رِحْلَةٌ فِي فُراتِ الضَّوء

مَعاً ذاهِبُونَ اليَومَ كَي نَقْطِفَ النَّجْمَا

وَنَبْتَكِرَ النَّصَّ الذي يُطْفِئُ الهَمَّا

فِداءً لِعَيْنَيْكَ انْسَكَبْنا قَصِيدَةً

تُحَلِّقُ حَتَّى تُدْرِكَ الغايَةَ الأَسْمَى

وَتَنْحازُ لِلْمَعنَى الذي مِنْ خِلالِهِ

تُتِيحُ لَنا التَّأْوِيلَ، وَالبَحْثَ، وَالفَهْمَا

وَحِيدُونَ إِلا مِنْكَ يا ماءَ عِزِّنا

وَكَيْفَ لِهَذِي الرُّوحِ مُذْ كُنْتَ أَنْ تَظْمَا؟!

كَفَى بِكَ عِزاً أَنْ تَكُونَ مُضَحِّياً

بَصِيراً يُرِيحُ النَّفسَ مِنْ جَهْلِها الأعمَى

ويَمْتَصُّ آلامَ الحقيقةِ عِندما

يَدُسُّ لَها أعداؤُها الزَّيْفَ والسُّمَّا

فيا مَن مَنَحْتَ المَوتَ طَعمَ وِلادةٍ

تَذَوَّقَها الإيقاعُ فاسْتَعذَبَ الطَّعْمَا

ويا أَيُّها الكَوْنِيُّ فِي دِفْءِ قلبهِ

لِقَلْبِكَ هذا في المَدَى قُوَّةٌ عُظمَى

رُؤاكَ على اللَّوحاتِ ضَربةُ رِيشَةٍ

مُغايِرَةٍ في كَربلا تتْقِنُ الرَّسْمَا

تليقُ بكَ اللاءُ التي اخترتَ دَربَها

بِرِحلةِ تَغْيِيرٍ تُنَوِّرُ ما اظْلَمَّا

وتحفَظُ لِلحَقِّ المُبِينِ سُلالَةً

تَعِي مُفرداتِ الجُودِ، والعَطْفِ، والرُّحْمَى

نُحِبُّكَ شمساً لا تَغيبُ ومَرفأً

لَهُ يَلْجَأُ العُشَّاقُ إنْ صارَعُوا اليَمَّا

رَسَمْتَ إلى القَتْلَى حَياةً جَمِيلةً

تَحَدَّتْ وُجُوهَ الضِّيقِ فاصَّاعَدَتْ حَجْمَا

بِلَيلِ المَسافاتِ العنيدةِ أنتَ مَنْ

نَرَى ضَوءَهُ بَينَ المُحِبِّينَ قد عَمَّا

وإنَّا لَشَعْبٌ كاليَنابيعِ حُبَّهُ

يُطَرِّزُ مِن أَنهارِكَ الغَيْثَ والغَيْمَا

إذا ارتَدَّ قَومٌ خَلْفَ أسوارِ خَوفِهِمْ

بعجزٍ، بَقينا نَحْنُ مَن يَملِكُ الحَزْمَا

عَلَونا عَلَى كُلِّ الجِراحِ كَيُوسُفٍ

وكَم يُوسُفٍ في السِّجْنِ لم يَرتَكِبْ جُرْمَا

وما هَزَّ مِنا الخَوفُ أغصانَ نَخلةٍ

تَؤُمُّ لها الأطيارُ في لَهفةٍ أَمَّا

عَنِيدُونَ كَالصَّبَّارِ إنْ مَسَّنا الظَّما

 

ومنذُ رَضَعْنا الصَّبرَ لَمْ نَرتَضِ الفَطْمَا

 

لآخِرِ نَبضٍ في الضُّلُوعِ وشَهقَةٍ

نَعِيشُ كِراماً، نَقْتَفِي خَيرَكَ الجَمَّا

إذا غارَ جُرحُ الفَقْدِ فِي قلبِ أُمَّةٍ

وعاشَتْ على ذِكرَى أحِبَّائِها اليُتْما

تُصِرُّ على تَضميدِ كُلِّ جراحِها

وَتَخلَعُ عَنها الخوفَ والبُؤسَ والسُّقْما

 

بِشتَّى مَناحِيها الحياةُ رِوايَةٌ

وما غبْتَ عَن مَيدانِ أحداثِها يَوما

 

تَجَلَّيْتَ في عُمْقِ المَضامِينِ فِطْرَةً

يُجَسِّدُها مَن عاشَ أيامَهُ شَهْما

 

وَأَسَّستَ لِلأَجْيالِ أَعظَمَ قِيمَةٍ

جماليةٍ سُرعانَ ما أشرَقَتْ نَجْما

 

هُوَ الضَّوْءُ قَدْ شَكَّلتَ سِيماءَهُ لِذا

إلَيكَ شُعاعُ النُّورِ يا سَيِّدي يُنْمَى

 

تَنَفَّسَكَ الإنسانُ حُريةً بِها

رأَى كُلَّ نَخلٍ باسِقٍ يَرفُضُ الظُّلْما

 

رآكَ أمامَ الجَيْشِ حَشْدَ كرامَةٍ

نَياشِينُهُ العَزمُ الذي يُنجِبُ العَزما

 

فبوصلةُ الأقدارِ أنتَ تَقُودُها

ومثلُكَ أنَّى كانَ لا يقبلُ الضَّيْما

 

مَسارُكَ لِلعلياءِ أَغنَى تجارِباً

وأيقَظَ أذهاناً تَشَرَّبَت الوَهْما

 

تُحَدِّثُنا عنكَ الوُرودُ وعِطْرُها

أيا نَسمةَ الوردِ التي تهزِمُ السَّهْما

 

ويا مُرتَقَى الحُبِّ الذي في ظِلالِهِ

بِعَدْلِ السَّما يستَصدِرُ الحاكِمُ الحُكْمَا

 

فَحِينَ رَمادُ الحِقدِ يَطعَنُ مَوطِناً

بِخِنْجَرِهِ لا بُدَّ أن نُوقِفَ الدَّمَّا

 

وحِينَ رصاصُ الحَربِ يَخْتَرِقُ المَدَى

حَرِيٌّ بِنا أنْ نَزرَعَ الأمنَ والسِّلْمَا

 

فَمنْ يَتَّبِعْ سِربَ العَصافِيرِ يَرتَفِعْ

وتَمْنَحُهُ العَلياءُ مِن إِسْمِها إِسْما

 

ولا تُكتَمُ الأفكارُ في الصَّدْرِ دائماً

فَبُحْ بالأحاسِيسِ التي تَرفضُ الكَتْمَا

 

وصافِحْ يدَ الصُّبحِ الجميلِ، فَكَفُّهُ

بِكَفِّكَ تَبني كُلَّما حاولوا الهَدْما

 

عَلامَ ضَجِيجُ القَومِ؟! قَد كُنتَ هادِئاً

ولكنَّكَ الصَّمْتُ الذي يُرعِبُ الخَصْما

بِقُربِكَ أقمارٌ تُحاصِرُ مَوتَها

فَتُولَدُ (كَلا)، تَسْتَمِرُّ هُنا (مَهما)

ولا تُهزَمُ الـ(هَيهاتُ) إنْ أنتَ قُلتَها

وشَكَّلتَ مِن طِينِ اليقينِ لَها العِلْما

بِمِلْءِ الإبا والبَأسِ ما زلتَ واقِفاً

تُواجِهُ مَن قَد أضْمَرُوا الغَدْرَ والإثْمَا

كأنَّ جِراحَ الطَّفِّ سِربُ حَمائِمٍ

وبَدرٌ على أرجوحةِ اللَّيلِ قد تَمَّا

 

إذا احتاجَتْ الأوطانُ يَوماً لِنَهضَةٍ

فأنتَ الذي عَنْ جَفْنِها تَنفُضُ النَّوما

تبارَكْتَ رأساً مُطمئِناً على القَنا

مَضَى يَحرسُ الأيتامَ مُذْ فارقَ الجِسما

يحدِّثنا دَمعُ المرايا وَجَمْرُها

عن امرأةٍ في دَربِها تَزرَعُ الحُلْما

شَراييِنُها يجري بها الوعيُ ثورةً

وذا صَبْرُها قد أعجزَ الكَيفَ والكَمَّا

يُداوِي جِراحَ الأُمنِياتِ حَنانُها

ويَختارُها مَن فارَقُوا أُمَّهُمْ أُمَّا

أُرَمِّمُ ذَاتِي حِينَ أَرنُو لأُفْقِها

أنا ذلكَ القلبُ الذي لِلفِدا أَوْمَا

وألقَى علَى الأرضِ اليَبابِ بَنَفْسَجاً

فَجَدْبُ المنافِي لا يَليقُ بِهِ حَتْما

 

بَعِيداً عن المَحدودِ تَنسابُ أحرُفي

وتُزهِرُ بُستاناً يَضُمُّ الرُّؤَى ضَمَّا

ولي كَارتِعاشاتِ الفَراشاتِ آهَةٌ

تُزيحُ بِماءِ الوَردِ عَن خاطِرِي الغَمَّا

 

على شَفَتي نايٌ تَقَاطَرَ عَزفُهُ

كَقَافِيَةٍ فِي الرُّوحِ قد عَرَّشَتْ كَرْما

 

هُنا بِسَنَاكَ العَذبِ يَغتسِلُ النَّدَى

هُنا الحُبُّ مَرفُوعٌ ولا يَقبَلُ الجَزْما

 

فَخُذْنَا، يَكادُ العُمْرُ أنْ يَسبِقَ الخُطَى

وَثَمَّةَ ما يَحتاجُهُ قَلبُنا المُدْمَى

 

وإنْ حاصَرَ المَوتُ اخضرارَ حياتِنا

فَأَرْسِلْ عَلَى صَحْراءِ أَيَّامِنا الغَيْما

 

رصاصةٌ في جيب الأزدي

(الهفهاف بن المهند الراسبي الأزدي، ثمالة أصحاب علي (ع)، وآخر من قطع تذكرة من دم للّحاق برحلة الخلود في ركب الحسين (ع)، وصل عصر عاشوراء، وما زال يقاتل!).

غيمةٌ من نسل (هابيل) تسحُّ الحزن للأعلى
فتذوي سدرةٌ عند السماء السابعهْ
صرخة الأرض تصلي ضارعهْ
لم تعد يا رب للموتى تخومي جائعهْ
ينفض الوقت غبار الموتِ..
والنارُ احتفاءُ (الشمر) في طَقس جنوني ليرضي جوع تشرين بإحراق الورودْ
مظلمٌ هذا النهارْ
ميتٌ هذا النهارْ
جئتُ ذئبُ الموت يعوي في النواويس فيرتد الصدى في كربلاءْ
خاشعٌ حتى صليل السيف في صمتِ الدماءْ
جئت لا صوتك يرتد بأعماقيَ زلزالا
ولا وجهك يسقيني ضياءْ
جئت لا عباس
لا أكبر
لا قاسم
لا شيء سوى سبعين شمسا تشعل الكون شتاءْ
لا ورودٌ
لا نخيلٌ
لا هواءْ
لم يقل لي سيدُ الماء (عليٌ) أن في يومك ينقض نعاس القارعهْ
جئت كالرعدِ، بكفي مِديَتي
وأراجيز اللهبْ
جئت و(الأزد) شظايا ثورتي
ولها الجند حطبْ
ماردُ الرعب هنا في بُردتي
والمنايا والغضبْ
***
وانحنى النخل على خاصرة الأرض يصلي
واحتفى السعدان والشوك بأيام الجفافْ
وأنا والخيل والسيف على مصرعك الغائم بالصمت ظِماءٌ
ومحياك ضفافْ
شدَّ يا خيلُ على أسطورة الجيش الذي لا يرهب الموتَ
وحطم صنم الزيف وأشباهَ الدُّمى
واتخذ يا سيفُ من أعناقهم بوصلةَ الخوفِ..
وحطّم أعظما
واحتفل بالنصل مأموماً يصلي كلما
أمَّ سِربَ الموت نزفٌ ورعافْ
وأنا لي موعدٌ في حفلة الموت مع الجند
مع الأسياف والأرماحِ
إني في زفافْ
ولذا لستُ أخافْ
***

سيدي عدتُ
أنا (الهفهافُ) لم أخلف مواعيد الفناء الحلو
بعد الألف والنيف على ذاتِ العراصْ
عدتُ في قلبي تنينٌ من الشوق
وفي جيبي رصاصْ
كي أصلي بجموع المتعبين اليوم فرضَ النصر
في عيد الخلاصْ
***
أرقبُ الساعة من ذاكرتي / وبقلبي أمنيات السنبلهْ
فمتى يا قلب أنسى كبوتي / وأغني في صلاة الزلزلهْ
يا حسين الدمعُ بذر الفكرةِ / وهو زيتٌ لفتيل القنبلهْ
سحّهُ الجفنُ لأروي غلتي / ولكي أضحك عند المقصلهْ
يضحك الجلاد، هذي جثتي / وهو لا يعلمُ أن الموتَ له
قدري الثأرُ، وهذي مديتي / سوف أحيا ثورةً كي أقتلهْ
***

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ حَشْدُ المَوْتِ يَجْتَمِعُ

اليُتْمُ والظَمَأُ المَهْدُورُ وَالوَجَعُ

 

 

وَغُرْبَةٌ كَمَرَايَا قُرْبَةٍ هُجِرَتْ

فِيْ شَفِّهَا صَارَ وِرْدُ المَاءِ يُرْتَجَعُ

 

 

السَّيْفُ وَالكَفُّ وَالعَيْنَانِ بِئْرُهُمَا

وَالثَّغْرُ وَالنَّحْرُ دَلْوٌ حَبْلَهُ قَطَعُوا

 

 

وَالسَّهْمُ وَالصُّمُّ وَالطِّفْلُ الرَّضِيْعُ إِذَا

شَكَا .. لَهُ صَمَمٌ فِيْ السَّهْمِ يَسْتَمِعُ

 

 

فَالمَاءُ وَالنَّسْلُ صِنْوَانٌ لِمَنْحِرِهِ

إِذْ فِيْهِ نَسْلُ رَسُولُ الله يَلْتَمِعُ

 

 

بَلْ فِيْهِ كَوْثَرُهُ المُنْسَابُ مِنْ ظَمَأٍ

مَا أَبْتَرٌ كَانَ لَكِنَّ العِدَا خُدِعُوا

 

 

ظَنُّوا بِقَتْلِ رَضِيْعٍ دَفْقُ كَوْثَرِهِ

هَدْرٌ وَنَسْلُ رَسُولِ الله يَنْقَطِعُ

 

 

فَصَوَّبُوا النَّحْرَ عَيْنُ الكَوْثَرِ انْفَجَرَتْ

لَمْ يَجْرِ فِيْ الأَرْضِ هَدْراً فَهْوَ يَرْتَفِعُ

 

 

وَمِرْضِعٌ وَحِلِيْبٌ دَرَّ مِنْ وَلَهٍ

فِيْ غِيْرِ مَوْعِدِهِ بَالمَاءِ تَمْتَقِعُ

 

يَا رَضْعَةَ العَطَشِ المَحْمُومِ زِدْتِ لَهُ

جُرْحاً فَكَيْفَ بِحُضْنِ السِّبْطِ يَرْتَضِعُ

 

 

ذا مَنْحَرٌ ضَمَّ سَهْماً فِيْ مُعَانَقَةٍ

لَوَالِدٍ دُوْنَ نَحْرٍ مَا الرَّضَاعَ وَعُوْا

 

 

والخَيْلُ والصَّدْرُ لَمَّا ضَجَّ مِنْ عَطَشٍ

بِوَطْئِهِ ضَـجَّةٌ لِلْمَاءِ تُقْتَلَعُ

 

وَالقَلْبُ وَالسَّهْمُ مَثْلُوثُ الفُؤَادِ بِهِ

لِيُهْرَقَ القَلْبُ حِيْنَ المَاءُ يَمْتَنِعُ

 

 

وَالوَعْدُ وَالفَقْدُ فِيْ أَفْيَاءِ قُرْبَتِهِ

يَا حِيْرَةَ المَاءِ لَمَّا وَعْدُهُ يَقَعُ

 

 

فَدُوْنَهُ يَتَهَاوَىْ فِيْ الثَّرَىْ قَمَرٌ

وَجَزْرُهُ لفُرَاتِ الثَّكْلِ يَبْتَلِعُ

 

المَاءُ صِيْغَةُ حَرْبِ الطَّفِّ وَاجِفَةٌ

لَهَا القُلُوْبُ وَبِالتَّعْطِيْشِ يَفْتَرِعُ

 

كَأَنَّهُ الحَرْثُ مِنْ غَيْظِ القُلُوبِ نَمَا

إِذَا تَعَهَّدَهُ الإِغْوَاءُ وَالطَّمَعُ

 

 

قُلْ مَا تَشَاءُ مَعَانِيْ المَاءِ مُهْدَرَةٌ

فِيْ ذَاتِهَا لِسَواهَا فِهْيَ تَتَّسِعُ

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ كَانَ الرَّيُّ آخِرَهُمْ

قَدْ يُنْزَعُ السَّهْمُ لَكِنْ لَيْسَ يُنْتَزَعُ

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ كَانَ الرَّيُّ مُسْتَتِراً

وَمَنْ تَبَجَّحَ نَقْعُ الدَّمِ إِذْ نَقَعُوا

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ خُذْ مَا تَشْتَهِيْ ذَهَباً

بِكُلْفَةِ المَاءِ لِمَّا شُرْبَهُ مَنَعُوا

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ إِقْصَاءُ الغَدِيْرِ عَلَىْ

إِرْوَائِهِ .. لِجُحُودٍ رَايَةً رَفَعُوا

 

 

وَكَوْثَرٌ لِعَلِيٍّ غَارَ مُنْتَكِساً

فِيْ رَدْمِهِ الدَّمُّ مَوْبُوْءٌ وَيَنْتَقِعُ

 

 

هَذِيْ بَقَايَاهُ قُرْبَىْ قُرْبَةٍ حُصِرَتْ

بِكَفِّ عَبَّاسِهَا وَالكَفُّ تُقْتَطَعُ

 

لا شَيْءَ يُشْبِهُ طَبْعَ المَاءِ إِذْ ظَمَؤُوا

فِيْ عَاشِرٍ وَفُراتُ القَوْمِ مُنْطَبِعُ

 

 

الطَّفُّ قَطْرَةُ مَاءٍ بُخِّرَتْ عَنَتاً

فَجَادَ بِالدَّمِّ رَياًّ كُلُّ مَنْ صُرِعُوا

 

 

لابُدَّ لِلطَّفِّ مِنْ رَيٍّ يُشَرِّبُهَا

رُوْحَ السَّكِيْنَةِ لَمَّا يَشْرَقُ الهَلَعُ

 

إِنْ لَمْ تُرَوَّىْ قُلُوبُ الآلِ عَاطِشَةً

فَتُرْبَةُ الطَّفِّ ظَمْأَىْ.. مَنْ تُرَى تَسَعُ؟!

 

لِذَاكَ يَرْوِيْ حُسَيْناً تُرْبَ ضَجْعَتِهِ

بِنَجْعِهِ لا بِرَيِّ المَاءِ يَضْطَجِعُ

 

كُلُّ الفُراتِ الذِيْ يَجْرِيْ بِمَشْهَدِهِ

مُجْتَثُّ أَصْلٍ وَمَا فِيْ حُكْمِهِ تَبَعُ

 

مَنْ يَتْبَعُ السِّبْطَ نَهْرٌ مِنْ مَصَارِعِهِ

بِذَاكَ حُدَّتْ رِيَاضُ الطَّفِّ فَانْتَجِعُوا

 

إِنِّيْ رَأَيْتُ حُسَيْناً زَمَّ صُوْرَتَنَا

بِلَقْطَةِ الحَيْرَةِ الأُوْلَىْ .. بِهَا هَزَعُ

 

فِيْ دَهْشَةِ المَاءِ مَقْطُوعٌ تَسَرُّبُنَا

كَجَدْوَلٍ لِحُسَيْنٍ ظَلَّ يَتَّبِعُ

 

أَلَمْ نَكُنْ بَعْضَ مَحْصُورِيْنَ فِيْ زَمَنٍ

مِنْ فَرْطِ شَقْوَتِهِ بِالحَصْرِ نَدَّرِعُ

 

أَلَمْ نَكَنْ ظِلَّ مَقْمُوْعِيْنَ قَدْ جَفَلُوا

وَظِلُّنَا حِيْنَ حَرَّكْنَاهُ مُبْتَدَعُ

 

 

كُنَّا سَرَايَا وَلَكِنْ مِنْ سَرَابِ خُطَىْ

كَصُوْرَةِ المَاءِ فِيْ العَيْنَيْنِ نَخْتَرِعُ

 

 

أَشَدُّ إِيْمَانِنَا وَهْمٌ نُخَزِّنَهُ

فَإِنْ تَلَجْلَجَ قُلْنَا فَهْوَ يَنْدَلِعُ

 

 

فِيْ القَلْبِ تَكْمُنُ مَكْبُوتَاتُ حَيْرَتِنَا

كَغَيْمَةٍ عَنْ سَمَانَا لَيْسَ تَنْقَشِعُ

 

 

وَلَيْسَ تُمْطِرُ حَتَّىْ فِيْ تَهَدُّجِنَا

وَضَرْعُهَا يَبَسُ الأَحْزَانِ إِنْ ضَرَعُوا

 

 

لَنَا شِفَاهُ حُسَيْنٍ فِيْ تَعَطُّشِهَا

لَكِنْ بِلا كَوْثَرٍ فِيْ الغَيْبِ يَنْدَفِعُ

 

 

فِيْ حَفْلَةِ المَاءِ إِنَّا مُتْرَفُوْنَ عَلَىْ

حَشْدِ المَعَانِيْ وَلَكِنْ عِذْقُهَا دَقِعُ

 

لابُدَّ لِلدَّمِّ أَنْ يُجْرِيْ تَفَجُّرَهُ

بَيْنَ العُرُوْقِ بِشُحِّ النَّفْسِ يَقْتَرِعُ

 

لِكَيْ يَفُوْزَ بِنَرْدِ النَّصْرِ كَوْثَرُهُ

أَنَّى رَمَىْ فَحَشَا غَيْمَاتِهَا دَمِعُ

 

 

وَالمَاءُ يَرْجِعُ مَاءً لَوْنُهُ عَدَمٌ

لا حَفْلَةً فِيْ ظِلالِ المَوْتِ يَصْطَنِعُ

 

 

رَياًّ جَوَاداً كَرِيْمَ الطَّبْعِ مُنْبَلِجاً

قَلْبُ الحُسَيْنِ بِهِ الأَوْلَىْ ولا طَمَعُ

 

 

لِنَهْتَدِيْهِ عَلَىْ ثَغْرٍ بِلا حَرَجٍ

لا نَبْتَ صَبَّارِهِمْ فِيْ الحَلْقِ قَدْ زَرَعُوا

 

 

يَا حَشْرَجَاتِ حُسَيْنٍ فِيْ تَمَنُّعِنَا

عِنْ مَائِهِمْ إِنَّنَا بِالثَّأْرِ نَمْتِجَعُ

 

مَا بِيَنْ مَضْمَضَةٍ نُلْقِيْ رَوَاسِبَهَا

وَبَيْنَ رَيٍّ كَوِزْرٍ حَمْلَهُ نَضَعُ

 

لا يُصْبِحُ المَاءُ مَاءً مِنْ مَشَارِبِنَا

حَتَّى يَغَادِرَ عَنْ وَاحَاتِنَا الضَّبُعُ

وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَىْ الرُّمْحِ

ظَنَّ الفراتُ عَلى الحسينِ ظنونَهُ

فأفاضَ وردُ الضِّفتينِ يقينَهُ

رَمَقُ الصَّبايا و انكِسَارُ الدلْوِ لِلـ

مَاءِ الجَرِيحِ أثارَ فيهِ حَنِينَهُ

و لذاكَ فَزَّ مِنَ التُّرابِ يَرُشُّ خَيـ

ـمتَهُ و يَغْسِلُ بالدُّمُوعِ وتِينَهُ

يسْتَحْضِرُ الوَجَعَ القدِيمَ فتَرْفُلُ الـ

ذَّكْرَى و يُغْمِضُ في الصِّغَارِ جُفُونَهُ

هِيَ لَحظةُ انطفأ الزَّمَانُ وقد بقى

في النَّهرِ نهرٌ شَاهِرَا ً نِسْرِينَهُ

فإلى وَدَاعٍ سَارِحٍ فِي الأَمْنِيَاتِ

أطَالَ ” نَهْرُ العَلقمِيِّ” سِنِينَهُ

مُترَجِّلاً كي يُوقِظَ العَمَّ القتيلَ

يُعيدُ في جَسَدِ الغِيابِ يَمِينَهُ

و يَبُوحُ للحُلُمِ الذي مَا زال يَرْ

كُضُ فِي العَرَاءِ و قَدْ غَرَفْتَ مَعِينَهُ

يا آخِرَ الألوَانِ صَدْرُكَ لَوْحَةٌ

فَهَلِ السِّهَامُ تَعَمَّدَتْ تلوِينَهُ

هَلْ كُنتَ تبْتكِرُ السِّلالَ و تَحْرُثُ

الأيَّامَ حتَّى يَسْرِقُوا مَخْزُونَهُ

مَا كُنْتَ إلا نَوْرسَاً يسْتَرْجِعُ الـ

غُربانَ لِلسِّربِ المُعَانِقِ طِينَهُ

يَبكِيْ لِيَرْسُمَ ضَحْكَةَ الأعْدَاءِ ، ثــ

ـمَّ تَصُولُ تَخْسِفُ بِالنِّبَالِ عُيُونَهُ

يَا شُرْفَةَ الأَحْلامِ يا جَرَسَ الكنَا

ئِسِ يَا مُحمَّدُ جاءَ يشرحُ دَينَهُ

لا رَمْلَ يَحْتكِرُ الحُسينَ فكلُّ بسـ

ـتانٍ تشَّرَّبَ في النَّدى زيتُونَهُ

عُصْفُورة ُالأحزانِ حطَّتْ فوقَ خَيـ

ـمتِهِ تُؤانِسُ في المَسَاءِ بَنينَهُ

هُمْ كلُّهمْ رَحَلوا لغيبٍ آخَرٍ

عَبَرُوا الجِرَاحَ و شاهدوا تَكْوِينَهُ

كُلُّ الجِهاتِ مَدَائِنٌ مَرْقُوعَةٌ

و غُبَارُ ثوبٍ مَزّقوا مَضْمُونَهُ

صَمَتَ الجَمِيعُ و ظَلَّ مُفْردَهُ يعَا

لجُ في رِمَالِ المُسْتَحِيلِ شُجُونَهُ

وَ هُناكَ لا هَمْسٌ و لا ظِلٌّ و لا

رِيحٌ و لا مَاءٌ يَبُلُّ أنينَهُ

ملقىً يُدثّرُهُ الإِبَاءُ و أعينٌ

تَخشَى على حرِّ التُّرابِ سُكُونَهُ

هَوَ هكذا صَوتٌ يُموسِقُ ثورةً

و أنا أمارِسُ في الصَّدى تلحِينَهُ

هو لحظةٌ لا تنتمي للوقتِ ، يَذ

رَعُ في امتدادِ السَّرمَدِيَّةِ حِينَهُ

مُذْ كُنتُ طِفلَ الماءِ قرَّبني إليـ

ـهِ فكانَ لي وطناً و كُنتُ سَفِينَهُ

ليْ فيهِ وجهٌ آخرٌ هُوَ كالمَرَا

يا و انعِكاسُ الضَّوءِ يُصْلبُ دُونَهُ

يا ما تشَجَّرَ فِيَّ حتَّى صِرتُ جِذ

عاً ثائراً دلّى عليَّ غُصُونَهُ

فَـتّـشْتُ لم أَجِد المَسَاءَ وجدتُ رُمـ

ـحاً دسَّ في رأسِ الهُدى إِسْفِينَهُ

قَمَرٌ هناكَ يذوبُ فوقَ العرشِ يحـ

ـملُ سرَّهُ لم يُدْرِكُوا مَكنونَهُ

ذابتْ ملامحُهُ تجَرَّدَ للسَّما

وجْهٌ بلا وجْهٍ يدُكُّ مَنُونَه ُ

وَهَبَ الفراغَ طلاوةَ الإيجادِ لمْ

يَكُن الوجودُ مُقدَّراً ليكونَهُ

عقلي خُيوطٌ مِن زُجاجٍ حائرٌ

كسرَ التأمُّلُ في الحُسيَنِ جُنُونَهُ

أنا كنتُ في الخيماتِ أعصرُ غيمةً

عَطشَى و امسحُ دمْعَ مَنْ يبكُونَهُ

نَايٌ حزينٌ عازفونَ و طفلةٌ

و أنا هناكَ يبثُّ فيَّ لُحُونَهُ

عَنْ أيِّ شيئٍ يسترُ الوَجَعَ النَّبـ

ـيَّ و هؤلاءِ القومُ يسْتلبونَهُ

يَا رَعْشةَ السِّكينِ في كفِّ اللئيـ

ـمِ يَغُزُّ في جَسَدِ التُّـقَىْ سِكِّينَهُ

هُم قطَّعوهُ فظَلَّ مُلتهباً يحرِّ

ضُ فِي بُطُونِ الأمَّهاتِ جَنِينَهُ

و يَعُودُ يزْرَعُ في التُّرابِ قصائِدَ الث،

ـوارِ يبعثُ في القوافي نُونَهُ

مَا عادَ للموتِ العنيدِ نِهايةٌ

إلّا إذا نَكَسَ الحُسَينُ جَبينَهُ

فالموتُ شيّعَ نفسَهُ في كَرْبَلا

و أقامَ في وَجَعِ الثّرى تأبِينَهُ

 

موسيقار الشهادة

لِجُرحِ قلبِكَ موسيقاهُ إنْ نَطَقا
يبوصلُ المجدَ إمَّا ضَيَّعَ الأفُقَا

نَضْحُ الدِّماءِ وضوءُ العِشْقِ ، ما اكتملتْ
صلاتُكَ البِكْرُ إلا مُذْ نَزَفْتَ تُقى

فَتَحْتَ عَيْنَيْكَ حينَ استحكَمَتْ لُغَةٌ
خَرْساءُ ، حينَ الحيارى ضيَّعوا الطُّرُقا

ورُحْتَ تُمْطِرُ فينا الضَّوْءَ ،
كانَ عرانا اليأسُ
لم نَدَّخِرْ مِنْ عَزْمِنا رَمَقا

علَّمْتنا نَسَقاً للحُبِّ ، فارتَعَشَتْ
كوامِنُ الشِّعْرِ لمَّا أدرَكَ النَّسَقا

أتيتَ تَقْدَحُ في أنفاسِنا أملاً
كُنَّا عَهِدْناهُ محبوساً ، وها عُتِقا

وحينَ أرَّقنا ليلٌ وشَتَّتنا
مَسَحْتَ عنّا شتيت الليلِ والأرقا

صِرنا نُمَوْسِقُ أحلاماً ،
ونَزرَعُها عِندَ الحُسينِ
إذن تَرْدادُها عَبَقا

كُلٌّ يعوذُ بِرَبِّ الحُبِّ مِنْ أرَقٍ
ما أسْكَرَ العَيْنَ إما طَرْفُها عَشِقا

يا مُبْدِعَ الغُنَّةِ الأولى انسيابُكَ في
أضالِع الكونِ أغرى الدَّمعَ فانْدَلَقا

أغرى الوجودَ بأنْ ينحازَ ، لا لِشَجٍ
لثائِرٍ عبْقَرِيِّ الفِكْرِ ، ما انزلقا

فِكْرٌ حُسَيْنٌ ، فُراتِيُّ الوضوحِ لهُ
رهافةُ السَّيْفِ ، لا يستعذِبُ القلقا

وِكِبْرياءٌ تُرابِيٌّ ،
أما انبَثَقَ العَزْمُ المُكَرْبَلُ مِنْ طه؟ أما انبثقا؟

وسُنْبُلاتٌ منَ الإيثارِ يَرْفِدُها
ماءُ الفِداءِ الذي مِنْ أمِّهِ اندفقا

ونَظْرَةٌ مِنْ عَلِيٍّ ..
بينَ رَحْمتِهِ وسَيْفِهِ أنْ يسيرَ الناسُ سَيْرَ شقا

ما افْتَنَّ بالماءِ حينَ الماءُ راوَدَهُ
في الطَّفِّ ، فانْداحَ ماءُ النَّهْرِ مُخْتَنِقا

وراح يركضُ للعبَّاسِ ، فارْتَعَدَتْ
فرائصُ الماءِ ، ما للماءِ قد صُعِقا؟

أيَشْرَبُ الماءَ عبَّاسٌ ، وزَيْنَبُهُ
فؤادُها بجِمارِ الوَجْدِ قَدْ غَرِقا!!

الصَّبْرُ بُرْدَةُ قِدِّيسينَ ، ما التَفَتوا
لغيرِ خالِقِمْ ، ما طأطأوا عُنُقا

والجودُ فِطْرَةُ مَنْ ذاقوا حلاوةَ أنْ
يُقَدِّموا النَّفْسَ قُرْباناً لِمَنْ خلقا

والطَّفُّ كَوْنٌ مِنَ الإبداعِ .. حينَ ترى
أباً ، وإبناً غريبَ البَسْمَةِ ، اعتنقا

أبي .. شِفاهِيَ يكويها لظى ظمإٍ
بُنَيَّ هاكَ فمي ذبلانَ مُحْتَرِقا

إذنْ بُنَيَّ إلى حَرْبٍ مُقَدَّسَةٍ
نروي بمهجتنا مَنْ كابدَ الحُرَقا

الطَّفُ قَلْبٌ بليغُ الجُرْحِ إنْ خَفَقا
والرأسُ أصْدَقُ إنْ فوقَ القَنا نَطَقا

فَكَيْفَ تَفْنى تراتيلٌ مُخَضَّبَةٌ
بماءِ وَحْيٍ ، ونَحْرٍ يَنْتشي عَبِقا

لا يَنْضَبُ الفِكرُ
عاشوراءُ قُرْبَةُ مَنْ رامَ الكرامةَ يلْقى ماءها غَدِقا

“حسينُ” نَبَّهَنا أنَّ المماتَ يَدٌ للحقِّ
تَفْضَحُ مَنْ بالحُكْمِ قَدْ شَرقا

حمى الزَّمانَ بهيهاتٍ ، فما سُرِقَتْ
روحُ الإباءِ وتاجُ المَجْدِ ما سُرقا

أسئلةٌ في جيبِ الرمل

 

 

 

كُنَّا وكانَ الفجرُ خلف ظلالِي

  متزمَّلاً بشهيَّةِ الترحالِ

فجرٌ تراقِبهُ الحمائِمُ حيث لا
 
  فرقٌ لرأسِ النخلِ و الأنصالِ

فجرٌ يطفِّفهُ المساءُ ولم يَزَل

 

 

يربو ليقهرَ خِدعةَ المكيالِ

يتلمَّسُ الأيَّامَ، ينبِشُ جرحَها

 

  عمَّا تورَّطَ في يدِ الأنسالِ

وترَى غُبارَ الحُلمِ تكنسهُ الرؤى

  عن بعضِ أخيلةٍ و بعضِ جمالِ

وهُناكَ حيثُ العزُّ يجمَعُ شملَهُ

  ويمرُّ فوقَ العابرينَ خِلالِي

وقفَ الجوادُ بأضلعِي فتساءلت

  كُلُّ الحقيقةِ عنهُ فِي أوصالِي

ما اسمُ النصيبِ وهل لهُ ثانٍ يُقا

  سِمُ ما ارتمَى في القلبِ من أحمالِي؟

فأكادُ من فرْطِ التوجِّسِ ألتظي

  متكربلاً من شهقةِ الآجالِ

تمتدُّ بِي لغةٌ تُجعجعُ بِي هنا

  كَ على الصعيدِ بنبرتِي و خيالِي

يختلُّ سقفُ الكونِ مِن ميزانِها

  ويظلُّ متَّزِناً على مِثقالِي

وأعيذُ أيَّامِي بصحوِ غُدوِّها

  ممَّا تجذَّر فِي كرَى الآصالِ

 

حيثُ العراقُ تفرَّدَت بالسوسنا

  تِ المنهكاتِ الذابلاتِ قِبالِي

وتزيَّنت بالموتِ، إنَّ الموتَ خطُّ

  قلادةٍ في جيدِها المنثالِ

رسمَت بكفِّ المُبدعِينَ صمودَها

  وتمايزت مِن نصرِها المتتالِي

حيثُ الردَى قد شاقَهُ الطوفانُ يُغـ

  ـرقُ ما انبرى فِي سيلهِ المتعالِي

ما انجالَ فِي سُوحِ الكرامةِ موعدٌ

  إلاَّ تزيَّنَ بالدمِ السَلسالِ

وكأنَّمَّا أُطرُ المسافةِ لم تضِق

  حينَ استفاقَت غفوةُ الإقبالِ

وكأنَّما شطُّ الفراتِ مجَدِّفٌ

  نحوَ الحُسينِ بهيبةٍ و جلالِ

فأمِيطُ عن وجهِ القفارِ لِثامهُ

  ويضجُّ فِي جيبِ الرِمالِ سؤالي:

هل تستحِمُّ الشمسُ؟ هَل يتعطَّرُ الر

  ملُ المسافرُ فِي القميصِ البالِي؟

هل ينحنِي جذعُ السماءِ ليلقفَ الضـ

  ـوءَ الُمراقَ بصهوةِ الخَيَّالِ؟

مَاذا سيهرُبُ مِن دِنانِ العلقميِّ

  إذا انتشَى بالدمعِ ثغرُ خَيالِي؟

أنا كُنتُ حَولَ مساربِ الأحلامِ أحـ

  ـصي العِزَّ فوقَ مطامحِ الأجيالِ

ورأيتُهُ يهَبُ الرِمَالَ نوارِساً

  طارت تُعانِقُ بسمَة الشلاَّلِ

فرداً يقُصُّ على مسامعِ دهرِنا

  قصصَ الفِداءِ و نهضَةَ الإجلالِ

عارٍ مِنَ الأحلامِ وهوَ يخِيطُها

  للفجرِ مِن يدِ خِلَّةٍ و دَلالِ

مازالَ يعجُنُ فِي الترابِ إباءَهُ

  بالحُبِّ شكَّلَ عِزَّةَ الصلصالِ

لوسادةٍ فِي الرملِ هَرَّبَ جُرحَهُ

  متقلِّباً فِي سجدَةِ الأبطالِ

فتكادُ من غيظٍ تمِيزُ مواجِعاً

  كَم مِن حُسامٍ كافِرٍ و نِبالِ

اللهُ من حُرٍّ تناسلَ عزمهُ

  متمرِّداً فِي عُقدَةِ الأغلالِ

اللهُ من قلبٍ تثلَّثَ عَطفهُ

  فزهَا أريجُ الحبِّ بالأوصالِ

جرحٌ يُسافرُ في السماءِ نزِيفُهُ

  متسلَّقاً من سلَّمِ الآمالِ

مازال يفتحُ للسنينِ نوافذاً

  بالعطفِ تحرِجُ قسوةَ الأقفالِ

 

 

خارِطَةٌ أُخرى للوجع !

 

 

يـا سـؤالاً عـلـى شـفـاهِ الـمـرايـــــــا

وانـعـكـاسًـا عـلـى يـقيـنِ الضحايـــا

 

يـا شُـعـاعًـــا مِنَ الـغيـــوبِ تـدلَّــــى

كُـنـتَ حُـلْـمًـا عـلـى جِـراحِ الرزايــا

 

نــغــمٌ مـن فــمِ الــسَّــمـــاءِ تــنــزّى

فاصطفـتـْكَ الـسنـيـنُ حُـزنًـا ونايــا

 

كُـنـتَ فـردوسَـنـــا الذي ما سـكـنَّـاهُ

وخُــنَّــاهُ فـي جـحـيــمِ الـخطـايـــــا

 

وابـتـدعـنـاكَ فـكـرةَ الـوهمِ خُـسْـرًا

نحنُ والـوهـمُ والـسـرابُ حـكـايــا

 

واخـتـزلـنــاكَ في الخُـرافـةِ طقسًــا

واحـتـكـمْـنا إلى ظـنـونِ الخبـايــــا

 

واحـتـكـرنــاكَ في المنابِرِ طيـفًـــا

أثَّثَ الحقدَ في اختلافِ الـزوايـــــــا

 

فـئـويـّونَ في الـجـهـاتِ تفرَّعنــــا

انـقـسـمـنـا كما انقسامِ الـخـلايـــــا

 

قـد صلبـنـاكَ في الـدمـوعِ غريـبًـا

غُـربـةَ الـمــاءِ في رمالِ الشظايــا

 

أيّـهــا الواهِبُ القلوبَ اشتعالَ الـ

جمرِ هلاَّ أسرجتَ عـقْـلَ الحنايــا

 

غـلَّفتْـنـا الظلماءُ في الـجهـلِ عُمرًا

وأضعنا في الضوءِ حُلْمَ الـمرايـــا

 

ما اقـتـفـيـنــا جراحَكَ الحُمْرِ , إنّــا

قـد تـبِـعنـا الهـوى وسوءَ النوايــــا

 

إنَّــنــــا والــغـــيــــــابُ تـوأمُ فـقـدٍ

مُذْ فقدناكَ في السُّرى والـسـرايـــا

 

بـاعـدَتْـنــا أوهامُنــا عن جِراحاتِـكَ

ضـِعــنــا على دروبِ الـبـلايــــــــا

 

واسـتـبـدّت بـنـا ريــاحُ الـتـشـظّــي

وانـتـمـيـنـا إلى الـشـتـاتِ سـبـايــــا

 

غـفـلـةُ الـعـقـلِ سـوّرتـنـا ضـيـاعًـــا

مـنـذُ كُــنــّا على الـحـيـاةِ بـقــايــــــا

 

فـانـتـهـيـنــا إلى الـخـنـوعِ وكُـنّـــــا

ثورةَ البؤسِ وانــكــســارَ الـثـنـايــا

 

سـامـحِ الـحُـزَن سـيّدي , لَـوْ تــمــادَى

– في بُكاءِ الضميرِ – جرحُ الوصايــا

 

أنتَ في الكونِ والمدى دربُ وعـيٍ

ملكوتُ السَّنـا وغيبُ الـخـفـايــــــــــا

 

في غَيابةِ الحُب

بين يدي ضريح سيدي أبي عبدالله الحسين (ع) خطبٌ وخطاب

 

يا ليتنا فوقَ الرخامِ نذوبُ
 
وعلى الضـريحِ مواجعٌ وقلوبُ
  
يا ليتنا ذرٌّ على أعتابهِ
 
يلهو بنا ذهبٌ، ويعبثُ طيبُ
  
قد مضَّنا شوقٌ لـ (يوسفِ) عشقنا
 
فمتى لـ (كنعانِ) الوصالِ نؤوبُ؟
  
ذئبُ المصائبِ لم يعُد بقميصهِ
 
بدمٍ جرى، لم تفترسْهُ نيوبُ
  
بل جاء ينزفُ بالظلامة جرحهُ
 
فدمُ الحسين على السما مسكوبُ
  
ما عادَ إخوته سوى برؤوسهم
 
وجسومُهم باهى بهنَّ كثيبُ
  
يا (يوسفَ) العُشاقِ رفقاً، قد ذوتْ
 
منا العيونُ، فكُلنا يعقوبُ
  
حَزَناً عليكَ عيوننا مبيَضّةٌ
 
كم ذاب من جزعٍ بنا(أيوبُ)
  
امدد لنا حبل الوصالِ فبئرنا
 
فيه القوافلُ ضجةٌ ونحيبُ
  
خبّئ (صواعك) خفيةٍ في جرحنا
 
ودَعِ (المؤذِّن) في نداه يخيبُ
  
لن نبرحَ الأرض التي شجَّرتَها
 
بالعاشقين، إذ الغرامُ قشيبُ
  
إنا سرقنا بعض حبك فاسترق
 
من ذاقَ فيك الرِقَّ، كيف يتوب؟
  
***
وحملتُ آمالي على فرسِ الهوى
 
تِلقاء (مديَنِكَ) العظيمِ أُنيبُ
  
أنا يا (شعيبَ) هوايَ جئتُ يقودني
 
بخطى الحياءِ تلهُّبٌ ولهيبُ
  
أنا قد أتيتكَ هارباً من أمةٍ
 
فاحتْ هزائمها، ولاحَ غروبُ
  
وأتيتُ أرضك خائفاً مترقباً
 
ذلاً يُلاحقُ أمتي ويَعيبُ
  
إني لما أنزلتَ بي من نعمةٍ
 
وكرامةٍ متلهفٌ ورغيبُ
  
خُذني إليكَ أتمُّ (عشـرك) خادماً
 
وأزيدُ، لا عتبٌ ولا تثريبُ
  
إحدى اثنتيك أريدها لي غيمةً
 
أحيا بها، إنَّ الطريقَ جديبُ
  
شرفُ الشهادةِ في قوافل (كربلا)
 
حيثُ الخلودُ مع الحسين يطيبُ
  
أو عزةٌ أسمو بها وكرامةٌ
 
فيها تفانت أنفسٌ وشعوبُ
  
ألقيتُ أحلامي زجاجةَ آملٍ
 
في بحر جودكَ، كيف كيف أخيب؟!
  
***
يا سيدي عُذراً إذا لم يبتسم
 
وجه القصيدة، فالنشيدُ نحيبُ
  
«نحن الحسينيون»، ذاك شعارنا
 
لكنه (شمّاعةٌ) وهروبُ
  
هذي دماؤك مزّقت أشلاءنا
 
فبكل عام يا حسين- حروبُ
  
بعنا دماءك بالشقاقِ وبالشقا
 
فالكل عن وطنِ الإخاء غريبُ
  
صرنا نقاتلُ بعضّنا في بعضنا
 
ولنا عدوٌ شامتٌ وطروبُ
  
(رادودُنا) تُهَمٌ بصوتِ رصاصةٍ
 
والشتمُ في بيتِ الحسينِ (خطيبُ)!
  
صار اختلافُ الرأي آفَتنا التي
 
أكلتْ حصادَ (الطفِّ) وهْوَ خصيبُ
  
أتُرى تآكلنا الصـراعُ فلم يزل
 
يجتاحنا نصَبٌ، وشاعَ لغوبُ؟
  
كلٌ رمى كبدَ الحقيقةِ زاعماً
 
لكنه كبدَ الحسينِ يصيبُ
  
***
يا من هتفتم بالحسين وسيلةً
 
لا تخذلوهُ، فما هُناك (حبيبُ)
  
عُدنا لكوفةِ أمسنا في غيِّنا
 
فتنازعتنا أوجهٌ ودروبُ
  
كلٌ يحرضُ للقيامِ (حسينَهُ)
 
لكنه في (كربلاهُ) غريبُ
  
نحتاجُ أن يأتي (حسينٌ) فاتحاً
 
أرض (العراك)، فأنصتوا وأجيبوا
  
نحتاجُ (للعباسِ) يسقي ذلَّنا
 
عزاً هنيئاً، فالضميرُ جديبُ
  
قوموا لنحيي بالوئام قلوبنا
 
ونعيدَ مجداً بالإخاء يطيبُ
  
ولنكتب التاريخ من أحضاننا
 
فالبغض في عرف الرواةِ كذوبُ
  
فإذا صفتْ أرواحكم، طَهُرَ الولا
 
ولئن سألتُمْ فالحسين يجيبُ
  

 

أسئلةٌ معلقةٌ في سماءِ الحسين

 

 

أسائلُ الموتَ : هلْ في الموتِ مُرتَجعُ

إلى الحـياةِ، وهـل في الجرحِ مُتسَّعُ

هل في البداياتِ أسـرارٌ بلا زمـنٍ

هل في النهاياتِ مجدٌ لـيسَ يـنقطعُ

وأسألُ الحزنَ في عينيكَ مُــشتعلاً

كأنهُ مِنْ خيوطِ الـغيبِ يــلتمعُ

أيـُـشرقُ اللهُ في نحرٍ يـفيضُ دماً

أبهجةٌ في نـزولِ الـدمعِ تــرتفعُ

أغُربةٌ أنْ تـكونَ الروحُ في وطـنٍ

مِنَ السماءِ التي في العشقِ تــنتجعُ

أيصنعُ الجرحُ نوراً لا حــدودَ لهُ

كـلؤلؤٍ نـبويٍّ لـيسَ يُـصطنعُ

أيبدعُ الثائرونَ النــزفَ أغـنيةً

مـتى التلاحينُ في المأساةِ  تُـبتدعُ

أيظهرُ الـوجعُ السامي غديرَ رُؤىً

أيملأُ الأرضَ  ورداً  ذلـكَ الوجعُ

أحزنُكَ المأتمُ الكونيُّ، هلْ لــغةٌ

في نسجها الـنعيُ والأعراسُ تجتمعُ

 

وأسألُ الماءَ: هلْ يرويكَ مِنْ عطشٍ

أمْ أنـتَ تـرويهِ ماءً مِــلؤهُ ولعُ

وهل تـشيخُ حكاياتٌ مـرفرفةٌ

مِـنْ غـيمةِ الملكوتِ الحرِّ ترتـضعُ

وهل تجيءُ مِنَ الأشواقِ، مِنْ وَلَهِ

الـعُشَّاقِ، مِنْ وَجَعِ الأوراقِ تندفعُ

أَيبدأُ الشعرُ مِنْ كَفّيكَ،مِنْ دَمِكَ

المسفوكِ،يا لدمٍ بالشعرِ مُــنطبعُ!

ياكمْ تسيلُ على الأشياءِ مُجترحاً

وحيَ الحقيقةِ، لا زيـفٌ ولا خُدَعُ

أتستغيثُ وتدعو، لا ترى أحـداً

إلا بــنيكَ وأصـحاباً بهم ورعُ

 

أقـولُ:هذا يقيني فيكَ مـشتبكٌ

في حضرةِ الشكِّ يستقصي ويخترعُ

آمنتُ بالدمعِ في عينيكَ مـنتصراً

آمنتُ بالحزنِ حتى قيلَ : مُـبتدِعُ

ألم تكنْ رحلةً للموتِ فارتحلتْ

للهِ  أعـمدةَ الـطغيانِ تـقتلـعُ

 

 

وأسألُ الرأسَ: يا للرأسِ كَمْ جسدٍ

حُــرٍّ ستلبسُ،كَمْ عُمْرٍ ستـتسعُ

أكنتَ مستعصياً كالموجِ كنتَ فماً

في كـلِّ شبرٍ لهُ صوتٌ ومـستمعُ

أأنتَ أجيالُ رَفْضٍ، نارُ مـلحمةٍ

لاءاتُها لم تـزلْ تسمو وتـندلعُ

وكيفَ تنظرُ أبـناءً مُــذبَّحةً

فلا تخافُ، ولا يـدنو لكَ الجزَعُ

وهمْ يخافونَ منكَ الظلَّ،كيفَ تُرى

هلْ كانَ يُقذفُ في أرواحـهمْ فَزَعُ

وتلكَ أسئلةٌ تُـلقي حـكايـتها

إلى الذين حشاهمْ فـيكَ مُـفتجعُ

إلى هناكَ ..إلى الآتينَ مِنْ غـدهمْ

إلى هـوىً، لا زمـانٌ فيهِ  أو رُقَعُ

 

كربلاءُ نُبوَّةُ الألواح

 

في كربلاءَ نثرتُ بَعْضَ جراحي
كنبوةِ الإيحاءِ في الأرواحِ
 

أَرْضٌ يَمُطُّ الظِلُّ فيها طَرْفَهُ

فتراهُ مفتونًا بوجْهِ صباحِ
 

فيها ابتكارُ الضوءِ وَهْوَ مجرَّدٌ

يكفي الحقيقةَ سهرةُ المصباحِ
 

كَتَبَتْ على جَسَدِ السماءِ حروفها

إنَّ السهامَ نبوةُ الألواحِ
 

ملأى حقائبها بثقْلِ أُلوهةٍ

تمشي وَلَمْ تَعبْأْ بِعَصْفِ رياحِ
 

هي كربلاءُ عبارةٌ منحوتَةٌ

بِفَمِ الخلودِ وسُحنَةِ الإصلاحِ
 

هي كربلاءُ نشيدُ كلِّ بطولةٍ

لم تقتصرْ يومًا ببعض نُوَاحِ
 

وعلى سلالِ المستحيلِ تَلَوَّنتْ

سَعَفَاتُها في شهقةِ الأدواحِ
 

يتسربُ الزيتُ المعبأُ بالندى

في مقلتيها مِنْ فَمِ “ابن رباحِ”
 

يتوكأ الرَّملُ السنابلَ لحظةً

ويشي بِفَضْحِ شهيةِ الأقداحِ
 

غَرَسَتْ بفاكهةِ النحور سيوفَها

وَتَوّرَّقَتْ مِنْ أسهمٍ ورماحِ
 

وتشجرتْ لغةُ الفداءِ بثغرها

إنَّ الطفوفَ خطيئةُ الأملاحِ
 

ما جَفَّ مِنْ ظَمَأِ البياضِ إناؤها

سكبَ الطهارةَ فوقَ ذَلَّ جناحِ
 

يا كربلاءُ وَأَيُّ جُرْحٍ خالدٍ

زَمَّ المماتَ بنبرةِ الأشباحِ
فدمُ الحسينِ نوافذٌ مفتوحةٌ
نحو الضمائر في ألذِّ مراحِ
 

 

 

 

 

 

 

 

يا كربلاءُ رِدِيْ دلاءَ مواجعي
بئري معطلَةٌ وأنتِ طِماحي
 

لَنْ ينحني جِذْعي لأَوَّلِ طعنةٍ

قاسمْتُها خبزَ الهوى بأضاحِ
 

أنا آخرُ الكلماتِ فوقَ ردائها

نبضي يغارُ لِنَفْثةِ المُدَّاحِ
 

قلبي يقاسمُ كربلاءَ لهيبَهُ

ثغري حسينُ ، ومدمعي فضّاحي
 

لاتذكروا لي كربلاءَ لوحدها

هل يُذْكرُ الأبطالُ دونَ كِفاحِ
 

سأزورُ ذاتي إنْ شَممَتُ ترابها

فتقولُ لي ما حيلةُ التفاحِ
 

مطبوعةٌ رئتي على أَنْفاسها

وَشْمًا ولفظةُ ” ياحسينُ”وشاحي
 

وأقولها” لبيكَ إِنِّي في الهوى

أشتاقُ حتى مِدْيةَ الذَّبّاحِ
 

لن يُسكتوا صوتي فبين أضالعي

“عباسُ” يَحْرثُ بالإبا أَمْلاحي
 

أنا والحسينُ ، وكربلاءُ قصائدٌ

عطشى تَشَرَّبَها الظَّما بقراحِ
 

أنا في الطفوفِ وفي سنابلِ وعيها

فأسٌ يهيمُ بحكمةِ الفلاحِ