النص الأول: آخر الآتين من رحم الضوء

شاعر الحسين سجاد النبي السلمي (البصرة-العراق)
شاعر الحسين سجاد النبي السلمي (البصرة-العراق)

يزيد ، وهو في الغرفة الخلفية من المسرح ، متكئاً على عرش مهشم الجوانب ، ناظرا الى انعكاس صورته في مرآة في اقصى  زاوية الغرفة ، متحدثا عن الحسين بن علي بعد انتهاء المعركة مردداً ، هو :

.

.

لملمتُ أشباه الرجال لأهزمه

فأتوا بآلاف الورود مكممه

.

ومسختُ وعيَ الماء عن ادراكه

ومنعتُ عنه الأمنيات ..لأرغمه

.

لوّنتُ امزجةَ الرمال بفكرة حمراء

مسّتْ وجهه كي ترسمه

.

ووضعتُ في شفة السهام نذالة المعنى

وقد مرت عليه لتلثمه

.

ونثرتُ فوق الماء جرح فراشة

حبلى بذاكرة الرياح المؤلمة

.

كان الزمان مهاجرا

في صدره رجلٌ تفنن في اختيار الاوسمه

.

أنا كلما حاولت أن أدنو ألى عاشوره

أجد الجهات ملغمه

.

انا كلما قطعتُ أحشاء الطريق

لكي يموت بغربة

جاء الندى ليكلمه

.

أنا كلما اُرسي الممات بمقلتيه

أراه يحترف الحياة

لتلهمه

.

لملمت كل الطارئين على الحياة

جعلتهم كوناً

لنبدأ مأتمه

.

أمطرتُ لون ظما على خيماته

وسلختُ من شفة الفرات التمتمه

.

وتركتُه يهبُ الضياء

مخضب بالذكريات، وبالرزايا المحكمه

.

وغرزتُ كفي في العصور مفتشا عن عمره

كي أنتقيه لأقصمه

.

زوّرتُ أوراق الوفاة ،

مسافةالكلمات،

أمكنةَ الشهود ،

المحكمه

.

ووقفتُ محتظرَ الشفاه

بخاطري ضوءٌ

تورد للمنايا مبسمه

.

يلقي بنكهة حلمه في شاطئ الألم المقدس

والأماني المبهمه

.

لا شيء يعبره اليه

سوى دم صلب

وقد ملأ الخلود

ليفطمه

.

لا شيء يمنحه خريطة عودة للما وراء

لكي يعيد الملحمه

.

لا شيء يمنحه الأمان

فكل هذي الأرض تبغي أن تفكك طلسمه

.

ونفخت من روحي عليه لكي يموت فيختفي

كي تستريح الأنظمه

.

شيب النخيل حكاية عن أخر الآتين من رحم الضياء

ليفهمه

 

بيني وبين الطف ألف سلالة للرفض

باللاء العظيمة مفعمه

.

حاولتُ قتل الله حين قتلته

لكنه

ترك الوجود وجسمّه

.

دُهشت تفاصيل السيوف بجرحه النبوي

إذ هربت له مستسلمه

.

وأراه من خلف انزياحات المكان

يصيح بالعطش اليتيم ليعصمه

.

ويصيح بالنهر الرسول ألـ لم يمر بثغره

ليمر كي يتوسمه

………………………………………

إخلع علي الصبر أن طفولتي آنت

وأبعاد السهام ملثمه

.

أخلع علي الأنبياء

فأنني فردٌ

على قتلي الدروب مصممه

.

خذني لأعطي الأرض سبحة جدتي

وجدار امنيةهوى لأرممه

.

نهري عراقي الضياع

مسافرا في الروح

تختصر الزوارقُ زمزمه

.

نحو الحياة الموت كنت أقوده

ونوافذ الضوء البخيل محطمه

.

الموت مخبول الجهات

يهز وجه الغيم حتى تملأَ الدنيا فمه

.

(أنا لن أموت

فغربة النايات ذاكرتي

ولي بالموغلين بكل نزف توأمه)

 

* في حال وجود مشاكل في تنسيق النص، يمكنك قراءته في الموقع الإلكتروني:

النص الأول: آخر الآتين من رحم الضوء

إليه إليه ؟؟!!

إليهِ الفضاء

خريطةُ شوقٍ

تسافرُ من نبضِ نبضِ الهيام

ثنيّات ضوءٍ تقودُ عصافيرَها للسماءْ ..

لبوّابةِ العرشِ في كربلاءْ ..

يهجّنها الحزنُ يختزلُ الظلَّ فيها

ويبكي الأديمُ على أن تحثَّ شراراتِه

يتوترُ قلبُ الزمانِ ، يؤوب كأقصى العناق

ويرتبكُ الدّهرُ ، ينزف رعشته ، فوق جنح الذهول

ويسحقُ أبخرةَ الصمتِ صوتُ الدماءْ ..

على ذروة في مواقدِ شعرٍ تناسل منها كأحفاد هابيل

حين تقودُ القوافي إليهِا

بمنذورةٍ من بيانْ

وكلُّ القصائد خرساء بكماء وهي اللسان

فخذ خطوة وانتبذ جهة اللامكانْ

فما حُمّ كان.

ليقطف شهدَ الحناجرِ

نصل المذابحِ

ريحا غضوبا هصورا

و ثورة بركنة تتمخّضُ حرفين في حيّز الروح : دالَ الدموعِ و ياءَ النداءْ..

ويحكي إذا ما ترقرق من وجعٍ للقصيدةِ كالغمغمات

تنهنهُ وخز المدى والندى

وحمحمة الموتِ للنوق للنخل للعنفوان

لحزنٍ بتولٍ

يرتب فجرا أنيقا

ولكنَّ مفعولَه كالتماوج حين ينثّ الضياء

بحالةِ عشقٍ

يواربُ فيها الصباحين

صبحَ الشهادة حين تفضُّ ملامحها للإباء

وصبحاً تخلّق من كبرياءْ.

وتصرخ في مُطرة الحسنيين : إليه إليه!

حسينٌ على برزخٍ من جُمانٍ يسوّي لمنسأةِ المجدِ شارةَ عزٍّ

ويصبغ بالعندمِ المشرئبِّ خدودَ الزّمانِ

و يخرجُ كفَّيه بيضاءَ للناظرين

فكيف و”لا ناصرٍ” ؟!

والزقاق تقاذفها العشقُ توقاً إليه

وما الفرق بين دلالةِ قلبٍ تراقصَ في العتبات جنونا ،

وبين الذي ضاع منه الدّليل؟

كلانا أيا صاحبي نتحرّك ضدّ سياق الجمودِ

وبعض الضفاف تهدهدُ ميقات أمنية المتعبين

وبعضُ المآتم خصبٌ وماءْ.

بألويةٍ تتوشح تلتفُّ بين الدهاليز

نهتف :”هيهات هيهات

لا يخفض العزُّ أجنحةً للحمائم لو ضاع منها الهديل

ولو نال منها جنون الأخاديد

لا تنتهي نحو سوقِ النخاسة  حيثُ السلام الذليل.”

وذاكرة الصخر تقصص رؤيا الجراح وتفضي إلى أنّ ذِكْرَ  الحسين على السرمديّة فوق المدارات كالبوصلة

وإن دبّ فيها النّواح لتلطمَ أفياؤها معولة.

فدوما لها نهضة تتفتّق منها الجهات و يكتبها الممكن المستحيل.

ومنها الأساطير لا تتهيأ للقحط ، ظاهرة الضوء أشمل من منطق كالسراب ، وأغزر من شوكة في الهباء .

فدعني بنصف المسافة ، مابين غمزة  وصلٍ ، وبعثرةٍ ترسم اللانهاية ، دعني بلثغة نبضي أشكّل حزنا جميلا يكون بمقياس عشقي ويلهمني معطيات الكلام

ويشربني كالمواويل تأتأة تتنفس من رئة الطف

دفء الكنايات ،

زهر البيان و مسك الختامْ.

ليأخذ من تربة الطف ما يتشهَّب

يصعد مثل الفسائل حين يجرّدها النخل من جاذبيتها في الهواء.

رويدك !

أنشودةٌ لا تجوبُ قلاعَ الحسين

تظلُّ على قارعاتِ الفراغِ كأرصفةٍ للعراءْ .

فدوّن بأنَّ الأساريرَ تُطبع في دفترٍ للبدايات أنشودة من ظماء.

وأنّ اختلالَ التوازنِ في لغةِ الأرضِ يشهقُ للعطرِ من كربلاء.

وتعجبُ لو أمْطَرَتْ بالدماءْ ؟

أليس الحسينُ هنالك لَملَم سبحتَه

مازج التربة المتدلاّة

عمّدها بالخلودِ؟

فللّه درُّ الترابْ !

يسافر في ملكوت الغيابْ.

ألستَ  تراهُ على شرفة الخلدِ

بوّابة الله للعابرين ؟

كمفترقٍ للضبابِ

يشير فيمطر وعدُ السماوات للأنبياء.ْ

فكيف أكوثرُ تفعيلة الجرحِ

والشعرأعمى؟

وللشعر تهويمة من ضياع

تقول بأنّ الشموس غيابٌ

أقول بأن الشموس إياب.

فسافر بقلبكَ

هل ثمّ شمسٌ تزاور عنك بذات اليمين وذات الشمال ؟

وهل ثمّ قافلة من خيالْ ؟

ألا فامتطِ الرّوحَ للغادريّة للازورد

فهذي السنابك ريحٌ تضجُّ وتجرشُ

توقنُ

أنّ الشباب هناك يخطُّ الحياة بمعصم نورٍ

ويحملُ للأبديةِ  مُلكاً يقوّضُ تاجَ الذئاب

وأنّ الصحاري تغني بثغر الصحاب الحُداءْ.

وأنتَ تعانق كلَّ الخيالاتِ ينهمرُ اللونُ في صَهلةٍ للسؤال :

لماذا إليه؟

لماذا المجرّاتُ عند النوايا

تصبُّ حكاياتها كاللُّجين

وترفع سقفَ الوجودِ امتدادا ليتّسع الكون

لم يبقَ متّسعٌ للعلوِّ

فينجذب الشكّ نحو اليقين

قليلا قليلا

فيجهش منا بكاءُ البكاءْ.

ويغتسلُ الحرفُ

و الأبجديّة تمرقُ من بين بُعدَيه غيما

وتسألني  نبضةٌ بعد حينٍ :

لماذا إليه؟

فأسمع

وهو يدندن صمتي خجولا

ليصفعني النصلُ بعد المسافات من قبل أن يستريحْ

فأغفو على صدر قبّرةٍ تتهجّى الضريحْ

وتخصف للعتبات الحنين

فترفضّ منّي نياط السنين

وأهتف :

“إني كفرتُ بيومٍ يغافل  تمتمتي  عن هواه

أصيخ جوابا لمن قال في ردهات الشعور:

لماذا إليه؟

لماذا هو الحيّ فينا

وكل المفاهيم من حولنا مومياء؟

وأسطورة والحكايا البليدة منقوعة في الهراءْ.

وقد كان فينا الكثير الكثير، وكل المماليك من خلفه فقراء؟

وما كان فينا الحسين غريبا ،ولكننا الغرباءْ

وهمس الجموع نشازٌ مريعٌ وصوت الحسين نسيمٌ رُخاء.

نلوذ به حينما يعصف القحط واليأس والذلّ والانطفاء.

وحيث تعجُّ خواطرنا بالغثاءْ

فيهوي رذاذا يبلّل وقع الهموم ويرفو المدى

ويخصب زرعا وقمحا وسنبلة من أباة

وينفح دنيا المتاهات بالمعجزاتْ

و نملأ منه جرار الأماني

كما رُقْيَة العاشقين

“لماذا إليه؟”

وحدهُ اللهُ يعلمُ كيف نرتِّبه في خلايا الضلوع

وحده الله يعلمُ أن الحسين صلاة تنازعنا بالخشوع

وحده الله يعلم أنَّ الحسين وفيض الدماء بقاءُ البقاء

 

 

 

من المهد الى الخلد

وقطبـــًا تشيـــرُ البوصلاتُ إليـك مِن
فلســـتُ على علـــمٍ بغــــيرِك مُنهَـكاً
فتـولـَدُ والحــلاّجُ مـــازال غامــــــراً
كأن فقــاعات الطواســـين فوقـَــــــهُ
ولســتُ على علمٍ بغيرِك مُثخــــــــناً
فإنْ كنتَ من تحت الخيــول مُمزقــاً،
ورأسُك من فوق “الصلـيب” علامة
أشرتَ إلى النصرِ المـــؤزّرِ أن أجِبْ
وضـــمَّكَ حتى لفَّ أشــــلاكَ جبـــــة
ولستُ على علــمٍ بغيـــرِك فاديـــــــًا
ولستُ على علـــم بغيــــرك هامــــداً
ولستُ على علـــم بغيـــرك ظامئـــــًا
ولم أرَ نحراً غيرَ نحــرِك لـــم يـــزل
ولم يرَ عقلي بعـــد عمـــــقِ تدبّـــــرٍ
فمهما وجدتُ السعيَ نحـوَكَ شائكـــاً
أسيرُ على الأشــواكِ نحـــوكَ ناسيـاً
تَلـَــذ بيَ الآلامُ والنــــزفُ عنــــــدما
وإن حــالَ ما بيني وبينَك قاهـــــــــرٌ
وإن عــاد منـك المُتخَمـــــون بريّهم
ليُلقوا على وجهي “القميصَ” أشمّـــه
وأحبسُ في صـــدري هواكَ تنفـســاً

قريبٍ وقاصٍ تستشفـُّــك مقـصـــــدا
تحدّى غمـارَ الموتِ فانصـاعَ مَوْلدا
ودجلة يستجــدي من المَيْتِ موعـدا
بقايا غريقٍ ضـلَّ فيه وما اهتـــــدى
يشـدّ بكلتــا قبضتيــــه على الــردى
فأوصـــالك العنقــــاءُ تـأبى تَبَــــدُدا
تحيـلُ إلى العليــاء من رامَ ســـؤددا
فجاءك من خلفِ الســماءِ مؤيـــِّــدا
على طرفيها العزّ والمجــدُ نُضِّـــــدا
بقطــعِ نحـــورِ المستميتيــن يُفتـدى
يمـدّ القلــــــوبَ الهامـدات تجـــــدُدا
بــإروعَ سقـّـــــاءٍ ظـَــميٍّ تفــــــرَّدا
يضـخُّ بــأجداث النفــوس تمــــــرُدا
سواك مصيـــراً وانتماءً ومَرفَــــــدا
ودربــاً بحمّــــــام الدّمـــاءِ مُعبــــّـدا
نزيف جراحــــــاتي إليـــــك تـــودُدا
تَمدُ إليـها يــــا مسيـــحَ الهوى يــدا
وددتُ فلـــو أُنفى إليــك وأُطـــــــرَدا
ألــحُّ عليهم في الســؤالِ مُشــــــددا
فيُبصرُ طَرْفي بعدما كــان أرمــــــدا
شهيقــــاً أبى أنْ لا يعــود تنهُّــــــدا

حُلمٌ يطفو بريشِ ملاك

الأمنياتُ رصيفٌ … والرؤى سَفَرُ
من أوّلِ الحبِّ قلبي كان ينتظرُ

من أوّلِ الشوقِ كان الدّربُ يُومئُ لي
وكنتُ أبصرُ مالا يُدركُ النّظرُ

أمضي إليك وشِعري بعض أمتعتي
ومن ورائي تسيرُ الشمسُ والقمرُ

نمضي ..ومن خلفنا الأنهارُ تعرفنا
“والخيلُ والليلُ والبيداءُ “*والزّهَرُ

العاشقون على أبوابكَ ازدهروا
والشانئون بكفِ الريح قد نُثروا

أنت الطريقُ.. ومعنى السيرِ.. “هيتَ لنا”
لنعبر الغيبَ فيمن بالهوى عبروا

حُلمي أصابعُ غيمٍ ..لهفتي ودقٌ
أطفو بريشِ ملاكٍ ثم أنهمر..

أضمّ بين كفوفي ما تفايض من
غناءِ حوريةٍ بالنورِ تستترُ

عيناي رقصُ فراشٍ في حقول سنًا
عيناك منبعُ ضوء ..حيث أنصهرُ

أفنى ..وأخُلَقُ في نارِ الهيامِ وما
غير التّوحُدِ لي في المنتهى وَطَرُ

لا شيء يُشبهُ وجهي حين ترمقني
أعلو ..أطيرُ ..أغني ..تُومضُ الصورُ

ما كنتُ إلا ترابا منك بي عبقٌ
لولاهُ ما اخضرّ قلبي وادّلى ثّمرُ

لولاهُ عمريَ فانوسٌ بلا لهبٍ
لولاهُ قلبي جبٍّ.. خفقتي حجرُ

لولا جمالكَ هل لي في الجمالِ هدىً
ويوسفٌ حين يستجليكَ ينبهرُ

ولو زليخة تدري عنكَ ..عن ولهي
بكت عليّ طويلا ..كيف أصطبرُ

أرسلتُ هدهدتي حتى تجيءُ بما
يشاعُ عنك ..فلا حِسٌّ ولا خبرُ

مزّقتُ أقمصة الأشعار ..بحتُ بما
تشي لحوني ..حتي أُذْهِلَ الوترُ

كمثل مريم هزّت جذع نخلتها
أهزُّ خصر سمائي تسقطُ الفِكَرُ

كما تحيكُ عروسُ الفجرِ طرحتها
كما يُرتّلُ غيمَ المشتهى مطرُ

كما عذارى النجومِ الغافيات
على بروجها لَهَفًا ..والتوقُ ينفجرُ

وقبلةٌ من شفاهِ الوحي تُوقظها
تشفّ أحداقها ..والوهجُ يُبتكرُ

كطفلةٍ باتساعِ الكونِ ضحكتها
في ثغرها بلبلٌ.. في كفها شجرُ

أو مثل ناسكة تخلو بصومعةٍ
حيطانها مرجُ البحرين والدُّررُ

لا لهو يُشغلها ما دمتَ شاغلها
سكرى وإن لم تذُق خمرا ..وتَذّكِرُ

سبحان نورك خرّ القلب مُنصعقا
=لما تجليتَ= حتى كدتُ أنشطرُ

“حسينُ ” يا ليتني ذرٌّ يحُوم على
شباّكِ قبركَ.. أو بين الخُطى مَدَرُ

دعني أبوحُ وهل في البوح متسعٌ
حبي مُعَلّقةٌ لو كنتُ أختصرُ

خذني بقربكَ ..-عينُ الله شاهدةٌ-
تنور شوقيَ بالطوفان يستعرُ

وصفحتي بدموعِ الحبرِ مورقةٌ
في كل مأتم وردٍ للندى أثرُ

دعني أنوحُ كما نوح الحمامِ على
زنديكَ حين يقولُ الحزنُ ..: لا وَزَرُ

دعني ألملمُ عشقي كل أمتعتي
خذني بكلّيَ لا تُبقي ولا تَذَرُ

إني عجلتُ لترضى خُذ بقافيتي
من أولِ الشّطر قلبي كان ينتظرُ

بِعَيْنَيكَ سَماءٌ ثامِنة

بِعَينَيكَ أَمْ في أَعْيُنِ اللَّحظةِ التَّعْبَى
وَيَستَيقِظُ الفَجرُ النَّدِيُّ مُعانِقاً
تُعَلِّقُ نَهراً في سَماواتِكَ التي
تُرَتِّبُ مِن نَزْفِ الجِراحِ مَدِينةً
وتَمسَحُ أَجفانَ النُّجُومِ التي هَوَتْ
عَلَى شَفَتَيكَ الحُلْمُ كَوَّرَ قُبلَةً
تَجِيءُ لَكَ الأنهارُ مِن خَلْفِ شَوْقِها
يُشاطِرُ نَبْضَاتِ القلُوبِ غَرَامَها
فَسُبحانَ مَوْجَ العِشقِ في كُلِّ بُقْعَةٍ
وألبَسَ رَمْلَ الكَونِ أبهَى عَباءَةٍ
فيا مَن جِهاتُ الحُبِّ طائِعَةً أَتَتْ
تُطِلُّ بِضَوْءِ الحَقِّ إذ تَرْفَعُ السَّما
تَفتَّحَت الأكمامُ في كُلِّ خُطوَةٍ
فَتَخشَعُ أبصارُ النَّخيلِ وَتَنحني
هُنا خُطُوَاتُ الأنبياءِ تَقاطَرَت
وفي لَحظةٍ رَفَّتْ عَصافيرُ دَمْعَةٍ
ولَمْ يَبتَلِعهُ الذِّئبُ لَكنَّ أنفُساً
هُنا رافَقَ الشَّيخَ الكَظيمَ بُكاؤُهُ
هُنا قَلبُ أمٍّ يجرَحُ الهَمُّ رُوحَها
ولَمَّا عَراها الخَوفُ بَعدَ مَخاضِها
وأيُّوبُ حينَ استَعتَبَ الدَّهرُ قَلبَهُ
وآدَمُ لَمَّا استَحضَرَ الطَّفَّ نادِباً
مَشاهِدُ بَوحِ الدَّمْعِ لمَّا تَناسَلَتْ
مَرافِئَ للألحانِ كانَت ولَم تَزَلْ

عَلَى كَتِفَيَّ الصُّبحُ يُجْهِشُ باكِياً
تنَفَّسَنِي مِن كربلاءَ هَوَاؤُها
ومِن صُورَةِ العَبَّاسِ كَوَّنتُ لَوْحَتي
كَأَنَّ خَيالَ النَّهرِ تَحتَ رُمُوشِها
حَمائِمُ يَومِ الطَّفِّ حَطَّتْ بِشُرفَتي
أنَا يا أَبِيَّ الضَّيْمِ زَوْرَقُ قِصَّةٍ
حياةً عَلَى أضلاعِها الظُّلْمُ رَابِِضٌ
مَعي في ظلامِ اللَّيلِ مِشكاةُ زَينبٍ
أَلَيسَت دِماءُ الطَّفِّ نَبْضَ مَحابِري
بَلَى إنَّ نَزْفَ الجُرحِ أَبلَغُ سُورةٍ
تَفيضُ خَيالاً يَمنَحُ الرُّوحَ دِفْءَها
بِأورِدَتي يَنْمُو الحَنِينُ شَواطئاً
وَفِي سَلَّتي عُمْرٌ نََذَرتُ فُصُولَه
فَكَم “عاشِرٍ” في الصَّدرِ أَرْخَى جَناحَهُ
وَكم عَبرَةٍ أَجرَت شآبيبَ لَهْفَةٍ
مَنَحتَ إلَى الجَنَّاتِ زَخَّاتِ شَهْدِها
ومَبدَؤُكَ الحُرُّ الذي اخضَرَّ عُودُهُ
بَعَثتَ إِلَى الأحرارِ في كُلِّ مَكمَنٍ
شَمَمْـتُكَ إِحساساً بِأعماقِها نَمَا
أرَى كُلَّ يَومٍ فِيكَ مَعنىً يَشُدُّني
وَلِي فِيكَ أنْ أَحْيَى خُلُوداً مُعَتَّقاً
وأزمِنَةً لِلآنَ ما شَاخَ عُودُها
لَها نَسمةٌ خَجْلَى تُعاقِرُ لَحنَها

نَفَختَ بِصَلْصَالِ القَصيدَةِ رُوحَها
مُحَيَّاكَ يَتلُو النَّورَ والدَّمعُ هاطِلٌ
يَـتَامَاكَ يَنْدَاحُ الحَنينُ بِظِلِّها
تُخَبِّئُ في أَحْداقِها حُمْرَةَ السَّما
وَأيُّ اشتِهاءاتِ البُكاءِ بَدَتْ لَها
صِغارَ دُمُوعٍ أرضَعَـتْها عُيُونُها
فيا هَل أتَى حِينٌ من الحُزْنِ لَم يَكُنْ
ويَستَلُّ مِن شَجْوِ المَسَاءَاتِ صَوتَهُ
عَلَى وَتَرِ الأشجانِ يَسْحَبُ قَوْسَهُ
بِصُحْبَتِهِ تَهمِي الكَواكِبُ حَسرَةً
ألا يَا نَبِياً فَسَّرَ الحُلْمَ جُرْحُهُ
ويا حامِلاً ذِكرَى قَمِيصٍ مُخَضَّبٍ
دِماؤُكَ مُذْ سالَت تَضَوَّعَ مِسْكُها
بِسَحْنَتِها قَد أذَّنَ العَدْلُ مُشْرِقاً
أتَظمأُ والإحساسُ يَنثالُ طامِياً
مُحَمَّلَةً بالحُبِّ رُوحُكَ أحرَمَتْ

أَجِيئُك والبُلدانُ تَسْرِي بِمَوْجَتي
سَلامي كَما الأمطارِ يَعبُرُ ساقِياً
وَأُمِّي سَماءٌ أَثخَنَتْها دُمُوعُها
تَدَفَّقْتُ بَحْراً والفِداءُ سَوَاحِلِي
رَبَوْتُ وحَاءُ الحُبِّ تَلْتَفُّ في دَمِي
وَثَارَ صَهِيلُ الحَرفِ بَينَ أضَالِعي
ومَدَّتْ لِيَ الصَّحراءُ كَفَّ وَلائِها
ومُذْ لامَسَتْ عَيْني دُمُوعَ سُكَيْنةٍ
تَيَقَّنْتُ أَنَّ الحُزْنَ يَفتَحُ بابَهُ
وَيَترُكُ مِلحَ الدَّمعِ في قاعِهِ الذي
أعَدَّتْ لِيَ الأطوادُ مُتَّكأً هُنا
دُمُوعِي غَفَتْ بَيْضَاءَ فَوْقَ دَفاتِرِي
إذا ما أنا استَنَسَبْتُ للشَّمسِ أَسطُرِي

بِعَينَيكَ طِفلُ الغَيثِ يَرقُدُ وادِعاً
ويَرْوِي إلَى الأَجيالِ عَنكَ حِكايةً
وإنْ حَلَّ خَطْبٌ أرَّقَ الزَّهْرَ وَقْعُهُ
وفي زَمَنٍ تَعْوِي ذِئابُ حُرُوبِهِ
وَأَنْ تُورِدَ الإنسانَ عَذْبَ أَمانِهِ
بَعَيْنَيْكَ يَرْقَى يا حُسَينُ يَقينُنَا
وتَصنَعُ فُلْكَاً طَرَّزَتها قُلُوبُنا
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*

*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*

*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*

*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*
*

*
*
*
*
*
*
* تُصَلِّي دُموعُ اللَّيلِ نافِلَةَ القُربَى
أَزاهيرَ أجسادٍ تَوَسَّدَتْ التُّرْبا
ضَمَمْتَ بِها الأحبابَ والأَهْلَ والصَّحْبا
جَدائِلُها النُّورُ الذي زَخرَفَ الدَّربا
تَضُمُّ بُدُوراً أصبَحَت لِلقَنا نَهْبا
تَصُبُّ اعتِذارَ الماءِ مِن عَيْنِها صَبَّا
وَماءُ الهَوَى المَمزوجُ بِالجَمرِ قَدْ شَبَّا
ويَجذِبُها نَحوَ اشتِعالاتِهِ جَذْبَا
حَناجِرُها صَوْتُ الإباءِ الذي لَبَّى
فكانَ لأَغصانِ الفِدا مَرْتَعاً خِصْبَا
إلَيكَ بِنَبْضٍ لَحنُهُ يَنضَحُ القَلبَا
فَتَسْتَنهِضُ الأفلاكُ مِن ضَوْئِكَ الشُّهْبَا
تُمَرِّرُها لِلغَيْمِ كَي تَمسَحَ الجَدْبا
وُرُودُ ارتِعاشٍ أحمَرٍ يَفْتِنُ العُشبَا
وراحَتْ مَعَ العُشَّاقِ تَستَقرِئُ الغَيْبا
علَى وَجْنَةِ الطِّفلِ الذي أُودِعَ الجُبَّا
إذا سَوَّلَتْ أَوهامَها استَعمَلَتْ ذِئبا
وَمِنديلُهِ المَبلولُ قَد صادَقَ الهُدْبا
إِلى نَخلَةٍ آوَتْ وَهَزَّت بِها سَغبَى
لها أَطلقَ الرَّحمنُ مِنْ أَمنِهِ سِربَا
لَهُ مِن دُمُوعِ الصَّبرِ قَد أهرَقَ العُتبَى
تَهاطَلَت الدُّنيا تُشاطِرُهُ النَّدْبا
سَكَبْتَ علَى أوتارِها الشَّرْقَ والغَربَا
تُخَبِّئُ في أَعماقِها الأُفُقَ الرَّحبا

وَيتلُو مِن الأشعارِ ما يُشبِهُ الحُبَّا
وعِطرُ أحاديثِ النَّدَى في دَمِي انصَبَّا
وَإيثارُهُ المَعهودُ كانَ لَها رَبَّا
يَسُحُّ دُمُوعاً تُترِعُ المَوقِفَ الصَّعبَا
فَأَلقَيْتُ مِن قَلبي لها المَاءَ والحَبَّا
بِها سافَرَت كُلُّ النُّفوسِ التي تَأْبَى
فَتَبَّ اغتِرابُ الرُّوحِ في عَيْشِِها تَبَّا
وألفُ نَبِيٍّ وَحْيُهُ ثَورَةٌ غَضْبَى
وإيقاعَ قَلبٍ هائِمٍ يُدْمِنُ القُرْبَا
إِذا ضاقَ صَدْرُ الشِّعرِ خَفَّفَت الكَرْبَا
ويَغرِسُ في أنحاءِ أَوجاعِها الطِّبَّا
وَأمواجُها عَن تُربَتي تَغسِلُ الذَّنبَا
لِمِيقاتِ يَومٍ دامِعٍ يَأسِرُ اللُّبا
وَلامَسَ فِي نَبْضِ الجَوَى صَوتَكَ العَذبَا
إلَى جَنَّةٍ مِن مائِها القَلبُ قَد عَبَّا
نَسَجتَ لها بالضَّوءِ مِنْ كَربَلا ثَوْبَا
مَتَى دارَت الأمجادُ كانَ لها قُطبَا
سَلامَ نَسِيمٍ مِن ثُرَيَّاكَ قَد هَبَّا
وَأنضَجَ في غَيْماتِ مَوَّالِها صَوْبا
ويَسقِي عُرُوقَ الرُّوحِ مِن كَأْسِهِ نَخْبَا
وَنَفْحَ عَبِيرٍ خالَطَ الهائِمَ الصَّبَّا
ولَم يَشتَعِلْ رَأسُ اختِلاجاتِها شَيْبَا
وتَبني بِهِ أعشاشَ تَرنِيمَةٍ تَصْبا

وَنُطْفَةُ ضَوْءِ الشِّعرِ أسكَنْتَها الصُّلْبَا
كَأنِّي بِهِ عَن حالِ مَن سافَرُوا نَبَّا
ويَغرَقُ في أنفاسِها حِينَما تُسبَى
تُلَوِّحُ للرَّكْبِ الذي فارَقَ الرَّكبَا
حَنانَ ضَميرٍ مُرهَفٍ طالَما رَبَّى
علَى أنجُمٍ قُربَ الفُراتِ قَضَت نَحْبَا
بِهِ يَنصِبُ البَدرُ العَزاءَ لَهُم نَصْبَا
كَما يَنتَضِي مِنْ ضَوْئِهِ سَيفَهُ العَضْبَا
ويَزرَعُ في ألحانِهِ غُصنَهُا الرَّطْبَا
وَتَنزِفُ مِثلَ الجَمرِ لَوْ جَمْرُهُ أَكبَى
ونَبَّأَ رَبَّ الدَّارِ ماذا بِها خَبَّا
تَرَى الحُقْبَ في مِعراجِها يَتْبَعُ الحُقْبَا
بِحُرِيَّةٍ قَدْ أَعلَنَت نَفسَها حِزْبَا
وَذابَ بِها الأحرارُ يا سَيِّدي ذَوْبَا
ومِنْهُ الضَّمِيرُ الظَّامِئُ استَعَذَبَ الشُّرْبَا
ونَحْوَ ضِياءِ اللهِ قَدْ هَرْوَلَت وَثْبَا

ونارِي حَنِينٌ في دَمِ الكَوْنِ قَدْ دَبَّا
يُهَيَّءُ للرَّيْحَانِ في حَقْلِهِ الصَّهْبَا
ومَا نَكَبَتْ عَن دَرْبِها مَرَّةً نَكْبَا
فَيا لَيْتَني قُطِّعْتُ دُونَكُمُ إِرْبَا
وَما زِلْتُ في أَحضَانِ أحلامِها أَرْبَى
إِلَى لُغَةٍ بالسَّوطِ قَد أُوْسِعَتْ ضَرْبَا
تُعَبِّئُ في صَيْحاتِها الرَّمْلَ والكُثْبَا
عَليها بُكاءُ الَّلْيلِ بالحَسْرَةِ انكَبَّا
لِقَلبٍ جَرِيحٍ بَعْدُ لَمْ يَرتُقْ الثُّقبَا
بِهِ لَملَمَ الأشلاءَ والنَّوْحَ والسَّكْبَا
فَذَوَّبْتُ مِلْءَ الدَّمعِ جُلمودَها الصُّلبَا
تَماماً كَكَفِّي حِينَ أَسلِكُها الجَيْبا
رَجَعْتُ لِعَيْنٍ شَرَّفت أدمُعي نَسْبَا

وَيَمنَحُ مِن أحلامِهِ للإِبَا شَعبَا
مَصَابِيحُها تُزْجِي لِقَلبِ الفَضا السُّحْبَا
مَنَحْتَ لهَا بِالحُبِّ ما يَكشِفُ الخَطْبَا
وَدَدْتَ بِحَقِّ النَّحرِ أَنْ تُطفِئَ الحَرْبَا
وتَمنَعَ عَنْ شُطآنِهِ الخَوفَ والرُّعبَا
سَماءً بِحُزْنٍ ثامِنٍ تَشرَبُ الحُجْبَا
وتُبحِرُ بِاسمِ اللهِ شَوْقاً إِلَى العُقْبَى

موجةٌ من سُلالة(لا)

حسبي من الكلماتِ الحُمْرِ مقتطفُ

أدغمْتُ عَبْرَهُمَا روحي مُصاهَرَة

وقلتُ : يا نارُ كوني الآن قنطرَةً

قد ترتمي أحرفُ الدُّنيا مُعَوَّقَةً

يا شذرةً من قواميسِ النِّضالِ زَهَتْ

هِيَ اشتعالُ زفيرٍ , وامتدادُ رؤى

سحابةٌ تحملُ التاريخَ في دَمِهَا

من الأذانِ أطلَّتْ من قداستِها

تلاحَمْتْ صُورٌ شتَّى لهيبتِهَا

كانتْ على شكلِ فأسٍ حينما انهمرتْ

والفلسفاتُ أحاطتْهَا بأعينِها

وعندما احتضنتْ ثغرَ الحسينِ غَدَتْ

ما قالها فيضَ أهواءٍ مبعثرةٍ

الرفضُ أحفورةٌ في بطنِ أزمنةٍ

والرفضُ زلزلةٌ محَشْوةٌ فزعًا

ما اخترتُ إلاكَ يامولايَ مُنْعَرَجًا

مَزَّقْتُ أوراقَ تقويمِ الخريفِ لكي

لا أقبلُ الوَقْتَ ساعاتٍ محنطةً

يحلو المسيرُ إليكَ , القلبُ بوصلتي

وأنتَ ذاتي .. مسافاتي مُعَبَّاةٌ

يا أيُّها الوَتَرُ المرُْخَى على هُدُبي

جسمي وثوريّةُ الإيقاعِ مُتَّحِدٌ

خلقتُ أبيضَ , والنسرينُ مُعْتَقَدِي

والطفُّ مائيَّةُ الأسرارِ , يا عجبًا

يا مَنْ تزيَّا بأقداسٍ مُطَرَّزَةٍ

هذي النخيلُ التي في جوفنا انغرستْ

والبحرُ ينحازُ للثٌّوارِ مُنتفضًا

ما يومُك الملتظي يومًا نكابدُهُ

بل نقطةُ البدءِ تكوينًا وبسملةً

ننمو مع الطفِّ أعراقًا مُشَجَّرَةً

ميلادُنا حيثما تنهلُّ صاعقةٌ

حتى إذا ما احتوانا حضنُ مَدْرَسَةٍ
حرفانِ في كربـ (لا)ءَ : اللامُ والأَلِفُ

حتَّى تماهى بذاتِ الجمرةِ التَلَفُ

إلى السماءِ التي يفتضُّها الشَّرفُ

لكنَّ (لا) بشموخٍ واثقٍ تَقِفُ

وخيرَ ما أجَّجَتْهَا الألسنُ / الصُّحُفُ

مازالَ منها صدى الأحرارِ يغترفُ

طافتْ بأسرارِ من ضَحُّوا وَمَنْ نَزَفُوا

شهادةً برؤى التوحيدِ تعترفُ

أيقونةٌ عن طيوفِ الكونِ تختلفُ

أيدي النَّبيينَ , والأوثانُ تنكسِفُ

كأنَّها لؤلؤٌ قدْ ضمَّهُ صَدَفُ

حقيقةً في مُصَلَّى الفِكْرِ تعتكفُ

بل خطَّهَا فكرةً تسمو بها الغُرَفُ

من ذا يرى بُعْدَهَا النائي ويكتشفُ ..؟

فالصَّولجانُ معَ التيجانِ يرتجف

حتَّى تبسَّمَ لي في أفقِهِ الهَدَفُ

أراكَ خلفَ المدى .. تزهو وتزدَلِفُ

ولنْ أراكَ إذا لم تخْشَعِ السُّقُفُ

وملءُ زوَّادَتي الأشواقُ والشَّغَفُ

بالمستحيلِ , وبالآلامِ تنرصِفُ

لحنْتُ رؤياكَ حيثُ النُّورُ ينعزفُ

وجهي بسيماءِ طينِ النَّارِ يتَّصِفُ

لكنَّ بي غيمةٌ سوداءُ تلتحِفُ

سيَّان أظمأ في الذِّكرى وأرتشفُ

سِحْرًا توحَّدَ فيكَ الطَرْفُ والطَّرَفُ

تسمو إليكَ , وها جنحانها / السَّعَفُ

مدًا إلى جهةِ الأحداثِ ينعطفُ

ريحًا تهبُّ علينا ثمَّ ننجرفُ

كأنَّنا الآنَ في تاريخنا نُطَفُ

مَهْمَا اختلفنا فبالأشجان ِنأتلفُ

وأينما ترتمي الأهوالُ والكِسَفُ

ننسى الحروفَ , وتبقى اللامُ والألفُ

بَسْمَلَةُ الرَّأسِ المَرْفُوع

بِصَفْحَةِ الخَدِّ حُزْناً يُوْرِقُ البَلَلُ
فَالدَّمْعُ نَايٌ وَأَهْدَابُ الزَّمَانِ فَمٌ
تَوَضَّأَ الجُرْحُ مِنْ بَاقَاتِ نَرْجِسِهِ
وَكَرْبَلاءُ صَهِيلُ النَّزفِ يُثْخِنُهَا
يَجِيشُ بِالخَطْوِ حُزْنٌ سَاخِنٌ أَبَداً
رغماً عَن المَوْتِ يَنْسَلُّ البَقاءُ مَدىً

تَظَلُّ يَا عُنْفُوَانَ اللهِ فِي ظَمَأٍ
أَنْهَارُ ضَوْئِكَ تَجْرِي فِي عَوَالِمِنَا
يَا بِسْمِ رَأْسِكَ فَوْقَ الرُّمْحِ مُرْتَفِعاً
حَدَّ الثّمَالَةِ يَوْمُ الطَّفِّ أَتْرَعَنَا
مُدَجَّجِينَ بِأَقْمَارٍ نَوَاظِرُهَا
هُنَا الثُّرَيَّا لَهَا فِي كَرْبَلا زُحَلٌ

ضُلُوعُكَ الْـوُسِّدَتْ يَنْدَى الغَمَامُ لَهَا
وَفِي الحَشَاشَةِ يَعْلُو السَّهْمُ مِئْذَنَةً
عَيْنَاكَ سَوْسَنَتَا حُلْمٍ يُدَاعِبُهُ
تَهْفُو إِلَيْكَ شِفَاهُ الغَيْمِ حَامِلَةً
ويُرْسِلُ الفَجْرُ مِنْ أنْوَارِهِ كَفَناً
أنَّى تُكَفَّنُ شَمْسٌ سِرُّ جَذْوَتِهَا

تَفْنَى الرِّمَاحُ إذَا أَدْمَتْ غطَارِفةً
إِنْ يَنْقُض العَهْدَ أَهلُ الغَدرِ ذاتَ شَجىً
كَمْ ذَا دَقَقْتَ نَوَاقيسَ الشُّمُوخِ أَباً

أَصَابِعُ القَلْبِ خَطَّتْ فِيَّ زَغْرَدَةً
صَلاةُ زَينَبَ مِرْآةٌ لِدَمْعَتِها
عَبَّاسُ هَبَّ نَسِيماً في تَشَهُّدِهَا
تَطْفُو سُكَيْنَةُ في التَّسْبيحِ واهِنَةً
يُحَلِّقُ الدَّمْعُ عُصْفُوراً بِوَجْنَتِهَا
وأيُّ دَمْعٍ عَلَى الرَّمْضَاءِ تَسْفَحُهُ

لا تُخْطِئُ العَيْنُ يَا مَولايَ خَارِطَةً
كَأَنَّهَا مَكَّةُ المَوْجُوعُ خَاطِرُهَا
مِنْ طُورِ سَيْنَائِهَا الأشْجَارُ قَدْ خَرَجَتْ
يَطُوفُ رَيْحَانُهَا فِي الأُذْنِ قَافِيَةً
وفِي الطَّرِيقِ إِلَيْهَا يَنْثَنِي بَرَدَى
هُنَا خِيَامُ بَنَاتِ الوَحْيِ مَاثِلَةٌ

تَشَكَّلَ الطِّينُ دَمْعاً حِينَ خُيِّلَ لِي
نَحْرُ الرَّضيعِ بَدَا صَدْراً تُرَضِّضُهُ
هُنَا تمَاهَت جِرَاحَاتٌ فَكَانَ بِهَا
بِكُلِّ رَجْفَةِ قَلْبٍ غُرْبَةٌ وَأَسىً
تَبْيَضُّ عَيْنَايَ حُزْناً، سُحْنَتِي وَجَعٌ
مَحَارَتِي الحُزْنُ وَالسَّجَادُ لُؤْلُؤُهُا
يُسَاوِرُ الطِّيبُ قَلْباً كَانَ سَيِّدُهُ
بِهِ ضَمِيرُ الأقَالِيمِ التي عَرَفَتْ

ضَمَّدْتَ فِيَّ جُرُوحَ الكِبْرِيَاءِ لِذَا
خُطَايَ حبْلَى بِمَجْدٍ أنتَ زارِعُهُ
تَلاطَمَ الحَرْفُ في بَحْرَيْكَ وَانْطَلَقَتْ
يَا لا نِهَايَةَ حُبِّي طِبْتَ فَيْءَ هُدىً
بِكَ الجَمَالُ فَيُحْكََى أَنَّ كُوَّتَهُ
أَنَا بِلادٌ سَقَاهَا الحُبُّ أَخْيِلَةً
بِحُلْكَةِ الليلِ طَوْرُ البَوْحِ يُؤنِسُني
تُنَهْنِهُ الدَّمْعَ في عَيْنٍ يُؤَرْجِحُهَا
كُلُّ الجِهَاتِ سَرَابٌ في مَحَاجِرِنَا
كَذَاكَ أنتَ بِأَشْهَى العِزِّ مُقْتَرِنٌ
كَأنَّنَا الرَّمْلُ وَالذِّكْرَى سَوَاحِلُنَا

  يُضِيفُ صُبْحاً جَدِيداً نَبْضُهُ الأَمَلُ
وَدَافِقُ الحُبِّ مِنْ مَعْنَاكَ يَشْتَعِلُ
وَكَانَ لِلْعِطْرِ مِنْ قُبْلاتِهِ رُسُلُ
فَالعَابِرُونَ مَسَافَاتِ الهَوَى وَصَلُوا
وَآيَةُ القَلْبِ جُرْحٌ لَيسَ يَنْدَمِلُ
عَلَيْهِ عُشَّاقُ أَهْلِ البَيْتِ قَدْ هَطَلُوا

لِرَافِدَيْ ضَوْئِكَ الأَحْدَاقُ وَالمُقَلُ
حُنُوَّ كَفٍّ عَلَى المَفْجُوعِ تَنْسَدِلُ
يَسْمُو إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ يَبْتَهِلُ
فُصُولَ مَاءٍ بِهِ الأَرْوَاحُ تَغْتَسِلُ
تُغْضِي إِذَا لاحَ فِي بُرْجِ الهَوَى زُحَلُ
مَدَارُهُ قِبَبٌ بِالنُّورِ تَكْتَحِلُ

ظَلَّتْ تُسَامِرُ طَيْفَ الصَّحْبِ مُذْ رَحَلُوا
والنَّاسُ فِي ثَوْبِ تَكْبِيرَاتِها رَفَلُوا
تَوَرُّدُ التُّرْبِ إذْ تُهْدَى لَهَ القُبَلُ
بُستَانَ مَاءٍ لِعَيْنِ الغُسْلِ يَمْتَثِلُ
بِهِ الجَلالُ عَلَى الأَعْضَاءِ  يَشْتَمِلُ
مِنْ نُورِ أَعْظَمِ عَرْشٍ حَوْلَهُ شُعَلُ

تَنُوحُ دَهْراً عَلَيْهَا البِيضُ والأَسَلُ
فَفِي وَفائِكَ دَوْماً يُضْرَبُ المَثَلُ
عَلَيْهِ كُلُّ إِبَاءٍ بَاتَ يَتَّكِلُ

تَنُوسُ غُصْناً بِجُنْحِ الليْلِ يَنْتَفِلُ
لِكُلِّ مَرفَأِ وَجْدٍ مِنْكَ يَنْهَمِلُ
فَزَمَّلَ الكَوْنَ نَحْراً دَمُّهُ ظُلَلُ
تَقُدُّ بَسْمَتَها الأوْجَاعُ وَالوَجَلُ
سَكرَى وَمَحْجَرُهَا مِنْ شَجْوِهَا ثَمِلُ
عَيْنُ الفُراتِ وَيَحْدُو جَرْيَهُ الخَجَلُ

عَلَى تُخُومِ هَوَاهَا يَنْبُتُ الغَزَلُ
بِهَا الحَجِيجُ غَدَاةَ الجُرْحِ قَدْ نَزَلُوا
ودُكَّ مِنْ غُصَّةٍ فِي حَلْقِهَا جَبَلُ
تَزْهُو عَلَى جِسْمِهَا الأبْرَادُ وَالحُلَلُ
والنِّيلُ يَكْسُوهُ خَطْبٌ فَارِعٌ جَلَلُ
لَهَا بِكُلِّ فُؤَادٍ خَاشِعٍ طَلَلُ

أنَّ السِّهَامَ بِنَحْرٍ لَيْسَ يَحْتَمِلُ
حَوَافِرُ الخَيْلِ حَتَّى يَهْجَع البَطَلُ
صَدَى المَشَاهِدِ قَبْلَ الصَّوْتِ يَنْتَقِلُ
مِثْلَ البَراكينِ وَسْطَ الصَّدْرِ تَعْتَمِلُ
أنَا الكَظِيمُ بِبَحْرِي فُلْكُ مَنْ ثُكِلُوا
وَمنْ مَسَارِبِ دَمْعِي يُطْرَدُ الكَلَلُ
حُبُّ الحُسَيْنِ الذي مَا انفَكَّ يَحْتَفِلُ
أنَّ المَلايِينَ مِنْ خَيْرَاتِهِ  نََهَلُوا

مِنْ كُلِّ صَرْخَةِ عِزٍّ يُوْلَدُ العَمْلُ
والانْتِصَارُ رَبيعُ الخَلْقِ مَا بَذَلُوا
حَمَائِمُ الشِّعْرِ وَجْهاً طَرْفُهُ جَذِلُ
فَمَا مقَامُكَ إلا حَيْثُ يَكتَمِلُ
فَتَحْتَهَا وَارْتَوَتْ مِنْ حَوْضِها المُثُلُ
وَكُلُّ دَفْقَةِ شَوْقٍ مِنْ دَمِي دُوَلُ
وَليسَ لِي عَنْكَ إنْ فَرَّ الكَرَى بَدَلُ
نَصْلُ السُّهَادِ إذا ضَاقَتْ بِهَا الحِيَلُ
وَمُذْ قَصَدْنَاكَ مَا تَاهَتْ بِنَا السُّبُلُ
وَفِي مَرَاتِعِهِ أيَّامُنَا الأُوَلُ
وَالبَحْرُ أنْتَ بِكَ الآفَاقُ تَتَّصِلُ