النص الثالث: مدونة الجراح

 

ما دام نصلُ المبضع المعتوه يفري 
والسؤالُ كما الهوى العُذريّ يرفض أن يخون..
بح لي بسرّك أيها المتسنّمُ العلياء والمنذور للمثُلاتِ حين بصرتَ ما لا يبصرون!
و رسمت خارطة الجراح لكي يمرَّ العابرون 
بُح لي أيا قطبَ الرحى  
واقدح بأسئلتي اللجوجة ومضةً من قبل أن ينتابني غلس الجنون: 
هل ثمّ جرحٌ في نبوءاتِ القصيدة ليس تدركه الظنون؟! 
….
لي إصبعٌ بترت وسالَ الحقّ منها كالشهاب 
مملوءة بالضوء يصهلُ من إشارتها الجواب
لا ريبَ فيها لا يداخلها التباس في تفاصيل الرواية وارتياب 
فالخنصرُ المقطوعُ بسمل بالنجيع صراطه المبتور من أمّ الكتاب 
أي انبعاثٍ ملهمٍ بالوحي رتّل خنصري؟ 
بل أي شعرٍ عبقري؟
والذاريات تسيل عطراً في تخوم الكوثر 
فإذا التوجع سورةٌ والروحُ تنزفُ من قرون!

لكنّ جرحاً من نبوءات القصيدة ليس تدركه الظنون!

لي ندبةٌ شقت مدار النور من قمر الجبين 
يخبو ويشهق في ثناياها الأنين
و الصخر يوغل سادرا ويشكّ زنبقة الندى بالياسمين
و برعشة الجفنين تنبت سوسنة 
وأكاد أجزم أنني 
بالأحمر القاني هزمتُ الفرعنة 
و قهرتُ ليل المستحيل بمعجزاتي الممكنة 
لأهزّ جذع الوقت
إذ يسّاقط  الحزن الشهي وأقطف العبرات وهي معرجنة 
وتصيح في سمع الوجود مؤذّنة 
فإذا الصلاة شهادة والروح تنزف من قرون 
لكنّ جرحاً من نبوءات القصيدة ليس تدركه الظنون! 
….
صدري كما سينين
يغفو الطورُ في صدري
أرى القرآن والإنجيل والتوراة في أبديَّة الترتيل والسحر الخبيء    
لا تسألوا ماذا وكيف
وطيشها الملحاح يفتق دارة النور الوضيء
شعبٌ ثلاثٌ 
والمثلث سهمه المخنوقُ في رئتي كبركان يجيء 
وأرى الكواكب حينما علقت بأودية المجرة نازفة
هي خائفة
وإذا انحنيتُ تمر من ظهر الجواد العاصفة 
كالطود بين الخيمتين رأيتُ زينب واقفة 
فإذا الوداع مؤجلٌ والروح تنزف من قرون!
لكنّ جرحاً من نبوءات القصيدة ليس تدركه الظنون! 

قلبي بسيفٍ مثخن
و على شراييني القصيدةُ ذابلة
والجرح نزفٌ لا يريمُ  وكان يحصدُ في الشعور سنابله
من قال أن البحر يهجرُ ساحله؟ 
من قال أن الحرف ينكرُ بالنبوءة قائله
ومتى مواريث النبوة في مدى الطوفان تسكتها الرؤى المتخاذلة ؟
هل عمّم التاريخُ أقداري فصار بشرعها المقتولُ يقتل قاتله؟ 
أم أن عين القلب في أفق البصيرة مثلما الموءودة الحيرى إذا دفنت وطوقها الثرى لتسائله
فإذا الفضاء قيامة والروح تنزف من قرون!
لكنّ جرحاً من نبوءات القصيدة ليس تدركه الظنون! 
……..
للنحرِ ما للنحرِ وسط فجيعة الذبح المهيب
شفقٌ يؤوله المغيب
وجعٌ تلوّى يفجئ الأنفاس من نصل العذابات التي قد شاخ فيها الطفلُ من قبل المشيب 
والمُدية الحمراء تفرط سبحة الأقدار 
تأتي كالزوابع صاخبة..
وتدوزنُ الكدمات 
في عنق النجوم الشاحبة.. 
فإذا المنافي صيحة والروح تنزف من قرون!
لكنّ جرحاً من نبوءات القصيدة ليس تدركه الظنون! 
….
متدفقا من طعنةٍ في الظهرِ
تشخبُ من سماواتي مزاريب المطر 
والسهمُ عاد بطعنةٍ حبلى 
وحين أعرتُ قرباني السماء
فللمشيئة و القدر…
صلى الرذاذ و طار مختوما و يلهم عنفوان 
بوحا سماويا رهيف اللحن متزنا ومتئدا و يبدع كل آن .. 
فإذا القروح نداوة والروحُ تنزف من قرون!
لكنّ جرحاً من نبوءات القصيدة ليس تدركه الظنون! 
….
حولي ضبابٌ معتمٌ
و الحرُّ في عيني غبش..
عطشٌ عطش

وبه الفواخت واليمام جناح صبر وارتعش

والخاطر الظمأ المعذب واللسان

يذوي ويحترق الدخان
و على الشفاه الذابلات تكثّفَ الآهات ملحمة بأبخرة السديم 
مخطوطة وشقوقها الصفراء كالسفر القديم
أو كالهشيم
فإذا البكاء مجفف والروح تنزف من قرون!
لكنّ جرحاً من نبوءات القصيدة ليس تدركه الظنون! 

في لوحةٍ طفّيةٍ محروقةِ الأطراف من نار الخيام 
يتسربل الأشواكَ جرحٌ في خبيئته كلام  
حملته ساريةُ الرياح 
فصار يلسعني بأمضى من سهام
وسمعتُ طفلتي الصغيرة تستجير بجمرةِ النيرانِ من كينونة الرمضاء 
ذابت خطوُها 
والشمسُ ترسلُ وعدها المشبوبَ 
توقده فتيلا حين يسجرُ باحة الموت الزؤام 
فإذا الهجير مواربٌ والروح تنزف من قرون!
لكنّ جرحاً من نبوءات القصيدة ليس تدركه الظنون! 
….
ماذا يقابل ضلعي المطحونَ في وضح النهار ؟
من شلّ قرص الشمس 
غطاها وأسدل عن حكايتها الستار؟
لا لم يكن برواية الأشلاءِ ورداً أو بقايا جلّنار
فالأعوجيةُ وسط مضمارِ الضلوع تحمحم ُ
و تحلق الأضلاع أجنحةً إذا نزَّ الدمُ 
ترك المدى المفتوحُ في صدري ثقوباً للهواء 
يترنح الجسد النثير بها فيحرقني الخواء
فإذا الفضاء سنابك والروح تنزف من قرون!
لكنّ جرحاً من نبوءات القصيدة ليس تدركه الظنون! 
….
فوح الخزامى كنتُ
رأسي يملأُ الطشت انبهاراً 
والقضيب ينثُّ أسناني ويعصر من شفاهي محبرة 
والطشتُ يوجز نشرة الأوجاع بعد المجزرة
كانت تراقبني وأرقبها 
سبايا مثلما البلور دمعتها تؤثث غصة أخرى وتطلق بحّةً متكسّرة  
والغمغمات بلوحةِ الشغف استثارة دمعتين 
من طفلةٍ مذعورةٍ سكبت مدادَ حنينها ما بين بين..
أواه من حزن الطفولة حين يومض كاللجين !
نادت ليصطاخ المدى للهمس : يا أبتي حسين  
فإذا الجهات غريبة والروح تنزف من قرون!
لكنّ جرحاً من نبوءات القصيدة ليس تدركه الظنون! 
…..
لي ثورةٌ خضراءُ ترفدها الشهادة من عناقيد الدماء.
قيماً و ماء..
لتضوع من عطر الحضارة وردة من كبرياء ..
لي ثورة فوق المراثي والمدائح خارج الإيقاع من( هيهات ) تقتبس الإباء.
و بها البياض نهاية الألوان
ليس كلونها إلا البهاء .
تمتص ملح الغيّ من زبدالغثاء  
لكنهم إذ علَّبوها في الخرافة والهراء
بطقوس وهمٍ ليس فيها من قداسة كربلاء..
مذ جرّدوها من تمرّدها وفورتها ويقظتها لكلِّ يدٍ تلوّح في الخفاء.
عطش الفضاء لمائها عطش الفضاء
هي قمة فوق الذرى
حاشا تباع وتشترى

بل تحمل الديمومة المثلى و تختزل البقاء
ما خلتها مثقوبة الأهداف أو مطرا حبيسا في قوارير البكاء. 
فإذا الحديث يطول بي والروح تنزف من قرون!
أيكون جرحاً من نبوءات القصيدة ليس تدركه الظنون!

وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَىْ الرُّمْحِ

ظَنَّ الفراتُ عَلى الحسينِ ظنونَهُ

فأفاضَ وردُ الضِّفتينِ يقينَهُ

رَمَقُ الصَّبايا و انكِسَارُ الدلْوِ لِلـ

مَاءِ الجَرِيحِ أثارَ فيهِ حَنِينَهُ

و لذاكَ فَزَّ مِنَ التُّرابِ يَرُشُّ خَيـ

ـمتَهُ و يَغْسِلُ بالدُّمُوعِ وتِينَهُ

يسْتَحْضِرُ الوَجَعَ القدِيمَ فتَرْفُلُ الـ

ذَّكْرَى و يُغْمِضُ في الصِّغَارِ جُفُونَهُ

هِيَ لَحظةُ انطفأ الزَّمَانُ وقد بقى

في النَّهرِ نهرٌ شَاهِرَا ً نِسْرِينَهُ

فإلى وَدَاعٍ سَارِحٍ فِي الأَمْنِيَاتِ

أطَالَ ” نَهْرُ العَلقمِيِّ” سِنِينَهُ

مُترَجِّلاً كي يُوقِظَ العَمَّ القتيلَ

يُعيدُ في جَسَدِ الغِيابِ يَمِينَهُ

و يَبُوحُ للحُلُمِ الذي مَا زال يَرْ

كُضُ فِي العَرَاءِ و قَدْ غَرَفْتَ مَعِينَهُ

يا آخِرَ الألوَانِ صَدْرُكَ لَوْحَةٌ

فَهَلِ السِّهَامُ تَعَمَّدَتْ تلوِينَهُ

هَلْ كُنتَ تبْتكِرُ السِّلالَ و تَحْرُثُ

الأيَّامَ حتَّى يَسْرِقُوا مَخْزُونَهُ

مَا كُنْتَ إلا نَوْرسَاً يسْتَرْجِعُ الـ

غُربانَ لِلسِّربِ المُعَانِقِ طِينَهُ

يَبكِيْ لِيَرْسُمَ ضَحْكَةَ الأعْدَاءِ ، ثــ

ـمَّ تَصُولُ تَخْسِفُ بِالنِّبَالِ عُيُونَهُ

يَا شُرْفَةَ الأَحْلامِ يا جَرَسَ الكنَا

ئِسِ يَا مُحمَّدُ جاءَ يشرحُ دَينَهُ

لا رَمْلَ يَحْتكِرُ الحُسينَ فكلُّ بسـ

ـتانٍ تشَّرَّبَ في النَّدى زيتُونَهُ

عُصْفُورة ُالأحزانِ حطَّتْ فوقَ خَيـ

ـمتِهِ تُؤانِسُ في المَسَاءِ بَنينَهُ

هُمْ كلُّهمْ رَحَلوا لغيبٍ آخَرٍ

عَبَرُوا الجِرَاحَ و شاهدوا تَكْوِينَهُ

كُلُّ الجِهاتِ مَدَائِنٌ مَرْقُوعَةٌ

و غُبَارُ ثوبٍ مَزّقوا مَضْمُونَهُ

صَمَتَ الجَمِيعُ و ظَلَّ مُفْردَهُ يعَا

لجُ في رِمَالِ المُسْتَحِيلِ شُجُونَهُ

وَ هُناكَ لا هَمْسٌ و لا ظِلٌّ و لا

رِيحٌ و لا مَاءٌ يَبُلُّ أنينَهُ

ملقىً يُدثّرُهُ الإِبَاءُ و أعينٌ

تَخشَى على حرِّ التُّرابِ سُكُونَهُ

هَوَ هكذا صَوتٌ يُموسِقُ ثورةً

و أنا أمارِسُ في الصَّدى تلحِينَهُ

هو لحظةٌ لا تنتمي للوقتِ ، يَذ

رَعُ في امتدادِ السَّرمَدِيَّةِ حِينَهُ

مُذْ كُنتُ طِفلَ الماءِ قرَّبني إليـ

ـهِ فكانَ لي وطناً و كُنتُ سَفِينَهُ

ليْ فيهِ وجهٌ آخرٌ هُوَ كالمَرَا

يا و انعِكاسُ الضَّوءِ يُصْلبُ دُونَهُ

يا ما تشَجَّرَ فِيَّ حتَّى صِرتُ جِذ

عاً ثائراً دلّى عليَّ غُصُونَهُ

فَـتّـشْتُ لم أَجِد المَسَاءَ وجدتُ رُمـ

ـحاً دسَّ في رأسِ الهُدى إِسْفِينَهُ

قَمَرٌ هناكَ يذوبُ فوقَ العرشِ يحـ

ـملُ سرَّهُ لم يُدْرِكُوا مَكنونَهُ

ذابتْ ملامحُهُ تجَرَّدَ للسَّما

وجْهٌ بلا وجْهٍ يدُكُّ مَنُونَه ُ

وَهَبَ الفراغَ طلاوةَ الإيجادِ لمْ

يَكُن الوجودُ مُقدَّراً ليكونَهُ

عقلي خُيوطٌ مِن زُجاجٍ حائرٌ

كسرَ التأمُّلُ في الحُسيَنِ جُنُونَهُ

أنا كنتُ في الخيماتِ أعصرُ غيمةً

عَطشَى و امسحُ دمْعَ مَنْ يبكُونَهُ

نَايٌ حزينٌ عازفونَ و طفلةٌ

و أنا هناكَ يبثُّ فيَّ لُحُونَهُ

عَنْ أيِّ شيئٍ يسترُ الوَجَعَ النَّبـ

ـيَّ و هؤلاءِ القومُ يسْتلبونَهُ

يَا رَعْشةَ السِّكينِ في كفِّ اللئيـ

ـمِ يَغُزُّ في جَسَدِ التُّـقَىْ سِكِّينَهُ

هُم قطَّعوهُ فظَلَّ مُلتهباً يحرِّ

ضُ فِي بُطُونِ الأمَّهاتِ جَنِينَهُ

و يَعُودُ يزْرَعُ في التُّرابِ قصائِدَ الث،

ـوارِ يبعثُ في القوافي نُونَهُ

مَا عادَ للموتِ العنيدِ نِهايةٌ

إلّا إذا نَكَسَ الحُسَينُ جَبينَهُ

فالموتُ شيّعَ نفسَهُ في كَرْبَلا

و أقامَ في وَجَعِ الثّرى تأبِينَهُ

 

لَكَ… مُنَاضِلاً كَوْنِيًّا

(1)
قَلَقٌ، وَصَمْتٌ مُطْبِقٌ، وقُبُورُ؟
مُتَصالِحُونَ مَعَ الدُّمُوعِ وَرَجْفِها
أمْ يَنْزِعُونَ مِنَ الظَّهِيرَةِ حَرَّها،

يَتَبادَلُونَ المَوتَ، يَبْتَكِرُونَه،
حَمَلُوا مَصائِرَهُمْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ
فَتَناسَلَتْ أَصْدَاءُ حُرِّيَّاتِهِمْ
مُتَشَبِّثُونَ بِوَعْيِهِمْ، لَمْ يَقْبَلُوا
فِكْرٌ، يَغُوصُ بِهِ عَمِيقاً كُلُّ مَنْ
هُمْ أَبْدَعُوا صُوَرَ الوَفاءِ، وَكَوَّنُوا
نَذَرُوا النُّفُوسَ إِلَى الحَبِيبِ مُطِيعةً،
فَإِذَا اسْتَدَارَ الْاِنْحِرافُ كَصَخْرةٍ
وَعَلَى اليَبَاسِ انْسَابَ نَهْرُ إِبَائِهِمْ،
فِي كُلِّ سَطْرٍ لِلْحَنِينِ مَوَاكِبٌ
هُمْ هكَذَا الشُّهَدَاءُ حِينَ يَشِفُّهُمْ

(2)
يا سَيِّدِي عَنْ أَيِّ جُرْحٍ مُشْرَعٍ
هَلْ ثَمَّ مُتَّسَعٌ لِضَحْكَةِ (طِفْلَةٍ)
وَعَلَى الثَّرَى تَرَكَتْ جَبِيناً ناعِماً
جَسَدُ البِلادِ مُضَرَّجٌ بِدِمَائِهَا
وَالأُمَّهَاتُ مَدَامِعٌ مَرَّتْ هُنَا
وَاجُرْحَنا! فَدَمُ الضَّحَايا لَمْ يَزَلْ
فَلَذَاتُ أَكْبَادٍ تَعَاظَمَ نَزْفُها؛
لا شَيْءَ يَبْدُو فِي الفَرَاغِ سِوَى (يَدٍ)
نَذَرَتْهُ لِلْأَحْبابِ، وَالْتَمَسَتْ لَهُمْ

(3)
بِي مِنْ تُرابِ الأَرْضِ أَشْجَانٌ وَبِيْ
يَنْتَابُنِي رَوْعُ المَسافاتِ اْلَّتِي
وَيَكَادُ نِصْفِي أَنْ يُفَارِقَ نِصْفَهُ،
أَنَا قَدْ حَفَرْتُ عَلَى زَوَايَا غُرْبَتِيْ
وَأَتَيْتُ أَمْشِي مِنْ بَعِيدٍ حَامِلاً
لَيْتَ الغَرِيبَ وَقَدْ مَضَى عَن دَارِهِ
لَيتَ السَّمَاءَ تَنَامُ فِي عَيْنِي! فَذَا
رَأْسِي الَّذِي اشْتَعَلَ المَشِيْبُ بِهِ بَدَا
لِي أَنْ أفَتِّشَ فِي ثَنَايا الأَرْضِ عَنْ
لِي أَنْ أَمُدَّ إِلَى الغَرِيقِ قَصِيدَةً
بِحَقَائِبِي حُزْنِيْ الشَّهِيُّ وَقِصَّةٌ
وَلِزَعْفَرَانِ الذِّكْرَيَاتِ حَدَائِقٌ
مَأْهُولَةٌ هذِي الحَيَاةُ بِمَنْ مَضَوا
تَرْوِي لَنَا الأَيَّامُ أَلْفَ قِيامَةٍ
مَا لا يَعُودُ، يَعُودُ حِينَ تَقُولُ لِلـ

أَنَا يَا أَبَا الأَحْرَارِ جِئْتُكَ ظَامِئاً
بِرَشَاقَةِ الشُّهَدَاءِ تَهْطِلُ أَدْمُعِي
فِي البَذْلِ، فِي الإِخْلاصِ، فِي المُدُنِ التي
أَحْتاجُ مِنْكَ لِخَيْمَةٍ آوِي لَها
أَحْتَاجُ مِنكَ لِبَسْمَتَينِ وَمَرْفَأٍ
وَأَقَلُّ مِنْ جُرْحٍ بِصَدْرِ حَمَامَةٍ
أَدْرَكْتُ حُزْنَ العُشِّ حِينَ تُوَدِّعُ الْـ
مَنْ ذا يَشُدُّ عَلَى الجِراحِ ضِمادَةً
ويُصَبِّرُ الآبَاءَ لَوْ يَوماً هَوَتْ
جَسَدِي مَوَاوِيلُ الوَدَاعِ وَسَحْنَتِي
وَأَنَا انْهِمَارُ الذِّكْرَيَاتِ بِمَسْرَحٍ
أَوْمَأْتُ نَحْوَ ضِفَافِ نَهْرٍ مُتْعَبٍ
وَشَعَرْتُ أَنِّي زَوْرَقٌ مُتَحَطِّمٌ
دَمْعُ العُيُونِ عَلَيَّ يُلْقِي نَظْرَةً،
حَدَثٌ يُلِحُّ عَلَيَّ، حِينَ تَقَوَّسَتْ
يَتَوَقَّفُ اسْتِرسَالُ صَوْتِي، أَنْحَنِي،
سُبْحانَ مَنْ أَسْرَى بِدَمْعِي حَيْثُ لِلْـ

أَشْعِلْ سِراجَكَ؛ تَنْطَفِئْ آلامُنا
هَيَّأْتَ لِلْمَعْنَى خُلُوداً آخَراً،
أنَا شَاعِرٌ لَكَ عائِدٌ مِنْ مَوْتِهِ،
مِنْ فَرْطِ مَا أَلْهَمْتَنِي أَوْقَظْتَ فِــ
حَتَّى شَعَرْتُ بِأَنَّ أَجْرَاسَ الشُّعُو
ما زِلْتُ أَسْمَعُ صَوتَ أَجْمَلِ طِفْلَةٍ
وَيَقُولُ: يَا أَبَتِي (رُقَيَّتُكَ) الَّتِي
ما زِلْتُ أَقْرَأُ فِي مَلامِحِ (زَيْنَبٍ)
فِي كُلِّ لَيلٍ بِالوَدَاعِ مُبَلَّلٍ،
هِيَ عَالَمُ (العَبَّاسِ) فِي إِيثَارِهِ
هِي مَدُّ ثَوْرَتِكْ الَّتِي مَا بَارَحَتْ

(4)
يَا أَيُّهَا الوَطَنُ الحُسَينُ! مَعِي هُنَا
وَتُشَكِّلُ النَّاياتِ مِنْ قَصَبِ الرُّؤَى،
وَتُدِيرُ أَشْرِعَةَ الحَيَاةِ مُنَاضِلاً
أَنْتَ (المُدَجَّجُ بِالسَّلامِ) لِكُلِّ قُطْـ
يَا حَامِلاً إِنْضَاجَ رُؤْيَتِهِ إِلَى
ذِكْرَاكَ تَنْحَتُ -فِي اللُّغاتِ جَمِيعَها-
مَا لِلْعُيُونِ سِوَاكَ طَيْفاً آسِراً
مَنْفَى الحَياةُ، وَأَنْتَ وَحْدَكَ مَوْطِنٌ
يَا أيُّها الكَوْنِيُّ فِي أبْعادِهِ!

صَافَحْتُ مَاءَكَ، والعُرُوقُ تَلَهُّفٌ،
وعَلَى شِفَاهِ الغَيْمِ حُبُّكَ آيَةٌ
وهُناكَ حَيْثُ الرُّوحُ تَفْتَرِشُ المُنَى
أَقْصَى امْتِدَادِكَ لا حُدُودَ تَحُدُّهُ

يَا وَاحِدَ التَّارِيخِ! دَرْبُكَ وَاحِدٌ،
فَانْفُخْ (بِصَلْصَالِ الضَّمَائِرِ) مُلْهِماً؛
(دَاوُودُ) أَنْتَ، وذِي جِبَالٌ أَوَّبَتْ
وَلَكَ الطَّبِيعَةُ سُخِّرَتْ بِسَخائِها
أَمَّا القُلُوبُ فأنتَ (يُوسُفُها) الذي

إنَّا (حَوَارِيُّوكَ)، لَمْ نَحْتَجْ (لِمَا
إنَّا (حَوَارِيُّوكَ)، أَنْصارٌ إِذا
نَرْجُوكَ، عَلِّمْنا المَزِيدَ مِنْ العَطا
تَقْسُو الحَياةُ عَلَى بَنِيها تَارَةً،

عَيْنَاكَ فَلْسَفَتَانِ مِنْ عِشْقٍ، وَمِنْ
مِن أَجْلِ مُجْتَمَعِ السَّلامِ تَمُوتُ، بَلْ
فَمِنَ الحُقُوقِ زَرَعْتَ دَرْبَكَ سُنْبُلاً
بَعْضُ الشُّخُوصِ جَدِيرَةٌ بِخُلُودِها
حَرَّرْتَ أَنْتَ هَواءَنَا وَمِياهَنَا،
سُرْعَانَ مَا تَمْضِي فُصُولُ حَيَاتِنَا،
لَمْ تقترِبْ هذِي الحِكَايَةُ مِنْ نِها
بَينَ التَّمَنِّي وَالتَّمَنِّي بَذْرَةٌ،

أَمْ هَدْءَةٌ، وَسَكِينَةٌ، وَسُرُورُ؟
فِي الحَلْقِ، يَلْفَحُهُمْ هُناكَ زَفِيرُ؟
وَعَلَى ابْتِسامَتِهِمْ يَسِيلُ النُّورُ؟

وَلَهُمْ -وَإِنْ عَصَفَ الغِيابُ- حُضُورُ
لِيُعِيدَ تَضْمِيدَ المَصِيرِ مَصِيرُ
فِي كُلِّ صَوْتٍ حُلْمُهُ التَّحْرِيرُ
إلا بِما يَخْتَارُهُ (التَّفْكِيرُ)
لَمْ تُغْنِهِ مِمَّا يَراهُ قُشُورُ
ما لَمْ يُحِطْ بِحُدُودِهِ التَّصْوِيرُ
لِلْحُبِّ – يا اللهُ – ثَمَّ نُذُورُ
كَانُوا كَمَوْجِ البَحْرِ حِينَ يَثُورُ
وَوَرَاءَ إِبْدَاعِ الإِبَاءِ سُطُورُ
وَقَصَائِدٌ مَعَ مَنْ يَزُورُ تَزُورُ
مَاءٌ، وَفَجْرٌ مُشْرِقٌ، وَضَمِيرُ

أَحْكِي، وَجُرْحُ اليَاسَمِينِ غَزِيرُ؟
صَعَدْتْ إِلَيْكَ كَأَنَّها عُصْفُورُ؟…
غَضًّا بَكَاهُ (رَضِيعُكَ) المَغْدُورُ
وَالعُمْرُ -يَا عُمْرَ الزُّهُورِ- قَصِيرُ
وَأَزاهِرٌ مِنْها يَفُوحُ عَبِيرُ
يَغْلِي، وَأَحْزَانُ السَّمَاءِ تَمُورُ
فَأَعَادَ رَسْمَ الأُغْنِياتِ هَدِيرُ
تَرْبِيتُهَا وَحَنَانُهَا مَنْذُورُ
عُذْراً إِذا مِنْهُمْ بَدَا التَّقْصِيرُ

مِنْ كَرْبَلاءَ (فُرَاتُها) المَأْسُورُ
مِنْ قَبْلِ غايَتِها يَلُوحُ السُّورُ
عَظْمِي مَهِيضٌ، والجَنَاحُ كَسِيرُ
حُلُمِي، فَبَعْضُ الْاِغْتِرَابِ صُخُورُ
أَعْوَامَ عُمْرِي، وَالحَيَاةُ مَسِيْرُ
يَأْتِي! فَتُفْتَحُ كَالْقُلُوبِ الدُّورُ
بَصَرِي بِلا حُلُمِ السَّمَاءِ حَسِيرُ
عَصْراً تَنَامُ عَلَى يَدَيْهِ عُصُورُ
حُزْنِ الرِّمالِ، فَلِلرِّمالِ شُعُورُ
بِاسْمِ (الحُسَيْنِ) خِتَامُهَا مَمْهُورُ
تُحْيِيْ الشُّعُوبَ فَمَاؤُها (الإِكْسِيرُ)
فِي الرُّوحِ يَحْرُسُهَا الغَدُ المَنْظُورُ
مَاذَا أُسَمِّي الْمَوتَ يَا (دُسْتُورُ)؟
فَإِلَى الضَّحَايَا عَوْدَةٌ و(نُشُورُ)
تَّارِيخِ: صِرْ مُسْتَقْبَلاً! فَيَصِيرُ

وَ(النَّارُ) فِي لُغَةِ اللِّقَاءِ (نَمِيرُ)
(آياً) وَحُبُّكَ وَحْدَهُ التَّفْسِيرُ
آنَسْتَ وَحْشَتَهَا، فَأَنْتَ أَمِيرُ
إِنْ مَسَّنِي الإِبْعَادُ وَالتَّهْجِيرُ
أَنَا مِنْ بَقَايَا (الراحلينَ) جُذُورُ
بَيْضَاءَ، يَنْزِفُ جُرْحُها، وَيَغُورُ
أُمُّ الصِّغَارَ، وَقَلْبُها مَفْطُورُ
تَمْتَصُّ نَزْفَ الدَّمِّ حِينَ يَفُورُ؟
-غَدْراً- على وَجَعِ التُّرابِ بُدُورُ؟
لَحْنٌ حَزِينٌ وَالدُّمُوعُ (أَثِيرُ)
حَيٍّ بِهِ انْتُهِكَتْ إِلَيكَ خُدُورُ
تَرْنُو إِلَيهِ مَحَاجِرٌ وَثُغُورُ
وَمُسافِرٌ، قَدْ أَجَّلَتْهُ بُحُورُ
وَالدَّمْعُ بِالحُزْنِ الدَّفِينِ خَبِيرُ
في (كَربَلاءَ) مَعَ (الحُسَينِ) ظُهُورُ
أَبْكِي، وَيَغْلِي فِي دَمِيْ التَّنُّورُ
أَحزانِ فِي (أقصَى) السَّماءِ خَرِيرُ

يا مَنْبَعاً! لَمْ يَخْلُ مِنْهُ النُّورُ
أَثَّرْتَ فِيهِ، وَطَبْعُكَ التَّأْثِيرُ
وَإِلَى نَوَايَا الطَّيِّبِينَ (سَفِيرُ)
ـيَّ الصَّمْتَ، وَالصَّمْتُ الطَّوِيلُ مَرِيرُ
رِ تَرِنُّ إنْ وَارَى الشُّعُورَ شُعُورُ
فِي (الشَّامِ) يَحْكِي دَمْعُها المَنْثُورُ
رَحَلَتْ تُحِبُّكَ… وَالكَلامُ كَثِيرُ
صَبْراً سَخِيًّا، وَالمُصابُ كَبِيرُ
للهِ يَصْعَدُ سَعْيُها المَشْكُورُ
وَوَفَائِهِ، وَلَها يَقِلُّ نَظِيرُ
تَسْعَى لِعَدْلٍ، وَالزَّمانُ يَجُورُ

تَخْطُو؛ فَتُوْلَدُ مِنْ خُطَاكَ زُهُورُ
وَكَمَا الصَّبَاحِ عَلَى الوُجُودِ تَدُورُ
حُرّاً، لِنَهْضَتِهِ القُلُوبُ تُشِيرُ
ـرٍ خَانَهُ الإِرْهَابُ وَالتَّفْجِيرُ
لُغَةِ الحِوَارِ، خَصِيمُكَ التَّكْفِيرُ
أَحْلَى القَصَائِدِ، (فَاشْتِقَاقُكَ نُورُ)
مِنْ ظِلِّهِ يَتَشَكَّلُ (البَلُّورُ)
مُدَّتْ لَهُ -مِلْءَ الحَنِينِ- جُسُورُ
ما خانَنِي في حُبِّكَ التَّعْبِيرُ

فَعَلَى ضِفافِ العُمْرِ أَنْتَ غَدِيرُ
تُتْلَى، وَوَحْيُكَ كَالغُيُومِ مَطِيرُ
شَوْقاً لِقُبَّتِكَ الجِهَاتُ تَسِيرُ
فَالكَوْنُ دُونَكَ يَا حُسَيْنُ صَغِيرُ

مِنْ حَيْثُ تَبْدَأُ يَبْدَأُ التَّغْيِيرُ
لِتَحُومَ -فِي أُفُقِ الفِدَاءِ- طُيُورُ
إِيقَاعُها التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ
وعَلَيْكَ أُنْزِلَ في الطُّفُوفِ (زَبُورُ)
ما زالَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُ

ئِدَةٍ) لِنُؤْمِنَ، فَاليَقِينُ عُبُورُ
مَا عَزَّ عِنْدَ النَّائِباتِ نَصِيرُ
ءِ، فَفِي الحَياةِ مُشَرَّدٌ وَفَقِيرُ
لكِنَّكَ التَّفْرِيجُ، والتَّيْسِيرُ

فَنٍّ، لَهُ إِيحَاؤُهُ المَوْفُورُ
تَحْيَا، وَيَفْنَى الظُّلْمُ وَ(التَّطْهِيرُ)
وَإِلَى الحُقُوقِ عَطَاؤُكَ المَذْخُورُ
وَبِكَ الخُلُودُ أَيَا (حُسَينُ)! جَدِيرُ
فَخُطَاكَ يَسْكُنُ وَقْعَهَا التَّحْرِيرُ
لَكِنَّ فَصْلَكْ أَوَّلٌ، وَأَخِيرُ
يَتِها وَلَمْ يَنْفُذْ لَهَا الدَّيْجُورُ
وَإِلَى نِهايَاتِ الكَلامِ بُذُورُ

تألق أيها السبط الشهيدُ

تألق أيها السبط الشهيدُ *** فلا شمر هناك ولا يزيدُ
وليس بماكث الدنيا يسيرا *** كمن أمسى بعالمه الخدودُ
برئت من الهوى إن كان شعرا *** فحبك فوق ما يصف القصيدُ
وإن صمتت شفاهك فهي نجوى *** وإن نطقت فقرآن مجيدُ
ولم أبصر عظيما في حياتي *** يؤم الناس وهو بها وحيدُ
تسير إليه أقدام البرايا *** تحث الخطو والمسرى بعيدُ
يظللها من الرحمن لطف *** فنار الإشتياق بها وقودُ
ترتلك الجراح غداة نزف *** وتبحر في رؤاك وتستزيدُ
ويندلق المدى رتما مصفى *** وفي عينيك يبتهل النشيدُ
عجبت لمن يحلق في المعالي *** شموخا كيف يحضنه الصعيدُ
دماه تناسلت بفم الضحايا *** إليه بكل ناحية وجودُ
وما سكنت جراح تعتريهِ *** برغم الظلم يمطرها الوعيدُ
تجفف ما استفاق بمقلتيها *** ويعبق في بواطنها الصمودُ
أعاصمة الإباء وفجر نحر *** تماهى في مصلاك السجودُ
أرادوا ظلمة وأردت نورا *** وليس يكون إلا ما تريدُ
وللسبحات في شفتيك وتر *** إذا ما شفها منك الصعودُ
وللزفرات عبقة مستفيض *** تألقُ من مدامعه الخدودُ
وللأشلاء متسع انتحابٍ *** وها قد ضم فرقتها الجريدُ
ورأسك حين حلق في علاه *** فلا حد إليه ولا حدودُ
يعانق ومضة العبرات عشقا *** وآي الكهف رتلها الوريدُ
وهبتَ هداك في عطف تهادى *** أليس بجمعهم رجل رشيدُ
وملء التضحيات فرات وجد *** ترقرقُ من منابعه الزنودُ
فرحمى السافيات عذاب طف *** وقد سكتت لينطقها الوليدُ
تغازل نحره الريح ارتواء *** لسقيا بلغة مما تجودُ
فأرخى الجفن بين يديك شوقا *** وناح الصبر وارتحل الوجودُ
مضيتَ وآهك انداحت فداء *** وأورق في مداك دم فريدُ
تخطيتَ الدروب بوحي قدس *** خلدت ومجدك الباقي تليدُ

غربة الرأس عن الجسد

إضاءة :

كغربةِ الزَّمان عن المكان , كنفي الجَمَال عن الجَلال , كانكسار ضوء الذات في ماء المرايا , كـ ..

النص :

إلى أينَ يا رأسَ الحسين تهاجرُ؟؟
تغربتَ مُنْذُ الطفِّ عن جسدِ الفدا
تصببتَ يومَ النحر نهرَ كرامة
أُحسُّ بأمواج ِانتصاركَ نشوةً
تفوَّقتَ يا رأسَ الحسين على العدا
وها نحنُ أهلُ الأرض نغفو على الثرى
نهارًا تربِّي الشمسَ تربيةَ السَّنا
وليلاً تصلِّي بالنجوم جماعةً
وتُلقِي على سرْبِ الكواكبِ خطبةً

أبا الغربة الظمأى .. كؤوسي تأنسَنَتْ
يناديكَ تيهي في براريه هائمًا
يضجُّ فؤادي داخلي ذاتَ ظلمة
وتزحفُ أحزاني تؤدي طقوسها
وتبكي مناديلي و أمسحُ دمعَها
تجننتُ حيث القلب ثارَ على النُّهى
جنوني هوَ ( العقلُ الجديدُ ) .. وها أنا
وأعشقُ مأساتي , أصونُ جلالها
أثاقفُ في ذكراكَ ظلا مفوَّهًا
ويشتجرُ المعنى ليصبحَ أيكة

تطلُّ على الدنيا من الخلد قادمًا
تصبُّ وقودَ الحقِّ داخلَ أمَّةٍ
وتُغْري محبيكَ المساكينَ بالضُّحى
سيوفُ اللظى البلهاءُ ظنتْكَ داميًا
أرادتْكَ – يا للطفِّ – رقمًا مُمَزَّقًا
خرجتَ على ريح السَّمُوم ِمناضلاً
لأجل ِالمدى قايضتَ روحَكَ بالردى
ورأسِكَ لمْ تشرقْ هوية ُمجدِنا
عشقناكَ مرآةً وظلاً ونرجسًا
رسمتَ على جدراننا شمسَ كربلا
هي الثورة الكبرى اختراعُك سيدي
ولا لونَ للزيتون ِ إذ جارَ جائرٌ

أمَا للسٌّرى في وحشةِ الدَّهرِ آخِرُ؟؟
وما زلتَ رحَّالا كأنَّكَ طائرُ
وقد كنتَ كفْؤَ الموتِ , والموتُ ماطرُ
وأنتَ على الرُّمْح الرماديِّ حاسرُ
تعاليتَ كُبَّارًا وهمْ همْ أصاغرُ
وأنتَ الذي فوق السماوات ساهرُ
تعلّمُهَا كيفَ الشروقُ المغايرُ
فبوركتَ من مولىً هوتْهُ المنائرُ
وأين تكنْ تنهضْ إليكَ المنابرُ

وشفَّت بأجسام الزجاج محاجرُ
ويهواك همِّي وهو في النفس غائرُ
كما ضجَّ في شهر المحرَّم عاشرُ
كما زحفتْ نحوَ الحقول المقابرُ
بعيني َّ!! يا نعْمَ الهوى المُتصاهِرُ
و أنتَ لأمثالي/ المجانين عاذرُ
أنوحُ وبالحزنِ ِالعتيق ِأفاخرُ
فبعض المآسي في الزمان جواهرُ
وما بيننا التفَّتْ رؤىً ومَحَاوِرُ
تُعَشْعِشُ أفكارٌ بها وخواطرُ

فلا غابَ سيماءٌ ولا اختلَّ ناظرُ
لأنَّكَ تهوى أنَّ تُشعَّ المصائرُ
وما الفجرُ إلا مِنْ جبينِكَ سافرُ
فكنتَ كما تنمو وتحيا القساورُ
فكنتَ وجودًا تشتهيه الضمائرُ
وأيقنتَ أنَّ العزَّ حيثُ المناحرُ
ولولاكَ ما كانَ الشموخُ المعاصرُ
بغير أضاحي الطفِّ وهي مجازرُ
وإن زأرتْ وسط الجحيم مخاطرُ
ومن حولها قطرُ الندى والأزاهرُ
وتسمو الدُّنا فيما تراهُ العَبَاقرُ
ولمْ يأتهِ من ( سورةِ الرَّعْدِ ) ثائرُ

الوحيُ الأخير

جُرْحٌ على جَسَدِ الإصْباحِ قَدْ سَطَعا
جُرْحٌ بهِ انفَلَقَ التَاريخُ وانْدَلَِعتْ
حَرْفٌ لهُ سَجَدَ (الإنجيلُ) مُذْ قُرِئتْ
ما كانَ قَلبُكَ إلا وَحيَ مَذبَحَةٍ
والصَدْرُ .. هذا نَبِيُّ المَاءِ يََتبَعُهُ
والنَجْمُ .. هلْ هوَ إلاّ (خَاتَمٌ) بُتِرتْ
والبَدْرُ .. لا غَرْوَ أَنْ يَنْثَالَ لُؤلُؤةً
تَرَكتَ قَلْبَكَ صَوبَ النَهرِ مُشْتَعِلاً
في كُلِّ قِطْعَةِ ضَوءٍ مِنهُ أَوْدِيَةٌٌ

يا صَاعِداً في (بُرَاقِ الدَّمِّ) مُمتَشِقاً
للهِ يا رأسَكَ المَرفُوعَ مُعجِزَةً
آنستَ في الذَّبحِ مَاءً قدْ رَوَيتَ بهِ
وقدْ رَآهُ على الآياتِ مُنسَكِباً
و(صَاحِبُ الحُوتِ) لَمّا خَاضَ لُجّتَهُ
للهِ دَرُّكَ مِنْ رَأسٍ لهُ لُغَةٌ
للهِ مِن جَسَدِ (التَورَاةِ) مُضْطَجِعٍٍ
مَلائِكٌ أَنْزَلتْ أَشْلاءَهُ كُتُباً
كَمْ سُوَرةٍ في صَلاةِ الذَّبحِ قدْ خَشَعتْ

الشَمسُ في عَينهِ النَوراءِ قدْ سُكِبتْ
والنَهْرُ ما قَصَدَتهُ السُحبُ ظَامِئةً
فيَهجَعُ السَهمُ مَوتاً، والمَدى ظَمأٌ
والمُهرُ يَنْحَتُ في الأَزمَانِ أُغنِيَةً
عَينَاهُ صَمْتٌ، وبَعضُ الدَّمِّ أَسئِلةٌ
تَرَنَّحَ البَوحُ في عَينيهِ مُرتَعِداً
مُعَانِقاً لَحْظَةَ التِرحَالِ أَشْرِعةً
حَتّى إذا حَمْحَمَتْ أَوجَاعُهُ فَزِعَتْ
فَيَنْحَنيْ المَاءُ مِلْحَاً عِندَ خُطْوَتِهِ
وقَلبُ زَينَبَ .. رِيحُ اللهِ تَحمِلُهُ
الرَأسُ بَسْمَلَةٌ، والدَّمَُ أَضْرِحَةٌ
فَتَنْسُجُ الذَبحَ شَمْسَاً عِندَ (خُنْصُرهِ)
(فالذَّبحُ والِسبطُ) وَعدُ اللهِ أَنْجَزَهُ

يا أنّتَ يا وَطَنَ القُرآنِ يَسكُنُهُ
لِيُتْرِعَ الأرضَ مِنهُ آيةً نَزَلتْ:
فَيُولَدُ الذَّبحُ مِنْ كَفَّّيهِ مِئذَنَةً
ما قِيمةُ الدّمِّ إنْ لمْ يَرتَمِ وَطَناً

وَحياً تَكَادُ بهِ الأَفلاكُ أَنْ تَقَعا
أَنوَاؤهُ مِنْ لِسَانِ الصُبحِ فانْدَلَعـا
آياتُ نَحْرٍ، وبَابُ الذَّبْحِ قَد قُرِعا
والسَهمُ أَرْضَعَهُ الآياتِ فارتَضَعا
(رُكنُ الحَطِيمِ) ونَهرٌ ظَامئٌ تَبَعا
أًَسْرَارُهُ حِينَما مِنْ إصبعٍ نُزِعا
فالرَأسُ قدْ لُفَّ بالأَقْمَارِ مُذْ قُطِعا
يُؤَلِقُ الفَجْرَ قَدْ غاَدَرتَهُ قِطَعا
سَالتْ فسُبحَانَ مَنْ للقَلبِ قدْ جَمَعا

أُفقَاً تَأَبَطَ صُبْحاً لَيلُهُ انقَشَعا
عِيسى بهِ جَنّةً للهِ قدْ رُفِعا
مُوسى فخَرَّ على (سَيْنَاءَ) مُنصَقِعا
نُوحٌ فَمَاجَ بهِ الطُوفانُ وانْدَفَعا
فَاضتْ بِهِ لُجَّجُ الأَشلاءِ فابْتُلِعا
حَمرَاءُ يَعرِفُها يحيى إذا صُرِعا
صَلّى على مَذبَحِ التَسبِيحِ مُضْطَجِعا
وسُبْحَةً خَلْفَها دَاوودُ قَدْ رَكَعا
أَعظمْ بهِ جَسَداً للهِ قدْ خَشَعا

والصُبحُ مِنْ كَفِّهِ المَقطُوعِ قدْ طَلَعا
إلا ارتوتْ مِنْ فُؤادٍ ظَامِئٍ وَلَعا
والطِفلُ بينَ قِماطِ الدَّمِّ ما هَجَعا
مَذبُوحَةً حِينَما مِنْ جُرحِهِ رَجَعا
وقِصَةٌ مِنْ دُمُوعٍ خَبَّأتْ وَجَعا
بخَيمَةِ اللهِ ها قدْ لاذَ وانْتَجَعا
مَخْبُوءةً خلفَ دمعٍ سَالَ وانْهَمَعا
أَحْدَاقُهُ تَنْضَحَُ الأَوجَاعَ والفَزَعا
ويَركُضُ النَوحُ جُرْحَاً كُلما ذَرَعا
نَهرَاًَ إلى حيثُ دِفءِ الوحيِ قدْ وَقَعا
والِجسْمُ يا مَسْجِدَ الأَسْيَافِ قَدْ شُرِعا
وَتَقطِفُ الدَّمَّ ضَوءً كُلَما زُرِعا
كِلاهُما وُلِدا في كَربلاءَ مَعا

جُرحٌ تَنَاسَلَ كَوناً فِيهِ واتّسَعا
إنَّ الحُسَينَ كِتَابُ اللهِ قدْ جُمِعا
وَوَهْجُهُ مِنْ أَذَانِ النَحْرِ قدْ نَبَعا
لِيُشْعِلَ الجُرحَ صُبْحَاً دَافِئاً نَصِعا

عشقتك في الآفاق

عَشقتُكَ فِي الآفاقِ قُطباً ومِحورا
وصُغتكَ مِن دَمعِ المُحبينَ مَأتَماً
وعشتكُ آلاماً إذا ما نكأتُها
تَأوَّهَ قلبِي عند ذِكراكَ لَوعةً
ومدّتْ له الدنيا كفوفاً تبعثرتْ
مصائبُ يَسبِي أعينَ الدهرِ هَولُها
تسيلُ على خَدِّ الحياةِ مراجِلاً
أتيناكَ أفواجاً نَحجُّ لِمشعَرٍ
وطفنا بأشلاءِ الضحايا تَقودُهمْ
وجئناكَ من خلفِ الغيوبِ جحافلاً
ولكننا فِي رحلةِ الشوقِ خاننا الـ
نسجنا على ذكراكَ ألفَ حكايةٍ
حصرناكَ في دمعٍ تدفقَ سيلُه
رآك بِمحرابِ الدموع جنازةً
يُبالغُ فِي رسمِ التصاويرِ ظِنةً
ويَفتكُ بالتأريخِ فَتكَ مُزوِّرٍ
ولكننا في مشهدِ الطف عاصفاً
وجدناكَ نِبراساً يُزِيحُ ضياؤهُ
وجدناكَ فِي ليلِ الخُنوعِ مَشاعلاً
***
أيا أملَ الأحرارِ : تَمتدُّ أعصرٌ
ويا مُوقِظَ الجيلِ الجديدِ قذائفاً
ويا لُغةَ الثوارِ حِينَ تَخونُها
فتلقاكَ أستاذاً يَخطُّ يَراعُهُ
وتَبنِي على هامِ الزمانِ شَوامخاً
***
تَحدّثْ أبا الأحرارِ كيفَ بغابةٍ
وكيفَ تراءى الموت ما بين عينهِ
رأى صحبَهُ صَفاً يَسيرونَ للوغى
فثارَتْ بهِ من هاشمٍ عَبقَريةٌ
وخيبرُ تبدو من طيوفٍ بعيدةٍ
تكالبتْ الأعدا عليكَ فَهالَها
فأنتَ وصمصَامُ المنيةِ تَوأَمٌ
إلى أنْ أصَابَتكَ المنونُ بسهمِها الـ
لكَ اللهُ مَذبوحاً يَئِنُ منَ الظما
تَجولُ عليهِ الخيلُ عَدوَاً ، فَصَدرُهُ
سَلامٌ على جِسمٍ عَفِيرٍ بِقَتلِهِ
سلامٌ على رأسِ الحُسينِ على القنا
فو اللهِ لَو يبكيكَ بَحرُ دموعِنا

فأوقدْ لِي الأيامَ بالحزنِ مِجمرا
رقيتُ بهِ فوقَ المجرة مِنبرا
أتيتُ المنايا هازئا مُتبخترا
فكادَ من الآهاتِ أنْ يتفطرا
عَلى رَاحةِ التاريخِ وُسطى وخُنصرا
فترجو بأنَهارِ الدُّموعِ التَحرُرا
فتحفر فِي وادي المحاجر أنْهرا
أقمتَ به قلبَ الموالينَ مَشعَرا
إلى المجد والعلياءِ نصراً مُؤزرا
نَمدُّ لك الأشواقَ جِسراً ومَعبرا
ـمسيرُ المُدمَّى فامتطيناهُ قَهقَرى
وخِطنا بِها حولَ الأساطيرِ مِئزرا
بثغرِ خَطيبٍ ينفُثُ الدمعَ أحمرا
على نَهرِها المَكلومِ صلى وكبرا
بأنْ نَتلقى السبطَ رَسماً مُصوَّرا
فلا نُبصرُ التأريخَ إلا مُزوَّرا
وجدناكَ من كُلِّ الأحاديثِ أكبرا
ظلامَ عقولٍ لمَ يزلْ مُتجذرا
تُمدُّ لتَهدِي تائهاً مُتحيّرا
***
وثورتُكَ الحَمراءُ تَمتَدُّ أعصُرَا
إذا في ظلامِ البَغي حَاصرها الكرى
معاجِمُها فِي حَومَةِ الثأرِ مَصدَرا
لها الدربَ لَحْباً إنْ تكفأَ فِي السُرى
هي النورُ والعَلياءُ والمجدُ للورى
***
بِها الليثُ غَضباناً على الأُسدِ زَمجَرا
زُؤاماً ، وللموتِ المحُاصرِ شَمَّرا
عُجالَى ، وداعي الموت فِي الأُفقِ كَبَّرا
أعادَتْ إلى الأذهانِ فِي الحَربِ حَيدَرا
وحيدرةٌ يَدحو بِها بَابَ خَيبرا
ثباتُكَ فِكرَاً واضِحَ النهجِ نَيِّرا
تَحَدَّرَ مَبهُورَاً وَحلّقتَ مُبهِرَا
ـمُثلَّثِ لَمْ يُخطِىءْ لقَلبكَ مَعبَرا
وفِي قلبِهِ نَهرٌ منَ الدمِ فُجّرا
وقد – كانَ مِحرابَ النبوةِ – كُسّرا
فؤادُ علي لوعةً قد تَعفّرا
سلامٌ على جِسمِ الحُسينِ على الثرى
لَمَا كانَ وَفَّاكَ النَّجِيعَ الذي جَرى