة ..

ثَاوٍ وَنَافُورَةُ الأَيْتَامِ تَرْتَفِعُ
وَيَجْلِسُ النَّهْرُ فِي مِحْرابِ أضْلُعِه
يَسْتَغْفِرُ النَّحْرَ .. تَبْكِي ضِفَّةٌ ألَمَاً
وَالرَّيحُ تَمشِي عَلَى عُكَّازِ حَسْرَتِها
نَحْوَ السَّلِيبِ كَأَنَّ الحُزْنَ رافَقَها
مُمَزَّقَاً كانَ .. تَطْفُو فَوْقَ مَنْحَرِهِ
أَنَا الذَّي أَثَّثَتْ طَعْنَاتُهُمْ جَسَدِي
أَنَا الذَّي قَطَّعُونِي في الهَوَى قِطَعَاً

فِي كَرْبَلاءَ أَضَاءَ المَجْدُ شَمْعَتَهُ ال
كَغَيْمَةٍ حَبُلَتْ بالضَّوءِ فَاجأَها
أَنْهَيْتَ للحَقِّ فِي الدُّنيَا مَجَاعَتَهُ
يَدَاكَ تُبْحُرُ فِي الأَرْواحِ بَاحِثَةًَ
فَتَغْسِلُ الخَوْفَ عَنْ أَجْفانِها وَإِذا
يَا كَاتِبَ الحُبِّ فِي قُرآنِهِ وَطَنَاً
لَكَ الدُّموعُ تَحُثُّ الخَطْوَ .. إنَّ بِها
زَحْفاً إِليْكَ عَلَى الأَحْلامِ تَقْصِدُكَ الـ
هُمُ الخُلُودُ.. عَلَى رِجْلَيِْنِ مِنْ شَغَفٍ

كَأَنَّنِي بِكَ يَا مَوْلايَ فِي أَلَمٍ
تَقُولُ: لا تُسْتُرُونِي إنَّ لِي كَفَنَاً
ولا تَرُشُّوا بِمَاءٍ وَجْهَ أَتْرِبَتِي
ظَامٍ عَلَى أَذْرُعِيْ أَقْبَلْتُ أَحْمِلُهُ
حَتَّى أَتَى السَّهمُ مَجْنُونَاً فَقُلْتُ لَهُ:
لا تَغْسِلُوا جَسَدِي إنِّيْ أَرَى شَمِراً
لا تَحْمِلُونِي عَلَى نَعْشٍ وَبِنْتُ أَبِي
وعينُهَا كُلَّمَا حَنَّتْ إلَى جَسَدِي

يَا سَّيدِيْ لَمْ يَعُدْ فِي الأرْضِ مِنْ وَطَنٍ
تَجْتَاحُنِي غُرْبَةٌ رَعْنَاءُ .. بِيْ زَمَنٌ
ظِلِّيْ بَقِيَّةُ أَوْطانِيْ سَكَنْتُ بِهِ
جِرَاحُنَا يَا أَبَيَّ الضَّيْمِ لاجِئَةٌ
لَأنتَ بِئْرُ إِبَاءٍ فَاضَ فِي أَلَقٍ
فَتِلْكَ تُونُسُ بَالأَحْرَارِ قَدْ عُتقَتْ
وَمِصْرُ تَخِْرُجُ مِنْ جُبٍّ يُحَاصِرُها
يَا أَيُّهَا المَدُّ والطُّوفانُ تَحْمِلُهُ
مُضَرَّجٌ بِدِماءِ الرَّفْضِ عَالَمُنَا
وَحِيْنَ يَقْضُونَ دُونَ الحَقِّ نَحْبَهُمُ
مِنْ قَلْبِهِ حَيْثُ سَهْمُ المَاءِ مُنْزَرِعُ
كَالرَّاهِبِ الكَهْلِ إِذْ ينتَابُهُ الوَجَعُ
وَضِفَّةٌ مِنْ دِمَاءِ النَّحْرِ تَمْتَقِعُ
مَحْنِيَّةَ الرُّوحِ.. مَسْعورٌ بِهَا الجَزَعُ
لِيَلْتَقِي مَنْ بِهِ الأَوْطانُ تَجْتَمِعُ
شَوَاطِئُ البَوْحِ والأزْمانُ تَسْتَمِعُ:
وَغَادَرُوني عَلَى الرَّمضاءِ أَضْطَجِعُ
إلا امتِدَادِيَ نَحْوَ اللهِ ما قَطَعُوا

أُولَى فَظَلَّتْ عَلَى التَّارِيخِ تَلْتَمِعُ
طَلْقُ الحَضَارَاتِ.. كَانَتْ تِلْكُمُ البُقَعُ
وأنتَ آخِرُ مَنْ يُعْنَى بِهِ الشَّبَعُ
عَنْ فِكْرَةٍ ضَمَّها فِي صَدْرِهِ الهَلَعُ
مرَّتْ بِضِيقٍ فَذَا مَعْناكَ يتَّسِعُ
مِنْ قَلْبِه أَنْهُرُ التَّرْتِيلِ تُقتلَعُ
مُلُوحَةُ الشَّوقِ أَصْلٌ مَا بِه بِدَعُ
عُشَّاقُ والمَوْتُ يَا مَوْلايَ مُصْطَنَعُ
يَعْدُو إِذَا فِي هَوَى “طْوِيْرِيْجِ” قَدْ هُرِعُوا

عَلَى الهَجِيرِ وِمِنْكَ القَلْبُ مُنْصَدِعُ
مِنْ دَمْعِ أُمِّيْ عَلَى الأعْضَاءِ يَنْخَلِعُ
فَلَسْتُ أَنْسَى رَضِيعِيْ وَهْوَ يَنْصَرِعُ
وَقَلْبُهُ فِيْ انْتِظَارِ المَاءِ مُنْدَلِعُ
لا تَقْتُلِ الطِّفْلَ.. إنَّ الحُزْنَ لا يَسَعُ!
بِسَوْطِهِ جَاءَ أَطْفَالِيْ إذا جَزَعُوا
فَوْقَ النَِّيَاقِ عَلَى الأَحْبَابِ تَفْتَجِعُ
أَكْمَامُ نَظْرَاتِها بِالزَّجْرِ تُنْتَزَعُ

فَالوَقْتُ ذِئْبٌ مُخِيفٌ وَالمَدَى سَبُعُ
رَصَاصُ خَيْبَاتِهِ فِيْ القَلْبِ يَنْدَفِعُ
فَطَارَدَتْنِيْ عَلَىْ أَبْوَابِهِ الخِدَعُ
لَدَيْكَ مِمَّنْ بِذَبْحِ الفَجْرِ قَدْ شَرَعُوا
ودَلْوُهُ فِي قُلُوْبِ النَّاسِ يَرْتَفِعُ
مِنْ سَطْوَةِ الظُّلْمِ ذَاكَ الأحْدَبُ البَشِعُ
لِتَرْتَقِي حَيْثُ سَفْكُ الحُلْمِ يَمْتَنِعُ
يَدُ الغُيُوبِ عَظِيمَاً لَيْسَ يَرْتَدِعُ
والثَّائِرُونَ ثِيَابَ البُؤْسِ قَدْ نَزَعُوا
تَرَاهُمُ فِيْ غَرَامِ المَجْدِ قَدْ وَقَعُوا

تَغْرِيْبَةُ العِشق

أغرى جَنوبٌ أو أَغارَ شَمـالُ؟ فلكربلاءَ تحمحـمُ الأوصـالُ
قُمْ وانظر الشّوق الذي بِدَواخِلـي أرأيتَ كَيفَ يُباغِتُ الزِّلْـزَالُ ؟
فلطَالَمـا أشْعَلتُهـا تَهْويمَــةً وكأنّ كُـلَّ طُقوسِهـا استِهْـلالُ
فإذا نَطَقْتُ تَذوبُ رُوحِي فِي فَمي وعَلى شِفاهي تَرْتمـي أَنْصَـالُ

سَنَةً على سَنَةٍ أُنـوْرِسُ لَهْفتـي وأنا الشَّرانقُ مَوْطِنـي أغْـلالُ
حَوْلاً عَلى حَوْلٍ أُتّرْجمُ صـبوتي فَتَضيقُ بي الأَوْصَافُ والأَحْوالُ
غَازَلتُ أُمْنيةً فَرَمَّضَهـا الأَسَـى وغَدا يذَعذعُ ريحَها الوِلْـوالُ

وتَعودُ لي في الأَرْبِعيـنَ قِيامَـةٌ مـن كُـلِّ فـجٍّ شائقٍ تَنْـثـالُ
جبريلُ أقبـلَ في البُـروجِ يزفّها وبَنَـاتُ نَعْـشٍ ساقَهـا مِيكـالُ
والشَّمْسُ هَرْولَتِ السَّماءُ بإثرِهـا لتَضيعَ مِـنْ حُسْبانِهـا الأَميَـالُ
وإرادَةُ الأرْضِ استَمالَت للجَـوَى إنَّ الجَـوَى فـي طبْعِـهِ ميّـالُ
للجَنةِ الحُبلَـى وسِـدْرةِ مُنْتَهـى فشعابُ طُوبَى حَبْـوةٌ وظِـلالُ

والعَاشِقونَ على الخُلودِ تَزَاحَـمُوا الصّلْـتُ والمَشَّـاءُ والخَـيَّـالُ
تَتَعَصْفرُ الضَّحِكاتُ وسْطَ نَشيجِهِمْ أَرَأَيتَ كيفَ يُكَرْكِـرُ الأطفـالُ؟
اللهُ طافَ عَلَى السُّهـوبِ أَمَامَهُم والأنْبِـــياءُ تَحـفُّهُـمْ والآلُ
والمُصْطَفى في المشْعرين صَلاتُه حتّى يؤذِّنَ للنَّـفير بِــلالُ :
“اللهُ أكبرُ” ،والعُطورُ تَراكَضَـتْ ومِن الضَّريـحِ تدفّـقَ الشَّـلاّلُ

وبِهيدَبِ الدَّمْعِ استرَاحتْ غَيْمَـةٌ ،العُشْـقُ مِـن سَلسَالِهـا سَيـَّالُ
نَكَفتْ بمنديلِ الوِصَالِ شجونَهـا وسطَ الفَراديـسِ التـي تَخْـتـالُ
والمُسْتحيـلُ تفتُّـهُ دَعَواتُـهـا لا يَستقيمُ مَـعَ الحُسيـنِ مُحَـالُ

الصَّابئون عَـلى شَريعةِ غَـفْلتي دَرجوا على حُكْمِ الرَّدى أو مَالوا
والرَّاحلون هوى الحسـينِ أجنَّهُم وأنا كَحَظِّـي صَخْـرةٌ مِعْطـالُ
كانُوا هُناكَ وكُنْتُ أَحْصِدُ شَقْوتي والشـعرُ أكثر خُبْـزِه أطلالُ

فإذا العُذوبَـةُ أنَهَـرَتْ شطآنهـا و السَّاحلون بقُربِهـا لا زَالـوا
وغَدَوتُ أهتفُ يا نَبيَّ صَبابتـي حتّامَ يكبـرُ للجَفَـافِ مِطَـالُ ؟
لم يبقَ في التَّقْويمِ رقـمٌ حَائِـرٌ إلا عَليْـه بَكى ورَقَّ الحَــالُ

تغريبةٌ للوَجْـدِ بيـنَ حرائقـي والشَّاهِـدان الفجْـرُ والآصَـالُ
مـا نقطـةٌ بمساحتـي قارَبْتُها إلا يجوسُ بصَدرِهـا الترْحَـالُ
فمتى ببُشراكَ القميصُ يعيدُ لـي بَصَري فأنتَ اليوسُفُ المِفْضالُ؟
ومتى قِطافُ الاصْطبارِ يَلوحُ لي فأنـا وكُـلُّ المُتعَبيـنَ سِـلالُ
عدني إذا مَلَكوتُ عُشْقك ضَمَّنـي ونَمَا على أَعْتابِـكَ الصِّلصـالُ
وأَتيْتُ يَخْتمرُ الأوارُ برَهْبـةِ (ﻤ) اللُّقيـا ورنّـحَ عُـودَه التِّمثـالُ
ولَبَسْتُ درعَ الصَّمتِ في تَغْريبتي (والصَّمْتُ في حَرمِ الجَمالِ جَمالُ )
عدْني أُسافرُ في هَواكَ مُحَـرَّرا عدْنـي بِـأنْ تتفتّـحَ الأَقْـفـالُ
وإذا انسكبتُ على يديك قـصيدةً عدنـي بــأنْ يتعنّبَ المــوّال!

وقفةٌ مع الحسين

 

 

 

خبّـأ َ الليل ُ في ثناياه ُ صَدحكْ

فَتـَنَفَّسْتَ – ساعةَ الموتِ – صُبحَكْ

 

حملتْكَ السَّماءُ ديمةَ خير ٍ

لعيون ٍ -إنْ جٌعْنَ – يـَقطفْنَ لَمحَكْ

 

لفنّـا الجدبُ فالمسافاتُ شوك ٌ

– مــرَّ ما مـرَّ – وهي تندبُ قَمحَكْ

 

مـرَّ ليلٌ من العويل ِ طويلٌ

باتَ وسنانَ وهو يرقبُ فَتحَكْ

 

جبَلٌ أنتَ كـلَّـلَــتْكَ سمانا

بانحناآتها ولم ْ تـَعْـدُ سَفحكْ

 

قِمــَّة ٌ أنتَ والجميع ُ حضيض ٌ

ولهذا حفرتَ بالرأسِ رُمحَكْ

 

جئتُ منّي اليكَ أحمل ُ قلبا ً

بُلبلاً تائِهاً وأبصرَ دَوْحَكْ

 

أتلـوَّى ماء ًلتشربَ منّي

عَلــّها أنْ تمّسَ روحيَ روحكْ

 

عَطشٌ أنتَ كلُ جِسمِكَ مِلح ٌ

وأنا الآن َ جئت أحصدُ مِلحَكْ

 

لا تبُحْ بالظما لأنــّكَ ماءٌ

أنا أخشى ان تُسمِعَ الكون َ بوحَكْ

 

وَحدكَ الآن َ لا صديقٌ مُعينٌ

لا عدوٌّ ناجٍ فيطلب ُ صُلحَكْ

 

وحدكَ الآنَ أنتَ للكون ِ قُطبٌ

دارَ –ويحاً – وأنت قد قلتَ “ويحَكْ”

 

جئتُ وحدي – أيضاً -ولكنَّ أوجاعي

ذنوبٌ وتلك َ تنطرُ صَفحَكْ

 

جئتُ أبكي ولا تَلُمْ ضِحْكَ وجهي

إنّني لإحتشادِ حُزني أضحَكْ

 

جئتُ أبكي وغادرت ْ عُشبَ روحي

لُغتي إنّها ستحصِدُ فَرحَكْ

 

قبلَ أنْ يبتدي الكلامُ انتهينا

قَرحُها الناسُ ليس َ يشبهُ قرحكْ

 

شفتايَ المحمرّتانِ … حُسينٌ

وإنتحابي-يا أنتَ -يعشقُ نوحَكْ

 

يا رسولَ البقاءِ علــِّمْ جِراحي

تتهجّى .. علّي أُصافِحُ رُمحَكْ

 

ها وإنْ جاعَ جُرحُكَ المتدلي

ما الذي يا –أنا – ستُطعِمُ جُرحَكْ

 

هلْ سمعتَ الأنينَ يمتدّ ُ في الأُفقِِ

دِماءً حتى يوشِّـحَ صَرحَكَ

 

ألإنَ العراقَ دَمعُكَ يجري

قرّروا للنضوبِ – يا سِبطُ – مَنحَكْ

 

ألإنَّ العراقَ صارَ رِماحاً

لكَ راموا بغير كُنهِكَ فضحَكْ

 

خِسئوا..أنت َ بإمتدادِكَ سيفٌ

تتحدّى رُغمَ المريدينَ قَدحَكْ

 

أحرُفي كُلُّها أمامك َ خَجلى

فهي جوفاءُ ليسَ تبلغُ شَرحَكْ

 

كانَ مدحي إنّــي ذكرتُكَ حيّاً

إنما أنتَ كانَ موتُكَ مَدحكْ