المركز 7: قصيدة (صرخة الخلود) / ألبير ذبيان (سوريا)

صرخةُ الخلود

للشاعر / ألبير ذبيان (سوريا – دمشق)

أعيدا عليَّ الحزنَ بعدَ التَّجمُّلِ
بذكرى حبيبٍ غابَ عنِّي ومنزلِ
*
وقفتُ على أطلالهِ بينَ دارسٍ
ومَحٍّ سِوى ما بانَ محضَ تخيُّلِ
*
بشطِّ فراتٍ فاضَ عذباً معينُهُ

سعى ماؤهُ رَيَّاً لغادٍ ومُقبلِ

*
أرى حسرةً في شجوها قد توقَّدت
بجذوٍ صلى قلبَ الصُّخورِ المعطَّلِ
*
يُعيدُ هبوبُ الرِّيحِ أشلاءَ صوتِها
عميقَ الشَّجا يوحي بأمرٍ مجلجلِ
*
عليهِ معَ الأرزاءِ همٌّ ووطأةٌ
بأنٍّ أراقَ الوجدَ يغلي كمرجلِ
*
قفا نقتري دمعاً لمن جفَّ جفنهُ
وما خلتُ دمعاً مرَّ فيها بمُمْحلِ

*

ديارٌ عفاها الراحُ وابتُزَّ أمنُها
صُروفاً على دهرٍ مَقيتٍ مدجَّلِ
*
أيا حادياً مرْ بي على همِّ أسرةٍ
تلظَّى وإحساسي بكربٍ مزلزلِ
*
فعفتُ الدُّنى رحبَ المضامينِ حاسراً
جوى القلبِ للأحزانِ بعد التَّوجُّلِ
*
تراءت لي الكُثبانُ أشباحَ من مضى
على الدِّينِ إخلاصاً وحيداً بمعزلِ
*
ذبيحاً على الرَّمضاءِ قد حُزَّ رأسُهُ
بأنصالِ فُسَّاقٍ الورى بتطوُّلِ
*
أيا أيُّها المكثورُ بالقتلِ إنَّما
أتيتُكَ ممهورَ المُنى بتأمُّلِ
*
عجبتُكَ لا بالعجبِ لكن بلهفةِ الـ
ـصّديِّ الحريقِ الجوفِ يحبو لمنهلِ
*
أُساقُ على جمرِ التَّولُّعِ شاخباً
أساريرَ أعماقي بدمعٍ مسبَّلِ
*
ذَهولاً تُراني أم شُغلتُ بهيبةٍ
إذا ما كواها القرحُ لم تتبدَّلِ
*
أناغى بأصنافِ الكرامةِ تارةً
وأدعى لنهجٍ بالفداءِ مكمَّلِ
*
فأبرقَ عيني من وميضِكَ معلمٌ
جلى ظلمةَ الأحزانِ بعد تليُّلِ
*
وحارت رؤى روحي بكنهكَ فارهاً
فريداً وما في الكونِ مثلكَ بانَ لي
*
مليكاً على عرشِ القلوبِ مكلَّفاً
بإحيائها بعد السُّباتِ وما يلي
*
فأسدلتُ كَشحاً نحو جُرحكَ فامتلا
بخاصِرةِ الإيثارِ جُرحي لكلكلي
*
وعاينتُ صدراً بالحوافرِ رضرضاً
سما فوقَ إيماضِ الشُّموسِ المكلَّلِ
*
تعالى على الهيهاتِ عزَّاً ملطَّخاً
بأحمرَ موفورَ الإباءِ المرمَّلِ
*
كأنَّ الثرى المخضوبَ حنَّ لوجنةٍ
على رمحها المصلوبِ بالغارِ تحتلي
*
ترامى مُحيَّا هامِها الغُرُّ سامقاً
بأفياءِ عرشِّ الرَّبِّ ينهالُ من علِ
*
مضيءً بَهيماتِ الدُّروبِ مقوِّماً
مساراتِها يتلو بذكرٍ مرتَّلِ
*
فأسلمتُ نفسي والمُنى دونَ غايةٍ
أشمُّ ثرى الأحرارِ فابتُلَّ مِحملي
*
وحِرتُ بدمعٍ خدَّدَ الوجنَ مُفعماً
بمذهولِ روعٍ خلتهُ لم يبلِّلِ
*
أراكَ وما بالعينِ غيرُكَ ماثلاً
تنادي وحيداً بينَ سيفٍ وجحفلِ
*
صرختَ فما للنَّاصرينَ توخِّياً
ولكن لنهيي عن هوايَ المضلِّلِ
*
تريقُ دماءَ الطيِّبينَ مضحِّياً
لئلا تكونَ النَّارُ والويلُ موئلي
*
دعوتَ إليكَ الموتَ حتى بعثتهُ
من الموتِ مشفوعاً بإحيائكَ الجلي
*
فما متَّ بل خُلِّدتَ في الكونِ مانحاً
مفاهيمَ نهجٍ للكرامةِ أمثلِ
*
وهيَّأتَ أبعادَ الخلودِ مغيِّراً
مضامينها حكماً بمجدٍ مؤثَّلِ
*
فلا هنتَ للأعداءِ طرفكَ شامخاً
شموخَ ابن بنت المصطفى خيرِ مرسلِ
*
تعيدُ إلى الدِّينِ الحنيفِ مقامهُ
سليماً قويماً من فجورِ التَّحوُّلِ
*
بعينِكَ رضوانُ الإلهِ قصدتهُ
شغفوفاً بقلبٍ بالحديدِ مسربلِ
*
تثورُ على الطُّغيانِ ثورةَ ضيغمٍ
أبى الذُّلَّ مقداماً بغير توجُّلِ
*
ففزتَ بما عند الإلهِ مكرِّماً
بنصركَ أهلَ الأرضِ بعدَ التَّذلُّلِ
*
أواسي جراحي قرب صبركَ لم أزل
كطفلٍ رضيعٍ دانَ بالعمرِ للولي
*
فما كنتُ؟ لولا أنتَ لاحترتُ خابطاً
بعشواءِ جهلٍ بالضلالةِ أمتلي
*
إلى أن غوتني بالبهاءِ منارةٌ
شرعْتَ الهدى فيها مصابيحَ مُفضلِ
*
فديتُ دماكَ الطَّهرَ والعظمَ مهجتي
وروحاً تعالت عن دنيءِ التَوسُّلِ
*
أطوفُ بمثواكَ الزَّكيِّ محمَّلاً
بتَهيامِ صبٍّ مولعٍ متبتِّلِ
*
وأصبو أضاميمَ البهاءِ تحلَّقت
عرينكَ أرجو في حِماهُ معوَّلي
*
تراودني الآمالُ ضمَّكَ شافياً
أنينَ جراحاتٍ  بقلبٍ مُثكَّلِ
*
وتحضُرني من مسِّ تُربكَ رِعدةٌ
تهزُّ كياني بالودادِ المبجِّلِ
*
لأنتَ وما إلاكَ للرُّوحِ مطلبٌ
تقرُّ بهِ سُكنى أمانٍ ومأملِ
*
فهبني أجلُّ الحرفَ فيكَ تقرُّباً
إلى الله والمختار والمرتضى علي
*
وأدمي جفونَ العينِ بالدَّمعِ حُرقةً
لفاطمةَ الزَّهراءِ أرجو تقبُّلي


سيرة ذاتية للشاعرة

·        من مواليد دمشق القديمة، سوريا.

·        يكتب الشعر بقالبه العمودي، وقصيدة التفعيلة، والنثر الفني.

·        مضامين شعره وطنية ودينية ووجدانية.

·        له مشاركات وقصائد منشورة في عدة منتديات وملتقيات إلكترونية أدبية.

 

المركز 6: قصيدة (سِفْرُ العطشِ العظيم) / زهراء أحمد المتغوي (البحرين)

سفْرُ العطشِ العظيم!

للشاعرة / زهراء أحمد المتغوي (الدراز – البحرين)

يا لاحتراقِ العطر

مذ ركضَ اليباسُ على فروعِ السوسناتْ

والأرضُ حُبلى بالصلاة

وحكايةٌ عطشى تفجّرها أخاديدُ الظما..

ويكادُ ينتحرُ المدى

ما بين ليت وربّما..

فعلى صريرِ البوحِ صمتٌ بالحقيقة همهما.

بالقيظِ تشتعلُ الدّماء

وبلحظة التدوين يحتدم البكاء

وتشققات الروح بحّ بها النداء

يا للعطش!

من ألف جرفٍ والقصيدة كربلاء

من ألف جرحٍ والنبوءة كربلاء

والشمس تحرق كل شيء

حتى الطفولة والملامح والشفاه..

في لوحة زيتية صفراء يعروها الشحوب

قسماتها السمراء في صمت تذوب

حممٌ كما التيهور تنذر بالحريق

حممٌ تفور

والعين توشكُ أن تغور

ويمرُّ فيها الوقتُ مخذولا ويعصفُ بالخيال

والحزنُ يعبثُ بالجمالْ

والمشهدُ القاسي كلامٌ لا يقالْ..

يا للعطش!

جفّت عروقُ القلبِ

والأوجاعُ تصرخُ في المكانْ

والوردُ يصفعه الدُّخانْ

والزنبقُ الذاوي بإثر البيلسان

تتهدّجُ الآهاتُ حشرجةً فتربكها احتمالاتُ السرابْ

وبخيمةِ الأطفالِ أفقٌ لا يرتّقهُ السّحابْ

بمسافةٍ مذبوحةٍ ما بين زينب والرباب..

طافت فؤوسُ القحطِ فوق غصونها والحلمُ ذاب..

والمهدُ أجدبَ

لم يعدْ يهدي الهلولو في خريفِ الانتحاب..

ولوردةٍ مثل الدّهانْ

من أرشد الصّبار يقطفها فينفرط الجمان ؟

ولمنفذ الضوء انبرى السهمُ الأثيم

وتكسّر الحلمُ النقيّ من الوريد إلى الوريد

واغتال ملحُ الشوكِ عطرَ الجلّنار

سال الدَّمُ القاني لتنقشه السماء

بخريطة السّفر القديم

فليستح الماء العقيم!

فليستح الماء العقيم!


سيرة ذاتية للشاعرة

·         شاعرة بحرينية و أم لأربعة أبناء ومحررة للقسم الأدبي لمجلة زلفى.

·         لديها بكالوريوس تربوي وتعمل كمعلمة أولى لمادة الرياضيات في المرحلة الثانوية.

·         لها ثلاثة دواوين (سيمياء الحلم، وبأي ذنب قتلت، وأهداب الريحان).

·         تأهلت في كثير من مسابقات الشعر، وشاركت في أمسيات أدبية في البحرين، والقطيف، والكويت، والعراق، وإيران.

·         نالت لقب “شاعرة الحسين” في الموسم الثامن للمسابقة (1437/2015م).

·        مدربة للتنمية الشخصية والتفكير الإيجابي واستراتيجيات التدريس ورعاية الموهوبين.

 

المركز 5: قصيدة (حديث مع الجسد المضرج بالحياة) / عبدالمجيد الموسوي (السعودية)

 

حديثٌ مع الجسدِ المُضَرَّجِ بالحياة

للشاعر / عبد المجيد الموسوي (السعودية – الأحساء)

( اَشْهَدُ اَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ وَاقْشَعَرَّتْ لَهُ اَظِلَّةُ الْعَرْشِ، وَبَكى لَهُ جَميعُ الْخَلائِقِ في السماواتِ والأرضيين  ما يُرى وَما لا يُرى )

وأراكَ …

كيفَ أراكَ ؟

لم أفهمْ ،

أأنتَ سقيتَ من عَطَشٍ

شِفاهَ الأرضِ عِرْفاناً

وأرخيتَ الوقارَ على الترابْ ؟!

أفأنتَ من أطعمتَ جوعَ الشمسِ

 من وَهَجِ انصهارِكَ يومَ أنْ ذابتْ دماؤكَ في هجيرِ الرملِ

من لَفْحِ اليبابْ  ؟!

أم أنتَ من أومأتَ للسُحُبِ الجريحةِ أن تُكَفْكِفَ دمعَها الدمويَ

رَغْمَ جنونِ هذا الطعنِ

 في كبدِ  السماءْ  ؟ !

عجباً أرى عجباً

كأنَّ النهرَ يزحفُ باتجاهِكَ ظامِئاً يشكو الهَجيرَةَ

ويكأنَّ الماءَ يشربُ من لظاكْ

وأراكَ مَكْلوماً

وقد شعَّتْ دماؤكَ من شُقًوقِ الأرضِ

يا للهِ أيُ دمٍ – تعالى باتجاهِ الخُلدِ ينزفُ من ملاكْ؟!

وأراكَ …. كيفَ أراكَ ؟

مُنْسَكِباً على شَفَةِ الفجيعةِ …

مثخناً جَنْبَ الفُراتِ ….

مُرمَّلاً بالدَّمِ

تَعْفِرُ في الترابِ

 تجودُ

تَهْمِسُ للرمالِ

وتَرْمُقُ الملكوتَ ترفعُ راحتَيْكَ مليئةً بالغيبِ  …….

من وحي الدماءْ ،

لَهْفي لثغركَ

ظامِئاً مُتَشَقِقاً ….

قد أنهكتهُ الشمسُ وهو يُحيْلُ هذي الأرضَ

نسريناً وريحاناً

وقد كانتْ فلاةْ

مازالَ يلهجُ موقناً باللهِ

يكسوهُ الثباتُ …

فكيفَ ينْكُثُهُ الظلامُ ويُسْتَباحُ من الطغاةْ

وكذا جبينكُ ذلكَ الوَهَجُ المُشِعُّ

يُضيءُ مخترقاً حجابَ الليلِ

كيفَ يَصُكُّهُ حجرُ الأسى

وترُضُّهُ حقداً حَصَاةْ  ؟ !

وهنا أرى سهماً

 وقد نَبَتَتْ بعينِكَ من شَقِيٍّ نَبْلَةٌ حَمْرا اسْتَحالَتْ شَتْلَةً خَضْرا تَجَلَّتْ واسْتَوَتْ حقلاً

 وكوناً من نباتْ

عجباً لقلبكَ

وهو يعزفُ وادعاً لحنَ العروجِ

مُتَيَّماً يَهْوى السَّماءَ

فكيفَ خاتلهُ المثلثُ

واستباحَ الطهرَ واغتالَ الصلاةْ ؟ !

وهُنا أراكَ …. وأنتَ  تُخْرِجُ ذَلِكَ السَّهْمَ المُثَلَّثَ من قَفاكْ ،

ودِماكَ تجري مثلَ مِيزابٍ هَمَى فرَمَيْتَها نَحْوَ السَّمَاءِ

فلم تَزَلْ في الخُلْدِ تَسْكُنُ

لا يُرى منها انْسِكابْ

وأراكَ مُتَّكِئاً …. بعَيْنِ اللهِ تَخْضِبُ وجنتيكَ ورأسَكَ المُدْمى وشَيْبَتَكَ المَهيبَةَ

من دماءِ النَّحْرِ ….

تَهْمِسُ : هكذا ألقاكَ يا رَبَّاهُ مَخْضُوباً قتيلاً ….. مُوقِناً ….. تجري كنبعِ الماءِ مظلوماً دِمايْ

وأرى جوادَكَ هائماً يبكي

يُحَمْحِمُ  غاضباً كالرَّعْدِ

مُنْفَجِعاً …

 يَدُكُّ الأرضَ من هولِ المُصابْ

يدنو قليلاً منكَ منبسطاً

 لِتَرْكَبَهُ ….. ليَقفُلَ راجعاً نحو الخيامْ

عجباً لصدرِكَ

بعد أنْ وطِئَتْهُ مسلوباً خيولُ البغي تَفْريهِ السنابكُ

وهو يلفِظُ طُهْرَهُ

 كيفَ استطاعَ بما حواهُ من السَّنا

 أنْ يملأَ الملكوتَ نوراً

 تزدهي منهُ الجهاتْ ؟ !

عجباً لخُنْصِرِكَ المُرَمَّلِ

كيفَ غادرَ جِسمَكَ المحفوفَ بالآياتِ

والأورادِ

 كيف يعافُ منفرداً

 شَميماً من أراكْ  ؟ !

ماذا يقولُ النحرُ

وهو مُرَمَّلٌ في اللهِ

 تَصْهَرُهُ الظهيرةُ شاخصاً للعرشِ

 قد أنهى طقوسَ القُربِ

مَحْزوزاً على نهرِ الفراتْ

عجباً لرأسِكَ وهو يتلو ما تيَسَّرَ من مَثاني الكهفِ مُبْتَهِلاً

يُذيبُ القلبَ

مرفوعاً على طرفِ القناةْ

يا أيُّها الجسدُ المُضَرَّجُ بالحياةْ ،

أفرِغْ علينا من بهائِكَ

 من عُروجِكَ

من فيوضاتِ الهوى ،

كي نُلْهِمَ الدنيا

ونفنى فيكَ

يا مَنْ علَّمَ العُشَّاقَ

أسرارَ الفناءْ

أمْطِرْ علينا من عِنانِ العرشِ عزماً

وانْتَشِلْ مِنَّا الهوانْ

ثمَّ اسْقِنا من وحي روحِكَ

من شموخِكَ،

من ثباتِكَ،

 من جمالِكَ،

نفحةً من عُنْفُوانْ


 

سيرة ذاتية للشاعر

·    مواليد الأحساء.

·    بكالوريوس في الأدب الإنجليزي.

·    حاصل على شهادة TESOL ، جامعة لندن، 1999م.

·    عضو نادي الأحساء الأدبي، والاتحاد العالمي للشعراء، ومنتدى الينابيع الهجرية الأدبي .

·    عضو إداري في منتدى ابن المقرب الأدبي بالدمام.

·    حاصل على المركز الأول في الشعر في مسابقة جائزة راشد بن حميد بالإمارات 2014م.

·    له ديوانان مخطوطان قيد الإعداد .

·    له مشاركات بفعاليات أدبية وأمسيات محلية وخارجية، ولقاءات على قنوات فضائية وإذاعية.

·    تُرجم له في: معجم شعراء الخلج، ومعجم شعراء وأدباء الأحساء، ومعجم شعراء منتدى الينابيع الهجرية الأدبي.


ملخص تعليق المحكّمين

المعقّب – الأستاذ زكريا يوسف رضي

من بين عدد من النصوص والقصائد الشعرية ذات النفس الشعري الحديث شكلا وبنية وصورة يقف هذا النص وتستوقفنا أيها الشاعر بلغة مدهشة ومؤثرة واستطعت باقتدار وتمكن من أن تجمع بين أمرين صعبين في الانقياد لدى شاعر  عادة وهي كيف يمكنني أن أحافظ على زخم التأثير والعاطفة مع الحفاظ على مستوى عالٍ من حركة الرمز  والدلالة في القصيدة الحديثة. أجدك كشاعر محترف القول أجدت هذه اللعبة الشعرية – إن جاز الوصف- بذكاء وبنيت قصيدتك على رؤيا مشهديّة لحادثة الطف الفجيعة ورؤيا شعرية مجازية وكان ذلك ملحوظا منذ أول فعل في النص بقولك ( وأراك كيف أراك ) توالي الاستفهامات والأسئلة في بداية هذا النص مكنك كشاعر من ان تستثير المتلقي القاريء النص بجعله يشاركك عملية البحث والتنقيب كما جعلت القصيدة في غمّة من حمى ذلك المشهد الفجائعي والكوني تقسمت القصيدة لديك مفصلة على مشاهد الفاجعة مرورا بالعطش العظيم حتى جعلت الأنهار تزحف باتجاه الإمام الظاميء وأطفاله العطشى ( عجبا  أرى كأن النهر يزحف باتجاهك ظامئا ) مرورا بالجسد المنكوب بالجراحات وبرض السنابك ومرورا أيضا بالسهم المثلث ( عجبا لقلبك وهو يعزف وادعا لحن العروج متيما يهوى السماء فكيف خاتله المثلث واستباح الطهر واغتال الصلاة).

أثبتّ أيها الشاعر قدرة القصيدة الحديثة على اقتحام المشهد الفجائعي بدمع الكلمات وبانكسار الروح أحييك على هذا النص وهذه اللغة.

 

المركز 4: قصيدة (ما تيسر من حديث الليل) / أحمد كاظم خضير (العراق)

ما تيسَّرَ من حديثِ الليل

للشاعر / أحمد كاظم خضير (العراق – البصرة)

زينب تحدث الحسين مع نفسها ، بعد خروجه من الخيمة في الليلة الأخيرة ..

صمتٌ أخيرٌ والعيونُ تماطلُه

والليلُ تُسرعُ في الهروبِ مداخلُه

ومسافةُ الضوءِ الأخيرةُ لم تجدْ

خطواتِ صبحٍ يابسٍ تتواصلُه

قمرٌ تثائبَ عن وجوهِ العابرينَ

وعن جوابِ الأمسِ حينَ اسائلُه

أأخيُّ هذا الليلُ يعبثُ بالنوايا،

يستبيحُ الصبرَ ،

كيفَ اجادلُه؟

مازالَ يحكي لي

كما تحكي المناجلُ للسنابلِ..

بالإباءِ أبادلُه

ثمنُ الأصالةِ

أنَّ دربَكَ موغلٌ بالطارئين،

فأرهقتكَ منازلُه

الكلُّ نزفٌ آهلٌ بصداكَ،

صغْ للجرحِ صوتاً

كي تضجَّ جحافله

مذ سارَ آدمُ والشراعُ ممزقٌ

وقميصكَ الممتدُّ منكَ يحاولُه

لا تسترحْ فالارضُ مَلَّتْ رملَها

ومسارُ رحلتِها بكفّكَ حاملهُ

لا تنتظرْ قمحاً ليومكَ

فالنبوءآتُ الجديدةُ

بالقماطِ تعاجلُه

أأخيُّ كلُّ الاخضرارِ دفنتُهُ

لمْ تدَّخرْ سجناً عليَّ سنابلُه

حبرٌ هناكَ..

وشمعةٌ وقفتْ كمئذنةٍ

وبحرٌ لم تصلكَ رسائلُه

عَنونْ سمارَ السائرينَ

برحلةِ الموتِ اللذيذِ

فكلُّهم لكَ ساحلُه

فُتِقَتْ هنا رئةُ الفصولِ،

ومحورُ الرتقِ احمرارٌ..

لونُ سيفِكَ غازِلُه

وهنا تكوَّرَ فكرةً

ما قالَهُ اللهُ

الذي ارستْ عليكَ دلائلُه

وأراكَ تقترحُ الصعودَ مسيرةً

نحوَ احترافِ الموتِ حينَ تنازلُه

ما بين أروقةِ الجراحِ مُزَمَّلٌ

جمعتْ تفاصيلَ الدعاءِ أناملُه

يخضرُّ جيلٌ من تمائمِ خيمةٍ

وتضوعُ في دربِ الحروفِ خمائلُه

من قطرةٍ مالامستْ غصناً لها

الا انحنى شكراً وجذعكَ هاطلُه

للماءِ وجهٌ سوفَ يأتي مُعلِناً

خَجَلَ الفراتِ المُرِّ حينَ تقابلُه

منذُ استعارَ الماءُ لونَ ظماكَ

والأيامُ تسعى أنْ تشيخَ جداولُه

شاختْ بعيني الذكريات..

وأنتَ من تأوي خواءَ الأمنياتِ هياكلُه

قَلَقُ الجهاتِ يبيحُ بعدكَ موطناً

وتُميتُ بوصلةَ الرياحِ جدائلُه

إيقاعُ آخرِ دهشتينِ سينقضي

درباً أخيراً لن تعودَ محافلُه..

ولإن أطلتَ اليومَ قربيَ سجدةً

فغداً مُصلّاكَ الدموعُ تطاولُه


سيرة ذاتية للشاعر

·        مواليد البصرة 1992.

·        دبلوم من معهد البترول.

·        موظف في وزارة النفط العراقية.

·        عضو الهيئة الإدارية لرابطة مصطفى جمال الدين الأدبية.

·        لديه مجموعة شعرية مخطوطة بعنوان “أسيرُ باتجاه القمر”.

·        نشر في مجلات عراقية وعربية، وشارك في العديد من المهرجانات والجلسات.


ملخص تعليق المحكّمين

المعقّب : الأستاذ زكريا يوسف رضي

أنت شاعر تجيد حرفتك وصنعتك الشعرية وتقود الكلمات بشفافية عالية لعل سمة قصيدتك الأبرز هو اتكاؤها على بنية حوارية مهدت لها منذ البداية بإشارتك في صدارة القصيدة إلى أن ما سوف يأتي هو حديث زينب مع نفسها بعد خروج الحسين الأخير من خيمته .

إذن فنحن أمام ما هو أشبه بالمنولوج الشعري ولكن بالتأمل في هذا العنصر الحواري نجد أن اشتباك صوت الشاعر مع صوت  زينب عليها السلام جعل القصيدة تتردد ما بين صوتين ففي اللحظة التي يظهر فيها صوت زينب في صيغة النداء  ( أأخيّ )  تظهر أمامك التنوع في الأساليب الإنشائية من نهي وأمر واستفهام وغيرها ببنما في اللحظة التي يعلو فيها صوتك كشاعر تتوارى تلك الأساليب لتأخذ شكلا  استعاريا ومجازيا متنوعا قد نقف منه مثالا على قولك للماء وجهُ سوف يأتي معلنا / خجَلَ الفرات المرِ حين تقابله،،،  ولا يفوتنا هنا وصف الفرات،  بالفرات المرّ خلافا لما عهد من أن الماء العذب إنما هو الفرات ،،، في دلالة لا تخفى على القاريء الحصيف من انسحاب عذوبة هذا الماء بعد فاجعة الطف،،،  ( أبدعت وابتكرت بما لا سابق  عليه ) وقولك(  منذ استعار الماءُ لونَ ظماك/ والأيام تسعى أن تشيخَ جداوله ) جميل وملفت ،،، وان كنت أقترح بديلا عن ( الأيام )  فَلَو قلت ( والأزمان ) كونها أكثر سعة وامتدادا من الأيام وأكثر تعبيرا عن محاولة الزمن تقزيم الحدث وجعله  في طَيّ النسيان ،،، أحييك أيها الشاعر المجيد وأتمنى لك يراعا لا يكل ولا ينضب.

المركز 3: قصيدة (أم اليقين) / علي عبدالمجيد النمر (السعودية)

أم اليقين

للشاعر / علي عبدالمجيد النمر (الدمام – السعودية)



للوهلةِ الأولى أخالك مصحفا
وعليه سرٌّ بالمهابة صُحّفا

للوهلةِ البكرِ انتضيتُكِ سورةٍ
‹للحمد›  و‹الإخلاص› تحترف الوفا

للمستقيل من العثار وفي يدٍ
من كل سنبلة تضيء تشرفا

ضاءت وفي لون اليقين حضارة
لله فيها أن تشير، فيُعرفا

شيء كحنجرة النهار وحاضر
كان البهاء ، وبالحقيقة لُحّفا

هي أول الماضين في النسق الشريف
و(آصفُ) الدين الحنيف تصرّفا

ولها إذا رمشت عيونُ أميرِها
أن يستقرّ الكون ، أن يتكيّفا

أن تنتهي طوعًا لها (بلقيس) في
العرش الممرّد للسؤال تعرُّفا

ولها شمائل كالربيع أنيقة
وعلى خمائلها حديثٌ يقتفى

ولها لسان الورد حتى أنها
لو تحتفي بالماء ، بادر واحتفى

****

أمٌّ كموسم أقحوانٍ ، فرصةٌ
للزهر أن يروي البياضٍ ويغرِفا

ولها من السُّحب الثقالِ مثلثٌ
كانوا على أفق المشيئة حُلّفا

يتسابقون إلى اليباب ليُنصفوا
ظنّا بهم ، والله فيهم أَنصفا

ولها من ‹الفضل› العظيم أبوه إذ
ما جيء في فضل وعاد وما وفا

‹أم البنين› وفي مدارِكِ كوكبٌ
لله كان وللطفوف تألّفا

ركن شديد للحسين وحقّ أن
-لما هوى في الطف- أن تتعنّفا

كانوا شموخ النخل في إيمانهم
فلذا العراقُ بنخلهِ قد عُرّفا

وطنٌ يغذيه احتسابُكِ ..واقفٌ
وله عطاء البذل لن يتوقّفا

وطنٌ كرابعةِ النهارِ يضيءُ في
كل امتداد للمبادئ أحرفا

****

أم البنين .. بل اليقينِ ، وهذه
عن كل منقبةٍ تزاحمها كفى

تأتين في سرب الخلود فراشةً
محشودةً بالطيف ضاء وطيّفا

ومقامة الراجين حين يلوكُهم
فك الزمان وفي يديكِ تلطّفا

كيف ابتدعتِ الضوءَ والظلَّ الذي
ما انفك من سُرج العطاء مشرّفا

كيف ابتدعتِ والفضاء مدجج
بنوى يحاصره الظلام مكثّفا

حتى انتضيتِ الوعي محض رسولة
كانت ببيت الوحي تبدع مَوقِفا

قد كنتِ تعطين الحسين أمومة
وخمار زينب في مداك تلحّفا

قد كنت مائدةً تراد لفكرها
وحقيقةً تأبى بأن تتزيّفا

 

سيرة ذاتية للشاعر

·    مواليد ١٩٨١م.

·    بكالوريوس لغة عربية.

·    عضو مؤسس في ملتقى ابن المقرب الأدبي بالدمام.

·    عضو منتدى اليراع بالقطيف.

·    تُرجم له في الموسوعة الكبرى للشعراء العرب (الدارة المغربية للشعر العربي – الجزء الأول(.

·    شارك في عدة أمسيات محلية ودولية، وله استضافات في قنوات وإذاعات خليجية.

·    له ديوان مطبوع بعنوان «رُسُل».

ملخص تعليق المحكّمين

المعقب : الدكتور علي عبدالنبي فرحان

يكاد هذا النّصّ يضيء ولو لم تمسسه نار. فالنصّ يحتفي بالضوء ليبث إشراقه في النّصّ كلّه.

  • هذا النصّ يفصحُ عن نفسه، ويعلن عن تماسكه في لغة شعريّة جميلةٍ، وإيقاع بحر الكامل الّذي جاء متناغمًا مع هذا النّصّ وغنائيّته وامتداد إيقاعه وإطلاق قافيته.

  • جاء العنوان مؤصِّلا ومكثّفًا لطاقة النّصّ الإيحائيّة؛ فلا يمكنك أنْ تمرّ على النّصّ دون أنْ تقف على العنوان. الّذي أضحى ” خبرًا ” لا يحتاج إلى ابتداء.

  • تقوم فكرة هذا النّصّ على إعلان التّمجيد والتّعظيم للممدوحة الّتي هي ” للوهلة الأولى إخالكِ مصحفًا “؛ وهي الّتي تضيء ” تشرفًا ” وفي ضوؤها لون اليقين الّذي يمثل حضارة ربانيّة خالصة ” ضاءت وفي لون اليقين حضارة   لله فيها أن تشير فيعرفا “.

  • يرسم الشاعر بريشته وفاء تلك الشخصيّة الفذّة في شخصها، وفي نتاج وفائها بأولادها الأربعة الّذين هم ” لها من السحب الثقال مثلث ” ولها ” الفضل ” العظيم أبوه ( أي أبو الفضل ) الّذي هو ” ركن شديد للحسين “. هؤلاء الفتية الّذين كانوا شموخ النخل في إيمانهم ” يسير الشّاعر في الكشف عن الممدوحة حتى يسلمنا إلى عمق الوصف الّذي تغدو فيه الممدوحة متمثلة في الوصف كما افتتح بها النّصّ من عتبة عنوانه الّتي هي ( أم البنين بل اليقين ..).

  • تنثال الصورة عند الشّاعر في هذا النّصّ بانسيابيّة في عموم النّصّ جميلة عميق مدهشة. تنبني الصورة بشكل تعاضدي لتلمّ شتات البيان في صورة الممدوحة حتى يصل إلى ذراه ” وطن يفديه احتسابك واقفًا وله عطاء البذل لن يتوقف “…

  • استطاع الشّاعر أنْ يمزج ذاته الشّاعرة بموضوع القصيدة، وربط إحساسه بالتعبير عن فكرته حتّى غدت اللغة والصورة والإيقاع أدوات فاعلة في تشكيل بنية النّصّ الشعري.

  • النّصّ جيّد يؤخذ عليه بعض الاستعمالات الّتي أرى أنّها أضعفت بعض بنائه كلفظة (صحّفا) في البيت الأول، و(شيء) في قوله : “شيء لحنجرة النهار وحاضر كان البهاء وبالحقيقة لحّفا”؛ فلو استبدل بها لفظة أخرى كمجد مثلا أو شمس، ومنه أيضًا قوله مادحًا لأخوة أبي الفضل: يتسابقون إلى اليباب !! هم يتسابقون إلى العلا يا سيدي.

 

المركز 2: قصيدة (نشوة الجرح) / حسن مجتبى بزي (لبنان)

نشوةُ الجُرح

للشاعر / حسن مجتبى بزي (لبنان – الجنوب)

أضمِر نحيبَكَ يا زمانُ لأسمعَه

إنَّ الحقائق في الضمائر مُودَعة

إن لم تُطِق حبسَ النحيب فإنني

بيتُ المواجعِ والنّوافذُ مُشرَعة

يا حزنُ إنْ شِئتَ ادِّثاري فلتكُنْ

وِتراً بقلبي  جَلّ مِن  أن أشفعَهْ

خذني من الجسد الرديء وعَرِّني

أبرادَ  فكرٍ   بالخَيالِ   مُرَقّعة

ما زلتُ تأسِرُني الجِهاتُ بزهوها

وأخافُ ضِيقاً ، كُن جهاتي الأربعة

كُن حيث لا زمنٌ يحولُ بأن أرى

 وجهَ الحسين وأن يُراقَ دمي معهْ

كُن بين أسوار الظلام مطيّةً

لبصيرتي  تجتازُ زُورَ الأقنعة

حيث الحروف ولا حروف وإنما

قلبٌ  أسالَ على  القوافي مدمعَه

حيثُ الدموعُ مُراقُ ما عثَرَتْ به

الأحداقُ مِن غُصَصِ الطفوف المُوجِعة

حيث السُّهادُ جَليلَةٌ ضمّتْ بِلَيلِ

 الضارعِين   شقيقَها   لتُودّعهْ

حيث الزفيرُ لهيبُ جمرةِ هاربٍ

بين  الخدور مخافةً  أن  تلذعَهْ

كَفٌّ أذاق الوجدُ لطمتَها الضلُوعَ

على الذي في الطفِّ داسُوا أضلُعَه

وحياءُ أخرى أن تُعافَ وكفُّ من

خطَّ الخلود بهِ استباحوا إصبَعَه

طيرٌ ذبيحٌ جاء من زمن الفداءِ

مُعَفِّراً خدّاً وضرّجَ مَوضِعَه

سهمٌ من الحقد العتيق وطعنةٌ

في  جانحَيه  وزفرةٌ  مُتقطِّعة

وكأنما في نحره صوتُ الظُّبى

متأسِّفاً  ودَجَ  الحسين  فقطّعه

وكأنما لا شيءَ يحتجزُ الصدى

 ” هل من مُغيثٍ ” مَن سيُرسلُ مسمعه ؟

في كربلاءِ النفس يصرَعُ نفسَهُ

من قبلِ أن يلقى حسينٌ مصرعَه

تلك الصلاةُ عُروجُها محرابُ ذاكَ

النّحر تُرفَعُ إن تَعدّت مَطلَعَه

ذاك الوريدُ المستفيضُ سفينةٌ

للهاربين  إلى شُعاعِ  الأشرِعة

ما الفوزُ إلا نشوةُ الجُرح الذي

بدلَ الأنينِ يكادُ يلثمُ مِبضَعَه

ما الحزنُ إلا هجرةٌ في النزْفِ مِن

ظمإٍ  إلى  كأسِ  الإباءِ  المُترَعة

يا حزنُ خذني حيثُ ينضَحُ فاتحٌ

 بمهابةٍ في نزفِهِ، ما أنصعَه !

يستشرفُ الملكوتَ طَوداً والظُّبى

تفري له جسداً أبى أن تُخضِعَه

ووجدتُني الأحزانَ أظمأُ كُلّما

أُترِعْتُ من سرّ الجِراح المُشبَعة

 


سيرة ذاتية للشاعر

 

 

 

·    مواليد جنوب لبنان ، ١٩٨٩.

·    طالب وأستاذ علوم دينية في الحوزة العلمية – مرحلة البحث الخارج .

·    إجازة في الأدب العربي في الجامعة اللبنانية.

·    شهادة الماجستير في الدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية في بيروت.


ملخص تعليق لجنة التحكيم 

المعقّب : الدكتور علي عبدالنبي فرحان

يكتسب النّصّ الشعريّ فرادته من تماسكه وترابط أجزائه، ونمو فكرته، وبجمال إيقاعه، وثراء معجمه، وجمال بنائه.

” نشوة الجرح ” قصيدة تحملك نحو ثنائية ضديّة تستبطن اتّحادًا يضخّ معاني النّصّ، ولا يقف عند ساحل عنوانه.

  • ينطلق هذا النّصّ في حوارٍ داخليٍّ بين الذّات الشّاعرة والمعنى المؤجّل الّذي ينبني شيئًا فشيئًا؛ لتتحوّل المعاناة والجرح والألم والحزن والمواجع ” وترًا بقلبي ( قلب الشاعر ) جلّ من أنْ أشفعه ” بشيء سواه. تتحوّلَ بوصلةً تتجه بالذّات الشاعرة إلى جهة واحدة حيثُ تتوحّد الجهات ( بُعدُ المكان ) وبعدُ الزمان ( لا زمنَ يحولُ ) … ( وأنْ يراق دمي معه ) نعم الاتحاد مع المفدّى ، الاتجاه نحو جهة واحدة هي الحسين (ع)

  • وببصيرة الشّاعر الّذي يندغمُ مع معركة الفداء روحًا وفنًّا ووجدانًا ملبّيًا استغاثة الحسين عليه السلام ليفصح عن قمة الالتحاق بركب المحبوب عليه السلام ( في كربلاءَ النفسُ يصرعُ نفسهُ من قبل أنْ يلقى حسينٌ مصرعه )؛ وفي ذلك معنى الصلاة والعروج، ومن أراد أنْ يسمو فعروجه ( ذاك الوريدُ المستفيضُ )، فحقيقة الفوز إحساس الشهيدِ بنشوة الجرح؛ وبذلك: ( يستشرف الملكوتَ طودًا والظبى   تفري له جسدًا أبى أنْ تُخضِعَه ) السيوفُ.

  • نجح الشّاعر في مشروعه الفنّي وأقنع غاية الإقناع.

  • لغة الشاعر سهلة ممتنعةٌ؛ راوح فيها الشاعر بين الإنشاء والإخبار، ولعب بممكنات اللغة الّتي أهلته ليعبّر عمّا يريد في سهولة ودون تكلّف.

  • كثيرًا ما تقلقنا التكرارات في النّصّ الشعري؛ لكنّما الشّاعر هنا وظّفها توظيفًا ذكيًّا، جعل منها آلةً تضخُّ كلّ مرةٍ معنى يفيض دهشةً وعمقًا.

  • الإيقاع غنائي يسوّل للقارئ أنْ يلتذّ بالنصّ ويعيش أجواءه بل نشوته بدءًا بالتصريع، وإيقاع بحر الكامل، وجمال رويّ القصيدة الّذي ألحق به الهاء خاتمةً لذيذةً تنفث آهات زفير صدر المكروب المنفوث حزنًا.

المركز 1: قصيدة (عَلى لِسَانِ المَاء) / ناصر زين (البحرين)

عَلى لِسَانِ المَاء

مَا باحَ بهِ المَاءُ بعدَ أربعةَ عَشرَ قَرنًا مِنْ مَسِيرةِ النَّحرِ والنَّهر

للشاعر / ناصر ملا زين (البحرين – السنابس)

 

 

مُذ جَاءَ يَرسمُ للحقيقةِ مِحوَرا

كانَ الزّمَانُ مُمَزَّقًا ..

فَتَشَجَّرا

قد جَاءَ يَفْرشُ للسَّنَابكِ جَبْهَةً

سَالَتْ عَلى كفِّ المَلائكِ

مِنْبَرا

وبِلَوْنهِ اغْتَسَلَ الفُراتُ  ..

مُوَزِّعًا جُرْحَ الإلهِ

عَلَى المَدائنِ والقُرَى

يَمْشِيْ ..

وأَنْهَارُ المَشِيئةِ خَلْفَهُ تَمْشِيْ،

وَلَوْنُ القَاتِلينَ تَقَهْقَرَا

تَمْشِيْ الجِهَاتُ،

ولَيسَ ثَمَّةَ وِجْهَةٌ

إِلا نَبيًّا

بالنِّبَالِ تَدَثَّرا

تَمْشيْ حَكَايا المَاءِ

فَوقَ جَبِيْنِهِ

وَتُسِرُّ للإِنْسَانِ

أَنْ يَتَجَذّرا

كُلُّ السَّنابلِ فِيْ خُطاهُ تَنَفَّسَتْ

وَطَنًا

لِتَرْتَشفَ الجَلالَ الأَخْضَرَا

وتَلُمَّ مِنْ عَيْنَيهِ دَمْعَةَ خَيْمَةٍ ثَكْلى،

وقَمْحَ الظَّامِئينَ،

وبَيْدَرا

قَدْ جَاءَ مِنْ أَقْصَى القَدَاسَةِ

نَازِفًا

مِنْ أيِّ جُرْحٍ فِيْ الإِبَاءِ

تَكَوَّرَا ؟!

يَخْطوْ،

تُرَافقُهُ الدُّهُورُ،

فَتَنْحَنِيْ كُلُّ المَوَاسِمِ

والشَّوَاطِئِ

والذُّرَى

فَمَضى ..

ومَا رَكِبَ الفُراتَ (مُغَاضِبًا(

لَمْ يَبْتَلِعهُ المَوْتُ

لَمَّا أَبْحَرا

)يَقْطِيْنـُ)ـهُ الوَجَعُ المُسَافِرُ،

والهُدَى شُطْآنُهُ،

والصُبْحُ يُنْبَذُ بِالعَرا

مَا زالَ يَعْبرُ

فِيْ القَصائدِ نَورَسًا

أَطْوِيْ لَهُ النَّهرَ الشَّهِيدَ ..

لِيَعبُرا

حَتَّى تَرَاءى فِيْ الغِيَابِ

قَصِيْدَةً

لِلآنَ تَكْتُبُهَا السَّمَاءُ

عَلى الثَّرَى

بِقَمِيْصِهِ (جِبْرِيلُ) يَدْفعُ أَسْهُمًا

يُلْقِيهِ فِيْ عَينِ الجِهَاتِ ..

لتُبْصِرَا

فَفَرَشْتُ مِرآةَ الإِلَهِ بِصَدْرهِ

حَتَّى أَرى مِنْ غَيْبِهِ

مَا لا يُرَى

فَرَأيتُ أَرْوَاحًا،

خُلُودًا،

جَنَّةً،

رَبَّاً،

مَرايَا الأَنْبِياءِ،

ومَحْشَرا

يَصْحُو رَمَادُ القَاتِلينَ

خَرَائِطاً مِنْ عَتْمَةٍ،

كَانتْ تُسَامرُ خِنْجَرا:

أُوَّاهُ .. !!

مَا زَالَ السَّرَابُ بِصَدْرِنا

يَزْدَادُ – مُذْ قُتِلَ الحُسَينُ –  تَكَسُّرا

ولَكَمْ خَطَوْنَا،

والمَسَافةُ خَلْفَنَا تَخْطُوْ  ..

فَنَخْطُو  ..

والطَّرِيقُ تَعَثَّرَا

وَسُيُوفُنا مَوْتَى،

ولا مِنْ هَزَّةٍ

تَشْتَدُّ فِيْ الأَمْوَاتِ

كَيْ تَتَحَرَّرَا

فَهَوى الحُسينُ

هَوَى الحُسينُ

هَوَى ..

هَوَى ..

لَكنْ عَلى ثَغرِ الحَيَاةِ تَكَوْثَرا

هُوَ هَكَذا ..

مُنْذُ الخَلِيقَةِ مُشْعَلٌ بِالماءِ

حَيثُ المَاءُ لَنْ يَتَصَحَّرا

هُو هَكذا ..

لا شَيءَ يُشْبهُ قَلْبَهُ   !!

إِلا جَمَالُ اللهِ

حِينَ تَقَطَّرَا  !!

مِنْ رَأسِهِ المَقْطُوعِ

أَلْفُ حَدِيْقَةٍ

هَطَلَتْ عَلى جَدبِ السِنِينِ  ..

فَأَثْمَرا

وتَفجَّرَتْ فِيهِ القِيَامةُ،

نَهرُها فِيْ ثَغْرِهِ

يَهَبُ النَّهارَ تَفَجُّرا

فحَمَلْتُ عَرشًا ثائرًا

مِنْ كَفِّهِ

مَا كَانَ هَذا العَرشُ

إِلا (خُنْصُرَا(

يَخْضَرُّ،

يَعْتَصرُ الشَّهَادَةَ،

يَنْتَشِيْ،

وَيُحَرّضُ الأَوْطَانَ

أَنْ تَتَطَهّرَا

مِنْ لَحْظةِ السَّهمِ اللَّئيمِ

تَدَفَّقَتْ رِئتَاهُ قُرآنًا ..

يُصَافِحُ مِشْعَرا

ومَآذِنًا

تمتدُّ فِيْ أَغْوَارهِ

لِتَحُطَّ فِيْ كُلِّ العَواصِمِ

أنْهُرا

فَبِدَمْعِهِ اعْتَصَمَ العِراقُ،

تَوَضَّأَتْ سُحُبُ الحِجَازِ،

وأَحْرَمَتْ (أُمُّ القُرَى(

ونَمتْ شُعُوْبُ المَاءِ

عِندَ جِراحِهِ

هَلْ كَانَ نَحرُ المَاءِ (حَجَّاً أَكْبَرا) ؟!

بَلَّلتُ ذَاكِرةَ البَياَضِ

بِنَظرةٍ عَطْشَى،

فَأبْصَرتُ العُرُوْجَ الأَحْمَرا

لا شَيءَ يَعْرجُ للسَّمَاءِ

سِوى دَمٍ

سَكبَ الحَيَاةَ

عَلى المَمَاتِ ..

وَأَمْطَرا !!!

 

سيرة ذاتية


·        مواليد السنابس – البحرين  1975م.

·        البكالوريوس في الإعلام من جامعة كانتربوري في لندن، ودبلوم إعلام شامل من جامعة لاهاي بهولندا (2013م).

·        صحافي وكاتب منذ العام 2005م.

·        تأهل لموسمين متتاليين لمسابقة أمير الشعراء بأبوظبي.

·        شهادات تقديرية عديدة وجوائز منها:

–  المركز الأول في مسابقة (أدب الطف) في البحرين.

–  المركز الثاني في جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم (الإمارات) في دورتها (33).

–  المركز الثاني في مسابقة (النبأ العظيم) بالسعودية.

–  المركز الثاني في مسابقة (شاعر كربلاء) بالبحرين.

–  المركز الرابع بجائزة الجود العالمية الخامسة بالعراق.

–  ضمن المتأهلين العشرة بمسابقة بردة كربلاء الدولية (2017م).

 


ملخص تعليق المحكّمين

المعقب : الدكتور جعفر مهدي آل طوق

◼عتبة النص وعنوانه تمهيد لجو النص ويلاحظ ذلك بمزج الماء بمفردة اللسان
◼ تمكن الشاعر من ربط العنوان بمفاصل القصيدة وبقي هذا الارتباط مستمرا حتى الختام
◼العنوان ينمّ عن خيال واسع ومضمون رفيع
◼ القصيدة نامية ومتصاعدة في العاطفة والمفردة الشعرية
◼في القصيدة علاقة وطيدة بين المفردة الشعرية والفكرة ورفدها إيقاع النص  من بحر الكامل مما أوجد تناغما
◼تم توظيف الرمز من خلال السرد لحادثة كربلاء
◼طبيعة معجم الشاعر في القصيدة طبيعة وجدانية
◼اتكأ الشاعر على الأسلوب الخبري المتناسب مع مقام الحدث
◼وظف الشاعر في قصيدته عناصر الحركة في الأفعال ( سالت / تمشي / تخطو )

◼بدأت القصيدة بزمان ممزق وانتهت بحياة ممطرة.

القصيدة الشرفية: جرحٌ يتدفَّق في نهر أبديَّته

مِنْ خلفِ جُرْحِكَ لا تُصَلِّي الأحرفُ
حتَّى يُوَضِّئَها بما هُوَ ينزفُ

الجرحُ ليسَ سوى إمامِ قيامةٍ
والمؤمنونُ بهِ الذين اسْتُضْعِفوا

الجرحُ مسرانا إليكَ، دليلُنا
عبر الدروبِ، حنينُنا المُتَلَهِّفُ

الجرحُ منظارٌ بـقَلْبِكَ مُوغِلٌ
أَبَداً يُطِلُّ على الخلودِ، ويُشْرِفُ

الجرحُ بستانُ الشهيدِ، ووَرْدُهُ
مُلْكٌ لـمَنْ عَرَفُوا شذاهُ، وعَرَّفوا

ما بالُ مَنْ عَرَفُوا شذاكَ، وشَفَّهُمْ
منكَ التَّوَرُّدُ.. فَاتَهُمْ أنْ يقطفوا!

نَتَفُوكَ من بستانِ جُرْحِكَ وردةً
والوردُ يُقْطَفُ..إنَّما لا يُنْتَفُ!

  

يا قارئَ الأجيالِ أَعمقَ رؤيةً
مِمَّا بِها قَرَأَ السنابلَ، (يوسفُ)

المجدُ للرأسِ (القطيعِ) فلم يزلْ
يُعلي الرؤوسَ بمجدِهِ، ويُشَرِّفُ

ما أَخَّرَتْ عنكَ الحياةُ سجالَها
في كلِّ ما نَسَجَ الرُّواةُ وأَلَّفُوا

يتساءلونَ عن انتفاضةِ وَجْدِنَا:
ما سِرُّ هذا الوجدِ؟! كيفَ يُكَفْكَفُ؟!

رَبَّى لَكَ التاريخُ أشرفَ دمعةٍ
في الأرضِ حيثُ الدمعُ لا يَتَزَلَّفُ

وتَفَجَّرَتْ لَكَ بالأنينِ بحيرةٌ
في جمرِها مُهَجُ السِّنين تُجَدِّفُ

أَمُوَفِّيًا كيلَ الفداءِ بـروحِهِ..
ها نحنُ في كيلِ الوفاءِ نُطَفِّفُ!

نحن الصدى العالي وما نفعُ الصدى
ما دام صوتُكَ في مدانا يهتفُ

نزهو بـصورتِـنا لأنَّكَ أصلُها
فإذا أضأتَ فـظِلُّنا يَتَقَصَّفُ

يُوحي لنا الزمنُ المُحَنَّطُ أنَّنا
أبداً لـذكراكَ الفَتِيَّةِ مَتحفُ

جئناكَ بالصمتِ العميقِ كأنَّنا
حقلٌ من القَصَبِ الشجيِّ مُجَرَّفُ

أَهْدَيْتَنَا الإعصارَ -ذاتَ قيامةٍ-
بـيَدٍ تشيرُ: تَعَلَّمُوا أنْ تَعْصِفُوا!

زُفُّوا النضالَ إلى الكرامةِ شائكاً..
هيهاتَ يَطْمِثُها النضالُ المُتْرَفُ!!

يا مَنْ سَكَكْتَ من الشهادةِ عُمْلَةً
أبدًا بغير ضحيَّةٍ لا تُصْرُفُ

ماذا يظلُّ من الضحايا حينما
يغدو الشهيدُ بضاعةً تُسْتَنْزَفُ؟!

  

يا أوَّل الدَّمِ في حكايةِ ثورةٍ
تُطوَى عليكَ فصولُها، وتُغَلَّفُ

أَشْجَى حصانَكَ أنْ رأى بكَ فارساً
شهماً، يرقُّ على الحياةِ ويعطفُ

فـبَكَاكَ في وهج المعاركِ حينما
لم يلقَ مَنْ يحنو عليكَ ويرأفُ

وهناكَ سَيَّلْتَ الصهيلَ جداولاً
ترتادُها خيلُ الزمانِ وترشفُ

وَقَفَ الإلهُ مدافعاً عن مجدِهِ
في (كربلائِـ)ـكَ.. والألوهةُ موقفُ!

رفقاً بـخيبةِ قاتليكَ، ورأفةً
إنْ قَطَّعَتْكَ رماحُهُمْ والأسيفُ

هذي رفاتُكَ في الشعوبِ تَوَزِّعَتْ
فأضاءَ منكَ لكلِّ شعبٍ (مصحفُ)

مُذْ صاحَتِ الدنيا: (حسيييينُ) ولم يزلْ
لحنُ انسجامِ الكونِ باسمكَ يُعْزَفُ

ما غبتَ في جُبِّ السنين، وإنَّما
تفتضُّ أوردةَ العصورِ وتزحفُ

هذا ضميرُ الحرفِ يغمسُ كَفَّهُ
فيما تَجَمَّرَ من لظاكَ، ويغرفُ

الحبرُ ما لم يَعْتَنِقْكَ مُزَوَّرٌ
والفكرُ ما لم يَعْتَمِرْكَ مُزَيَّفُ

والحبُّ دون هواكَ نبعٌ غائرٌ
والوعيُ دون رؤاكَ قاعٌ صفصفُ

حَمَّلْتَنَا بالوجدِ ألفَ صبابةٍ
فنكادُ من صلصالِنا نتخفَّفُ

فإذا تطرَّف مغرموكَ وأحرقوا
وجهَ الحقيقةِ، فالغرامُ تَطَرُّفُ!

زيتُ القناديلِ الجريحةِ لم يزلْ
بـضِيَاكَ في مشكاتِهِ يَتَصَوَّفُ

ضَعْنَا على مرمى الحقيقةِ، إنَّنا
عبر احتمالاتِ الجهاتِ نُهَدِّفُ

واطمثْ بمائِكَ رَحْمَ كلِّ إرادةٍ
عَقِمَتْ، فماؤُكَ بالخصوبةِ ينطفُ

لَكَ أنْ نُوَظِّبَ في قلوبِ صغارِنا
درسَ النضالِ.. ونبضُها لا يرجفُ!

  

يا مالئاً منِّي الخيالَ بـصورةٍ
عظمى، يغصُّ بها الخيالُ الأجوفُ

بين (المُخَيَّمِ) و(الفراتِ) إِخالُني
أسعى بـمُهْرِ قصيدتي، وأُطَوِّفُ

والوقتُ من سهرٍ يفيضُ ومن دَمٍ..
والأرضُ يقضمُها الطغاةُ فـتَنْحَفُ!

وأراكَ تقدحُ منكَ ألفَ شرارةٍ
فتطيرُ ألفُ فراشةٍ وترفرفُ

يتوهَّج المعنى فـتُزْهِرُ فكرةٌ
وتُشِعُّ بالنُّقَطِ الوضاءِ، الأحرفُ

وأنا أخرُّ على البياضِ مُضَرَّجًا
بالنصِّ حيث دمُ الشهادةِ يرعفُ

عينايَ آخرُ خيمتينِ بـ(ـكربلا)
محروقتينِ بهاجسٍ لا يُذْرَفُ

ثَقَّفْتُ دمعيَ في عزاكَ فـخانَني..
ما ثَـمَّ دمعٌ في العزاءِ يُثَقَّفُ!

لا حزنَ في حزنٍ يُفَلْسِفُ نَفْسَهَ..
الحزنُ حيث الحزنُ لا يتفلسفُ!

نحتاجُ أنْ نبكيكَ أكثرَ، طالما
بالدمعِ يَصْقُلُناَ البكاءُ ويُرْهِفُ

هيهاتَ يرضَى عن طهارةِ نَفْسِهِ
مَنْ لا يُطَهِّرُهُ الأسَى ويُنَظِّفُ!

  

قَسَمًا بـبَعْضِكَ.. ما هناكَ عظيمةٌ
في الدَّهرِ تُقْنِعُنِي -بـكُلِّكَ- أحلفُ

قلبي عليكَ تَجَذَّرَتْ نَبَضَاتُهُ
نَخْلاً بآهاتِ الأسَى يَتَسَعَّفُ

من فيضِ نحرِكَ فاضَ نهرُ مبادئي
واجتاحَ ما زَعَمَ الطغاةُ، وأَرْجَفُوا

لم يَحْرِفُوني عن محطَّاتِ الفدى
فأنا وراءَكَ فكرةٌ لا تُحْرَفُ

بعضي يُغَطِّينِي ببعضيَ مثلما
حقلٌ عليهِ من السنابلِ شرشفُ

أَتْبَعْتُ غربتَكَ السحيقةَ غربتي
والدربُ يجمعُ خطوَنا، ويُؤَلِّفُ

في داخلي قمرٌ يضيءُ، وخارجي
قمرٌ ولكنْ من ضِيَاهُ مُجَفَّفُ

ما دامت الدنيا طريقَ مُهاجِرٍ
ستظلُّ فيها غربتي تَتَكَثَّفُ

النص العاشر: نُبُوْءَةُ العاشِقِ الأوَّل

رَكِبْتُ غِمَارَ الحُبِّ يَتْبَعُني ظِلِّي
أُجَذّفُ ، والأشواقُ راعِفَةٌ مِثْلي

أُرَتِّبُ أَلْفَاظي وَبِي رَهْبَةُ النَّدى
إذا ارْتَسَمَتْ في الأُفْقِ رائِعَةٌ تُجْلي ..

وكُنْتُ اعْتَصَرْتُ الشِّعْرَ خَمْرَ نُبُوءَةٍ
مَتَى وَضَعُوا كَأْسَ البَلاغَةِ في رَحْلي

وَسَكْرانُ، لا مِنْ صَفْوةِ الرَّاحِ ، مِنْ يَدٍ
تُقَلِّبُني بَيْنَ الرَّياحينِ والطَّلِّ

أَرَى لُغَةَ الأَلْحَاظِ مَحْضَ ارْتِعَاشَةٍ
إِذا مَرَّ تَغْوى كالفراشَةِ في الحَقْلِ

كَمَا العِطْرُ في بالِ الخُزَامَى يَمُرُّ بِيْ
حَبِيبي ، كَمَا الوَحْيُ المُسَاوِرُ في الرُّسْلِ

أَحَايِينَ كانَ اللَّيْلُ دَفْتَرَ صَبْوَتي
حَمَلْتُ مُنَاجَاتِي إِلى هَمْزَةِ الوَصْلِ
تَراأَيْتَ يا عَبَّاسُ في طُوْرِ حَيْرَتي
يَقِيْناً بِأَنَّ النُّورَ أَيْنَعَ فِي عَقْلي

وأَنَّكَ مُذْ أوْمَأْتَ لي ، واتَّخَذْتَني
نَجِيّاً ، تَتَبَّعْتُ انْسِكَابَكَ في الفَضْلِ

ظَمِئْتُ ، وَلِيْ عَيْنَاكَ مِدْرَارُ كَوْثَرٍ
وَكَفَّاكَ ! ما كَفَّاكَ ؟ مَا حِرْفَةُ البَذْلِ ؟

وما رَيَعَانُ الجُودِ في خَاطِرِ النَّدَى
سِوَى لَفْتَةٍ مِنْ غُصْنِ أَرْوَع مُخْضَلِّ

أَبَا الفَضْلِ ، لا أَحْتَاجُ غَيْرَكَ أَخْضَراً
وَلُوعاً بِأَنْسَامِ المَحَبَّةِ والنُّبْلِ

عَطُوفاً ، كَحِضْنِ الأرْضِ ، يَنْضَحُ بالوَفا
ظَلِيْلاً كَمَا الدِّفْلَى ، كشَامِخَةِ النَّخْلِ !

أَتَيْتَ على كَفٍّ أَمِيرٍ مُخَضَّبٍ
تُكَحِّلُ رِمْشَ الحُسْنِ ، يا رَوْعَةَ الكُحْلِ !

وتَحْمِلُ آمالَ الوُجُودِ بِلا يَدٍ ،
بِقَلْبٍ بِتَحْنَانِ الإِمَامَةِ مُبْتَلِّ !
وكُنْتَ رأيْتَ الطَّفَّ .. كُنْتَ رَأَيْتَهُ
سَبِيْلاً لِغَمْدِ السَّيْفِ في مَهْمَهِ الذُّلِّ

وَكُنْتَ حَمَلْتَ الجُودَ دِرْعَ رُجُولَةٍ
فَمَا هَمَّ لَوْ تَرْمِيْكَ حَاقِدَةُ النَّبْلِ

تَعَالَيْتَ عَنْ كُلِّ الجِراحِ سِوَى الَّتي
بِقَلْبِ حُسَيْنِ الوَحْيِ .. حَاشاكَ تَسْتَعْلِي !

تَنَبَّأْتَ مُنْذُ اعْشَوْشَبَتْ رَبْوَةُ الهُدى
بِأنَّ رِيَاحَ النَّاسِ مَالَتْ إلى الجَهْلِ

وأَنَّ مَرايا الوَقْتِ تَرْسُمُهُ الجَفَا
وأنَّ صَحِيحاً غَابَ عَنْ فِعْلِ مُعْتَلِّ

وأَنَّ غَدِيراً مِنْ إِبَاءٍ مُكَرْبَلٍ
سَيَجْري، بَلَى يَجْرِي ، على وَجَعِ الرَّمْلِ

وأَنَّكَ حينَ اسْتُضْعِفَ الحَقُّ فارِسٌ
عَلِيٌّ ! ومَنْ يَقْفُو الغَضَنْفَرَ كالشِّبْلِ؟!

نُبُوءَتُكَ الحَمْرَاءُ حِنَّاءُ عَالَمٍ
سَيقْتُلُهُ المَوْتَى لِيُزْهِرَ بالقَتْلِ
سَتَظْمَأُ ، لا للماءِ ، للأمَلِ الَّذي
تراءَى مواويلاً على شَفَةِ الطّفْلِ

حَبَبْتُكَ مُذْ أَطْلَقْتَ كَفَّيْكَ شَاعِراً
غَيُوراً على المَعْنى ، خَفيفاً بِلا ظِلِّ

مَدَاكَ مَدَايَ ، ازْرَعْ بأُفْقِيَ باقَةً
مِنَ النُّورِ وَانْزَعْ لَيْلَ دَاجِيَةِ الغِلِّ

كِلانا شَهيدٌ : أنْتَ أَوَّلُ عاشِقٍ
حَمَى قِرْبَةَ الإيثارِ مِنْ لَدْغَةِ النَّصْلِ !

بَحَثْتُ عَنِ الفَضْلِ الَّذي شَغَلَ النُّهَى
فَلَمْ أَلْتَمِسْ فَضْلاً كَفَضْلِ أَبِي الفَضْلِ

النص التاسع: أَنْبِيَاءُ الوَرْدِ

بَيْنَ الطُّفوفِ وَأَنْبِيَائِكَ سُلَّمُ
صَلَّى عَلَيهِ العَاشِقونَ وَسَلَّمُوا

هُوَ سُلَّمٌ مِعرَاجُهُ قَطْفٌ
تَبَارَكَ وَرْدُهُ .. ضَوْعٌ يُقَدِّسُهُ دَمُ

هُمْ أَنبِيَاءُ الوَردِ .. جَلَّ أَرِيجُهُم
بَينَ انْبِلَاجِ شَهَادَتينِ .. تَبَسَّمُوا

هُمْ مَنْ هُمُ ,
من أيِّ ضوءٍ , أيِّ فجرٍ ,
رَتَّلَتْهُمْ نجمةٌ تَتَرَنَّمُ

هُمْ ممرعونَ بعشقهم
فتجسَّدوا للطَّفِّ خَيرَ حكايةٍ
مُذْ هَوَّمُوا

مُذْ كَرْبَلُوا …
بينَ الضحى ووجوههم سِرٌّ جليلٌ
لا يبوحُ بِهِ فَمٌ

الليلُ .. يَلْهَثُ خَلْفَهُمْ جَمَلاً
فَمَا اتَّخَذُوهُ دُونَكَ حَائِلاً أَوْ أَحْجَمُوا

كَانَ اقتِرَاحُهُمُ الضُّحى
فَتَرَقرَقُوا عِشقاً نَبِياًّ .. مُذْ بِحُبِّكَ أَحْرَمُوا

تخضرُّ في كَلِمَاتِهِم مُدُنٌ
وَتَحتَ سِيوفِهِم ظُلمُ الدُّجى يَتَحَطَّمُ

فَوْقَ السُّؤالِ
تَفَتَّحُوا لِلطَّفِّ أَجْوِبَةً .. تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بَلسَمُ

وَعَلَى كُفوفِهُمُ المُضيئةِ .. أَنْـهُــرٌ ظَمأَى
وَلَكِنْ مِنْ شِفَاهِكَ تَلثُمُ

مُذْ أَخْجَلَ العَطَشُ العَنيدُ فُراتَهَ
واحمرَّ في خَدَّيْهِ رُمْحٌ أَسْحَمُ

وَأَبَتْ عيونُ النهرِ إلا دمعةً مغرورقاً فيها
جَفَافٌ مُعْدَمُ

جَاؤُوكَ حَيْثُ الجُرْحُ .. شَقَّ وَثَاقَهُ
وَعَـلَى رِمَــالِ الـنَّـازِفـِيـنَ .. تَبَرْعَـمُــــــوا

سَالُوا
عَلَى رَمْضَاءِ طَفِّكَ أَنْهُراً
فَحَكَى الفُرَاتُ .. بَأَنَّ صَبْرَكَ زَمْزَمُ

مسحوا .. على حجرِ الطفوفِ
فإذْ بِهِ مِنْ فورة الغضبِ الهَــمَـى يتكلَّمُ

شَرِبُوا .. هَوَاكَ عَقِيدَةً
وَرَأَوكَ فِي مَعنَى الخُلودِ .. حَقيقةً لا تُكْتَمُ

يمضونَ حيثُ اللهُ .. سَنَّ جِنَانَهُ
مُتَمَسِّكِينَ بِعُرْوَةٍ لا تُفصَمُ

عَلِمُوا .. بِأَنَّ نَجَاتَهُم
أَنْ يَصْحَبُوا تِلْكَ السَّمَاءَ وَدُونَهَا لَنْ يَنْعَمُوا

فَاسَّاقَطَوا .. فوقَ الرمالِ كواكباً
كَيْ يُعلنَ الحزنَ الفسيحَ مُحَرَّمُ