المركز الثاني:
أسئلةٌ على ضفاف النهر
حبيب المعاتيق (المملكة العربية السعودية)
وجهًا لوجهِكَ لا أسوار تفصلني
يمتدُّ ضوؤُك ملءَ العين والأذنِ
وجهٌ تعرَّق بي،
لِمْ جئتَ متحدا بالنهر يا أنت
هذا النهر بلّلني
ضيّعتُ قلبيَ، سمْتي في الهوى، ثقتي
إن كان لابد كي ألقاك من ثمنِ
يا مدّ هيبتك الغلابَ يصنع بي
أشدَّ ما يصنعُ الإعصارُ بالسفنِ
عن موعدٍ بيننا رتَّبتُ أسئلتي
وحيث وجهُك من فوضاي رتّبني
بعضَ الشجاعةِ يا قلبي أكن لَبِقاً
لو كان يَحسنُ في هذا الهوى جُبُني
بعضَ الشجاعةِ يا كفيَّ؛ تملؤني
والجوّ يعصف حولي رعشةُ الغصُنِ
سأدخلُ الآن فافتح نصف نافذة
حتى أراك لأنّ الضوء يغمرني
💢💢💢
-في البدءِ من أنت؟
عرِّف باليسير؟
-أنا ! ..
ما أسهل السُؤل لو تدري وأصعبني!
لستُ السحابةَ لكني الهطول
وما بين انبساطةِ كفي
شيمةُ المزُنِ
-بدأتَ بالماء، هل للماءِ من صلةٍ؟
-لا بد أن تسأل الظمأى لتعرفني
بيني وبين الظما والماء أسئلةٌ
أشدُّ خوفيَ أن تقسو وتسألني
-والنهرُ؟
-كان خليلي في طفولتنا
يتيه بالطول لكن كان يقصُرُني
يسقي من النبع أفواه الرُبى
وأنا أسقي من الغيب
حيث الماء بي (لَدُنِي)
كنا امتهنا شجون الماء من زمنٍ
الله أعلم ما في الماء من شجنِ
-وهل صفا لك يوما عند حاجتهِ
-بلى صفا
والظما كالنار في بدني
-طوبى لروحك؛
بُلَّت نارُ غلَّتها من بارد الماء،
-ما كانت ولم تكنِ
ثم انصرفنا بعيداً بُعد وحدتنا
يعدو بنا الموت مجنونا بلا رسنِ
عدا السقوط كثيرا قلتُ يُشبهني
في الأرض جلُّ صفات الهاطل الهَتِن
وقد سقطتُ – ولكن مرة – خجِلا
ما بين غمضةِ جفن الموتِ والوسنِ
-وهل غفا لك جفنٌ في الفلاة؟
-بلى
جفنٌ وحيدٌ على صلصالها الخشنِ
غفوت والنهر عريانين أسترُهُ
عن الوحوش
ولكن ليس يسترُني
💢💢💢💢
-عذرا لقلبك لو أشجتك قصتنا
ذهبتَ للحزنِ حيث الحزن لم يحنِ
لدي خِرج أحاديثٍ وأسئلة،
سنرجعُ الآن بعض الشيء في الزمنِ
من أين أنت؟
-أنا من قلب عاصفةٍ في الطفِّ،
دعنا من الأقطار والمدنِ
من بعض أسمائيَ الأدعى بها قمرٌ
إلى السماء إذا ما شئت تنسبني
ولي على الأرض بيتٌ شاخصٌ أبدا
على محاجر عشاقِ الحسينِ بُني
-تعني الحسين؟
تحدَّثْ عن علاقتِهِ؟
مَن الحسينُ؟ وأوجزْ وصفَهُ،
-وطني
سكنتُ عينيه من منفايَ ذاتَ هوى
ولم أزل كالندى في جنتَيْ عدَنِ
قلعتُ باب الهوى في حبه ولعًا
-من كان دلّك؟
-داحي الباب علّمني
مذ كنت رمحاً صغيراً بين قبضتهِ
يخوض بي لجةَ الأهوال والمحنِ
مذ كنت سهما صقيلاً في كِنانتِه
وأنت أدرى بما يَبري أبو حسنِ
وكان لي في قديم العمر والدةٌ
باسم الحسين تُحلِّي في الصبا لبني
-إذن تشكّلتَ مثل الطينِ منعقدٍ
-بلى بحبِّ أبي الأحرار منعجنِ
وصرتُ طوع بنان الحب
أحمله ما بين صعدةِ أنفاسي
ويحملني
-وعن حياتك؟
-كانت رهن رَمشتِه
-وعن شبابك
-في هذا الغرامِ فُني
أسير بالريح أنى سار موكبه
وأحملُ الغيم حدَّاءً على الظُعُن
-وهل حكى لك من أسراره خبرا
-أن لا أصافح في الدنيا يَدَ
الوثنِ
وأن أموت ولا أعطي العدا بيدي
أولى لها البتُّ
أن تعطى لكفِّ دَني
وقد عقدتُ يدي نذرا لرايَتِه
وما ظننتُ بها يوما ستخذلني
مضيتُ أجني بها الأهوال أحصدُها
وحان حَينيَ
والجاني الأمين جُني
-ماذا صنعتَ إذن والرايةُ انكسرت
وذاب صوتكَ مما فيه من وهنِ
-ركزتُ زنديَ عند النهر يُخبرهُ
أنَّا سقطنا
ولم نخضع ولم نَهُنِ
المركز الثالث:
إِذا اشتَـعَـل اشتَـغَـل بالغِــنَاء
سيد أحمد العلوي (البحرين)
عَنِ العَارفِ الذي خرَجَ مِنْ خيمَتِهِ ذاتَ كشفٍ فوجَدَها امْـتلأت شوكاً وصَهيلاً .. فقال: اللهُم أنتَ ثِـقـتي فِي كلِّ كرْبٍ .. ورجائي ..
(لمْ يكترِثْ للمَوتِ)
سَاعَةَ نحرِهِ
بلْ كانَ ( مَـشغُولاً ) بسَجْدةِ شكْرِهِ
عَشراً
يُسبّحُ تَحْتَها قَمَرُ الزّمَانِ
وقدْ تهَـلّـلَ جِبرَئيلُ بِثـغْرِهِ
عَـشراً
تُدَمْدِمُ كالصَّهيلِ
أهذِهِ رِئَةُ الحُسَينِ أم الخُيولُ بِصَدْرِهِ !!
يَسْتلُّ مِن جُرحٍ مَواسِمَهُ،
يبُلُّ فَمَ الظلِـيمَةِ
مِنْ ظلِـيمَةِ مُهْرِهِ
حَـتّى
إذا انْكسَرتْ بجَبهتِهِ السّماءُ
وسَالَ ضَوءٌ نَازفٌ مِنْ طُهرِهِ
مَسَحَ الوُجُودَ براحَـتيهِ
كأنَّ سِرَّ اللهِ
مَخبُوءٌ بدَهْشةِ سِرِّهِ
كالمُسْتحِيلِ على انْـتظارِ المَوتِ
أعْطى المَوتَ درْساً آخَراً
مِنْ عُمْرِهِ
وإذا
تقَطَّرَ شيْبُهُ وَرْداً عَلى الأَشْلاءِ
فَزَّتْ شمْعَةٌ مِنْ عِطرِهِ
مُذْ قَالَ عُطشانٌ
تصَبَّبَ وَجْهُهُ زَهْراً،
كأنَّ المَاءَ نَـفْحةُ زَهْرِهِ
شفَـةٌ
تَيبّسَ فَوقَها نَهرُ الكَلامِ
وجَفَّ غَيمُ الرَّافِدَينِ بِقَطرِهِ
لكِنَّهُ اغْتسَلتْ بِهِ شمْسُ الشهَادَةِ
وارْتَوتْ شفَةُ النَّدى
مِنْ نَهرِهِ
المَاءُ يَنفُضُ عَن يَديْهِ المَاءَ
يَشرَبُ حِينَ يشرَبُ
مِنْ عُـذُوبَةِ صَبرِهِ
وهُناكَ ..
أسْئلةُ الدِّلاءِ بِكفِّهِ:
كَيفَ الضِّفافِ تَـرشّـفَـتْ مِنْ بِئْرِهِ ؟
+شاءِ السَّماءَ
فجَاءَ مِن أقْصى الرَّجَاءِ
يمُدُّ لِلأَحْرَارِ شُرْفَةَ جِسْرِهِ
هُوَ ..
كاشْـتِهَاءِ الغَيبِ لِلشرَفَاءِ
يَـنْصبُ فِي سَبيلِ اللهِ
خَيمَةَ فِكْرِهِ
كَشفَ الحِجَابَ
فأقمَرَتْ تِلكَ النٌّحُورُ
كأنَّهَا الشرُفَاتُ خَارِجَ قَصْرِهِ !
والعَادِيَاتِ
وضِلعِهِ وكِسَائِهِ
(والفَجرِ) والشفَقِ المُبِـينِ
( وعَشرِهِ ):
لَمْ ينْطَفئْ
بَلْ ظَلَّ يَشتَعِلُ المَدَى فِي مُقـلَـتيْهِ
يُدِيرُ دَفَّةَ دَهْرِهِ
جَفَّتْ وُجُوهُ الحُزنِ ،،
واتَّسَعَتْ بِأحْدَاقِ الزَّمَانِ المُرِّ
طَـلعَةُ بَدْرِهِ
اكْـتبْ كِتابَكَ فِي عُرُوقِ السَّيفِ
يَـــــا .. جَسَــداً يَفُورُ
عَلى جـــِرَاحَـــةِ حِبْرِهِ
كَمْ أفَـلتتْ مِنكَ الدُّمُوعُ
وكيفَ لا ؟؟
والصَّقـرُ لا تُبكِيهِ مُـقْـلَةُ وَكْرِهِ .. !
عَنْ ( لائِهِ) يُحْكى :
بِأنْ كَمْ حَاولوا ،
فتـقَهْـقرتْ أسْيافُهُم عَنْ كَسْرِهِ
عَنْ رأسِهِ المُضَرِيِّ
وهْوَ يقولُ للرُّمْحِ القَـدِيمِ :
كَسَرْتَ دَمْعةَ خِدْرِهِ
أوَمَا ترى جسَداً
يُضِيءُ الرَّمْلَ منحرُهُ يُصلّي
الكَونُ ليْلةَ قَدْرِهِ !؟
قُـلْ لِلغَريبِ بأنَّ هذا الرَّمْلَ
مَنفَى العَابِرينَ
إِلى زِيَارةِ قـبْرِهِ
يَا ظامِئاً ..
رَشحَ الحَياةَ بِقلبهِ
فاخْضرَّ بيتٌ أحْمَرٌ في شِعْرِهِ
مَا أطلقوا (بَارُودةً )
إلا وقدْ خَرجتْ كـمَا
(أُغرودةٍ ) مِنْ ظهْــرِه
أضْلاعُهُ قفَصٌ مِنَ الضَّوءِ الشفيفِ
تُـلوِّنُ الدّنـــيــَا
نَـشيدَةُ طَيرِهِ
وَهْمٌ على وَهْمٍ ،
وُجُوهٌ … كالسِّرابِ
تشقُّ جَيبَ الوَهْمِ طلقَةُ فَجْرِهِ
هُوَ ذا
ستـقـترِبُ المسَافةُ مِنْ يدَيهِ
كــأنَّــهُ رَشقَ السَّرَابَ بجَمْرِهِ
وهوَى ..
كمَا تَهوِي جِراحُ الكِبريَاءِ ،
تُـزيّتُ الأرْواحَ فِــكرةُ ثــــأرِهِ
إنَّ الدّمَاءَ سَـنابِلٌ خضْرَاءُ
تـنمو مِثـلمَا ينمُو الإبَاءُ
بحِجْرِهِ
وتـشجَّرتْ في قـلبِهِ الأطْفَالُ
خَائفةً تدُسُّ صُرَاخَها
في صَدْرِهِ .. !!
عَنْ طِفلَةٍ
ركضَتْ لِمقـتلِهِ
وعَنْ طِفلٍ سُؤالٍ حَان مَوسِمُ ذُعْرِهِ
الآنَ
تحْضِنهُ الخِيامُ تُعــمِّــدُ الأشــلَاءَ
تقرَأُ طَعْنةً مِنْ سِفْرِهِ
وتُعلّقُ المِصْباحَ فوقَ جِراحِهِ
فيــقومُ ثـــانِـيةً
لعَتمَةِ دَيْرِهِ
وجْهٌ وُجُوهٌ ،،
كلُّ شيْءٍ فيهِ أشيَاءٌ ،،
تجَـلَّتْ في مَرَايَا طُهرِهِ
الآنَ ..
تغْـتسِلُ الشمُوعُ بدَمْعهِ
والآنَ ..
تـشرَبُ صِبيةٌ مِنْ خمْرِهِ
هذا
(غِناءُ العَارِفينَ )
فأيُّ مَعْـنى لا يبلُّ الذّاتَ
لحْظةَ ذِكْرِهِ ؟
المركز الرابع:
ما لم يُروَ من اعتذاريّةِ (نهر العلقمي)
الدكتور أحمد جاسم الخيال (العراق)
مَن ذا شفيعي
فالمياهُ تكربلتْ
وأنا وحيدٌ في الصحارى أَندبُ
لا حقلَ
يرغبُ أن أزورَ ورودَهُ
لا وحشَ
ظامٍ من ضفافيَ يقربُ
وحدي أمرُّ
ورملُ ذاكرتي دمٌ
جفَّ النهارُ ودمعتي تتخشّبُ
مذ جاءني العبّاسُ حاملَ قِربةً
للآنَ
في قِربِ الغوايةِ أُسكبُ
أَ عصَيتُ ربَّ الماءِ تلك خطيئتي؟!
فأنا بعرفِ الماءِ
نهرٌ مُذنِبُ
فعيونُ مائي
كالظلامِ ضريرةٌ
لا الموجُ يغشاها ولا تُستعذَبُ
عطِشٌ أنا مُذ كربلاء
حكايةٌ بفمٍ عليلٍ
صوتُهُ يتغرَّبُ
أنا شمرُ نهرٍ
والمياهُ قبائلٌ
ومياهُ نهري لابنِ حربٍ تُنسبُ
مذ كربلا
وأنا جراحُ مغامرٍ
للآنَ
يسكنني السرابُ الأكذبُ
لم أدرِ يا عباسُ أنّك قاتلي
حتى رأيتُ شيوخَ موجيَ تُصلبُ
لا ظلَّ لي
شجري تسلَّقَ غربتي
وبلابلي رحلتْ
فمَن ذا يطرَبُ؟!
قد كنتُ قبلَ الطفِّ
نهراً ناعساً
وبوصفي الشعراءُ عِشقاً تطنبُ
فبخلتُ أن أروي الظماءَ بشربةٍ
فظمأْتُ
حتّى لم يَعُدْ ليَ مَشْربُ
عباسُ يا نهرَ الوجودِ
فمن أنا؟!
ما عادَ يرجفُ في خضَمِّيَ كوكبُ
فتأرجحتْ
في اللامكانِ ملامِحِي مصفرَّةً
من عزمِ قلبِكَ تَعجَبُ
قمراً وقفتَ على الضفافِ
مُحارباً جيشاً
ووحدُكَ في الكتائبِ تضربُ
فرأيتُ أبطالَ الحروبِ
كأنّها قطعانَ خوفٍ
من زئيركَ تَهرَبُ
ورأيتُ مائي
كيف لاذَ بنهرِه
من حدِّ سيفكَ خائفاً يترقَّبُ
لمّا دنوتَ
شممتُ عِطركَ سيّدي
وحسبْتُ
أنّي بعد لثمِكَ أَعشبُ
لكنْ رميتَ الماءَ ترجزُ ظامئاً
هيهاتَ
قبلَكَ يا حسينُ سأشربُ
فمُعلَّقاً أضحى الوجودُ بكفِّهِ
فشعرتُ
أنِّي من وجوديَ أُسلَبُ
حاولتُ أن أستافَ من قسماتهِ
أنْ أرتوي منهُ
لعليَّ أخصبُ
حاولتُ يا قمرَ الرجاءِ
وإنّني للآنَ أُنفَى
في القفارِ أُعذَّبُ
ما بينَ عينيكَ السنابلُ أورقتْ
أشتاقُها
فالخيرُ منها يُنجَبُ
أشتاقُ بحراً
من وفاءٍ مُعجَزٍ
أو آيةً
من جودِ صبرِكَ تُسكَبُ
غرقِي بمائِي ليس شيئاً مُبهماً
فالليلُ ينبحُ
والإمارةُ حَوأَبُ
والنّاسُ لا كالنّاسِ
تجمعُ ضغْنَها
تَنسَلُّ من أعرافِها وتُكذِّبُ
حاطُوا لواءَكَ
باغترابِ وجودِهم
وتزيَّنُوا أحقادَهم وتخضَّبُوا
وأنا هديرٌ عاجزٌ
لغتي صدىً
أرتجُّ
في معنى الخداعِ فأَنضَبُ
ماذا سيكتبُ حبرُ مائي حينَها؟!
وأنا
من السِفرِ المعظَّمِ أُشطَبُ
كفَّاكَ مذ قُطِعا
توارتْ دمعتي
خلفَ الضفافِ
وكذّبتْ ما أكتُبُ
أنا
نهرُ حزنٍ غارقٌ بمياههِ
أشجارُ أحلامي بصبرِكَ تُحطَبُ
يا كافلَ الأيَّامِ رغمَ جفائِها
كفّاكَ
في شَتلِ المحبَّةِ مَذهبُ
فبحقِّ
من هزَّتْ عروشَ أُميَّةٍ
تلكَ الأبيَّةُ في شموخٍ
زينبُ
يا سيَّدي العبّاسُ
جئتُكَ ظامئًا
ليَعودَ لِلضَفَتينِ ماءٌ أَعذبُ
يا سيّدَ الأنهارِ فامنحْ
غُربتي وطنًا
ودعْنِي في بهائِكَ أُنشَبُ
فخفضتُ أجنحتي أَطوفُكَ كعبةً
لا أستريحُ
وهامُ حزنيَ مُترَبُ
مائي صموتٌ
في رحابِكَ ظامئٌ
لا شيءَ إلّا العفوَ
جئتُكَ أَطلبُ
المركز الخامس:
بَعضٌ ممّا رواهُ الأسى
محمد جابر لفتة (العبودي)
لَكِ الثّباتُ
وَلي مَا يُقلِقُ الشُّعَرا
هَذي بَقايايَ مُلقاةٌ
وَليسَ ثَرى
مُقَيّدٌ في المَجازاتِ الّتي انْتَظَمَت
عِقدًا فَعِقدًا
وَأنتِ السّيلُ حيثُ أرَى
مُذ قُلتُ لَبّيكِ
حَاولتُ اخْتصارَ فَمي
لكنّهُ وَجعٌ للآنَ مَا اخْتُصرا
بيَ اضْطرابُ المَرايا
حِينَ مرَّ بها ضَوءٌ
فَقامَتْ تَغزلُ الصّورا
تَمشي إليكِ أَحاديثي عَلى مَهَلٍ
خَوفًا بإنْ لا أكونَ الشّاعِرَ الحَذِرا
وَكيفَ يَجتمعان
الشّعرُ مُتَّقِدًا
وَرِعشةُ الشّاعرِ الأبْهى إذا انْبَهَرا
وَلَيسَ يَدري
بإيٍّ مِن مَلامحِهِ سَتختفي
بينَ مَا قالوا وَمَا نَظرَا
وَكلمّا قابَ جُرحًا
ظنّهُ قَبَسٌ
يَرى كُفوفَ غَيورٍ تَمسحُ الأثَرَا
كَفّانِ خَلّفتَا جِسمًا يَذوبُ أسىً
وَحين جُزنَ سَبايَا
فاضَ مُعْتذِرَا
*****************
عِندَ المَغيبِ
دُخانٌ خانَ وِجهتَهُ
وَظلَّ يَخنِقُ مِن خَيباتِهِ المَطَرَا
وَحيرةٌ رَسَمتْ وَجهَ الرّمالِ
فَلا تَدري بإيِّ رِياحٍ
غَادَرَتْ قَمَرَا
يُحَاوِلُ النّهرُ
أنْ يَجري لِخَيمتِها وَيستغيثُ
وَلكنْ حُلمُهُ انْدَثَرَا
لَو كانَ يَخجلُ ذَاكَ الصّبحُ
مَا وَجدتْ سَوطًا عَلى مَتنِها
قَد بَعثرَ العُمُرَا
وَالصّوتُ إلا حسينٌ
مِلءُ شَهقَتِهِا
لكنّهُ مَزّقَ الأحشا
وَما ظَهَرَا
وَالشّاهِدُ التّلُّ
عَن طِفلٍ تُهَدهِدُهُ وَسطَ الرّمادِ:
صدورُ المُتَّقينَ قِرى
في قَلبِ كُلِّ يَتيمٍ
سورةً نَزَلتْ
وللثّواكلِ تُبدي جُرحَهَا عِبَرَا
تَلوذُ فِيها يَتيماتُ الحُسينِ
كَأنْ وَجهَ الحُسينِ
عَلى أَرْدانِها حَظَرَا
تُجيدُ دَورَ البُطولاتِ التي كَثُرتْ
لَكنّها لَم تُبنْ كَسرًا وإنْ كثُرَا
هِيَ اكْتمالٌ لِمشروعِ الهُدى
قَمَرٌ
لمّا تَداعت شُموسُ اللهِ حَلَّ عُرَى
إعْلامُها فِكرةٌ
كَانت تُبلّلُ ما قَد جَفّفَ الرّملُ يومَ الطّفِّ
فَانْتَشَرَا
تَقاسَمَت وأخُوها الرّفضَ
فَاتْخذَتْ مِن حُزنِها سُرُجًا
تَطوِي بهِا السَّفَرَا
كَانتَ كَكافِلِها جَيشًا
وَإنْ سُبيتْ
وَإنْ عَلى عَينِهِا أفْشَى الأسَى خَبَرَا
بِنتُ النّديّيَنِ
لَم يَخدشْ عباءَتَها
قَصرُ الّذي تَركتْ تِيجانَهُ حَجَرَا
لَم يدرِ كَيفَ يُواري عَار ذِلّتِهِ
مِنْ بَعدِ مَا أنْبتَتْ فِي عَرشِهِ الظُفُرَا
وَغَادَرَتْ كَعَليٍ
بَعدَما فَهِموا
إنَّ الَذي اقْترفُوا أضلاعَهُ
انْتَصَرَا
المركز السادس:
عروج بجناح فطرس
ناصر زين (البحرين)
ها هُوَ (عَتِيقُ الحُسينِ) يُحلَّقُ بجَناحٍ سَماويٍ نحوَ لَوحةِ المَلَكُوت، حاملاً لَونيَ الأرضي، حيثُ السّبطُ يُولدُ مِنْ جَديدٍ قُرآنًا مَذبُوحًا بطُفوفِ العُرُوج
____________
يَمْنحُ الرِّيحَ وَجْهَها ..
لِيَطِيرا
يَحملُ الرَّأسَ (جَنَّةً وحَرِيرا)
يَحضنُ النَّزفَ لَوْحةً،
وخِيَامٌ لَوَّنَتْ بالشُّمُوخِ هَذا المَصِيْرا
لائذًا لائذًا بوَردٍ رَسُولٍ ..
وخُيْولُ الرَّدى تَدُوسُ العُطُورا
أَنْبأَ الخَيْلَ .. :
« أَنَّ وَحيًا سَيَأتِيْ بجُسُومٍ سَتَسْتَحِيلُ غَدِيرا »
يَقرأُ الرَّمْلَ بَسْمَلاتٍ،
ورَبٌّ يُنزِلُ النَّحرَ أَنْبيَاءً
ونُوْرا
هَيَّأَ (الطَّفَّ) جِبْرَئيلٌ لِيومٍ
يُولَدُ السِّبطُ مُصْحَفًا
و(زَبُوْرا)
والتِّلاوَاتُ (فُطْرُسٌ) ..
وبُكاءٌ
بخُطَى (زَينَبٍ) يَجدُّ المَسِيْرا
حَيثُ رَكبُ الحُسينِ يَمْشِيْ
فَتَمْشِيْ خَلْفهُ الأَرضُ
أَنْهُرًا..
وبُحُورا
(مَكَّةٌ) غَيْمَةٌ
سَتَخْطُو بدَمْعِ اللَّهِ
فِيْ خَطْوِهِ تَرُشُّ الهَجِيْرا
المَنايا تَسِيرُ خَلْفَ المَرَايا ..
والمَرَايا تَفِيضُ ضَوءًا أَسِيرا
لمْ يَكنْ في القِفَارِ إِلا حَكايَا المَاءِ
تِروِيْ بهِ الِكتَابَ العَفِيرا :
-أينَ أينَ الحُسَينُ؟!
*بَعثٌ جَدِيدٌ !!
-والجِراحَاتُ؟!
*سَوفَ تُبديْ النُّشُورا
في يَدِ الغَيْبِ (أحمدٌ) قد تَجلَّى لحُسينٍ
جَنائنًا وقُصُوْرا
قَبَّلَ العَرشُ نَحرَهُ مَلكُوْتًا ..
حَيثُ ضَمَّ الإِلَهُ (طِفلاً صَغِيْرا)
« سَوفُ آتِيهِ في جَناحِ المَنَافيْ «
قَالَ للرِّيْحِ ..
ثُمَّ شَقَّ الدُّهُورا
– فُطْرُسٌ:
كربلاءُ .. أينَ الهَدَايا؟!
* الحُسينُ:
دَمٌ يَفتُّ الصُّخُورا !!
– فُطْرُسٌ:
ثَمَّ شَمْعَةٌ واحتِراقٌ
* الحُسينُ:
استَدِرْ، لِتَلْقَى الحَبُورا
فَاسْتَدَارَ الزَّمَانُ
والنَّحرُ وَردٌ ..
والمَدى خِنْجرٌ يَجزُّ الجُذُورا
والسُّؤالُ العَبُوسُ: هَلْ حَانَ يَومٌ .. ؟!!
قِيلَ: هَذا ..
ولَمْ يَزلْ قَمْطَرِيرا !!
يَظمأُ النَّهرُ
والحُسَينُ انْهِمَارٌ ..
فَيُحِيْلُ الظَّما شَرابًا طَهُورا
لَمْ يَكنْ في البَيَاضِ إِلّا نَبيًّا
يُجبرُ الكسْرَ ..
والزَّمانَ الكسِيْرا
يَنفخُ الطِّينَ ..
يَخلُقُ الجُرحَ طَيرًا
فَتَلُمُّ السَّماءُ مِنْهُ الطُّيُورا
فالحُسَينُ (المَسِيحُ) يُحييْ زَمانًا
مَيِّتًا
سَحَّ عَتمَةً وقُبُوْرا !!!
عَطَّرَ المَوتَ ..
أَنَّقَ الذَّبحَ حَقلاً
فَانْبَرى الحَقلُ يَستَعِيْدُ الزُّهُورا
و(عَتِيقُ الحُسينِ) ظِلٌ بَصِيرٌ
يَحرثُ الضَّوءَ والفُراتَ الضَّرِيرا
بكُفُوفٍ
مَقطُوعةٍ
بفُراتٍ
يَبذرُ العِشقَ ..
ثُمُّ يَجْني النُّحُورا
فَنُحُورٌ سَنابِلٌ،
وإِلهٌ قالَ فِيها: « تِجارةٌ لنْ تَبُوْرا »
هَا أنا
والصَّدَى
ومَسْرى دُمُوعٍ
نَحوَ رَمْلِ الهُدَى نَمدُّ الجُسُوْرا
جِئتُ للنَّهرِ قِربَةً
عنَّدما سَالتْ جِراحُ السَّمَا
بُذورًا بُذورًا
فاغْتَرَفْتُ الحَياةَ ثَغْرًا
و(عَينًا)
فَجَّرُوْهَا – بأَسْهُمٍ – تَفجِيرا !!
يَعبرُ السَّهمُ
حَيثُ رَبٌّ بِصَدرٍ ..
يَجْعَلُ القَلبَ (بَيْتَهُ المَعمُورا)
يَعبرُ السَّهمُ
نَحوَ ظَهْرِ السَّمَاواتِ انتِشَاءً ..
فَمَنْ يَصُدُّ العُبُورا؟!
خَيمَةُ اللَّهِ في انتِظارٍ لمُهْرٍ
يَحملُ الشَّمسَ
والنَّهارَ الجَسُوْرا
ها هوَ المُهرُ
أُمَّةٌ مِنْ صَهِيلٍ
حِينَ عَزَّ النَّصِيْرُ
كانَ النَّصِيرا
والحُسينُ السَّلامُ
تَوْقِيتُ حَشْرٍ
يَمْنعُ الأَرضَ – بالدِّما – أَنْ تَمُوْرا
قَلَّبَ الوَقتَ أَضْلُعًا وإِبَاءً
كُلَّمَا تَنهَشُ الرِّمَاحُ الصُّدُوْرا
رَأسُهُ حِينَ فَصْلهِ كَانَ حَرفًا
أَرَّخَ الكوْنَ كُلَّهُ
والعُصُوْرا
حَرَّضَ (المَاءَ) سُوْرةً
فَتَشظّى الصَّمْتُ صَوتًا ..
وفَوَّرَ (التَّنْورا) !!
مُسْتَحِيلاً ..
مَرَافئًا ..
شُهَداءً ..
هَكذا حَشَّدَ الظَّمَا و(الخُدُوْرا)
يا لرَأسِ الحُسَينِ
طَافَ الصَّحَارَى
ثَائرًا – يُشعِلُ الدُّنا – وأَمِيرَا
نَازِفًا ..
يَكتُبُ التُّرَابَ انْتِفَاضًا
وحُرُوفًا تَمَرَّدَتْ ..
وسُطُورا
مَوطِنًا مِوطِنًا
كِتَابًا كِتَابًا ..
لَقَّنَ المَوْتَ نَهْضَةً
لَيَثُوْرا
فَيُسَمِّيْهِ: مَوْلِدًا واشْتِعالاً
ويُلَقِّيْهِ نَضْرَةً وسُرُوْرا !!!
المركز السابع:
تجهيز الراية
إيمان الشاخوري (البحرين)
لا يبايعُ مثليَ مثلكَ
فالموقفُ الحرُّ: سعيٌ
وهذي القوافلُ تفهمني
تنتمي للطريقِ المدجّجِ بالصّبرِ
تصنعُ أجنحةً من لغاتِ المواعيدِ
… أجّلتُ موتي
فما أنتَ فاعلهُ؟!
وتعجّلتُ وقتَ الرّجوعِ
القميصُ: عيونًا تُحَدّقُ في الجرحِ
والدّربُ ذئبٌ أليفٌ
رأيتُ بأنّ الجنوحَ إلى جهةِ اللهِ يحتاجُ خيطًا من القلبِ
كنتُ أحلّقُ…
ساعدني ذو الجناحِ على رؤيةِ الحبِّ من جهةِ الماءِ
حرّضني سهمُ حرملةَ الأسديّ على صيدِ عمرٍ طويلٍ منَ الرّمْلِ
أيقظني الدّمُ: رَطْبًا ومعترفًا بالبقاءِ
تحلّقَ حولي الوشيجُ
أنا في طريقي لإطفاء نارِ جهنّمَ
أنفاسُ إبليسَ تلفحني…
فتقولُ العصا: تستطيعُ المآربُ أن تتعلّمَ أولى خطاها من اليدِ
أتركُ كفّي على رسلها… فتجرُّ الحواسَ إلى خنصرٍ يتهجّى الجراحَ
أعودُ إلى سيرةِ الموقفِ الحرِّ: سعيًا حثيثًا
فيُصنَعُ من جرحِ قلبي مسارٌ يلمُّ رضيعًا يرفرفُ
تسّاقطُ السّنواتُ منَ النّحرِ
يأكلها الهدهدُ المتفهّمُ طعم الغيابِ
هل ارتدَّ طرفكَ؟!
هذي الجروحُ مساكننا…
وردةُ الدَّمِ لا تستدلُّ على عطشي بالذبولِ
تعلّمكمْ كيف تكبرُ فوّاحةً بالحياةِ
تعلّمني كيف أُخرِجُ نفسيَ بيضاء من غيرٍ سوءٍ
ترفرفُ رايتها بالقميصِ المخرَّمِ
تدخلُ فيها الذّئابُ
تعلّمني فطرةَ الانقضاضِ على الموتِ
تدفعني لمجابهةِ الطّعنات
وتحملني فوقها…
راعهم جسدٌ يتهجّى الدّماءَ
فردّوا عليهِ بخيلٍ لها خبرةُ المومياءِ
ولو تُرِكَ الذّئبُ… نامَ!
أرى لغةَ النّارِ تأكلُ أصواتهم
وتوضّحني: «لا أبايعُ.»
حُرًّا ومنتصرًا… لا أزالُ
أسلُّ الجهاتِ إذا سقطتْ طفلةٌ
مرّرَ القاتلونَ لبعضهم البعضِ ثورةَ قَتْلى تواصلُ دورتها حولَ أيّامهم:
رايةً تشرحُ الانتصارَ
وتختصرُ الوقتَ في ساعةٍ لا تزالُ تدقُّ
ولا يهتدي القاتلونَ لإيقافها
المركز الثامن:
عــطــرُ الوحـيِ الأحـمـر
فيصل ميرزا النوري (البحرين)
(عندما تـرشُّ شفةُ الدمعِ الشهيدةُ عطرَها في وجوهِنا.. فتهطلُ في القلوبِ حكايةَ العشقِ والخلودِ الحسيني المعطرة بالوحي الأحمر)
الـنَّـحـرُ وحــيٌ .. والـنـبـوءةُ نــزفـــُـهُ ..
جـبـريــلـهُ عــطــشُ الـحــســيــنِ .. وعــطــفـُــهُ ..
هوَ كـــائـــنٌ حــيٌ ..
ونـصـف كيانهِ ، (قــلــبٌ بــه وجعٌ)..وعــقـلٌ نصفـُـهُ ..
وحيٌ يَـراعٌ .. خــطَّ نـحـراً لـيِّـنـاً ..
لقساوة الأوراقِ يـخـشـعُ حــرفُـهُ ..
نــزلـت صحائـفـهُ ..نــزول ..مـعـلـم ٍ.. قـمـر ٍ..
وشـرط صـعــودهِ هـو خـسـفهُ ..
وطنٌ .. لوعـي الـنـهــر ..
يـدفـعُ صـخرة الـتـرحـالِ ..كي يــظـمى..ويـقـوى ضـعـفُـهُ ..
وبـعـرشـه الـموجوع ..يسكنُ غيهبٌ.. ماضٍ..
لــتجمعَ لــلـعـوالـم كــفـُـهُ ..
كم أوقــفــتُــه .. تلاوة الجسد المعطر بالخلودِ ..
فطاب خلداً وقـفـهُ.
فوق الـسناء.. بــهـاؤه مـتـشكلٌ ..
عـلـمـاً .. وكـفُ المعـجـزاتِ تـرفـهُ..
لـغــة الـمـرايا فــيـه حبلٌ منصتٌ ..
يــمـتـدُ بالـنـور الموشى طــرفهُ ..
لـيـسبح القنديل في أوداجهِ..
مـتـرهبناً يضوي المناسك كهـفـهُ ..
الله يا نـحـراً تـقـبـلـهُ السما..
وملائكٌ العرش الجديلِ تــحــفـهُ..
حـلم الجراح ..
هوالتقاء الرمـل بالماء الغريقِ ..إذا توحد صـفُـهُ..
هو هكذا الوحيُ الحسينُ بعمرنا ..
في كل وجدانِ سينبع رشفهُ ..
هذي الدموع ..عـنـادلٌ زُفـت صدىً ..
تستعذبُ الموالَ حين تـزفُـهُ..
من فـوق أكتاف الصراخ تساقطت..
فزعاً سماواتٌ رعتها كـتـفـهُ..
صنعت من الخيمات كون كرامةٍ ..
وقفت لتدخلَ .. لاح فيها عُــرفُـهُ..
صرخت مساءاتُ الجمالِ تلوح لي..
قد راعني مالا يقدّرُ وصفهُ ..
فدخلتُ باليمنى أحث عوالمي…
والمنتهى نايٌ يـسارعُ عــزفــهُ…
والشوق كشفاً طار يحرم هائماً ..
لـطـواهُ يصـعـدُ والـمـهـابـةُ سـقـفُـهُ..
لأرى بقلبي ما جرى لدعائه …
ولم البياضُ يـُـسالُ حقداً لطفهُ ..؟
وبــلـحــظـة ..لم تحتسب من كوننا ..
قــد أطفأ القمرَ المهجنَ طـيـفُـهُ ..
ثب أيها الوحي الأنيق..تسامياً
جسد البكاء.. بمقلتيكَ تـشـفُّـهُ ..
هل فــز نورك لحظة ..؟
أم معتم..قد ظلَّ ذاك الماء..يُـروَى جوفهُ ..
ما لـون حزن الـنـهـر؟ إن هــو صامتٌ ..
كـالـشـعـر يـُـلحنُ إن تــغــيـّـر ردفهُ..
لا خير في ماءٍ يصلي لم تـفـق ..
تــوبـاتـهُ مـطـراً فـيـرعـدُ قـصـفـهُ..
لا خـيـر فـي دمـع إذا لـم يـنـحـنِ ..
يـمـتـدُ فـي قـمـحِ المـشـاعـرِ جرفـهُ..
ألـقـت زجـاجة حـلـمهـا فـي طفهِ ..
لـيـعـود مـوسـاهـا الـمـهـشـمُ خــوفــهُ ..
مـحـقَ البياض تـكـســراً بــصدورنـا ..
وحـصى الـسـواد بـوجـنـتـيـهِ يـلـفـُهُ ..
كم أمطرت رسل السحاب صباحها ..
ويباس وحي الليل يحصدُ سـيـفـهُ ..
لا نخلَ يذكر ما جنت سـعـفـاتـهُ..
لا شمس تـبكي لحظة هيَ حــتــفُــهُ ..
لا قــوس يـخـلـعُ ثـوبَ رابـيـة المـسـا..
لا سـهـمَ يـنـصـتُ للـكـنـانـةِ طــرفـُـهُ ..
يا ساقياً للضوء خذ قربـاتـنـا ..
واملأ حكاياها لتصحو طـفُّــهُ..
فـصهـيل هذا الشوق جــرّ لجامه ..
ليذوب في صبح المشاعر عـطفهُ..
عـطـر السماء ووحيها وحراؤها..
قـد شـفَّـهـا الـنـحـرُ الـنـبـيُ وطـفُّـهُ ..
المركز التاسع:
آخِرُ الحَواريِّين
حيدر خشان الجابري (العراق)
أسيرةُ وَجْدٍ وهْوَ عاشقُها الصَّبُّ
فأسْرى بهِ إذْ شفَّ خاطرَهُ الُحبُّ
تراءى لديهِ اللهُ في أرضِ كربلا
“وأقربُ من حبلِ الوريدِ بهِ القُرْبُ”
فصالَ وكانتْ تتَّقي كبرياءهُ
وتسقيهِ مِنْ رمضائها السوحُ والحَرْبُ
توثَّبَ لا مُستكثراً كَثرةَ الثَّرى
ولا مُستفَزّاً حينَ جَلَّ بهِ الخَطْبُ
أشارَ على هاماتِهم أنْ ترجّلي
عَنِ الكِتـْفِ، وَلْيحصدْهمُ الصَّارمُ العَضْبُ
فخُيِّلَ أنْ جاءتْهمُ سَكْرَةُ الرَّدى
وكلُّ الأماني في وساوسِهمْ نـَهْبُ
وشَيَّعَهُ رَكْبُ الإبا في نزولِهِ
عنِ السَّرْجِ ، والأمْلاكُ مِنْ حولِهِ سِرْبُ
فنالَ بِها ما لمْ ينلْهُ ابنُ مريمٍ
لِيَحْفِلَ في كِلْتيهِما الذَّبْحُ والصَّلْبُ
ووحْدَكَ لـمّا طِحْتَ لمْ تتّكئْ على
عزيزٍ، فطاحوا قبلَكَ الأهْلُ والصَّحْبُ !
فأغْرَتْ دِماكَ الحُمْرُ ريّانَ مائها
وهانَ على ساقِيهما الشُّحُّ والجَدْبُ
فَشابَ لـِمَعْناكَ الذي ما وراءهُ
وشاخَ بِهِ مَنْ كان في دربهِ يحْبو
ولولاكَ لمْ تعرِفْ رُبــــًى ما يَسُرُّها
ولولاكَ كادَتْ للذي هانَها تصْبو
ولَمْ تَدْرِ ما الدَّمْعُ الذي يَسْتَفِزُّها
مِنَ العينِ ، إلّا حينما دَمَعَ القَلْبُ
ولمْ نصْطَبرْ للفَقْدِ إلّا بفقْدِهِ
لنُدرِكَ ما في كربلا ما هُو الكَرْبُ
فكانتْ لَهُ لـمّا سَقاها شَحِيحَةً
وكان به لـمّا سقَتْهُ المنى شَخْبُ
فتـًى عَفْوُهُ عَفْوُ النَّبـيِّ وَحَزْمُهُ
عَليٌّ ومِنْ بُقيا شمائلِهمْ ضَرْبُ
وجُرْحٌ بليغٌ ما أشارَ لِفِتْيةٍ
على اللهِ إلّا مِنْ مضاجعِهمْ هَبُّوا
سيُلقي على ليلِ العراقِ قميصَهُ
ويَبـْرأُ مِمَّنْ زيَّفَ الجُبُّ والذِّئْبُ
ويَخْضَرُّ حقْلٌ أوحشَتْهُ مناجلُ الـ
ـخياناتِ ، والأحقادُ من حولهِ تَرْبو
فإنَّ بلادَ الميِّتينَ يتيمةٌ
وأقسى على قَلْبِ اليتيمِ بها النَّدْبُ
وما رُفِعَتْ إلّا وهـِيْ تستحقُّهُ
وما نُصِبَتْ إلّا ولاقَ بها النَّصْبُ
لِذا أُمَّةٌ عَطْشى وأُخْرى رَويّةٌ
وأنتَ بِلا هذي وذي مَوْرِدٌ عَذْبُ
ويطلُعُ فجْرٌ بعْدَ حالِكِ ليلةٍ
وشرْقٌ عراقيُّ الضُّحى ما لَهُ غَرْبُ
فشتّانَ ، مَنْ يَعْلو بهِ نُبْلُهُ ومَنْ
يحاوِلُ أنْ يعلو بهِ الشَّتمُ والسَّبُّ
فقالَ لهمْ للهِ ما جئتُ أبتغي
لكمْ في الهوى رَبٌّ وليْ في الهوى ربُّ
المركز العاشر:
مسرى بتمتمة الجراح
قاسم العابدي (العراق)
في الليل حيثُ الصّمتُ تاهَ بظلِّهِ
والشّوكُ في الصّحراءِ غاصَ برملِهِ
يمشي الفتى القُدسيُّ يحملُ كاهلَ
ال دّنيا ويُلقيها بلمعةِ نَصلِهِ
لكنَّ في عينَيهِ حزنَ نبوءةٍ
ألقَتْ مَراسيها بمرفأ رَحلِهِ
يهفو إلى المسرى ويبصرُ ما أتى
من ذلك الأفقِ العجيبِ بسُؤلِهِ
تركَ الحجازَ وراءَهُ وأتى إلى
تربِ العراقِ وقدْ أتاهُ بأهلِهِ
ورأى على ذاكَ التّرابِ مصارعاً
للأصفياءِ الناطقينَ بفضلِهِ
وأتى صباحُ الطّفِّ كانَ مُكلَّلاً
بخُطى الجراحِ ولوحةٍ مِن فَصلِهِ
الخيلُ في الميدانِ تصهُلُ بالبُكا
لكنَّ حقدَ القومِ باحَ بغِلِّهِ
ورنا الحسينُ إلى القلوبِ فلمْ يجِدْ
إلا قلوبَ التاركينَ لنهلِهِ
لكنَّ في أضلاعِهِ قلباً رأى
أنَّ الحقيقةَ تستقيمُ بقتلِهِ
فمَشى وجنحُ الموتِ رفرفَ فوقَهُ
حتّى كأنَّ الموتَ تاقَ لوصلِهِ
ماعادَ في الأكوانِ ثمّةَ مقلةٌ
إلا ترامَتْ في منابعِ بَذلِهِ
النَّبلُ من كلّ الجهاتِ أتى إلى
أحضانِهِ شوقاً ولاذَ بنُبلِهِ
والسّيفُ إذ ألقى خُدودَ شفارِهِ
في نحرِ من ملأَ الزّمانَ بعَدلِهِ
قد كانَ يُبصرُ فيهِ مِحرابَ السّما
فأتى ليرويَ مِنْ تفانِي وَبلِهِ
وهنا توقَّفَتِ الحياةُ فقُطبُها
نزفَتْ دِماهُ على خرائطِ طَلِّهِ
لكنَّ مِن ذاكَ النزيفِ تَدوَّنَتْ
لغةُ الإباءِ على رحابِ سجلّه
لا ترهبِ الحوتَ بالبحْر!!
أحمد عباس الرويعي
(القطيف – السعودية)
(١)
إذا الطِّينُ..
جاءَ بعهدِ الكثافةِ للنورِ
سوفَ تفورُ التنانيرُ بالماءِ..
كانَتْ ذيولُ الرياحِ ..
تُحِيطُ السفينةَ
وهي تسيرُ إلى عالمِ الروحِ
كانَ القضاءُ.. أحدَّ من الحدْسِ
يمخرُ نسجَ العجاجِ
لتنفذَ منهُ الحقيقةْ
(٢)
يسيرونَ نحوَ البياضِ..
كأنَّ الضبابَ يهرولُ خلفَ النياقِ
ليتركَ آثارَهُ فوقَ آثارِها..
كلما ظهرَ النصرُ
وهو يرفرفُ فوقَ الهوادِجِ..
تُسمَعُ قعقعةُ السيفِ في الغمدِ
والموتُ..
حينَ رأى “حاجِبَ الربِّ”
يحمِلُ رايَتَهُ في عنانِ الوجودِ
تنحى..
وعصَّب أعينَهُ بالقدَرْ!
(٣)
أناخوا الرِّكَابَ.. وشدّوا الخيامَ..
وجاءوا برمحٍ طويلٍ ..
فحطَّتْ عليه غمَامَةْ
وشقّوا السماءَ قليلاً
فسالَ الخفاءُ..
أحاطَوا مخيمهَم بالسرابِ
وحَمْحَمَتِ الحربُ..
لمّا هوى النجمُ
وانسلَّ فيْءُ اليقينِ بجيبِ الظلامِ
وبانَ على الجيدِ
وهمُ القلادَةْ
(٤)
تنامُ الثعابِينُ فوقَ الوثيرِ
وتبقى بناتُ المشيئةِ
فوقَ حصيرِ الظمأْ!
(٥)
وحينَ غشا الصمتُ..
أخبيةَ الوحيِّ
وانقطعَ الحبلُ في البئرِ
مالَ عمودُ الضياءِ على الأرضِ..
فالتقطَ الفيضُ كفَّ المددْ
(٦)
أنا لم أجدْ غيرَ ظلِّك..
يعبرُ بينَ الخيامِ
يوزعُ تلكَ المشاعلَ في الليلِ
يفتحُ بينَ الضلوعِ بيوتاً إلى النحلِ
ينزعُ من تربةِ الخوفِ جذرَ الحسكْ
وأنتَ هناكَ..
تصلِّي..
فتندكُّ بينَ “التطنجينِ”
والمهدُ جنبَك يهتزُّ
والطفلُ يُرفَعُ فوق الهواءِ
ويطلِقُ أنفاسَهُ للفراغِ
فيصدرُ منها صريرُ الفلَكْ!
(٧)
لقدْ طلعَ الصبحُ..
تمشي..
وخلف ردائك تختبئُ الشمسُ
رأسكُ مُرتَكَزٌ للسحابِ
وكفُّكَ تمسِكُ بالبحرِ
تمشي..
كأنَّ الفراديسَ تصرخُ:
“أقدِمْ علينا
فقد أينعَ اللوحُ
واخضرَّ حبرُ القلمْ”
(٨)
وأسمعُ همهمةً بينَ طفلينِ:
-
“أينَ فؤادُكَ؟”
-
“عند الحسين..”
-
“لماذا إِذاً أنتَ خائِفْ؟!!!”
-
“أخافُ..
بأنْ يجلدَ النخلَ
سوطُ العواصِفْ”
-
“أهل يُطعَنُ الفجرُ عندَ اتساقِ القمرْ!؟”
-
“أجلْ، حينَ تُقطَعُ أيدي السماءِ
ويُذْبَحُ في الغيمِ نحرُ المطَرْ!!!”
-
“وماذا عن السَّهمِ؟”
-
“سوفَ يشقُّ حجابَ الألوهةِ في هيكلِ العرشِ”
-
“والرمح؟”
-
“اَلرمْحُ يحمِلُ رأسَ الحقيقةْ!
فيكشِفُ منديلَهُ الديبقيَّ
وتنقذُ عيناهُ تلك الرؤوسَ الغريقةْ”
(٩)
ولمّا بقيتَ وحيدًا..
تنزّلَ من صفرةِ الغيبِ في شفتيكَ
لتلكَ النواويسِ ماءُ الحياةِ
فأورقتِ الجثثُ الدَاميةْ
(١٠)
تُصِرُّ على الفتح..
والدَّمُ يشخبُ من جبةِ السرّ..
جسمُكَ منغمِسٌ في الحديدِ
وسيفُكَ يقتحِمُ البغيَ
تقبضُ ناصيةَ الكونِ
تمضي..
وجرحُك عشٌ لسربِ القطا!!
(١١)
دماؤك عذبٌ فراتٌ
ودمعُك ملحٌ أجاجٌ
فسبحان من مرجَ البحرَ والبحرَ
في عينِك الحانيةْ
(١٢)
وأما عنِ الموتِ..
حين وقعتَ صريعاً ومتَّ..
أزاحَ العصابةَ عن عينِهِ
فرأى “حاجب الربِّ” فوقَ رماحِ الأبدْ