تجليات رياحية

تقمّصــتُ أنفـــاسَ الصــباحِ إذا تُتـلى وأمسكتُ ظلَّ الشمسِ في لحـظةٍ حُبلى
خرجتُ من التابوتِ حينَ انبـرت يــدٌ تحــــرِّكُ من أعتـــى مغالِقِـــه قُفـــــلا
وغــادرتُ أيوبي الذي طــالَ ضُـــرُّهُ أُهرولُ منزوعــاً إلى عينِــــه غُسْــــلا
يُجَعجِعُ بي صوتٌ سحيـــقٌ ولم يَـزلْ يبشـــرّني حتــى وُلــــدتُ لــه كهــــلا
أراقبـــــــه منــــذُ استقـــــلَّ سِنِيـَّـــــهُ وأقبـــلَ من مهــــوى مدينتِــــه جَفْـــلا
يُقِــــلُّ عليـــها الضِّـــدَ والشِّبْــهَ توأمًا ومِن كلِّ زوجٍ من معاني الإبـــا أهــلا
يُسهِّلُ صـــعبَ المدرَكــات برمْقَـــــةٍ وأنّى يشــأْ من أمرِها صــعّبَ السَّــهْلا
فيفقَــأُ عـــينَ المستحيـــــلِ مُصــــيِّراً حبــــائلَــهُ صَيــــداً وألغــــازَهُ حَـــــلّا
فلـم أرَ -يـا للهــول- أســـرعَ ثـــابـتٍ على الحـقِّ ترتدُ الطريقُ لــه عَجـــلى
فيدنــــو لأعـــــذاقِ الرجـــالِ يَهُشُّــها فلــم يرَ جَنْيـــًا يُستــطابُ ولا نخـــــلا
فهــزّ بجـــذعِ العـرشِ حتى تسـاقطت على مَتْنِـــهِ الأنصـارُ تَقـرؤهُ “قُلْ لا”(1)
كأنّ خُــــطا نَعليــــهِ ريـــشُ حقيقــــةٍ تقصّيتُـــها كي أدركَ الفــوتَ والرَّحْـلا
فـألفيتُــــهُ ريحـــــاً أقلّــــت سحــــابَها إلى بلــــدٍ مَيْـــــتٍ ليُعشِبَــــــهُ حَقْــــلا
ولمّا وجدتُ الركبَ كالحـــبل صاعداً وكنتُ بقعـــرِ الجُــبِّ، أمسكتـهُ حبـــلا
فأبصــرتُ من أجلى الحقائقِ وجــهَها ومن بينها وجــهُ الحســينِ بدا الأجـلى
يُقــسّمُ قلــبَ الخُلْـــد نبضـــاً وكعكـــةً ليُفردَ لـــي ممّـــا يجــــودُ بــه كِفْـــــلا
فمرَّ بنــا في ومضـــةٍ مـا رأت لهــــا بصــائرُنا في الخلــقِ رِدفًـــا ولا مِثْـلا
فقطّعتُ أوصـــالي اشتغـــالاً بما أرى كمــا قطّـــعَ الكفّـــين سقّــــاؤهُ شُغْـــلا
وحيثُ هوى جســمي أفقتُ لكي أرى دَمَاً غطَّ فيـــه الرمـلُ لكنْ بلا قتـــــلى
فجــاءتـه تكتــالُ السمـــــاءُ نصيبَـــها فأمطـــرهــا من سُحْـبِ آفاقِــــه كَيْـــلا
يُصعِّــــدُ فيضَ الطفلِ قيـــدَ حمــــامةٍ ليجمعَ ما بين الثرى والســما شَمْـــــلا
وأسفرَ من أقصى المخــــيّم مُشــــرقاً وقــــوراً يُقفّــي خَــطوَهُ المــلأُ الأعلى
يباشــــرُ لاهوتيّـــةَ العِشـــقِ مُخبِتــــاً يُقيـــمُ طقــوسَ القُربِ من دَمِــهِ حَفْـلا
يجــاوِزُ حــدَّ الــريِّ في اللهِ ظامئـــــاً فينســـابُ ريُّ الذكــرِ من ثغــره نَهْـلا
فألقـى هُــواةُ السحــرِ كُــلَّ حبــــالِـهم ومحـــضَ عِصِيٍّ يَمّمت شـطرَهُ نَبْـــلا
فأبصـرتُ قلبـــاً بيــن جنبيـــه كُلَّمـــا توخّـــاهُ ســهمٌ كــان يَلقَفُـــــه حَبْــــــلا
وحين انبرى يســتدرجُ المــوتَ نحوَه تنـاهى إليـــه النصــرُ يقصـــدُه قَبْــــلا
فيسفـــعُ -ذاتَ الذبــحِ- ناصيـةَ الردى ويسحـــلُــه سَحْـــلَ العــزيــــزِ إذا ذَلّا
تظنون أنْ فاضت إلى العرش روحُـهُ فكيفَ لها، والعرشُ في صدره حَــــلّا
فلم أرَ أحلى منـــه من قبـلِ ذبحـــــــهِ ولكنْ بَدَت بالفيـــضِ سحنتُـــهُ أحـــلى
تَفتَّــــحَ حـــتى خِلتـُــــه ياسـمـيـنــــــةً تُبَوصِل أســــرارَ الجمـــال لها نَحْـــلا
وزيتونــــةً حُبــــلى لكلِ مواســــمِ الـ حيـــاةِ، فتُــؤتي كــلَّ حــــــينٍ لها أُكْلا
كأنْ لم يَجــدْ حُلْــمُ الســــماءِ مُئــــوِّلاً يُأنسِــــنُهُ، حــتى ارتـــأى أنّــه الأوْلى
أراهُ حكـــايـــــاتٍ كــــأنّ فصـــــولُها تُنسِّـــــلُ من أقصى نهاياتها نَسْـــــــلا
فيَرجـــعُ في فصــلٍ يُلملِـــمُ بعضَــــهُ لينثــرَه فصــــــلاً ويجمعَـــه فَصـــــلا
يُشجِّــــــرُ بـالآلام آفـــــاقَ مُلْكــــــــهِ ليَجنيَ من أغصـانـِها اللـذةَ المُثـــــــلى
أراقبُــــــهُ منــــذُ استقـــــلّ حقيقةَ الـــ عُروجِ فمرّت فــوقَ أضلُعِـــهِ خَيْـــــلا
فأدركتُ أنّي (العبدُ) حـــــينَ تَصَنّمتْ عبــوديةُ المعــــنى لأعبدَها عِجـــــــلا
فحــررني معنى الحســـينِ وعِشقُــــه لأُدرِكَ أنَّ (الحـــرَّ) مَن أدركَ المَــوْلى

 

  • “قل لا”: “قل لا اسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى”

الحقيقةُ أكبرُ

قيلَ إنَّ الحقيقةَ أكبرُ من جرأتي
ربّما..
حينَ رحتُ -علانيةً- أشرحُ الأمرَ للخيلِ
كيفَ تكونُ البلادُ موطّأةً فوقَ صدري
وكيف تصيرُ البلادُ حليباً بأمري
حليباً يُنَزُّ.. وليس يُقطَّرُ في شفتيِّ الرّضيعِ
وقيلَ: الحقيقةُ أكبرَ.
لو علمتْ حينها الخيلُ
هل صار صدري مداساً بأمرِ المغول؟

 

الحقيقةُ أكبرُ..
لو أنَّ قوساً يعالجُ عاهتهُ لاستوى قُزَحاً
هابطاً من سماءٍ ملوّنةٍ بالدّماءِ
إلى الأرضِ- أرضِ المثول
امتثلتم إذن
والحقيقةُ أكبرُ مِن كونها كربلاءُ
فهذا الحسينُ
الحسينُ
الحسينُ
ألم تسمعوا باسمهِ- اسمي
بصوتِ الرسول؟
فامتثلتم إذن
والحقيقةُ أكبرُ
حريّتي أن تكونَ الحقيقةُ أكبرَ
يعرفها الحرُّ، يجهلها خادمٌ للملوكِ
ولكنّني كنتُ أجرؤ أن أشرحَ الأمرَ..
أن أجعلَ السّيفَ رمزاً لفتحِ بلادٍ مفخّخةٍ من جميعِ الجهاتِ
وأحملُ موتي من الجهةِ الضّارية
وأنشرُ صوتيَ أشرعةً فوقهُ، موتيَ المستقيمِ كظهرِ الجهة-
موتيَ الصّارية
كنتُ أجرؤ
أن أتهيّأَ للمؤمنينَ سفينةَ نوحٍ
وأبحرُ فيهم
على اليابسة
وأعرفُ أنَّ الحقيقةَ أكبرُ
إذْ في فمي كانَ ينبضُ قلبٌ من الذّكرِ
… لو أنَّ هذي العروبةَ مائيّةٌ،
لو صليلُ السّيوفِ التي احتوشتنيَ ينشقُّ نهراً،
لو النّهرُ يعكسُ جرحي بعينينِ نضّاحتينِ
كربٍّ يراقبُ،
هل ستكونُ –عليَّ- لهم
قوّةٌ عابسة؟
كانَ للسّيفِ حاملهُ
كان في سيفهِ طعنةٌ كلّما طوّحتنيَ
عاندتُ قتلي
وعدتُ لهم من جراحي دماً
ليسَ يُحقَنُ
فاشتدّت العاصفة

 

… نصبتُ برأسي على الرّمحِ
-دونَ اكتراثٍ لهم-
خيمةً
وداخلها اللاجئون يزجّونَ أنفسهم
فوجئوا أنّني كنتُ فزّاعةً للسّلاطينِ
…فاجأتهم، كنتُ أجرؤُ

 

فزّاعةً للسّلاطينِ كنتُ، وكنتُ يداً للحقيقةِ
… تكبُرُ فيَّ الحقيقةُ،
كنتُ يداً
حينَ كانَ لزاماً على أحدٍ طَرْقَ بابِ الظّليمةِ
قيلَ لهُ:
لا يحقُّ لغيرِ القتيل الدخول.

الحُسَينُ الآَخَرْ

جِدْ لي ابتداءً فيكَ حتى أَقْطَعَكْ
وافتحْ رؤايَ على رؤاكَ لأجْمَعَكْ

لا زلتَ تربِكُ أحرفيْ يا واحدًا
وزَّعْتَ مِنْ وَحْي المعاجِزِ مَصْرَعَكْ

وفقدتُّني حيثُ المَجَازُ يتيهُ بي
ما أضيقَ البوحَ الفصيحَ وأوسَعَكْ

أنا عابرٌ عِلِقَتْ بيَ الكلماتُ في
وَحْلِ الرؤى وأنا أحاوِلُ مَطْلَعَكْ

لُغَتي تُخَاصِمُني بدَرْبِكَ كُلَّمَا
أنويكَ أفقِدُها وأفقِدُ مَوْضِعَكْ

حيثُ القرابينُ التي فَصَّلْتَها
فضفاضةً كُلُّ الوجودِ تَشَبَّعَكْ

قاومتَ جُنْحَ الليلِ -مِثلُكَ لا يبا
يعُ مِثْلَهُ- وأضأتَ لمَّا قَطَّعَكْ

وُوُلِدْتَ مِنْ جُرْحٍ، فَطَمْتَ مِنَ الرَّدى
عُمُرًا بأرحامِ المَواسِمِ أودَعَكَ

قارعْتَ لونَ الزيفِ، نَقَّيْتَ المَدى
بدماكَ، كنتَ مُلَطَّخًا ما أَنْصَعَكْ!

مانَعْتَ أنْ تحيا على عُمُرٍ رما
دِيٍّ ولم تَلْوِ السُّيوفُ تمنُّعَكْ

آثرتَ أنْ تعطي بقاءً آخَرًا
وتَمُدَّ في عُمُرِ الحقيقةِ أفرُعَكْ

عالَجْتَ بالجرحِ الهُرَاءَ نزفتَ بالـ
معنى، شَغَلْتَ المَوْتَ والمَحْيا مَعَكْ

أربَكْتَ بالدمِّ الحسامَ، هزمتَهُ
وأرَعْتَهُ لكنَّهُ ما رَوَّعَكْ!

يا نصَّ هيهاتٍ ويا شِعْرَ الإبا
ءِ ويا انسكابَ الدَّمِّ لمَّا أسْجَعَكْ

فردًا شَقَقْتَ الجَمْعَ! حُزْتَ مِنَ الصوا
بِ تفرُّدًا ومِنَ الهدى ما وَزَّعَكْ!

متنزهًا عَنْ كلِّ معنىً عابثٍ
شَجَّ الحقيقةَ بالخيالِ ليخدَعَكْ

متمردًا فوقَ الرَّوَاسِبِ ناصِعًا
كالماءِ لا تَصِلُ الخرافةُ مَنْبَعَكْ

وحسينُ عَقْلِكَ لم تَسَعْكَ منابرُ الـ
خطباءِ لم يُرْبِكْ سرابٌ أشرُعَكْ

وأعَذْتَ نَجْمَكَ أنْ تُحَنِّطَ ليلةٌ
أضواءَهُ فَسَطَعْتَ كَيْ لا تَسْطَعَكْ

وغدوتَ بوصلةَ العُقُولِ، دعوتَها
لتسيرَ منكَ إليكَ حتى تبدِعَكْ!

متحررًا كالجرحِ لستَ بعادةٍ
نحكيْ بها قصصًا ونذرفُها مَعَكْ

ما كنتَ منتفضًا ولم تكُ ثائرًا
كيْ تَذْرِفَ العينُ الدموعَ وتنقعَكْ

ما ثُرْتَ كي تغدو رهينةَ دمعةٍ
كي توغِلَ المأساةُ فيكَ وتصنعَكْ

بل أنتَ فعلٌ في المَكَانِ وفي الزما
نِ تدسُّ في كلِّ المواقعِ أذرُعَكْ

لستَ احتكارًا للقطيعِ ولستَ رَجْـ
عًا للأساطيرِ العِجَافِ لتزرعَكْ

هُمْ حَرَّفُوْكَ وأوَّلُوْا بكَ ثورةَ الـ
معنى وأطْفَوا بالبرودةِ أدْمُعَكْ

لم يقنعوا بكَ ثائرًا، قطعوا الصدى
جَعَلُوْكَ مَوَّالًا ونايُكَ أفجَعَكْ!

خَلَقُوا كما شاؤوا حسينًا، لا كما
قد شئتَ أنتَ، فكم حسينٍ ضَيَّعَكْ؟!

لمْ يَرْتَضُوْكَ سوى حسينٍ آخَرٍ
هو عادةٌ أخرى وضَلُّوْا موقِعَكْ!

وعلا منابرَهُمْ حسينُ منابرٍ
قتلَ البطولةَ بالخنوعِ وبَضَّعَكْ

لستَ احتكارًا للدّموعِ وللرثا
ءِ ولستَ مِنْ مَنْ بالنوائحِ أوسَعَكْ

حرًا تجوبُ العالَمِيْنَ قضيةً
حريةً والكونُ يعرفُ إصبعَكْ

يا ثورةً أخرى تُعَاوِدُ نفسها
وتفاجئُ الموتى وتقرأُ مَصْرَعَكْ

عُدْ بالحقيقةِ فالخرافةُ سَوَّرَتْ
أفكارَنا حتى أَضَعْنا مَرْجِعَكْ

هَبْ للقلوبِ بدايةً أخرى ونبـْ
ضًا آخَرًا وانْبُضْ و(عَوْلِمْ) أضلُعَكْ!

وارجِعْ جديدًا فالحكايةُ دبَّ فيـ
ها الشيبُ عُدْ بصداكَ حتى نَسْمَعَكْ

يا أيها الجرحُ الطموحُ أزلْ غبا
رَ المادِحِينَ مِنَ الحروفِ لتُرْجِعَكْ

كُنْ أنتَ، كُنْ معناكَ، واغْسِلْ مِنْ مرا
يانا الخرافةَ، لُحْ وأوقِدْ مَطْلَعَكْ

عُدْ في الخيالِ حقيقةً عُدْ بالحقيـ
ـقَةِ في الخيالِ ولُحْ لنا كي نَطْبَعَكْ

بحيرةُ ورد

حكاية الدم الذي أزهر حباً وكرامة صبيحة سال من شرايين
( الحسين ) عليه الســلام فأوغل في شرايين الخلـــود

إلى الله فوقَ براقِ المواجعِ في ذكرياتكَ
يسمُو بنا الشعرُ أطيارَ حزنٍ ترفرفُ بينَ الحروفْ
فينكشفُ الجرحُ عن مأتمٍ للجمالِ
يسائلُ :
ماذا تخبئُ خلفكَ من أغنياتٍ !!
يلحنّها الحبُّ للعاطلينَ عن الحبِّ
في كلِّ عامٍ يبيعونَ باسمِ العزاءِ جراحكَ
حينَ احتوتكَ السيوفْ
فخُذنا عريسَ الشهادةِ
ها نحنُ نطبعُ فوقَ جبينِ ( طفوفكَ )
مقطعَ أحلامِنَا فانتهينَا إليكَ
أتيناكَ ظمأىً كيومكَ يُلهبنا الشوقُ سوطاً
نجرجرُ قيدَ العذابِ الأليمِ ..
نلمُّ خطاكَ التي أزهرتْ بالفدى
فوقَ أرضِ ( الطفوفْ )
فتعشبُ فينا صلاةً سماويةً
وحقولاً من المجد تزهو ، وبيدرَ عزٍّ وحرّيةٍ
وقافيةً منْ حتوفْ
تحلّقُ فيها طيورُ الكرامةِ مجداً
وركبُ الأماني عليها يطوفْ

ـ 2 ـ

وجرحُكَ يروي عروقَ الفداءِ برغم الفضاءِ اليبابِ
وعطرُ الشهادةِ في ( كربلائكَ ) يزكو
يعيدُكَ منكَ إلينَا
نضارةَ صبحٍ لهذي الحياةِ برغم الدخانِ ورغم الخسوفْ
و ( عاشورُ ) أيقونةٌ للوجودِ
نطلّ عليكَ ..
نراكَ بكلِّ الوجوهِ الثكالى
تَفَتَّقتَ سنبلةً من جراحٍ
إلى أن تدلَّتْ علينا القطوفْ

قرأناكَ في أعينِ البؤساءْ
أماناً كبيراً
يسيّج تلكَ القلوبَ التي أفزَعَتها الفجيعةُ في ( كربلاءْ )
وحُلماً جميلاً يداعبُ جفنَ العيونِ التي أسهبتْ في العذابِ
يغلِّفُها الحزنُ والشوقُ والذكرياتُ
لأجلكَ يا جنةَ الشهداءْ
تهاوى بها السهدُ مجروحةً في الظلامِ
على شفرةِ الحزنِ مغموسةً في البكاءْ
سقطتَ فسالتْ دماكَ
بحيرةَ وردٍ يجدفُ فيها الإباءْ

ـ 3 ـ

وكانَ ( الفراتُ ) حزيناً
يلملمُ ضوءَ الشموسِ
ويرحلُ نحو الخفاءْ
تموتُ الطيورُ على شاطئيهِ
وتسقطُ ظمأى
وتهوي الأزاهيرُ من ( هاشمٍ ) ..
ويخرُّ الصحابُ ..
تجفُّ على الطينِ آثارُهمْ
مطاعينَ ..
أشلاؤهمْ مسكنٌ للرياحِ
وطلاّبِ حقٍّ
قد ابتكرُوا الموتَ نهجاً
على أن يهانُوا
فمدّتْ عليهمْ نخيلُ ( العراقِ ) ظلالَ المساءْ

وأكرمْ بِها أن تسيلَ الدماءْ
فمن هاهنا الابتداءْ
إلى هاهنا الانتهاءْ
ويا أيُّ هذا المجرّدُ من كل شيءٍ
سوى العزّ يومَ المحرّمِ
تندى عليه الورودُ ..
تزاورهُ الطيرُ بينَ النبوةِ جسراً وبينَ الإمامَهْ
يموتُ وكفّاه مرفوعتانِ
علامةَ رفضٍ

ـ 4 ـ

ويرفعُ للحقِّ هامَهْ
رأيتُكََ فوقَ ثغورِ المنايَا
علَى عَرَصاتِ ( الطفوفِ )
طريحاً يُحاصركَ الجيشُ ملقىً
وأنتَ تنادي : كرامَه كرامَهْ

أقول :
خطرتَ ببالي
فقمتُ أبلِّغُ باسمكَ كلَّ الرسالاتِ
من أوّلِ الشعرِ حتّى انتهاءِ القصيدَهْ
وكنتَ تضيءُ قناديلَ روحيَ
عزماً
بكلِّ الدروبِ
وتدلقُ فيهَا زيوتَ العقيدَهْ
وإن السيوفَ التّي مزَّقتكَ
وغاصتْ بنحركَ حدَّ الصبابةِ
أذكَتْ فتيلةَ جُرحي وأَورَتْ وقيدَهْ
فداؤكَ قلبي
فأيكمَا اليومَ تحتَ السنابكِ
حزُّوا وريدَه !!

ـ 5 ـ

وفي ( الطفِّ ) كانَ الإلـهُ
عليكَ يعَوِّلُ
في أنْ تعيدَ الحياةَ لوجهِ الحياةِ
يُعدُّكَ فتحاً مبيناً
ونصراً لكل المعاني المجيدَه
سقطتَ ولم تسقطِ الأمنياتُ ..
تأرَّجتَ نسمةَ لطفٍّ من الخلد هبتْ
وما جفُّ نُبلُكَ
إذ كنتَ أنتَ على الأرضِ
رغم المنيّةِ .. رغمَ الجراحاتِ
رغم اغترابكَ
حلمَ النفوسِ الشريدَهْ
ورأسُكَ مازالَ فوقَ الرماحِ
يرتلُ سِفْرَ البطولةِ ..
يقرأُ باسمِ الإباءِ نشيدَهْ
سلامٌ عليكَ .. على ( كربلاءَ )
على كلِّ روحٍ بيومكَ
خرّتْ بفيضِ الدماءِ شهيدَهْ

أراك سخي الدمع

أراك سخي الدمع يخذلك الصبرُ / فكم للهوى نهيٌ عليك وكم أمرُ
كرعشة طير في المهب لوحده / به لعبتْ ريحٌ وعاقبهُ قهرُ
تشردكَ الأحزانُ نهبَ ذئابها / توالى عليكَ الجمرُ والثلجُ والجمرُ
أهاجكَ أحبابٌ حفرت قبورهم / فعادوا لهم في كل جارحةٍ حفرُ
فدأبكَ لا تنسى وزَوركَ دأبُهم / كأن لهم دَينٌ وفاك به عسرُ
وإن كنتَ لا تنسى فما تلك بدعة ٌ / فكل خدين الشعر يمطرهُُ الذكرُ
رقيقٌ كأحشاء القوافي شعورهُ / وصلبٌ على النسيان معدنهُ صخرُ
إذا ما تناسى الناس أحزان وقتهم / وشاخ الأسى أحزانهُ أبدا بكرُ
يعيدُ له ماضي الدماء خيالهُ / كأن على تلك الدما ما أتى الدهرُ
وتلك لأرباب القصيد جبلــّـة ٌ / على كل مفقودٍ يفيض بهم نهرُ
فكيف إذا كان القتيل قضى ظما ً / “وفي كل عضو من أنامله بحرُ”
له ميزة ٌ أن ادكار مصابهِ / يسليكَ عن كربٍ كما يفعلُ السحرُ
يريكَ عذابات الزمان عذوبة ً / وينمو على أجداث غُيّابكَ الزهرُ
ويأتيكَ ثم الحزنُ صرفا معتقا / عميقا فلا أمرٌ هناكَ ولا خمرُ
وثاني السجايا أن من ذل أهله / بأيدي الأعادي يستقي قلبكَ الحرُ
وثالثها إن أخلقَ الدهرُ وامحى / تراهُ فتيَّ الخلق و الغرس يخضرُّ
صديقي غريب الطف أي صداقةٍ / بها غمرتني منك أفضالك الكثرُ
فلولاكَ لم أنس الذين تركتـُهم / ولم يُقض من توديع أكتافهم وطرُ
ولولاكَ لم أحبس مدامع غصتي / بفقد الذي أودى بهِ الحادث المرُّ
ولولاكَ لم أرفع على الضيم هامتي / كما يتجلى فوق غيماته النسرُ
رأيتُ نكال الظالمين وبطشهمْ / بحبكَ أحلى ما يفوز به الصبرُ
فإن قيل قيدٌ قلتُ زيدوا حديده / وإن قيل قتلٌ طاب في حبكَ النحرُ
ولكن بأسي في قبال شدائدي / يذوبُ إذا ما كان في رزءكَ الصهرُ
أنا الصامد المعروف لكن صلابتي / تميدُ إذا ما طاف في خاطري المهرُ
يحمحمُ حتى الصوت حيٌ كأنه ُ / يهرول مذعورا ويتبعهُ البرُ
فتخرجُ في استقباله زينبٌ وقد / أحاطت بها البلوى وحاصرها الغدرُ

تناديهم خجلى وفي صدر ذلها / تهدج صوتٌ من خلائقه الكبرُ
ترى فوق رأس الرمح شمسا ً تلامعتْ / ولكن عليها من ظلام الأسى سترُ
تقول إليكَ العذرُ عن شح نصرتي / وما للذي أرداكَ يا مهجتي عذرُ
ألا أيها الرأس الذي جزهُ العدى / وفي كل بيتٍ من قصائده شطرُ
وما مر إلا وانحنى كل شاهق / عليه ومال النجمُ وانشطر البدرُ
مصيبة ُ معناي الذي حرفهُ دمٌ / وفرحة ُ مغناي الذي لحنهُ درُّ
حديثكَ لي عبر التواريخ مؤنسي / ومنبعُ إلهامي وأنت له سرُ
عليكَ سلام الله ما دار كوكبٌ / وما وقف التاريخُ وانتصبَ الحشرُ
هناك يرى الباغون سود أكفهم / وأوجههم بالرعب تذوي و تصفرُّ
هناك يرى العشاق بيض قلوبهم / طيورا إليها الله بالود يفترُّ
فلا عذبَ الله الذي صبَ أضلعي / بحبكَ حتى شيد في جوفها قبرُ
فيقصدني الزوار من كل ملةٍ / يروا قبة ً خضراء شيدها الشعرُ
هما الأمُ لا أنسى مدى العمر رضعها / مع الأب أحيتني مدارسهُ الغرُّ
فيا رب أجزل بالعطاء جزاهما / وإن قلَّ مني في حقوقهما البرُّ

كربلاء .. سدرة العز

تَمرُّ بيَ الذكرى فأستلهمُ الذكرى

صلاةً تعيدُ الفجرَ في أفقهِ فجْرَا

وآتيكَ من أقصى ابتهالاتـيَ التي

أهالتْ عليكَ الشوقَ هائمةً سَكْرَى

وأدخلُ محرابَ الفجيعةِ علّني

أقوّمُها وزناً وأجبرُها كَسْرَا

تضوّي سماءَ الجرحِ روحي فأنحني

لأشبعَهُ لثماً وأسبرَهُ غَوْرَا

وتضْوي ليالـي ( الأربعينَ ) مواجعي

وترجعُ ، لم تطفئْ ( لياليّكَ العشْرَا )

وألقاكَ حيثُ القلبُ عانقَ ( سهمَهُ )

فأورَقَتِ الأحلامُ من نزفهِ زهْرَا

كقلبكَ ( يومَ الطفِّ ) قدّمتُ خافقي

إلى مذبحِ الآلامِ يوسعُهُ نحْرَا

وما غيرُ قلبي صغتُ محبرةً ومَا

سوى نبضهِ المحزونِ أنزفُه حِبْرَا

هُوَ الحزنُ لـمْ أنظمْهُ إلاّ مشعّباً

بثلثينِ من قلبي ولم ينتظمْ شعْرَا

{ { {
فخُذني ( أبا السجَّادِ ) خُذني حمامةً

تلهّتْ بِها ريحٌ فلاقتْ بكَ الوكْرَا

وأشرعْ أمامي نهرَ عزٍّ فلم تزلْ

مجردةً ، روحي لكي تعبُرَ النهْرَا

ـ 2 ـ

وهاكَ استلمني بينَ كفيكَ طينةً

منَ الحمأ المسنونِ ، كي أغتدي درّا

وهَبني منَ المصباحِ لمحَ فتيلةٍ

يرافقُني درباً ويرشدُني مسْرَى

و (هيهاتَ منّا الذلَّ ) أطلقتَها فما

سقتْ فـي دمي نبضاً ولـم ينطلقْ حُرَّا

وحسبي إذَا ما متُّ في الحبِّ أنّني

أضيفُ إلى عمري ـ كما أشتهي ـ عُمْرَا

وأذكرُ أنّي حينَ أوقفَني أبي

على جرحكَ استوطنتُ محرقتي الكُبْرَى

وقفتُ ولكنْ أوهَنَ الحزنُ كاهلي

فمرّتْ بـيَ الأيامُ محدودباً ظهْرَا

قد استوطنتْ روحي أعاصيرُ وحشةٍ

ورجفةُ ريحٍ تنفثُّ الهمّ والقهْرَا

وكانتْ خيوطُ الوعيِ تفلتُ من يدي

فليسَ سوى قلبي وأسئلةٍ حيْرَى

تُرى هل ستكفيكَ السواعدُ ضمةً

وقد جئتَ لا رأسا حملتَ ولا صدْرَا ؟!!

فيا مُـجريَ الوجدانِ فـي روحِ أمةٍ

بِها انسدَّ مجرَى الضوءِ فاستُنـزفَ المجْرَى

أمطْ عنْ مُحيّا ( كربلاءٍ ) لثامَهُ

ودعْ صورةَ الأمجادِ مكشوفةً سِتْرَا

هيَ سِدرةُ العزِّ التي انغرستْ فلَمْ

يسَعها الردى يوماً ولـم يرتفعْ قدَْرَا

فقدّمْ ـ كما تهوى ـ روائعَكَ التي

تآختْ معَ الدُّنيا وصادَقتِ الدّهْرَا

وعلّقْ مصابيحَ الكرامةِ ، علّها

إذَا ذلّتِ الأجيالُ أن تفهمَ السرّا

ـ 3 ـ

ويحيا بِها ( العبّاسُ ) إذْ حلّقَتْ به

سجاياهُ ، لا يُمنىً ترفُّ ولا يُسرَى

و( زينبُ ) إذ أهوتْ على نبتِ حاقدٍ

تفتُّ بهِ عضْداً وتهوي بهِ قَبْرَا

روائعُ منذُ ( الطفِّ ) شقّتْ قماطها

إلى الآنَ لـمْ تبرحْ محامدُها تتْرَى

هيَ اللوحةُ الأسْمَى التي صاغَهَا دمٌ

فأوحتْ إلى الأذهانِ من نبضِهَا فكْرَا

وها إنّني من ألفِ نارٍ تسومُني

حنيناً ، إلى لقياكَ أستبطنُ الجمْرَا

تَمزّقتِ الأكفانُ عنّي وها أنَا

نَهَضْتُ إلى ذكراكَ منقلِباً حشْرَا

وجئتُكَ فـي مليونِ سطرٍ ، مولَّعاً

أخطُّ هنَا سطراً وأمحو هُنا سَطْرَا

إلى أنْ نسيتُ فوقَ زنديكَ خافقي

ليقضي على زنديكَ من لهفتي وطْرَا

وينمُو على مرّ المدَى ياسمينةً

تهرّبُ للأجيالِ من نفحِها عطْرَا

وتروي حكاياتِ الإباءِ زكيّةً

تخلّدُ معنَى الحبِّ في خاطري ذِكْرَا

وحُلْمي : تكفُّ الريحُ عن كلّ صرخةٍ

على شرفةِ الأيتامِ ، تملؤهُمْ ذُعْرَا

وترجعُ للأعشاشِ أطيارُهَا التي

تناءَى بِها الترحالُ فاستوحشَتْ هَجْرَا

{ { {

تهجَّيتُ أسماء الحسين

فلتبحثوا عنه في المخبوء من ذاتي
كل المعاني وماجت أبجدياتي
سيفا ورمحا على توقيت مأساتي
فكان ملء دلائي فيض دمعاتي
بقدر ماانتفضت روح الرسالات
لا تنتهي حرب أقلامي وممحاتي
من أين أبدأ في سرد العذابات؟؟
تألم الكونُ من تيارها العاتي
إلا تأثر كرسي السماوات
شق الزمان فأضحى نهر آهات
أشعة النور عن جسم الثريات
رأس الوجود به يطوي المسافات
نجما تغرب عن ذات المجرات
بسجدة الذكر في محراب إنصاتي
طف الإباء حنانا ياخيالاتي
لكن دهري سهم شق نبضاتي
من ذا يراه ولم يخنق بزفرات
قرآن ربي على قدر الملمات
دمع الكتابين : إنجيل وتوراة
جاؤوا من الخلد من خلف الغيوبات
يا وحدة الكون في طيف المواساة
روحا شفافية بين الزجاجات
حتى تربيت في أتون ثورات
صدر البيوتات في أسمى الشعارات
وقفته كل أيامي وأوقاتي
تدل قلبي إلى كون القداسات
في وجه طاغية ضد الغوايات
من الحسين تعلمت اعتراضاتي
وصورة تتراءى وسط مرآتي
ونسمة الفجر في مغنى مناجاتي
إلا وتنبئ بالمستقبل الآتي
وعلمها يتسامى بالنبؤات
إن الحسين سيأتي في المساءات
ولتقبسوا من سناه نور مشكاة
متى نثور على ريح الضلالات
ما لم يقله لنا ثغر الروايات

10/1/1430هـ

ضيعتُ مطلعً شعري بين أناتي
ماذا أحبِّرُ؟ لاأدري .. قد التطمت
فساعة الطف قد درات عقاربها
وقفت مستسقيا من بئر ذاكرتي
حزنا نبيلا على من روحة انتفضت
مازلت أكتب/أمحو باضطراب دمي
وكان وجه سؤالي غائما قلقا
وكل صاعقة في الطف نازلة
فماارتمي الحجرالطاغوت منتهكا
والسهم حين طغى في كفره نزقا
والسيف حين انتشى في غيه انفصلت
وانظر إلى الرمح في ترحاله سترى
لهفي على الخنصر المبتور حين بدا
قد خر سمعي لهذي الحادثات أسى
ولو أتيح لقلبي أن يناضل في
لكان قربة ماء للظماة ندى
يامشهدا بعظيم الوجد مكتنزا
قد جاءت الصحف الأولى معزية
وفاض من منتهى حزنيهما نهرا
والأنبياء بصف الأولياء معا
يبكون أفضل من ثارت له حمم
هنا الحسين تجلى في مخيلتي
وقد سقتني حليب الطف والدتي
وكم تهجيت أسماء الحسين على
حتى إذا اختبرتني مغريات دمي
بايعته العشق مذ شاهدت بوصلتي
يمناي ترفع (لا) حرفين من لهب
حسبي بـ(هيهات) من عينيّ اطلقها
أحسه وهجا في روح مدفأتي
هوالشكاية في صحراء مصطرخي
ما إن تطل علينا كربلا شفقا
فعندها من بنات الغيب سرب رؤى
قالت لنا ذات نار في ظهيرتنا :
فلتفتحوا لهواه ألف نافذة
يأتي يوزع تقويم الجهاد لنا
فالطف لم تختتم .. مازال في دمها